|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأخلاق في الإسلام (2) بقلم: عاطف التاجوري قلنا في مقال سابق: إن الأخلاق يمكن أن تكتسب، ولكنها تختلف عن غيرها من المكتسبات، فلا تكتسب حتى تصير عادة في النفس راسخة وطبعا وسجية تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، وهذا يتضح من التفسير اللغوي والشرعي لكلمة الإخلاق. إذن فليس المقصود من الكتابة في هذا الموضوع هو مجرد معرفة الأدلة والنصوص وأقوال العلماء في الأخلاق، ولكن المقصود الأول هو محاولة اكتساب هذه الأخلاق، والتخلق بها، وتدريب النفس عليها حتى تصير ملكة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية. وعلى هذا تدل الأدلة من القرآن والسنة، والتي ذكرناها في المقال السابق، وعلينا أن نستحضر هذا المقصود عند حديثنا عن أي خلق من الأخلاق، سواء المحمودة لتكتسب، أو المذمومة لتجتنب، وحديثنا في هذا المقال عن: الإخلاص التعريف اللغوي للإخلاص: قال ابن منظور في «لسان العرب»: خلص الشيء بالفتح يخلص خلوصا وخلاصا إذا كان قد نشب ثم نجا وسلم، وأخلصه وخلصه. (نشب: أي تعلق به شيء) . وأخلص لله دينه: ترك الرياء فيه. وأخلص الشيء: اختاره، وقد قرئ: (إلا عبادك منهم المخلصين) (بكسر اللام) و «المخلصين» (بفتح اللام) . قال ثعلب: يعني بـ «المخلصين» (بكسر اللام) الذين أخلصوا العبادة لله. وبـ «المخلصين» (بفتح اللام) الذين أخلصهم الله عز وجل. قال الزجاج: وقوله تعالى: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا} (بفتح اللام) ، وقرئ «مخلصا» (بكسر اللام) ، و «المخلص» (بفتح اللام) الذي أخلصه الله، جعله مختارا خالصا من الدنس، و «المخلص» (بكسر اللام) الذي وحد الله تعالى خالصا، ولذلك قيل لسورة: {قل هو الله أحد} سورة الإخلاص. قال ابن الأثير: سميت بذلك لأنها خالصة في صفة الله تعالى وتقدس، أو لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عز وجل، وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد، وقوله تعالى: {من عبادنا المخلصين} (بفتح اللام) ، وقرئ «المخلصين» (بكسر اللام) ، فـ «المخلصون» (بفتح اللام) المختارون، و «المخلصون» (بكسر اللام) الموحدون، والإخلاص في الطاعة: ترك الرياء، وقد أخلصت لله الدين. وفي «القاموس المحيط» للفيروزآبادي: أخلص لله: ترك الرياء. وفي «نضرة النعيم» في خلق الإخلاص تحت عنوان: الإخلاص لغة: والخالص كالصافي، إلا أن الخالص ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه والصافي قد يقال لما لا شوب فيه. التعريف الاصطلاحي: قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [الملك: 2] . هو أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. ثم قرأ قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110] . قال ابن القيم في «مدارج السالكين» وقد تنوعت عباراتهم في الإخلاص والصدق، والقصد واحد. فقيل: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة. وقيل: هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين. وقيل: هو التوقي عن ملاحظة الخلق حتى عن نفسك. والصدق التنقي عن مطالعة النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق، ولا الصدق إلا بالإخلاص، ولا يتمان إلا بالصبر. ومن كلام الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص الخلاص من هذين. وفي رواية عنه: والإخلاص أن يعافيك الله منهما. اهـ وفي موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين للقاسمي: وعن علي رضي الله عنه: لا تهتموا لقلة العمل واهتموا للقبول، وقال بعضهم: المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته. واعلم أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمى خالصا، ويسمى الفعل المصفى المخلص إخلاصا. ومن الأحاديث الهامة في هذا الباب - عن أبي أمامة الباهلي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا شيء له». فأعاد ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا شيء له». ثم قال: «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه». - عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». زاد فيه علي بن محمد: «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم». رواه ابن ماجه. قال محقق «جامع الأصول»: وإسناده صحيح. تحقيق الإخلاص يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في «مدارج السالكين» ما ملخصه: إن تحقيق الإخلاص يتطلب ثلاث درجات: الدرجة الأولى: عدم ملاحظة العمل، ويتضمن ذلك عدم طلب العوض عن العمل وعدم الرضا به. فالذي يخلصه من رؤية عمله مشاهدة منة الله عليه وفضله وتوفيقه له، وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو، كما قال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 29] ، وقوله تعالى: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: 43] . وقوله تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} [الحجرات: 7] . فالذي يخلص العبد من هذه الآفة: معرفة ربه، ومعرفة نفسه، والذي يخلصه من طلب العوض عن العمل علمه بأنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضا ولا أجرة؛ إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته. والذي يخلصه من رضاه بعمله أمران: أحدهما: مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه، وما فيه من حظ النفس ونصيب الشيطان، فقلما تجد عملا من الأعمال إلا وللشيطان فيه نصيب وإن قل، وللنفس فيه حظ. سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته، فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». فإذا كان هذا التفات طرفه لحظة، فكيف بالتفات قلبه إلى ما سوى الله؟ الثاني: علمه بما يستحقه الرب جل جلاله من حقوق العبودية، وآدابها الظاهرة والباطنة وشروطها، وأن العبد أضعف وأعجز وأقل من أن يوفيها حقها، أو يرضى بها لربه، فالعارف لا يرضى بشيء من عمله لربه ولا يرضى نفسه لله طرفة عين، ويستحي من مقابلة الله بعمله، فسوء ظنه بنفسه وعمله وبغضه لها وكراهة أنفاسه وصعودها إلى الله يحول بينه وبين الرضا بعمله والرضا عن نفسه. الدرجة الثانية: الخجل من العمل وتوفير الجهد في تصحيحه ورؤيته أنه منة من الله. فخجله من عمله وهو شدة حيائه من الله؛ إذ لم ير ذلك العمل صالحا له، مع بذل جهده فيه، قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} [المؤمنون: 60] . قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه». ثم عليه أن يجتهد في تصحيح العمل، محتميا عن شهوده للعمل من نفسه، وعليه أن يرى أن هذا العمل منة من الله تعالى وليس من عند نفسه. الدرجة الثالثة: أن يجعل عمله تابعا للعلم، موافقا له، مؤتما به، يسير بسيره، ويقف بوقوفه، ويتحرك بحركته، ناظرا إلى الحكم الديني، متقيدا به، فعلا وتركا، ويسير معه بقلبه شاهدا للحكم الكوني القضائي الذي تنطوي فيه الأسباب والمسببات، فيكون قائما بالأمر والنهي، فعلا وتركا، وبالقضاء والقدر إيمانا وشهودا. وهذان الأمران هما عبودية هاتين الآيتين: {لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} [التكوير: 28, 29] . وقوله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا. وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما} [الإنسان: 29، 30] . فترك العمل يسير سير العلم مشهد: {لمن شاء منكم أن يستقيم} ، وسير صاحبه مشاهدا للحكم مشهد: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} . ثم يلخص ذلك كله في هذه الكلمات: الإخلاص عدم انقسام المطلوب، والصدق عدم انقسام الطلب، فحقيقة الإخلاص توحيد المطلوب، وحقيقة الصدق توحيد الطلب والإرادة، ولا يثمران إلا بالاستسلام المحض والمتابعة, فإن عدم الإخلاص والمتابعة انعكس سيره إلى الخلف، وإن لم يبذل جهده ويوحد طلبه سار سير المقيد، وإن اجتمعت له الثلاثة، فذلك الذي لا يجارى في مضي سيره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. ومما يعين أيضا على تحقيق الإخلاص ما ذكره القاسمي رحمه الله تعالى في «موعظة المؤمنين»، حيث قال: وقد جرى العرف على تحقيق اسم الإخلاص بتجريد قصد التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشوائب، فإذا امتزج قصد التقرب بباعث آخر من رياء أو غيره من حظوظ النفس فقد خرج عن الإخلاص، ومثاله أن يصوم لينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر، أو يتخلص من عدو له، أو يصلي بالليل لغرض دنيوي، أو يتعلم العلم، أو يخدم العلماء لذلك، أو يعود مريضا ليعاد إذا مرض، أو يشيع جنازة لتشيع جنازة أهله، أو يفعل شيئا من ذلك ليعرف بالخير ويذكر به، وينظر إليه بعين الصلاح والوقار، فمهما كان باعثه التقرب إلى الله تعالى، ولكن انضاف إليه خطرة من هذه الخطرات حتى صار العمل أخف عليه بسبب هذه الأمور، فقد خرج عمله عن حد الإخلاص، وخرج عن أن يكون خالصا لوجه الله تعالى، وتطرق إليه الشرك. وبالجملة كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ويميل إليه القلب، قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه وزال به إخلاصه، فإن الخالص من العمل هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى، وهذا لا يتصور إلا من محب لله لم يبق لحب الدنيا في قلبه قرار؛ ولذا كان علاج الإخلاص كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد للآخرة. بحيث يغلب ذلك على القلب، فإن ذلك ييسر الإخلاص، وكم من أعمال يتعب فيها الإنسان ويظن أنها خالصة لوجه الله ويكون فيها مغرورا؛ لأنه لا يرى وجه الآفة فيها، فليكن العبد شديد التفقد والمراقبة لهذه الدقائق. اهـ رزقنا الله تعالى الإخلاص في القول والعمل. والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |