|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الوارث جل جلاله، وتقدست أسماؤه وحيد عبد السلام بالي الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الوَارِثِ): الوَارِثُ اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمَوْصُوفِ بِالوِرَاثَةِ مِنْ غَيْرِهِ، يُقَالُ: وَرِثَ فُلَانٌ أَبَاهُ يَرِثُهُ وِرَاثَةً وَمِيرَاثًا، وَوَرَّثَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ مَالًا؛ أَيْ: أَشْرَكَهُ فِي مَالِهِ، وَالوِرَاثَةُ فِي حَقِّنَا انْتِقَالُ المَالِ أَوِ المُلْكِ مِنَ المُتَقَدِّمِ إِلَى المُتَأَخِّرِ، وَمِنْهُ وَرِاثُ مَالِ المَيِّتِ الَّذِي يَمْلِكُ تركَتَهُ، وَوَارِثُ المَلِكِ يَرِثُ سُلْطَانَهُ[1]. وَالوَارِثُ سُبْحَانَهُ هُوَ البَاقِي الدَّائِمُ بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الوَارِثُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ عز وجل، وَهُوَ البَاقِي الدَّائِمُ الَّذِي يَرِثُ الخَلَائِقَ وَيَبْقَى بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَاللهُ عز وجل يَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الوَارِثِينَ؛ أَيْ: يَبْقَى بَعْدَ فَنَاءِ الكُلِّ، وَيَفْنَى مَنْ سِوَاهُ، فَيَرْجِعُ مَا كَانَ مِلكَ العِبَادِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»[2]. وَإِذَا كَانَ الخَلَائِقُ يِتَعَاقَبُونَ عَلَى مُلْكِ الأَرْضِ فَيَرِثُ المُتَأَخِّرُ المُتَقَدِّمَ، وَيَرِثُ الوَلَدُ وَالِدَهُ، وَالزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، وَهَكَذَا يَسْتَمِرُّ التَّوارُثُ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَبْلُ الحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى إِلَّا مَالِكُ المُلْكِ الوَارِثُ الكَبِيرُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]، فَالوَارِثُ سُبْحَانَهُ هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، أَوِ الوَارِثُ لِجمَيعِ الأَشْيَاءِ بَعْدَ فَنَاءِ أَهْلِهَا، وَالوَارِثُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي أَوْرَثَ المُؤْمِنِينَ دِيَارَ الكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 27]، وَكَذَلِكَ أَوْرَثَ المُؤْمِنِينَ مَسَاكِنَهُمْ فِي الجَنَّةِ فَجَعَلَ لَهُمُ البَقَاءَ مُخَلَّدِينَ فِيهَا كَمَا قَالَ: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: 74]، وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63]، وَتَوْرِيثُ المُؤْمِنِينَ الجَنَّةَ لَا يَعْنِي أَنَّهَا تُشَارِكُ اللهَ فِي البَقَاءِ وَالإِرْثِ، لَأَنَّ خُلْدَ الجَنَّةِ وَأَهْلَهَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ إِنَّمَا هُوَ بِإِبْقَاءِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ؛ فَبَقَاءُ المَخْلُوقَاتِ لَيْسَ مِنْ طَبِيعَتِهَا، وَلَا مِنْ خَصَائِصِهَا الذَّاتِيَّةِ، بَلْ مِنْ طَبِيعَتِهِا جَمِيعًا الفَنَاءُ، أَمَّا بَقَاءُ اللهِ وَدَوَامُ مِيرَاثِهِ وَسَائِرُ أَوْصَافِهِ فَهِي بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ سبحانه وتعالى؛ لَأَنَّ البَقَاءَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهُ؛ فَهُوَ الوَارِثُ لِجَمِيعِ الخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ. وُرودُهُ فِي القُرْآَنِ الكَرِيمِ[3]: وَرَدَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّهَا بِصِيغَةِ الجَمْعِ وَهِيَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} [الحجر: 23]. وَقَوْلُهُ: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89]. وَقَوْلُهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58]. وَوَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِصِيغَةِ الفِعْلِ: قَوْلُهُ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40]. مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: {نَحْنُ الْوَارِثِينَ}؛يَقُولُ: وَنَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، بَأَنْ نُمِيتَ جَمِيعَهُم فَلَا يَبْقَى حَيٌّ سِوَانَا إِذَا جَاءَ ذَلِكَ الأَجَلُ[4]. وَقَالَ فِي آيةِ القَصَصِ: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ لِمَا خَرَّبْنَا مِنْ مَسَاكِنِهِم مِنْهُمْ وَارِثٌ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ سُكْنَاهُمْ فِيهَا؛ لَا مَالِكَ لَهَا إِلَّا اللهُ الَّذِي لَهُ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»[5]. وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «اللهُ عز وجل وَارِثُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ؛ لَأَنَّهُ البَاقِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ الفَانُونَ، كَمَا قَالَ عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40]»[6]. وَقَالَ الَخَطَّابِيُّ: «(الوَارِثُ) هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، وَالمُسْتَردُّ أَمْلَاكَهُم وَمَوارِثَهُم بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَلَمْ يَزَلِ اللهُ بَاقِيًا مَالِكًا لِأُصُولِ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، يُوَرِّثُها مِنْ يَشَاءُ، وَيَسْتَخْلِفُ فِيهَا مَنْ أَحَبَّ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ أَبِي العَبَّاسِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بنُ العَلَاءِ: أَوَّلُ شعرٍ قِيلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فِي الزُّهْدِ قَوْلُ يَزِيدِ بِنِ خَذَّاقٍ: هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلَا تُولَعْ بِإِشْفَاقِ ** فَإِنَّمَا مَالُنا لِلوَارِثِ البَاقِي فِي أَبْيَاتٍ أَنْشَدْنَاهَا[7]. وَقَالَ الحُلَيْمِي: «(الوَارِثُ)؛ وَمَعْنَاهُ البَاقِي بَعْدَ ذَهَابِ غَيْرِهِ. وَرَبُّنا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لَأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ ذَهَابِ المُلَّاكِ الَّذِينَ أَمْتَعَهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَا آتَاهُمْ؛ لَأَنَّ وُجُودَهُم وَوُجُودُ الأملَاكِ كَانَ بِهِ، وَوُجُودَهُ لَيْسَ بِغَيْرِهِ»[8]. ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ: 1- اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ، الحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَصِيرُهُ. فَإِذَا مَاتَ جَمِيعُ الخَلَائِقِ، وَزَالَ عَنْهُمْ مُلْكُهُم، كَانَ اللهُ تَعَالَى هُوَ البَاقِي الحَقُّ المَالِكُ لِكُلِّ المَمْلُوكَاتِ وَحْدَهُ، وَهُوَ القَائِلُ إِذْ ذَاكَ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ؟ {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]. فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ لَهُمْ مُلْكًا حَقِيقِيًّا، فَيَنْكَشِفُ لَهُمْ ذَلِكَ اليَومَ حَقِيقَةُ الحَالِ، وَهَذَا النِّدَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ مَا يَنْكَشِفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. فَأَمَّا أَرْبَابُ البَصَائِرِ فَإِنَّهُمْ أَبَدًا مُشَاهِدُونَ لِمَعْنَى هَذَا النِّدَاءِ، سَامِعُونَ لَهُ مِنْ غَيرِ صَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ، يُوقِنُونَ بِأَنَّ المُلكَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَفِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَزَلًا وَأَبَدًا[9]. 2- بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ أَنَّهُ هُوَ الوَارِثُ لِمَا أَهْلَكَ مِنَ القُرَى الظَّالِمَةِ، الَّتِي كَانَتْ تَعِيشُ فِي أَمْنٍ وَدَعَةٍ وِرَغِدِ العَيْشِ، حَتَّى أَصَابَهُمُ الأَشَرُ وَالبَطَرُ، فَلَمْ يَقُومُوا بِحَقِّ النِّعْمَةِ، وَلَمْ يَشْكُرُوا رَبَّهُمْ الَّذِي وَهَبَهُم، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58]. وَقَوْلُهُ: {لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}؛ أَيْ؛ إِلَّا زَمَانًا قَلِيلًا، إِذْ لَا يَسْكُنُهَا إِلَّا المَارَّةُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَبَقِيَتْ شَاهِدَةً عَلَى مَصْرَعِ أَهْلِهَا وَفَنَائِهِمْ، وَعِبْرَةً لِمَنْ كَانَ لَهُ قُلْبٌ. {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}؛ أَيْ: مِنْهُمْ؛ إِذْ لَمْ يَخْلُفُهُم أَحَدٌ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَهُم فِي دِيَارِهِمِ وَسَائِرِ ذَاتِ أَيْدِيهِم، بَلْ كَانَ اللهُ وَحْدَهُ الوَارِثَ لِدِيَارِهِم وَأَمْوَالِهمِ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40]. 3- حَثَّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَلَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَذَكَّرَهُمْ أَنَّهُمْ مُسْتَخْلَفُونَ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الأَمْوَالِ، مُخَوَّلُونَ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِمَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ، لَا يَمْلِكُونَ حَقِيقَةً، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7]، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُنْفِقُوا فِي حَيَاتِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّهَا صَائِرَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى إِذَا مَاتُوا؛ لَأَنَّ لَهُ مِيرَاثَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 10]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ العَبْدُ: مَالِي مَالِي، وَإِنَّمَا لَهُ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ»[10]. 4- دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ؛ أَنَّهُ يَهَبَهُ وَلَدًا يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ عَاقِرًا، وَقَدْ حَكَى اللهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 89، 90]. أَيْ: ارْزُقْنِي وَارِثًا مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ يَرِثُنِي. وَقَوْلُهُ: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} دُعَاءٌ وَثَنَاءٌ مُنَاسِبٌ لِلمَسْأَلَةِ. أَيْ: وَإِنْ رَزَقْتَنِي وَارِثًا مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ يَرِثُ النُّبُوَّةَ وَالدَّعْوَةَ إِلَيْكَ، فَهِي وِرِاثَةٌ مُؤَقَّتَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، أَمَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ فَلَكَ الوِرَاثَةُ الدَّائِمَةُ المُطْلَقَةُ، الَّتِي لَا تَفْنَى وَلَا تَنْقَطِعُ، فَأَنْتَ الأَوَّلُ لَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآَخِرُ لَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. [1] لسان العرب (2/ 199)، وكتاب العين (8/ 234)، والمغرب للمطرزي (2/ 349). [2] السابق (2/ 199). [3] النهج الأسمى (2/ 287 - 291). [4] جامع البيان (14/ 16). [5] المصدر السابق (20/ 16). [6] اشتقاق الأسماء (ص: 173). [7] شأن الدُّعاء (ص: 96، 97). [8] المنهاج (1/ 189)، وذكره ضمْن الأسماء التي تتبعُ إثباتَ البارئ جلَّ ثناؤه، والاعتراف بوجوده، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 13). [9] المقصد الأسنى (ص: 95). [10] أخرجه مسلم في الزهد (4/ 2273)، وأخرجه من حديث قتادة بن مطرف، عن أبيه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، قال: «يقول ابنُ آدم: مالي مالي...»؛ بنحوه.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 17-11-2024 الساعة 01:10 PM. |
#2
|
||||
|
||||
![]() الوَارثُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وحيد عبد السلام بالي عَنَاصِرُ الموْضُوعِ: أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوَيَّةُ لاسْمِ (الوَارِثِ). ثانيًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ. ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى. رابعًا: ثَمَرَاتُ الإيِمَانِ بِهَذَا الاسْمِ. النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ: قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ: أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ: 1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري. 2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ[1]. 3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ[2]. 4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ. 5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً للهِ في بيتِ الله. 6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3]. 7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4]. 8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5]. 9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6]. 10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك(4). 11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»، رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766). ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيه. ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ: 1- تَعْرِيفُ المُسْلِمِينَ بِمَعَانِي اسْمِ (الوَارِثِ) سُبْحَانَهُ. 2- تَنْوِيِ تَعْرِيفَ المُسْلِمِينَ بِأَنَّ المُلْكَ الحَقِيقِي للهِ. 3- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ الله. 4- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللهَ هُوَ الوَارِثُ البَاقِي. أولًا: الدِّلاَلاَتُُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الوَارِثِ): الوَارِثُ اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمَوْصُوفِ بِالوِرَاثَةِ مِنْ غَيْرِهِ، يُقَالُ: وَرِثَ فُلَانٌ أَبَاهُ يَرِثُهُ وِرَاثَةً وَمِيرَاثًا، وَوَرِثَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ مَالًا أَيْ أَشْرَكَهُ فِي مَالِهِ، وَالوِرَاثَةُ فِي حَقِّنَا انْتِقَالُ المَالِ أَوِ المُلْكِ مِنَ المُتَقَدِّمِ إِلَى المُتَأَخِّرِ، وَمِنْهُ وَرِاثُ مَالِ المَيِّتِ الَّذِي يَمْلِكُ تِرْكَتَهُ، وَوَارِثُ المُلْكِ يَرِثُ سُلْطَانَهُ[7]. وَالوَارِثُ سُبْحَانَهُ هُوَ البَاقِي الدَّائِمُ بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: «الوَارِثُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الله عز وجل وَهُوَ البَاقِي الدَّائِمُ الَّذِي يَرِثُ الخَلَائِقَ وَيَبْقَى بَعْدَ فَنَائِهِمْ وَاللهُ عز وجل يَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الوَارِثِينَ، أَيْ يَبْقَى بَعْدَ فَنَاءِ الكُلِّ وَيَفْنَى مَنْ سِوَاهُ، فَيَرْجِعُ مَا كَانَ مِلكَ العِبَادِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»[8]. وَإِذَا كَانَ الخَلَائِقُ يِتَعَاقَبُونَ عَلَى مُلْكِ الأَرْضِ فَيَرِثُ المُتَأَخِّرُ المُتَقَدِّمَ، وَيَرِثُ الوَلَدُ وَالِدَهُ وَالزَّوْجُ زَوْجَتَهُ وَهَكَذَا يَسْتَمِرُّ التَّوارُثُ حَتَّى يَنْقَطِعَ حَبْلُ الحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى إِلَّا مَالِكُ المُلْكِ الوَارِثُ الكَبِيرُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]، فَالوَارِثُ سُبْحَانَهُ هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ أَوِ الوَارِثُ لِجمَيعِ الأَشْيَاءِ بَعْدَ فَنَاءِ أَهْلِهَا، وَالوَارِثُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي أَوْرَثَ المُؤْمِنِينَ دِيَارَ الكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الأحزاب: 27]، وَكَذَلِكَ أَوْرَثَ المُؤْمِنِينَ مَسَاكِنَهُمْ فِي الجَنَّةِ فَجَعَلَ لَهُمُ البَقَاءَ مُخَلَّدِينَ فِيهَا؛ كَمَا قَالَ: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 74]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53]، وَتَوْرِيثُ المُؤْمِنِينَ الجَنَّةَ لَا يَعْنِي أَنَّهَا تُشَارِكُ اللهَ فِي البَقَاءِ وَالإِرْثِ، لَأَنَّ خُلْدَ الجَنَّةِ وَأَهْلَهَا إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ إِنَّمَا هُوَ بِإِبْقَاءِ الله وَإِرَادَتِهِ فَبَقَاءُ المَخْلُوقَاتِ لَيْسَ مِنْ طَبِيعَتِهَا وَلَا مِنْ خَصَائِصِهَا الذَّاتِيَّةِ، بَلْ مِنْ طَبِيعَتِهِا جَمِيعًا الفَنَاءُ، أَمَّا بَقَاءُ الله وَدَوَامُ مِيرَاثِهِ وَسَائِرُ أَوْصَافِهِ فَهِي بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ سبحانه وتعالى؛ لَأَنَّ البَقَاءَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهُ فَهُوَ الوَارِثُ لِجَمِيعِ الخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ. ثانيًا: وُرودُهُ فِي القُرْآَنِ الكَرِيمِ:[9] وَرَدَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّهَا بِصِيغَةِ الجَمْعِ وَهِيَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾ [الحجر: 23]. وَقَوْلُهُ: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89]. وَقَوْلُهُ: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 58]. وَوَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِصِيغَةِ الفِعْلِ: قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]. ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «﴿ نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ يَقُولُ: وَنَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، بَأَنْ نُمِيتَ جَمِيعَهُم فَلَا يَبْقَى حَيٌّ سِوَانَا إِذَا جَاءَ ذَلِكَ الأَجَلُ [10]. وَقَالَ فِي آيةِ القَصَصِ: ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ لِمَا خَرَّبْنَا مِنْ مَسَاكِنِهِم مِنْهُمْ وَارِثٌ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ سُكْنَاهُمْ فِيهَا لَا مَالِكَ لَهَا إِلَّا اللهُ الَّذِي لَهُ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ»[11]. وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «اللهُ عز وجل وَارِثُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ؛ لَأَنَّهُ البَاقِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ الفَانُونَ؛ كَمَا قَالَ عز وجل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]»[12]. وَقَالَ الَخَطَّابِيُّ: «(الوَارِثُ) هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، وَالمُسْتَردُّ أَمْلَاكَهُم وَمَوارِثَهُم بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَلَمْ يَزَلِ اللهُ بَاقِيًا مَالِكًا لِأُصُولِ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، يُوَرِّثُها مِنْ يَشَاءُ وَيَسْتَخْلِفُ فِيهَا مَنْ أَحَبَّ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ أَبِي العَبَّاسِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرِو بنُ العَلَاءِ: أَولُ شعرٍ قِيلَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فِي الزُّهْدِ قَوْلُ يَزِيدِ بِنِ خَذَّاقٍ: هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلَا تُولَعْ بِإِشْفَاقِ ![]() فَإِنَّمَا مَالُنا لِلوَارِثِ البَاقِي ![]() ![]() ![]() فِي أَبْيَاتٍ أَنْشَدْنَاهَا[13]. وَقَالَ الحُلَيْمِي: «(الوَارِثُ) وَمَعْنَاهُ البَاقِي بَعْدَ ذَهَابِ غَيْرِهِ. وَرَبُّنا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لَأَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ ذَهَابِ المُلَّاكِ الَّذِينَ أَمْتَعَهُم فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَا آَتَاهُمْ، لَأَنَّ وُجُودَهُم وَوُجُودُ الأملَاكِ كَانَ بِهِ، وَوُجُودَهُ لَيْسَ بِغَيْرِهِ»[14]. رابعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ: 1- اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ هُوَ البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ، الحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَصِيرُهُ. فَإِذَا مَاتَ جَمِيعُ الخَلَائِقِ، وَزَالَ عَنْهُمْ مُلْكُهُم، كَانَ اللهُ تَعَالَى هُوَ البَاقِي الحَقُّ المَالِكُ لِكُلِّ المَمْلُوكَاتِ وَحْدَهُ، وَهُوَ القَائِلُ إِذْ ذَاكَ: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]. فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّونَ أَنَّ لَهُمْ مُلْكًا حَقِيقِيًّا، فَيَنْكَشِفُ لَهُمْ ذَلِكَ اليَومَ حَقِيقَةُ الحَالِ وَهَذَا النِّدَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ مَا يَنْكَشِفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. فَأَمَّا أَرْبَابُ البَصَائِرِ فَإِنَّهُمْ أَبَدًا مُشَاهِدُونَ لِمَعْنَى هَذَا النِّدَاءِ، سَامِعُونَ لَهُ مِنْ غَيرِ صَوْتٍ وَلَا حَرْفٍ، يُوقِنُونَ بِأَنَّ المُلكَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ وَفِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَزَلًا وَأَبَدًا[15]. 2- بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ أَنَّهُ هُوَ الوَارِثُ لِمَا أَهْلَكَ مِنَ القُرَى الظَّالِمَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعِيشُ فِي أَمْنٍ وَدَعَةٍ وِرَغِدِ العَيْشِ، حَتَّى أَصَابَهُمُ الأَشَرُ وَالبَطَرُ، فَلَمْ يَقُومُوا بِحَقِّ النِّعْمَةِ، وَلَمْ يَشْكُرُوا رَبَّهُمْ الَّذِي وَهَبَهُم، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 58]. وَقَوْلُهُ: ﴿ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾؛ أَيْ إِلَّا زَمَانًا قَلِيلًا، إِذْ لَا يَسْكُنُهَا إِلَّا المَارَّةُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَبَقِيَتْ شَاهِدَةً عَلَى مَصْرَعِ أَهْلِهَا وَفَنَائِهِمْ، وَعِبْرَةً لِمَنْ كَانَ لَهُ قُلْبٌ. ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾؛ أَيْ: مِنْهُمْ ؛ إِذْ لَمْ يَخْلُفُهُم أَحَدٌ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَهُم فِي دِيَارِهِمِ وَسَائِرِ ذَاتِ أَيْدِيهِم، بَلْ كَانَ اللهُ وَحْدَهُ الوَارِثَ لِدِيَارِهِم وَأَمْوَالِهمِ: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]. 3- حَثَّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ عَلَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَذَكَّرَهُمْ أَنَّهُمْ مُسْتَخْلَفُونَ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الأَمْوَالِ، مُخَوَّلُونَ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِمَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ، لَا يَمْلِكُونَ حَقِيقَةً، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 7]، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُنْفِقُوا فِي حَيَاتِهِمْ فِي سَبِيلِ الله فَإِنَّهَا صَائِرَةٌ إِلَى الله تَعَالَى إِذَا مَاتُوا؛ لَأَنَّ لَهُ مِيرَاثَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 10]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ العَبْدُ مَا لِي مَا لِي، وَإِنَّمَا لَهُ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ»[16]. 4- دَعَا زَكَرِيَّا عليه السلام رَبَّهُ أَنَّهُ يَهَبَهُ وَلَدًا يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ عَاقِرًا، وَقَدْ حَكَى اللهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 89، 90]. أَيْ: ارْزُقْنِي وَارِثًا مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ يَرِثُنِي. وَقَوْلُهُ: ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ دُعَاءٌ وَثَنَاءٌ مُنَاسِبٌ لِلمَسْأَلَةِ. أَيْ وَإِنْ رَزَقْتَنِي وَارِثًا مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ يَرِثُ النُّبُوَّةَ وَالدَّعْوَةَ إِلَيْكَ، فَهِي وِرِاثَةٌ مُؤَقَّتَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، أَمَّا أَنْتَ سُبْحَانَهُ فَلَكَ الوِرَاثَةُ الدَّائِمَةُ المُطْلَقَةُ، الَّتِي لَا تَفْنَى وَلَا تَنْقَطِعُ، فَأَنْتَ الأَوَّلُ لَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآَخِرُ لَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ. ================================== [1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». [2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك. [3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ». وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً». [4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ». ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه». [5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ». رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا». [6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ. [7] لسان العرب (2/ 199)، وكتاب العين (8/ 234)، والمغرب للمطرزي (2/ 349). [8] السابق (2/ 199). [9] النهج الأسمى (2/ 287-291). [10] جامع البيان (14/ 16). [11] المصدر السابق (20/ 16). [12] اشتقاق الأسماء (ص: 173). [13] شأن الدعاء (ص: 96-97). [14] المنهاج (1/ 189) وذكره ضمن الأسماء التي تتبع إثبات البارئ جلَّ ثناؤه والاعتراف بوجوده، ونقله البيهقي في الأسماء (ص: 13). [15] المقصد الأسنى (ص: 95). [16] أخرجه مسلم في الزهد (4/ 2273)، وأخرجه من حديث قتادة بن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، قال: «يقول ابن آدم: ما لي ما لي..» بنحوه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |