تحقيق التوحيد في باب التوكل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما هي أبرز أسباب تأخر النطق عند الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أعشاب تدر الحليب: تعرف عليها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أطعمة خالية من اللاكتوز: قائمة بأفضلها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          علاج هشاشة العظام بالأكل: هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علاج التجشؤ بالأعشاب: 7 أعشاب فعالة ومجربة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حمية dna: خطوة نحو تغذية مخصصة لصحتك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كيف يتم علاج سوء التغذية؟ دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دليلك للأكل الصحي عند الإصابة بالتسمم الغذائي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          7 أطعمة تسبب الغازات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          علاج العصبية: كيف تتحكم بانفعالاتك بعقلانية وهدوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 12:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي تحقيق التوحيد في باب التوكل

تحقيق التوحيد في باب التوكل



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
تعلق الناس اليوم بالدنيا وبما تقوم به من أسباب، فاعتمدوا على الأسباب وركنوا إليها بقلوبهم بدليل أنها إذا أقبلت عليهم بما يسرهم فرحوا بها واطمأنوا، وإذا أدبرت عنهم بما يسوؤهم حزنوا وسخطوا، وبدليل أنهم يصرفون لها ما لا يستحقه إلا الله كالخوف والرجاء والتعلق والتوكل والاعتماد والتفويض، فخاف الناس على أرزاقهم وعلى أجسامهم وصحتهم وعلى أموالهم وأمتعتهم فوكلهم الله إلى الأسباب ومن تعلق بغير الله عذب به، فصرنا اليوم أحوج ما نكون إلى التعلق بالله وحده وتحقيق التوكل عليه ومعرفة حقيقته .
التوكل مصدر قياسي لفعل توكَّل مبني على وزن تفعَّل الذي يفيد معاني منها المطاوعة وهي الموافقة والانقياد والاستجابة، ومنها التدريج والتكلف والاتخاذ، ومنها الطلب والتكثير والمبالغة كما أنها تفيد التجنب والسلب والصيرورة والتعدية، وهذه المعاني يتضمنها التوكل في معناه اللغوي الذي هو تفويض وثقة واعتماد وإظهار العجز وأما في الاصطلاح فقد اختلفت عبارات السلف في تعريف التوكل على الله تبعاً لتفسيره تارة باعتبار دعاويه وتارة بأسبابه وتارة بأقسامه وتارة بدرجاته وتارة بثمراته وغير ذلك من متعلقاته.

وسبب هذا الاختلاف أن التوكل من أحوال القلوب وأعمالها التي تتفاضل وتتفاوت ويصعب انضباطها بحد وحصرها بألفاظ ولاختلاف أحوال المتوكل بين الاضطرار والاختيار وكذلك لاختلاف الأسباب وأنواعها ودرجاتها وحكمها ومتعلقاتها .
فأما باعتبار دواعي التوكل فلنعلم أن التوكل نَوْعَانِ أَحدهمَا توكل عَلَيْهِ فِي جلب حوائج العَبْد وحظوظه الدُّنْيَوِيَّة أَو دفع مكروهاته ومصائبه الدُّنْيَوِيَّة وَالثَّانِي التَّوَكُّل عَلَيْهِ فِي حُصُول مَا يُحِبهُ هُوَ ويرضاه من الْإِيمَان والتوحيد وَبَين النَّوْعَيْنِ من الْفضل مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله فَمَتَى توكل عَلَيْهِ العَبْد فِي النَّوْع الثَّانِي حق توكله كَفاهُ النَّوْع الأول تَمام الْكِفَايَة وَمَتى توكل عَلَيْهِ فِي النَّوْع الأول دون الثَّانِي كَفاهُ أَيْضا لَكِن لَا يكون لَهُ عَاقِبَة المتَوَكل عَلَيْهِ فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه فأعظم التَّوَكُّل عَلَيْهِ التَّوَكُّل فِي الْهِدَايَة وَتَجْرِيد التَّوْحِيد ومتابعة الرَّسُول وَجِهَاد أهل الْبَاطِل فَهَذَا توكل الرُّسُل خاصة وأتباعهم .
وأما باعتبار أقسامه فينقسم التوكل إلى أربعة أقسام، فانتبه لها جيداً حتى لا تزل قدمك :

القسم الأول: فهو التوكل على الله تعالى في جميع الأمور، من جلب المنافع، ودفع المضار، وهذا القسم هو شرط من شروط الإيمان وصحته .
القسم الثاني: فهو التوكل على المخلوقين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، كإنزال المطر، أو شفاء المرضى، أو تحقيق النصر، أو غير ذلك مما هو من خصائص الربوبية، فهذا شرك أكبر، يستوجب الخلود في النار أبد الآباد والعياذ بالله .
القسم الثالث: التوكل على المخلوقين كالأمراء والسلاطين والوجهاء والمسؤولين فيما أقدرهم الله عليه من دفع الأذى ونحوه، وهذا شرك أصغر، ينافي كمال التوحيد، وينقص درجته لأنه اعتماد على الأشخاص والمخلوقين، إذ أن التوكل الخاص يجب أن يكون على الله وحده لا شريك له .
القسم الرابع: فهو توكيل إنسان للقيام ببعض المعاملات نيابة عنك، من بيع وشراء ونحو ذلك مع تعلق واعتماد القلب على الله وحده، فهذا أمر جائز، ولكن الأولى أن لا تقول: توكلت على فلان، وإنما تقول وَكَّلت فلاناً في قضاء حاجتي كيت وكيت لأن المسلم يظل في جميع الأمور، معتمداً على الله وحده، متوكلاً عليه سبحانه، والتوكيل إذا صحبه ميل القلب كان توكلا وشركا لأن التوكل عبادة قلبية محضة لا يكون إلا لله وحده.
وباعتبار أسبابه فهناك أسباب شبه قطعية طردية كاحراق النار وأخرى طردية غير قطعية كالزواج ، وأسباب مظنونة كالتداوي وأسباب وهمية كالنوء، وأما الموهومة والتي يتوهم إفضاؤها إلى المسببات من غير ثقة ظاهرة كالعدوى والطيرة والهامة وصفر ونحوها فشرط التوكل تركها واجتنابها وشرط صحة التوكل كذلك أن يتجنب العبد الأسباب التي هي لا شرعية ولا كونية كالتمائم ونحوها، وأما المظنونة فهي ما يُرجى من مباشرتها تحقُّقُ المطلوب بتوفيق الله عز وجل كالتداوي لدفع المرض وجلب العافية وهذه استوى طرفاها الفعل والترك وشرطها تجنب المحرم والمكروه، والأسباب المظنونة الالتفات إليها مضعف للتوكل ومنقص لكماله، وأما الطردية وهي التي ارتبطت المسببات بها بتقدير الله ومشيئته ارتباطاً مطرداً، فمنها ما هي مقدورة ومنها ما يخرج عن قدرة العبد أو نقول منها ما يكون باكتساب وأخرى بغير اكتساب، ومثاله القريب: العبد يتوكل على الله ويشق الأرض ويلقي الحب وهذا في مقدوره بتوفيق الله ومشيئته وأما إنزال المطر والإنبات ودفع المؤذيات فهي من خصائص الرب سبحانه وليست في مقدور العبد .
فالأسباب الطردية والمظنونة تحكمهما مراتب القدر الأربعة كغيرها من الأقدار: العلم والكتابة والمشيئة والخلق والإيجاد إن شاء الله سبحانه جعل لها تأثيرا وإن شاء سلبها التأثير لحكمة يعلمها سبحانه، وشرط هذه الأسباب كذلك أن لا تعود على التوكل بالبطلان وأن لا يلتفت العبد أو يركن إليها، والشأن هنا قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئتها، وهي ليست كلها على درجة واحدة بل هي متفاوتة لكنها تحتاج إلى فقه وتوفيق من الله سبحانه. وفقه الأسباب يكمن في نقط أهمها: أولا أن الأسباب لا تستقل بالمطلوب فهي أواني فارغة يضع الله فيها ما يشاء ما ظهر منها وما خفي، وسواء كانت قريبة أو بعيدة، وثانيا العلم بكونها أسبابا نصبها الشارع الحكيم سواء كانت شرعية أو قدرية كونية، وثالثا أنها لا تكون عبادة إلا إذا جعلها الشرع كذلك، وتصير عبادة بدخولها القلب ومزاحمتها للتوكل، ورابعها أن لا يجعل العبد منها ما ليس بسبب سبباً، فتوكل العبادة ويسمى اعتماد افتقار أو الاعتماد المطلق يكون في الأمور كلها دنيوية وأخروية ولاسيما فيما لا يقدر عليها إلا الله تعالى كالنصر والحفظ والرزق والشفاء والكفاية وغيرها وصرف هذه العبادات لغير الله شرك أكبر، وهناك توكل عادة أو مطلق اعتماد وهو توكل على العباد فيما يقدرون عليه وهذا شرك خفي، وهناك توكل شهادة بأن يوكل العبد غيره في فعل مقدور عليه مع توكله المطلق على الله واعتماده عليه في تيسير ما وكله فيه .
وتجدر الإشارة أن الموحد غالبا يتخذ مجموعة أسباب أهمها الشرعية أصالة لأن الأسباب في أصل وجودها كانت شرعية سواء من جهة الطاعة أو المعصية فلا ضير ان تكون المسببات في أصلها شرعية، ومثال ذلك المرض غالبا سببه شرعي وهو المعصية أو الابتلاء فيوفق العبد لاتخاذ مجموعة أسباب مشروعة كالدواء القدري والرقية والدعاء وقيام الليل والصدقة وغيرها من القربات، فالموحد يجهل حقيقة السبب الذي جعل الله فيه التأثير حتى لا يتعلق قلبه بالأسباب بل يتعلق بالله وحده لا شريك له، فينبغي التنبيه أن الاسباب الشرعية لا غنى عنها ولا يهملها إلا غافل وحبذا لو كانت شرعية قدرية من جنس نعم الشفائين العسل والقرآن، فالتوكل -يا عباد الله- عمل قلبي محض، ثم إن الحركة بالجوارح ومنها الأخذ بالأسباب، ليست من ماهية التوكل، بل دليل على صدقه وعلامة على الانقياد والتفويض لله، لكن قد يتعين على العبد الأخذ بالأسباب الطردية من حيث أنه أُمِر بتعاطيها ويجوز في حقه اتخاذ المظنونة، لأنها سنة الأنبياء والمرسلين، ولأن تعطيلها تعطيل للأمر والحكمة لكن مع انخلاع وخلو القلب من التعلق بها .
ولذلك في الاصطلاح حُدَّ التوكل بأنه صدق اعتماد القلب على الله في استجلاب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها مع اتخاذ الأسباب المشروعة وقطع علاقة القلب بها وعدم السكون والركون إليها أو رفعها فوق رتبتها بجعلها مؤثرة بذاتها أو فوق المؤثر، ولذلك كان أكثر شرك الناس اليوم شرك التوكل والأسباب، وإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصلح له توحيده بل حقيقة التوكل توحيد القلب وانخلاعه من علائق الشرك وشاهده حديث ابن مسعود رضي الله عنه (الطِّيرةُ شركٌ ، وما مِنَّا إلَّا ولكنَّ اللهَ يذهبُهُ بالتوكلِ) فلا يجتمع التوكل المحقق مع الشرك في قلب العبد الموحد، وصعوبة تحقيقه أنه أصل لجمیع مقامات الإیمان والإحسان ، ولجمیع أعمال الإسلام، ومنزلته كمنزلة الرأس من الجسد، فلا يستقيم عمل من أعمال الدنيا والآخرة إلا وهو يفتقر إلى التوكل على الله، وصعوبة تحقيقه تكبر وتزداد إذا تعذر فقه الأسباب وإذا تعلق القلب بها أو التفت إليها بل إن الانحراف اليوم في باب التوكل من جهة غلو الناس في الأسباب، واعتمادهم عليها، وانصراف قلوبهم بالكلية إليها، والتفات القلب عن المسبب والخالق حتى صار الإنسان يعتقد الشفاء حتماً بالطبيب الحاذق والدواء العجيب، وحصول الرزق بالوظيفة، وحصول الأمن بإجراءات السلامة، وحماية الممتلكات بالتأمين، وهذا من تأثير الإنصباغ بالحياة المادية وزخرفة الشيطان، ولهذا قال بعض أهل العلم: ((الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد, والعقل, والشرع)) والتوكل عبادة قلبية محضة، عبادة بدليل قوله تعالى {(وعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)} فعلق الإيمان على التوكل وما علق عليه الإيمان فهو عبادة وكما تدل عليه صيغة الأمر "فتوكلوا" وكذلك تقديم ما حقه التأخير يفيد قصر هذا العمل على الله وحده لا شريك له، وهو عبادة قلبية محضة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم «(اعقلها وتوكل) » وفيه عطف يقتضي المغايرة والواو العاطفة إن توسطت بين الصفات اقتضت تغايرها بحسب المفضولات، فالأفعال تشتمل على صفة وعلى زمن، والشيء الواحد إذا ذكر بصفتين مختلتفتين جاز عطف إحداهما على الأخرى، تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات .فإذا كان التَّوكُّلَ يَخُصُّ القَلْبَ، والتَعرُّضَ بالأَسبابِ أَفعالٌ تَخُصُّ البَدَنَ فإن حقيقة أول التوكل علم القلب بأن الأمر كله لله وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه هو النافع الضار المعطي المانع خالق الأسباب ومسببها وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يتبع العلم أعمال القلب وهي اعتماده وتفويضه وانقياده واستسلامه وثقته بالله وبعدها تتخذ الأسباب المشروعة ولذلك لم تكن الأسباب من ماهية التوكل البتة لأنها إذا زاحمت التوكل في القلب تنقضه وتبطله، ولأن الأسباب الكونية إما من خلق الله أومن أمره وقد تقدم أن التوكل لا يكون إلا على الله وحده لا شريك له قال تعالى {(وتوكل على الحي الذي لا يموت)} نهي بمفهوم المخالفة عن التوكل على المخلوقات الفانية الميتة، وكذلك فإنه عند مجرد تعريف التوكل تخرج الأسباب تلقائيا لأنه ذكر فيه أنه اعتماد وتفويض وهذه المعاني لا تعلق لها بالأسباب بل إذا تعلقت بها أفسدت التوكل، فعلاقة التوكل بالأسباب تتجلى لنا أنه ما من عمل من أعمال الدنيا والاخرة إلا ويجب أن يصحبها التوكل وليس كل توكل يلزمه الأسباب ومثاله التوكل الاضطراري، فالسبب لا يستغني عن التوكل بحال والتوكل الاضطراري لا يفتقر إلى الأسباب والتوكل الاختياري لا يعتمد على الأسباب.
التوكل يا عباد الله من أعمال القلوب المحضة والتي هي أصل الايمان ومادته، وما من مقام أجمع لعلم القلب وعمله من التوكل على الله تعالى وهو المقام الذي لا يستغني عنه العبد أبدا، فهوعبادة عظيمة شريفة جعلها بعض السلف نصف بل جماع الإيمان استجمعت صفات ومعاني جليلة منها الثقة بالله وتفويض الأمور إليه وحسن الظن به سبحانه مع طمأنينة القلب بموعود الله والرضا عنه سبحانه والتبرئة من حول وقوة المخلوقات، فالتوكل توحيد ينشأ عن توحيد، حال للقلب ينشأ عن تمام معرفته بالله والايمان بربوبيته مما يوجب كمال الاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه واليقين بكفايته مع قطع الاستشراف بالإياس من الخلق وقطع النظر عن الأسباب بعد تهيئتها، ولذلك لا ينبغي للعبد أن يكون مغبونا في توكله بأن يستفرغ قوة توكله في غير زيادة الإيمان والعلم والعمل ونصرة الدين ومصالح المسلمين، فاللبيب لا يصرف هذه القوة إلى وجع يمكن مداواته برقية أو شربة عسل أو جوع يمكن دفعه برغيف أو تمر أو زواج يمكن بديله وهو الصوم عند عدم الباءة ، أو رزق يمكن تحصيله بغدوة ونحوها، وليس الشأن في اتخاذ الأسباب وأغلبها لا يخفى على من سلمت فطرته واستقام عقله فجبل عليها وزينت له { (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)} لكن الشأن في خلو وانخلاع القلب منها وعدم التعلق بها والالتفات إليها فيجب قطع النظر عنها بعد تهيئتها، فإعمال الأسباب لا يعني الإعتداد بها والاعتماد عليها .
وحيث كان التوكل إيمانا فإنه لا بد أن يستوفي أركانه وهي العلم المنافي للجهل واليقين المنافي للشك والقبول المنافي للرد والانقياد المنافي للترك والاخلاص المنافي للشرك والصدق المنافي للكذب والمحبة المنافية للبغض والبراءة من التعلق بالأسباب والمخلوقات والكفر بكونها تؤثر بذاتها، فوجب صرف رجاء العبد وخوفه ومحبته وتوكله وتفويضه لله وحده.
وفي الحديث «(يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)» فالنفع والضر أمر مقدر قد فرغ منه وما على العبد إلا تحقيق التوكل بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فإن الحسب والكفاية معه {(وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) } فحَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِينَ قالوا: { {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}} وحسبيَ اللهُ لا إلهَ إلا هو عليه توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ ، فاللَّهمَّ لكَ الحمدُ ، أنتَ نورُ السَّمواتِ و الأرضِ و مَن فيهنَّ ، و لكَ الحمدُ ، أنتَ قيُّومُ السَّماواتِ و الأرضِ و مَن فيهنَّ أنتَ الحقُّ ، و وعدُك الحقُّ ، و لِقاؤُك الحقُّ ، و الجنَّةُ حقٌّ ، و النَّارُ حقٌّ و السَّاعةُ حقٌّ اللَّهمَّ لكَ أسلَمتُ ، و بكَ آمَنتُ ، و عليكَ توكَّلتُ ، و إليكَ أنَبتُ ، و لكَ خاصَمتُ ، و إليك حاكَمتُ ، فاغفِر لي ما قدَّمتُ و أخَّرتُ ، و أسرَرتُ و أعلَنتُ ، أنتَ إلهي ، لا إلهَ إلَّا أنتَ.
جمع وترتيب محمد بن عبد الله يسير –غفر الله له-









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 56.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.16 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]