قواعد في الدعوة إلى الله تعالى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         صلاة الفجر (الفريضة الغائبة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          المُقامر.. تقريب للصورة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أليست نفساً؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العظيم العاقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          حر الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          القرآن يا أمة القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          بيـن التوفيق والخذلان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الشيطان خذول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كيف نفهم الأثر: اعتزل ما مايؤذيك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الحث على تعاهد القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-03-2025, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (1) الدعوة إلى الله سبيل النجاة في الدنيا والآخرة


يتسرع عدد كبير من الشباب لممارسة الدعوة إلى الله تعالى؛ لينال شرفها، ويحصل على ثوابها، لعل الله تعالى يهدي على يديه شخصا واحدا فيكون له الثواب الجزيل و الخير العظيم، كما ورد في حديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم المتفق على صحته: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» ولاسيما أن من يقوم بالدعوة إلى الله تعالى يؤدي أشرف مهمة، ويتشبه بالأنبياء، ويسير على نهج المرسلين، ولكن للدعوة إلى الله تعالى قواعد وأصولا لا بد أن نتعلمها إذا أردنا الممارسة لهذه المهمة حتى نصلح ولا نفسد، وحتى نبشر ولا ننفر، وسوف نستعرض قواعد الدعوة إلى الله تعالى في حلقات(1)، ونبدأ اليوم مع معرفة ثوابها وأهميتها، فالدعوة إلى الله سبيل النجاة في الدنيا والآخرة.
على الداعية أن يعلم أن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، والعبادة لا تكون إلا على بصيرة، والبصيرة لا تكون إلا وفق منهج الله -تعالى- الذي أنزله على رسله وأنبيائه، الذين كانوا بحق دعاة لكل خير، ومن مقامات العبودية أن نشتغل بأمر الخالق.
يقول الرازي: «ما العبادة التي خلق الجن والإنس من أجلها؟، قلنا: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله» (من تفسير الإمام الرازي).
الدعوة إلى الله هي أبلغ مظهر من مظاهر تعظيمه، فالذي يدعو إلى فكرة أو هدف ويصرف جهده في سبيله، فإنما يفعل ذلك لامتلائه بهذا الهدف أو هذه الفكرة، ومن دعا إلى فكرة فإنه يحسب عليها كما تحسب هي عليه.
في الدعوة إلى الله -تعالى- دليل شفقة على عباد الله؛ لأن الداعية يريد إخراج الناس من أوضاع التمزق والشتات إلى سعة الدين وآفاقه الواسعة الرحيبة، ونظمه الكفيلة بإسعاد البشر، وأن يخرجهم من النار إلى الجنة كذلك.
لقد التزم أنبياء الله ورسله الكرام أمر الله في الدعوة إليه والحفاظ على الغاية من خلق الله لهم، وحرص كل رسول كريم على دعوة الخلق إلى هذه النجاة، ولقد قص القرآن الكريم علينا معركة الأنبياء مع أقوامهم، مؤكداً دائماً على نجاة الدعاة وعلى هلاك الظالمين المعرضين.
إن النجاة كل النجاة في الدعوة إلى الله، وهذا وعد الله تعالى للمؤمنين: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ } (يونس:103)، فتكون نجاة المؤمنين الداعين إلى الله حقاً بسبب الوعد والحكم. يقول سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن: «هذه سنة الله في الأرض، وهذا وعد لأوليائه فيها، فإذا طال الطريق على العصبة المؤمنة مرة، فيجب أن تعلم أن هذا هو الطريق، وأن تستيقن أن العاقبة والاستخلاف للمؤمنين، وألا تستعجل وعد الله حتى يجيء وهي ماضية في الطريق. واللهُ لا يخدع أولياءه، ولا يعجز عن نصرهم بقوته ولا يسلمهم كذلك لأعدائه. ولكنه يعلمهم ويدربهم ويزودهم -في الابتلاء- بزاد الطريق».
لا خسارة في الدعوة: إن أمر الدعوة وإن كانت لا تخلو من المتاعب والمصاعب، لكنها لذيذة الطعم، عزيزة على القلب، لذلك فإن أهل الدعوة يضحون في سبيلها بالغالي والرخيص، ويستعذبون العذاب، ويجدون الموت حياة من أجلها. وهم أسعد بها من الناس بدونها، أما العاقبة فهي الفوز وغيرها الفشل، وهي الباقية وغيرها الفانية.
دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أمان للبشرية:
كانت الأمم التي تعصي رسلها تستأصل بالعذاب، وبمجيء محمد صلى الله عليه وسلم رفع الاستئصال العام بالطوفان والصاعقة والريح، تكريماً لهذه الأمة التي لا تخلو من قائم لله بالحجة، والطائفة الظاهرة على أمر الله حتى يأتي بأمره،وهذه الطائفة هم الدعاة، وبهم يكتب الله النجاة للأمة من أن تهلك بسنة عامة، وعندما تخلو الأرض من هذا الصنف الكريم على الله، فإن الساعة تقوم، وقد جاء هذا المعنى في أحاديث كثيرة منها : «يُقبض الصالحون الأول فالأول ويبقى حثالة كحثالة التمر أو الشعير لا يعباً الله بهم شيئاً» رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس» رواه مسلم.
وهذه الأحاديث تدل على أن قيام الساعة يقترن به ذهاب الدعوة والدعاة، ولا أعني بهذا الاقتران اقتران السبب أو الشرط بالمسبب أو المشروط، وإنما أعني أن الله تعالى يكرم الإنسانية بالدعوة والدعاة، وأنه ما دام الدعاة وما دامت الدعوة، فإن الغاية من الخلق على هذه الأرض باقية، فإذا ما زال الدعاة والدعوة فقد خسر الإنسان مسوغ وجوده على هذه الأرض، وهكذا فإن الإنسان يقع بين نهايتين، أو بداية ونهاية:
الأولى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } (البقرة:30).
والثانية : قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحداً فيه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته» رواه مسلم.
توضيح وتوفيق بين هذا الحديث وبين حديث لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون:
روى مسلم عن ابن شماسة قال: كنت عند مسلمة بن مخلد، وعنده عبدالله بن عمرو بن العاص. فقال عبدالله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق. هم شر من أهل الجاهلية. لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر. فقال له مسلمة: يا عقبة! اسمع ما يقول عبدالله. فقال عقبة: هو أعلم. وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك»، فقال عبدالله: أجل. ثم يبعث الله ريحا كريح المسك. مسها مس الحرير. فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته. ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة.
فهذه الرواية توضح بقاء الطائفة المؤمنة إلى قرب قيام الساعة كما أوضح ذلك الإمام النووي.
وأخيرا: ليس المقصود بالنجاة نجاة الفرد من الأذى والألم، وإنما المقصود نجاة الجماعة والفكرة في النهاية، وأما في الآخرة فإن صورة النجاة نعيم مقيم وجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وعلى خطر على قلب بشر.




اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-03-2025, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد في الدعوة إلى الله تعالى




قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (2)

لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمُرِ النَّعَم


هذا ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبى طالب عندما أعطاه الراية يوم خيبر، فقال علي: علام أقاتل الناس، نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النعم» متفق عليه، أي رواه البخاري ومسلم.
وذلك لأن هدى الله هو الهدى، وأنه ليس بعد الهدى إلا الضلال، وعندما يوفق الله تعالى داعية من دعاة الإسلام فيهيئ له من يقبل دعوته فإن نتائج هذا القبول عظيمة جليلة نذكر منها:
1-إن في ذلك استنقاذاً لهذا المهتدي من النار، وصيانة له من سعيرها ولظاها، وما صُرف عنه من النار إنما كان بعد فضل الله بجهد الداعية وعنايته، واستبدال مقام خالدٍ في النار بمقامٍ خالدٍ في الجنة أمر لا يدانيه شيء من أصناف المعروف، ولاتصل إليه رتبة من رتب الإحسان والجود، فالداعية يقدم الجنة هدية للناس من حوله ويدلهم على مقامات السعادة، وأي أجر يكتب للداعية عند ربه إلا الأجر الذي يليق بجلال المعطي سبحانه ويتناسب مع قدر العطية.
2- إن كل حركة وسكنة تحركها المهتدي، وكل تسبيحة أو تكبيرة ينطقها، وكل ركعة وسجدة يفعلها، وكل إحسان يجريه الله على يديه، فإنما كان الداعية سبباً في ذلك وطريقه الدال عليه، وإن له مثل أجر فاعله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الدال على الخير كفاعله»رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: «من سن في الإسلام سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شي» رواه مسلم.
وهذا باب من الأجر لا يُغلق، وهو يتنامى يوما بعد يوم، وإن جُهْد أبي بكر الصديق، وبلال، وعمار، وخديجة، وأسماء، وغيرهم، إنما هو أساس في إقبال كل إنسان على الله تعالى إلى قيام الساعة، وإن جهد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو مبدأ كل جهد طيب بذله مسلم أو يبذله، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد الله تعالى - منَّة وأي مِنّة في عنق كل مسلم.
3- إن من يهتدي على يد الداعية يكون عونا للداعية على أداء رسالته، ويضم جهده إلى جهد الداعية، وهكذا فإن الدعوة لا تتكاثر إلا عن طريق الدعوة، ولا تتقوى إلا بالعناصر الجديدة الرافدة، وما تغير حال المسلمين من السر الى العلن إلا يوم أن دخل عمر وحمزة في دين الله، وما تغير حالهم من الجماعة إلى المجتمع إلا يوم أن دخل الأنصار في دين الله تعالى.
4- وإن الهداية أسلوب من أساليب النصر المادي، ولكنه لا يتحقق لا في معركة ذات جرح وقرح ولا عن طريق السيف والسهم وإنما عن طريق:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).
5- وإن من يهديه الله على يديك أيها الداعية إنما هو كَلَبِنَة فكَّت من بناء الجاهلية ووضعت في بناء الإسلام، وسيكون هذا على حساب الكفرة الضلال، وهو خسارة للشيطان وأعوانه، وكسب للرحمن وأنصاره، وفي كل مرة يهتدي فيها من يهتدي فإنما يسقط ركن من أركان الكفر والطغيان، وهكذا كان أمر الجاهلية في مكة، ففي كل صباح لهم حديث، الكفار يتكلمون عن الصابئين المفارقين الخارجين، والمسلمون يفرحون بالداخلين المؤمنين، وكأني ببناء الكفر يتصدع كل يوم، ويفقد من بنائه ما يفتح ثغرة بعد ثغرة فيه.



اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-04-2025, 08:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (3) الأجر يقع بمجرد الدعوة ولا يتوقف على الاستجابة


أ- وهذه القاعدة تعالج خطأ شائعاً عند كثيرين، وهو أن الأجر يترتب على النتيجة الدنيوية الظاهرة. مشبهين ذلك بالأعمال الدنيوية التي يُنظر فيها إلى النتائج المحسوسة. ولو كان الأمر في الدعوة كذلك، لكان كثير من أنبياء الله -صلوات الله عليهم- محكوماً عليه بالإخفاق، وحاشا لأنبياء الله أن يوصفوا بهذا، رغم قلة المؤمنين بدعوتهم. فهذا نوح -عليه السلام- يدعو قومه ويمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} سورة العنكبوت الآية: 14. وظاهر سياق الآية كما يقول ابن كثير: إنه مكث في قومه يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاماً» تفسير ابن كثير 5/413.
ورغم هذا المكث الطويل فإنه لم يؤمن من قومه إلا قليل، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} سورة هود الآية: 40.
ويلاحظ الاستثناء في الآية بعد قوله: (ومن آمن) حتى لا يُفهم بأن عدد المؤمنين كان كبيراً قال: (وما آمن معه إلا قليل).
وكذلك كان أمر أكثر الأنبياء فإنهم يحشرون يوم القيامة، ومع بعضهم الواحد والاثنان والثلاثة، وبعضهم لا يكون معه أحد من المؤمنين. أخرج الترمذي من طريق ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط، والنبي والنبيين وليس معهم أحد».
ولذلك فقد وجه الله -تعالى- رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم - إلى هذا المعنى عندما أمره بالدعوة والتبليغ ولم يطالبه بالنتيجة، فقال: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُﮣ} سورة الشورى الآية: 48.. وقال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين} سورة النحل الآية: 35.. وقال: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} سورة النور الآية: 54.
فأمر الهداية بيد الله تعالى، وهو القائل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} سورة القصص الآية: 56.
ب- ومن فقه هذه القاعدة أن الداعية لا يقع تحت الإحباط والضغوط النفسية الناشئة عن إعراض الناس وعدم استجابتهم. ولقد رفع الله -تبارك وتعالى- الحرج عن نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يكلفه إلا بما يستطيع، فقال: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } سورة البقرة الآية: 272. وقال له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} سورة الكهف الآية: 6. وقال: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} سورة فاطر الآية: 8. وقل: {ولاتحزن عليهم} سورة النحل الآية: 127. وفي هذه الآيات تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان حريصا على إيصال الخير والهداية إليهم ولكنهم عموا وصمّوا.
والقلب الرحيم يتقطع عندما يرى الناس يتهافتون في النار تهافت الفراش، وكذلك كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء التوجيه الرباني: (فلعلك باخع نفسك؟!) أي مهلكها أسىً وأسفاً عليهم لأنهم لم يؤمنوا بالقرآن الكريم. قال قتادة (لعلك قاتل نفسك غضباً وحزناً عليهم ؟! وقال مجاهد: جزعاً والمعنى متقارب، أي لا تأسف عليهم بل أبلغهم رسالة الله، {فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}(الزمر:41). تفسيرابن كثير 4/367..
وكذلك رُفع هذا الحرج عن الدعاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم يهتد الناس ولم يستجيبوا لهم بعد استنفاد غاية الجهد معهم؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
ج- وفي هذه القاعدة علاج لأولئك المتعجلين من الدعاة الذين ينتظرون النتائج الدنيوية الظاهرة، ويجعلونها شرطاً للمواصلة والسير في طريق الدعوة. وهذا التلازم إنما هو سوء فهم من جهة، ومخالفة صريحة لقواعد الدعوة في القرآن والسنة من جهة أخرى.
ولقد أكد القرآن الكريم عدم التلازم بين الدعوة والاستجابة، فقد يبذل الداعية قصارى جهده، ولا يجد من المدعو سوى الإعراض، وقد جعل القرآن الكريم بين الدعوة والاستجابة مرحلة وسيطة يبدو أنها ضرورية، وهي مقتضى قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}. وهي مرحلة {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا } والوصول إلى هذه المرحلة وسيط بين الدعوة وبين المرحلة الثالثة{جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } سورة يوسف الآية: 110.
قال ابن كثير: «يذكر تعالى أن نصره ينزل على رسله -صلوات الله وسلامه عليهم- أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه» تفسير ابن كثير 4/160)، كقوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} سورة البقرة 214.
وقد فهمت عائشة -رضي الله عنها- أن هذا الظن إنما هو ظن الأتباع لا ظنُّ الرسل أنفسهم، وذلك عندما قال لها عروة: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل، لعمري لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها: وظنوا أنهم قد كُذبوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها. قلت فما هذه الآية؟ قالت:هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى ظن الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم. وذلك بناء على قراءة عائشة رضي الله عنها بتشديد (كُذبوا) فيكون الفاعل الأتباع لا الرسل (الكشف عن وجوه القراءات 4/16.) وهو توجيه يليق بمقام الرسل الكرام. وإذا جعلنا الضمير للرسل كان ظنهم حينئذ أن قومهم قد كذبوهم. ولا مانع من الجمع بين المكذبين من أقوام الرسل وبين المتعجلين الظانين بالله ظن السوء.
د- ولا يعني هذا أن الداعية غير مطالب ببذل قصارى جهده، واستخدام أحسن ما يستطيع من الأساليب والوسائل، وهذا ما سنذكره في قاعدة البلاغ التالية بمشيئة الله تعالى.



اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13-04-2025, 11:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (4) على الداعية أن يصل إلى رتبة المُبَلِّغ وأن يسعى إلى البلاغ


ليس أمر الدعوة إلى الله بأقل من أمر الدعوة أو الدعاية إلى سلعة دنيوية، ونحن على يقين أن صاحب البضاعة يستخدم أقوى الوسائل وأوسعها انتشاراً من أجل إيصال الجمهور إلى درجة القناعة ببضاعته، ونراه في سبيل ذلك يستخدم الكلمة والصورة والهدية وغير ذلك من الوسائل. وقد جعل الله -تعالى- مهمة رسله وأنبيائه البلاغ، فقال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النحل:35). ووصف البلاغ بأنه المبين. وقال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ} (الأحزاب: 39).
وعند إعراض الناس عن الإيمان كان يأتي التأكيد على وصول الأنبياء إلى رتبة البلاغ، قال تعالى: {فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} (الأعراف: 79).
وكلمة بَلَغَ: تعني وصل أو قارب على الوصول، يقول ابن فارس (في معجم مقاييس اللغة): «الباء واللام والغين أصل واحد (أي معنى واحد)، وهو الوصول إلى الشيء تقول: بلغت المكان إذا وصلت إليه»، ويقول: «وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيح اللسان لأن يَبلُغ بها ما يريده».
وقال الأزهري (في تهذيب اللغة): «والعرب تقول للخبر يبلغ أحدهم ولا يحققونه، وهو يسوؤهم: سمعٌ لا بلْغٌ، أي نسمعه ولا يبلغنا، ويجوز: سمعاً لا بلغاً».
وهذا دليل على أن استعمال كلمة البلاغ إنما كان لما فيها من طبيعة الوصول والانتهاء.
ب- ولا معذرة للداعية إذا قصر في البلاغ، ولقد نبه الله -تبارك وتعالى- نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا قائلاً : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة: 67).
قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية سورة المائدة 7: «وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئاً من شريعته». وليس المقصود بالبلاغ مجرد الإخبار أو الإعلان، إنما المراد أن تصل رسالته للناس.
ج- ومن مقتضيات البلاغ أن يعي الداعية ما يُبلغه؛ لأنه لا تبليغ بلا وعي، ويستفاد هذا من قوله صلى الله عليه وسلم : « نَضَّرَ الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلَّغها، فرَبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يُغَلّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم»رواه أبو داود الترمذي وحسنه وابن ماجه والدارمي، وحسنه الألباني.
قال الخطابي في(معالم السنن 4/187) عند شرحه لهذا الحديث: «نَضَّر الله معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة». وهذه النضارة من آثار التبليغ على المُبلِّغ فالمُبَلِّغون أصحاب الوجوه الناضرة في الدنيا والآخرة.
واستفاد الخطابي من هذا الحديث كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي بالفقه.
وعلى هذا فإن الوعي يكون بحفظ النص وأدائه كما قيل. ويكون للفقيه بمحافظته على المعاني المستفادة، ويترتب على هذا الحديث كل ما يتعلق بالرواية والدراية من العلوم والتفاصيل.
د- ومن مقتضيات البلاغ البلاغة.
والبلاغة في تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} (النساء: 63): أن يكون كلاماً حسن الألفاظ، حسن المعاني، مشتملاً على الترغيب والترهيب والتحذير والإنذار والثواب والعقاب، فإن الكلام إذا كان هكذا عَظُم وقعه في القلب، وإذا كان مختصراً ركيك الألفاظ ركيك المعنى، لم يؤثر البتة في القلب (راجع تفسير الرازي للآية، والمعروف باسم التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب).
وقال في اللسان (لسان العرب 10 /203): رجل بليغ: حسن الكلام فصيحه، يُبَلِّغ بعبارة لسانه كُنْه ما في قلبه.
وليست البلاغة في صعوبة الألفاظ والأساليب، والبحث عن وحشي الكلام وغريبه.
وبناء عليه فإن على المُبلِّغ أن يعلم من لغة العرب وأساليبهم ما يعينه على البلاغ.
ومقتضى هذا: بحث، واطلاع، واعتناء باللغة العربية: علماً وقراءة وكتابة ومحادثة، ونظراً في أدب العرب نثراً وشعراً، وفي نظم القرآن مبنى ومعنىً.
والدعاة اليوم هم أحوج ما يكونون لهذا ولا يُعذرون بالقصور فيه.
هـ- ولقد جاء القرآن بتأكيد الفصاحة وسلامة النطق.
وذلك عندما قال الله -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام- (في سورة طه): {واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي}(طه: 27 - 28). فقد علم موسى عليه السلام أن سلامة النطق وفصاحته من أسباب البلاغ وإقامة الحجة، قال الرازي (في التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب): «اختلفوا في أنه عليه السلام لِمَ طلب حل تلك العقدة؟ على وجوه»:
أحدها: لئلا يقع في أداء رسالته خلل البتة.
وثانيها: لإزالة التنفير؛ لأن العقدة في اللسان قد تفضي إلى الاستخفاف بالقائل وعدم الالتفات إليه.
ثم قال ورابعها: طلب السهولة؛ لأن إيراد مثل هذه الكلام على مثل فرعون في جبروته وكِبْره عَسِر جداً، فإذا انضم إليه تَعُّقد اللسان بلغ العسر إلى النهاية، فسأل ربه إزالة تلك العقدة تخفيفاً وتسهيلاً.
ويستفاد من هذه القاعدة أن على الداعية أن يُعوِّد نفسه على النطق الصحيح، وإذا كانت في لسانه عقدة؛ فليستعن بمن يفصح عنه، ويساعده في مهمته، وذلك كي يصل بدعوته إلى درجة البلاغ والبيان، وهذا ما سأل موسى -عليه السلام- ربه سبحانه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} (القصص: 34).
والرِّدْءُ: اسم ما يستعان به. قال الرازي في تفسير هذه الآية : (ليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له صدقت أو يقول للناس: صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار، فهذا هو التصديق المفيد، ألا ترى إلى قوله: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ} وفائدة الفصاحة تظهر فيما ذكرناه لا في مجرد قوله: صدقت).
و- ومما يساعد الداعية على البيان والبلاغ وجود إخوانه معه إلى جانبه، فإن وجودهم يشد من عضده، ويلقي في روعه الطمأنينة من جهة، ومن جهة أخرى فإن وقع ذلك على المدعوين كبير؛ إذ عندما يرى المدعوون أن الداعية ليس وحيداً وأن معه أنصاراً وأعواناً فإنهم يلاحظون أثر الدعوة في الناس ويحملهم هذا على إمعان الفكر في هذه الدعوة.
قال تعالى مخاطباً موسى عليه السلام: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} (القصص:35)، وقال على لسان موسى أيضاً {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي { 29 } هَارُونَ أَخِي { 30 } اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي { 31 } وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } (طه: 29-32)، قال الرازي في تفسيره لهذه الآية: «واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون لأنه خاف من نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر فطلب المُعين، أو لأنه رأى أن للتعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الودِّ وزوال التهمة مزية عظيمة في أمر الدعاء إلى الله، ولذلك قال عيسى عليه السلام: {قال: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله} (الصف: 14)، وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (الأنفال: 64).



اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20-04-2025, 06:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

(5) على الداعية أن يقدم الجهد البشري وهو يطلب المدد الرباني


شاء الله -تبارك وتعالى- أن تعمل هذه الدعوة بالوسائل البشرية. والداعية الحق هو الذي يستطيع أن يوظف عالم الأسباب من أجل دعوته، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل ليله بنهاره، آخذاً بالأسباب ومستخدماً لأساليب عصره المتاحة، ولم يقل: بما أنه يوحى إلي فإن لي طريقة أخرى في التماس النظر، وإننا لنجد في تفاصيل سيرته صلى الله عليه وسلم تطبيقات واسعة لهذا المبدأ، ويوم أن خالف بعض الصحابة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقصروا في الأخذ بالأسباب، كانت تلك النتيجة المفجعة في معركة أحد رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، والوحي يتنزل عليه.
وفي قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة: 286)، بيان شاف لهذا المبدأ، والتكليف هو الأمر بما يشق عليه. والتكليف هنا مرتبط بالوسع الذي هو الطاقة والجِدَّة، قال القرطبي: «نص الله -تعالى- على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته، وفي هذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأويلهم أمر الخواطر» (تفسير القرطبي 3/429)، أي لم يكلفهم الله بما في خواطر النفوس وخلجات القلوب.
فهم خطأ:
والناس اليوم يفهمون هذه الآية على أن الوسع هو أدنى ما يستطيعه المرء؛ ولذلك فإن هذا الوسع متقلب متغير حسب الدوافع، فقد يدعي المسلم أنه لا يجد سوى ساعة من فراغ قائلاً: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ثم يزيد هذا الجهد إلى ساعتين قائلاً: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ثم نجد وقته يتسع لثلاث ساعات من العمل فيقول: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وهذا التقلب والتغير في ظرف واحد وزمان واحد دليل على أن الادعاء الأول لم يكن صحيحاً، وأنه لم يبذل وسعه في المرّة الأولى والثانية والثالثة.
ونحن لا ننسى أن الناس متفاوتون في أصل المقدرة والجهد، وأن مساحات نفوسهم متفاوتة كذلك، ولكن المطلوب أن تصل هذه النفس إلى أكبر عطاء لها، وأن يكون جهدها متزايداً متصاعداً كل يوم، وإن قدراً كبيراً من طاقة العاملين والدعاة محكوم عليه بالهدر والضياع، إن لم يُستغل في سبيل الحق والدعوة. وإن كثرة العاملين الذين يقدمون بعض ما يستطيعون يعيقون السير وتزدحم بهم الطرق، تماماً كالعربات التي تملأ الطريق في الوقت الذي لا تحمل من وسعها سوى الشيء القليل.
إن الله -تعالى- خلق هذا الإنسان وجعل في وسعه الكثير الكثير، ونحن في هذه الحياة نقرأ عن بعض المنحرفين ومدمني الإجرام، أنهم يبذلون جهداً في سبيل انحرافهم وإجرامهم ما يجعلهم يواصلون الليل والنهار، ويقطعون شاسع المسافات، ويعانون ضروباً من التحمل والصبر ما يحير الألباب، ويبذلون من الأموال، ويركبون من الأهوال والمخاطر ما يثير العجب العجاب. والذي يستطيع فعل الشر فإنه يستطيع فعل الخير، ومن يركب المصاعب والأهوال في سبيل الباطل فإنه قادر على ذلك في سبيل الحق والخير.
الصحابة يلتزمون بمعيار الوسع:
وعندما نقرأ سير الأولين من الأصحاب -رضوان الله عليهم - نرى أن أكثرهم قد مات خارج بلده؛ فهذا (أبو أيوب الأنصاري) يرقد عند أسوار القسطنطينية، وهذه (أم حرام بنت ملحان) ترقد في جزيرة قبرص، وهذا (عقبة بن عامر) يرقد في مصر، وهذا (بلال) يرقد في دمشق، وهكذا فقد اندفع هؤلاء الأصحاب في أصقاع الأرض يرفعون راية الإسلام، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيله، وهذا من منطلق إيمانهم بقول الله تعالى: {لا يُكلف الله نفساً إلى وسعها} ونراهم بعد غزوة أحد لا يلبثون حتى يجيبوا داعي الله فيلحقوا بالمشركين، فقال أسيد بن حضير وبه سبع جراحات يريد أن يداويها: سمعاً وطاعة لله ولرسوله، وأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء، ولحق برسول الله[، وخرج من بني سلمة أربعون جريحاً: بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحاً وبخراش بن الصمّة عشر جراحات» (إمتاع الأسماع للمقريزي 1/167) وكان ذلك في غزوة حمراء الأسد، وهذا خير دليل على أن الإرادة القوية تبذل من الجهد ما يتحدى المصاعب والآلام، وأن الإرادة الضعيفة عاجزة حتى مع وجود الوسائل والإمكانيات.
ولقد ذكر الله هؤلاء الأصحاب في قرآن يُتلى؛ حيث قال: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}(آل عمران: 172).
الاستطاعة والإرادة:
والجدير بالذكر أن الاستطاعة فيها جانب إرادي نفسي يدفع إليها، ويعمل على تحقيقها بإذن الله تعالى، وإذا انعدم هذا الجانب فإن المرء يصاب بالعجز، ومن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا بأن ندعو الله قائلين: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» (رواه الشيخان)، وقال أيضاً: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»(أخرجه مسلم) وإن الشعور بالعجز وعدم الاستطاعة الذي يتردد على ألسنة الدعاة -وقد يفعلون ذلك ويقولونه من باب التواضع- ليعمل على هدر الطاقات الإسلامية وتأخير ركب الدعوة.
وما لم يزج الداعية نفسه في غمار دعوته دون خوف من الفشل، غير عابئ بما يوجه له من النقد، فإنه لن يتقدم ولن يصل إلى دفة التوجيه والتغيير.
حدود الوسع ومعياره:
وقد يسأل سائل: وما حدود الوسع والطاقة؟
والجواب على ذلك تضمنته الآيات القرآنية الكريمة التالية:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}(الأنفال: 74.)
{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ}(التوبة: 20).
{إنما الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(الحجرات: 15).
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(الصف: 10-11).
{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: 41).
ومعنى قوله تعالى: {انفروا خفافاً وثقالا}، أي: سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد، أو على الصفة التي يثقل، وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة:
- فالأولى: خفافاً في النفور لنشاطكم، وثقالاً عنه لمشقته عليكم.
- والثاني: خفافاً لقلة عيالكم وثقالاً لكثرتهم.
- والثالث : خفافاً من السلاح وثقالاً منه.
- والرابع: ركباناً ومشاة.
- والخامس: شباباً وشيوخاً.
- والسادس: مهازيل وسماناً.
- والسابع: صحاحاً ومرضى.
والصحيح ما ذكرناه؛ إذ الكل داخل فيه؛ لأن الوصف المذكور وصف كلي (تفسير الرازي ، 16/70).
وقد فهم كثير من الصحابة والتابعين هذه الآية على إطلاقها، قال مجاهد: إن أبا أيوب شهد بدراً مع رسول الله[ ولم يتخلف عن غزوات المسلمين، ويقول: قال الله : {انفروا خفافاً وثقالاً} فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً.
وعن صفوان بن عمرو قال: كنت والياً على حمص فلقيت شيخاً قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو، قلت: يا عم، أنت معذور عند الله، فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي، استنفرنا الله خفافاً وثقالاً، ألا إن من أحبه الله ابتلاه.
وعن الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزوة وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل صاحب ضرر، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن عجزت عن الجهاد كثرتُ السواد، وحفظت المتاع. وقيل للمقداد بن الأسود وهو يريد الغزو: أنت معذور، فقال: أنزل الله علينا في سورة براءة: {انفروا خفافاً وثقالاً} (تفسير الرازي 16/70).



اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم يوم أمس, 03:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد في الدعوة إلى الله تعالى



قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (5-2) على الداعية أن يصل إلى رتبة المُبَلِّغ وأن يسعى إلى البلاغ


تناولنا في الحلقة السابقة من القاعدة الخامسة من قواعد الدعوة إلى الله الجزء الأول(1ـ2)(1) أن هذه الدعوة تكون بالوسائل البشرية، فهي تستلهم النصر والتوفيق من الله تعالى، مع توظيف عالم الأسباب، وتم تفسير قول الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} سورة البقرة، وتصحيح الخطأ في فهم الآية، وتم ضرب الأمثلة عن كيفية استفراغ الصحابة وسعهم لإرضاء الله تعالى، وفي الجهاد في سبيله، وكانوا يلتزمون بمعيار الوسع، مع التأكيد على جانب الاستطاعة والإرادة، وبيان حدود الوسع ومعياره، مع بيان معنى قول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: 41).
واليوم نستكمل بقية هذا الموضوع.
الدعوة نُفرة في سبيل الله، والنفور في سبيل الله لا يعني صورة واحدة، وهي صورة القتال، بل هو أعمّ من هذا، والدعوة إلى الله تعالى بجميع أشكالها هي نفرة في سبيل الله؛ ولذلك فقد جاء في سورة التوبة نفسها ما يشعر بهذا، وهو قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).
قال الرازي: كان الواجب انقسام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قسمين، أحد القسمين ينفرون إلى الغزو والجهاد، والثاني يكونون مقيمين بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فالطائفة النافرة إلى الغزوة يكونون نائبين عن المقيمين في الغزوة، والطائفة المقيمة يكونون نائبين عن النافرين في التفقه، وبهذا الطريق يتم أمر الدين بهاتين الطائفتين (تفسير الرازي: 16/225).
ونلاحظ في الآية الربط بين النُّفْرَة للفقه والنُّفْرَة للإنذار.
وبناء عليه فإن المسلم مطالب ببذل قصارى جهده، ومسؤول عن تكليف نفسه وسعها من أجل نصرة هذا الإسلام بصور الجهاد المتنوعة، وأولها الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وإذا كان الإسلام لا يطالب الضرير بتقديم ما يستطيعه البصير؛ فإن الضرير والبصير كلاً منهما حسب استطاعته مطالب بتقديم الاستطاعة بمقتضى الآية الكريمة: {انفروا خفافاً وثقالاً}.
والمؤمن يعلم بأن كل جهد يبذله في مجال التقوى، فإنما هو جهد يقاس بإمكانياته البشرية الضعيفة ولا يصل هذا الجهد إلى الدرجة التي تليق بجلال الله سبحانه وتعالى، ومن هنا فهم بعض المفسرين الآية الكريمة: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (آل عمران: 102)، على أنها منسوخة بقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن : 16)، محتجين بما ورد من سبب النزول؛ أنه لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين؛ لأن حق تقاته أن يطاع فلا يُعصى طرفة عين، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُذكر فلا يُنسى، والعباد لا طاقة لهم بذلك.
وخير من النسخ أن يُقال، والله أعلم: هناك معياران للتقوى:
معيار يليق بالمعبود سبحانه.
ومعيار يتناسب مع استطاعة العبد، فهو معيار شخصي يختلف من شخص إلى آخر، ومن حال إلى حال.
وهذان الحدان والمعياران يكون المؤمن بينهما في صعود باتجاه ما يليق بجلال الله تعالى: فعلى المسلم أن يكون يومه خيراً من أمسه، وغده خيراً من يومه. وعليه أن يزداد في مدارج التقوى كلما ازداد علماً، أو حلّت به نعمة، أو تقدم به السن.
وإذا أدرك المؤمن هذا المفهوم فإنه يخشى ألا يكون قد بذل استطاعته، ويحتاط لذلك دائماً، فلا يرضى عن عمله ولا عن بذله ولا عن جهده، خشية أن يكون قد قصَّر في المطلوب. وهذا شأن المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بقوله : {{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }(المؤمنون: 57-61).
إشفاق وَوَجل:
وقد ذكرت هذه الآيات صفات للمؤمنين: منها الإشفاق والوجل «والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف» (تفسير الرازي 23/106)، قال الرازي وزاد: «ومنهم من حمل الإشفاق على أثره، وهو الدوام في الطاعة، والمعنى: الذين هم من خشية ربهم دائمون في طاعته، جادون في طلب مرضاته، والتحقيق أن من بلغ في الخشية إلى حد الإشفاق، وهو كمال الخشية، كان في نهاية الخوف من سخط الله عاجلاً، ومن عقابه آجلاً، فكان في نهاية الاحتراز عن المعاصي» (تفسير الرازي 23/106) ومن كان كذلك فإنه يستجيب لأمر الله في الدعوة إليه والصدع بأمره ونهيه. وأما كونهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وَجِلة: «معناه يعطون ما أعطوا، فدخل فيه كل حق يلزم إيتاؤه؛ لأن من يُقدم على العبادة وهو وجِل من تقصيره وإخلاله بنقصان أو غيره فإنه يكون لأجل ذلك الوجل مجتهداً في أن يوفيها حقها». (تفسير الرازي 23/107).
والخوف من التقصير مع كون الخائف يبذل قصارى جهده في الاتقاء، منزلة من منازل الصديقين، وقد بين الله تعالى أن سبب هذا الوَجَل علمهم بأنهم إلى ربهم راجعون.
فيا لها من صفات سامية تحمل أصحابها إلى المقامات العلية، وتجعل نفوسهم نقية من الرياء والسمعة، وتشحذ الهمم إلى أحسن العمل.
وبعد هذه التوجيهات الدافعة إلى رفع الكفاءة والمقدرة تأتي الآية الكريمة {ولا نكلف نفساً إلا وسعها} ويبدو التكامل بين إعطاء الفرد مسؤولية تقدير الاستطاعة، وبين ما يعلمه الله -تعالى- من حقيقة الاستطاعة التي يراقبها ويحاسب عليها، وبلوغ الداعية درجة الخشية والإشفاق حافز على الصدق في تقدير الوسع.



اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم يوم أمس, 10:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,178
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

قواعد في الدعوة إلى الله تعالى

– 6- الداعية مرآة دعوته والنموذج المعبر عنها


لا ينفصل الداعية عن دعوته. والاقتران بين الداعية والدعوة قائم في أذهان الناس. والداعية نفسه شهادة للدعوة، وهذه الشهادة قد تحمل الناس على قبول الدعوة، وقد تحملهم على ردها ورفضها. والذين يتعاملون مع المبادئ مباشرة قلة قليلة في كل عصر ومكان، وأما أكثر الناس فيتعاملون مع حملة المبادئ والناطقين باسمها.
وكلما كان المبدأ عظيماً وقوياً كان التزامه أشد، وكان الوصول فيه إلى المطلوب أشق. والإسلام فيه من الواجبات والتكاليف ما يجعل المجاهدة في سبيل بلوغ مقاماته دائمة لا تفتر، متصلة لا تنقطع.
وعندما يكون الداعية بعيداً عن الالتزام بواجبات الإسلام وتكاليفه، فإنه يكون فتنة للناس يصرفهم بسلوكه عن دين الله، ويقطع الطريق على الناس، فمثله كمثل قاطع الطريق، بل هو أسوأ، وينبغي على الداعية أن يدعو دائماً بقوله تعالى: { رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (يونس: 85)، وقد ذُكر في تفسير هذه الآية: لا تمكنهم من أن يحملونا بالظلم والقهر على أن ننصرف عن هذا الدين الحق الذي قبلناه (تفسير الرازي 17/146).
«وكذلك فإن الكافرين عندما يتسلطون على المسلمين فإن تسلطهم شبهة لهم في أنهم على الحق، وأن المسلمين على الباطل» تفسير القرطبي 8/370، فيكون تسلطهم على المسلمين واستضعافهم للمؤمنين فتنة تصرف الكافرين عن الإيمان.
ويُضم إلى هذه المعاني أن يروا سلوك الداعية مخالفاً للإسلام، فيصرفهم هذا السلوك عن الإيمان، قائلين لو كان هذا الدين هو الحق لظهرت أحقيته على قسمات أتباعه وتصرفاتهم.
نماذج صادقة:
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نماذج صادقة لدعوتهم وإسلامهم. يقول الحسن البصري في صفتهم: «ظهرت منهم علامات الخير في السماء والسمت والهدى والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل. ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعالى، واستقادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين رضىً للخالق، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم» (حلية الأولياء 2/150).
ولقد أعطى الصحابة عن هذا الدين صورة مشرفة للجنس البشري، فثبتوا أمام الابتلاء والمحن تاركين من الرخص ما يمكن أن يكون سبب فتنة لغير المؤمنين.
فهذا «عبد الله بن حذافة السهمي» صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع في إسار الروم «فقال له ملك الروم: تَنَصًّرْ أُشركك في ملكي، فأبى، فأُمر به فصُلب، ثم أمر برميه بالسهام فلم يجزع، فأُنزل، وأمر بقدر فَصُب فيها الماء، وأُغلي عليه وأُمر بإلقاء أسير فيها فإذا عظامه تلوح، فأمر بإلقائه إذا لم يتنصر، فلما ذهبوا به بكى، قال: ردوه، فقال لم بكيت؟ قال: تمنيت أن لي مائة نفس، تُلقى هكذا في الله، فعجب ملك الروم» الإصابة لابن حجر 2/288.
وعندما رأى سكان البلاد المفتوحة صدق هؤلاء الأصحاب وثباتهم على عقيدتهم، وتمثلهم لمنهج دينهم، أقبلوا على الإسلام. قال ابن قيم الجوزية: «ولهذا لما رأى النصارى الصحابة، وما هم عليه، آمن أكثرهم اختياراً وطوعاً، وقالوا: ما الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء». ثم يقول ابن قيم الجوزية: «ولقد دعونا، نحن وغيرنا كثيراً من أهل الكتاب إلى الإسلام فأخبروا أن المانع لهم ما يرون عليه المنتسبين إلى الإسلام». وكلام ابن القيم هذا في القرن الثامن الهجري؛ فكيف لو كان يعيش في عصرنا هذا؛ حيث يعطى المسلم صورة عكسية للإسلام وتعاليمه؟
والداعية قد يكون معروفاً عند الناس وقد يكون مجهولاً. فإذا شرع في الدعوة وكان معروفاً بالاستقامة والورع فإن كلامه يصل إلى مجامع القلوب، وكانت استقامته وورعه تقدمة القبول والحافز عليه.
وإذا كان الداعية فقيراً في التزامه واتباعه، فإن كلامه يمر فوق الرؤوس كالسهم الطائش الذي لا يصيب الهدف.
خير من القول فاعله:
يقول الماوردي في أدب الدنيا والدين: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرون من قلة انتفاع مَن عَلِم بما عَلِم. وكان يقال خيرُ من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامُله.
وقال بعض الصلحاء: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.
وقال بعض البلغاء: «من تمام العلم استعماله، من تمام العمل استقلاله» (أدب الدنيا والدين 85 واستقلاله أن يجده قليلاً).
وإذا كان الداعية مجهولاً عند مستمعيه فإن كلامه يبقى معلقاً، لا هو بالمقبول ولا هو بالمردود حتى يسألوا عنه، فإن عرفوا منه الاستقامة والاتباع وقع المعلق من كلامه موقع القبول والتأثير. وإلا فإن كلامه يخرج من اعتبارهم.
وحياة الداعية الخاصة والعامة موضوع الملاحظة، وعين الناس عليه كالمجهر المكبر، وقبل أن يطالب الناس بترك الغيبة فعليه أن يدفع الغيبة والتهمة عن نفسه، وأن يصون حياته الخاصة والعامة عن كل ما يشينها.



اعداد: الدكتور: همام عبد الرحيم سعيد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 119.21 كيلو بايت... تم توفير 4.43 كيلو بايت...بمعدل (3.59%)]