|
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التوكيد ودوره في إبانة دلالات الجانب العاطفي في القرآن الكريم دراسة نحوية نصية (الجزء الأول) د. محمد زبير عباسي من بين الأساليب البلاغية والنحوية التي تتسم بها لغةُ القرآن الكريم أسلوبُ التوكيد، الذي يُعَدُّ من الأدوات الرفيعة في تعزيز المعاني، وتكثيف الأثر النفسيِّ على المتلقِّي، وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي تناولت التوكيد في القرآن، وبخاصة فيما يتعلق بتوكيد الجمل الاسمية والفعلية، ودلالاتهما وجمالياتهما، فإن الجانب العاطفيَّ المرتبط بالتوكيد لا يزال موضوعًا يستحق البحث والدراسة؛ لِما له من أهمية بالغة في فهم الأثر النفسي والتربوي للنص القرآني. القرآن الكريم ليس مجرد نص لغوي يحتوي على معانٍ صريحة أو مفهومة بسهولة من الألفاظ والمباني، بل هو نص ذو طبقات متعددة من المعاني والإشارات، ومن تلك الطبقات "البناء العاطفي" الذي يتجلى في استخدام التوكيد لتعزيز الأثر العاطفي والنفسي، مما يُضيف إلى المعنى المجرد أبعادًا جديدة تجعل النص يؤثِّر بعمق في قارئه أو مستمعه. البناء العاطفي في القرآن الكريم يتصل بالجانب الشعوري الذي يهدف إلى ترسيخ المعاني في وجدان المتلقي، والتوكيد في هذا السياق ليس مجرد وسيلة لتثبيت معنًى، أو إثبات فكرة، بل هو أداة نفسية قوية تُسهم في تعزيز الأثر الوجداني للنص، وعند دراسة التوكيد في القرآن الكريم من هذا المنظور، نجد أن التوكيد يتجاوز دوره النحويَّ التقليديَّ إلى دور أعمقَ؛ يتمثل في إبراز معاني الرحمة، والخوف، واليقين، وغيرها من المشاعر التي تغذِّي الوجدان، وتوجِّه السلوك. التوكيد في آيات الرحمة: في آيات الرحمة، يظهر التوكيد كأداة بلاغية تدفع المتلقي نحو الشعور بالطمأنينة والسَّكِينة؛ فعندما يقرأ المسلم مثلًا قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41]، لا يقتصر التوكيد هنا على إثبات صفة الرحمة، بل يتعدى ذلك ليغرس في وجدان المؤمن شعورًا عميقًا بالثقة برحمة الله، مما يزيد من قوة إحساسه بها، ويعزز رجاءه فيها؛ فالتوكيد هنا يعمِّق الإحساس العاطفيَّ، ويزيد من الأثر النفسي الإيجابي. التوكيد في آيات العذاب: أما في آيات العذاب، فيأتي التوكيد ليعزز الخوف والترهيب من العقاب؛ فعلى سبيل المثال، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ [الطور: 7]، يبرز التوكيد هنا أداةً تزيد من وقع التحذير، وتُعمِّق الشعور بالخوف من العذاب، فالتركيز على حتمِيَّة وقوع العذاب باستخدام التوكيد يجعل القارئ أو المستمعَ يشعر بجلال الموقف، ويزيد من الرَّهبة التي تصاحب ذِكْرَ العقاب الإلهي. التوكيد في آيات الهداية: وفيما يخص آيات الهداية، يقوم التوكيد بدور مهمٍّ في تعزيز الثقة واليقين بطريق الله؛ على سبيل المثال، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آل عمران: 62]، يعزز التوكيد هنا الإحساس باليقين بأن ما جاء في القرآن هو الحقيقة المطلقة، مما يدفع المؤمن إلى التمسك بتعاليمه بكل عزيمة وإصرار؛ فالتوكيد هنا لا يقتصر على تأكيد المعنى، بل يعزز الشعور الداخليَّ بالثقة بما يوجهه النص القرآني. إن تناول التوكيد في القرآن من منظور عاطفي لا يعني الاقتصار على التحليل النحوي البحت، بل يستدعي النظر في الأبعاد البلاغية والنفسية التي يُسهم التوكيد في إبرازها، فالتوكيد لا يثبت المعنى فقط، بل يضفي على النص طابعًا وجدانيًّا قويًّا يزيد من تأثيره على القلوب والنفوس، كما أن للتوكيد دورًا في التربية والإرشاد؛ حيث إنه يعزِّز من علاقة المؤمن بالله، ويقوِّي ثقته بتعاليمه. يأتي هذا البحث ليُلقِيَ الضوء على دور التوكيد في القرآن الكريم من منظور جديد، يرتبط بالجانب العاطفي والنفسي، وذلك من خلال تحليل النصوص التي تعبر عن الرحمة، والعذاب، والهداية، ويهدف إلى تقديم فهم أعمقَ للتوكيد بوصفه أداةً بلاغية ونفسية، وليس مجرد وسيلة نحوية لتأكيد المعنى، إن هذا الموضوع يتسم بالجِدَّةِ والأصالة، ويقدم للباحثين والقُرَّاء فرصًا لمعرفة جوانب جديدة من جماليات القرآن الكريم، ودلالاته المتعددة.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-11-2024 الساعة 03:24 AM. |
#2
|
||||
|
||||
![]() التوكيد ودوره في إبانة دلالات الجانب العاطفي في القرآن الكريم دراسة نحوية نصية (الجزء الثانى) د. محمد زبير عباسي تناولتُ في الجزء الأول هذا الموضوع، وركزتُ على إمكانية الوصول إلى دلالات الألفاظ والمفردات من خلال تحليل التوكيد وأشكاله، مع استعراض بعض الأمثلة من آيات الرحمة، والعذاب، والهداية، وفي هذه المحاولة، أدرُس الموضوع نفسه باختصار، مركِّزًا على الجانب العاطفيِّ المرتبط بالتوكيد؛ إذ يقوم التوكيد في القرآن الكريم بدورٍ محوريٍّ في تعزيز الأثر العاطفي لدى المتلقي، وهذا يبرهن على أن التوكيد ليس مجرد وسيلة لتأكيد المعنى، بل أداة عاطفية تُحدث تأثيرًا نفسيًّا عميقًا في القارئ والمستمع على حد سواء. ولمراعاة الجِدَّة والأصالة دون أن يشعر القارئ بالملل؛ اخترتُ قوله تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وأُحلِّل الآية بُغيةَ إيضاح الوظيفة العاطفية للتوكيد فيها؛ فقد اختار الله جل وعلا الجملة الاسمية وفضَّلها على الجملة الفعلية، فلم يقل: "وسعت رحمتي كل شيء"، وهذا الاختيار لا يقتصر على التقديم والتأخير فحسب، بل يحمل دلالاتٍ أعمقَ على مستوى صياغة البنية المفردة والمركَّبة. فالتقديم في الآية لم يأتِ لإفادة المعلومة فقط أو للتأكيد على أهمية الرحمة، بل هو إشارة إلى العمومية والشمولية، ومن المنظور النحوي النصي، نرى أن هذا التقديم يوظَّف في الدلالة على سَعَةِ الرحمة الإلهية وعموميتها، والتوكيد في هذه الآية ليس مجرد إخبار بالخبر، بل جاء ليولد شعورًا بالأمان والراحة لدى المؤمن، ويُعزِّز ثقته في الرحمة الإلهية، مما يترك أثرًا عاطفيًّا في المتلقي؛ إذ يشعر بأنه في ظلِّ رحمة الله دومًا، فلا ييأس، ولا يفقد الأمل، ولا يستسلم لغير مرضاة الله الرحيم. وفي هذه الآية، لم يتم استخدام التوكيد اللفظي التقليدي عبر أدوات مثل: "إن"، و"قد"، و"لام التوكيد"، بل نجد أن التركيب اللغويَّ نفسه يقوم بدور توكيدي قوي، فالعبارة "وسعت كل شيء" تحمِل معنًى شاملًا وكاملًا، وهذا التصريح يكفي وحده لإثبات أن رحمة الله ليست محدودة أو مقتصرة على فئة معينة، بل تشمل كل شيء في الكون. والمعنى العاطفي مرتبط هنا بمشاعر الإيمان بالله ورحمته الواسعة، فالطابع التوكيديُّ في الجملة يعمِّق هذا الإحساس لدى القارئ، وكلما تأملنا في بنية الآية، يتضح لنا أن التوكيد في الجملة يعمل على إبراز الدلالة العاطفية ووصفها في سياق الآية ومفرداتها، وهذا الاختيار في الأسلوب يوحي بإعجاز بيانيٍّ بليغ، ودقَّةٍ في التعبير. والتركيب الإضافي "كل شيء" يعبِّر عن شمولية الرحمة، فلا يستثني أيَّ شيء من رحمة الله تعالى، هذه الصيغة تؤكد على أن الرحمة لا تخص المؤمنين أو البشر فقط، بل تحيط بكل خلق الله، وهذه الشمولية تفيد أن الرحمة الإلهية هي الأصل الثابت عند الله تعالى. وهذا الفَهم الناتج عن التوكيد يعزِّز الأثر العاطفيَّ المرتبط بتعميق الشعور النفسي لدى القارئ أو المستمع، فبدلًا من مجرد معرفة أن الله رحيم، يتعمَّق لدى المؤمن إحساسٌ بأن رحمة الله تشمل كل شيء، بما في ذلك ذنوبه، وخطاياه، ومخاوفه، وهذا الإحساس يولِّد شعورًا بالأمان والراحة النفسية، ويعزِّز الثقة والطمأنينة في قلبه. فالتوكيد هنا ليس مقصورًا على كونه أداة نحوية تقليدية كما يظن الكثيرون، بل هو أداة نفسية تبُثُّ الأمل والراحة في قلب المؤمن، فتعمِّق العلاقة بينه وبين خالقه، وتُسهم في بناء علاقة عاطفية قوية بين الإنسان وربِّه، فالتأثير العاطفي هو لُبُّ هذا التوكيد؛ إذ يجعل المؤمن يشعر بأنه محاطٌ برحمة الله في كل حالاته، مما يولِّد لديه الأمان والراحة النفسية، ويُعزِّز الصلة الروحية بالله. وقبل الختام أقول: إن اختيار كلمة "وسعت" بدلًا من كلمات أخرى مثل: "شملت" أو "أحاطت" يؤكِّد الجانب العاطفيَّ للتوكيد في الآية؛ لأن هذه الكلمات قد تشير إلى شيء محدود، وهو ما يتعارض مع المعنى المقصود من التوكيد في الآية، فاختيار "وسعت" يبين سَعَةَ الرأفة، والعناية، واللطف، والعطف، والرحمة الإلهية التي لا حدود لها، مما يعزز الجانب العاطفيَّ العميق في نفوس المؤمنين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |