العودة إلى بدء الوحي: سبيل الأمة للخروج من أزمتها الراهنة

[ابوالوليد المسلم]

العودة إلى بدء الوحي: سبيل الأمة للخروج من أزمتها الراهنة

د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر

الحمد لله. تمر الأمة الإسلامية اليوم بفترة عصيبة تتسم بالتحديات الفكرية، والتشويش الثقافي، والتفكك الاجتماعي، وهو وضع يتطلب حلولًا جذرية وإعادة نظر عميقة في جذور حضارتنا وتراثنا الإسلامي الأصيل. وفي هذا السياق، تبرز أهمية العودة إلى لحظة "بدء الوحي" كمنهج إصلاحي شامل، يربط الماضي بالحاضر، ويضيء الطريق نحو مستقبل أفضل.

إن لحظة بدء الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد بداية لرسالة الإسلام فحسب، بل كانت نقطة انطلاق مشروع حضاري متكامل، حمل معه قيم التوحيد، والعدالة، والرحمة، والعلم. ولذا فإن استحضار هذه اللحظة التاريخية المهمة والاستفادة منها يمكن أن يسهم بشكل كبير في مواجهة الواقع الصعب الذي نعيشه اليوم.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة كانت نتيجة نقاش وتوجيه مع فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبدالرحمن النقيب، أستاذ الدراسات الإسلامية واللغة العربية بكلية التربية، جامعة المنصورة، حفظه الله، الذي لديه برنامج تربوي متكامل قائم على هذه الفكرة الرئيسة، ولعل الله عز وجل أن ييسر قريبًا أن يرى هذا البرنامج النور. وإن من نعم الله عز وجل أن أتمكن من لقاء فضيلته ومجالسته والتعلم والتأدب على يديه.

أهمية استلهام بدء الوحي:
إن استلهام مرحلة بدء الوحي يُتيح للأمة فرصة عظيمة لإعادة ترتيب أولوياتها الحضارية والفكرية. فعلى الرغم من أن المجتمع أيام النبي صلى الله عليه وسلم كان مجتمعًا جاهليًا بلا أخلاق، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم. كما أن المجتمع كان جاهلًا، إلا أن أول أمر نزل في القرآن الكريم كان بالقراءة، وبذِكر القلم، وبأهمية العلم. وهذا يوضح أن تأسيس الشخصية على التوحيد الخالص لله عز وجل، والأخلاق الحميدة، كما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أساس لا بد منه، ثم يكون العلم بالقراءة والكتابة، ثم يكون بعد ذلك الانطلاق إلى الدعوة، كما بينته سورة المدثر، ونحتاج في ذلك كله إلى الاستعانة بقيام الليل والخلوة مع الله وتلاوة القرآن الكريم كما أوضحت سورة المزمل، وذلك كله أسس متينة لمواجهة الأزمات الحالية.

فوائد العودة إلى بدء الوحي:
العودة إلى لحظة بدء الوحي تُقدم فوائد عدة للأمة في واقعها المعاصر، منها:
• إعادة إحياء الوعي التاريخي والحضاري لدى الأجيال الشابة.
• تعزيز الهوية الإسلامية والارتباط بجذورها الأصيلة.
• تحصين الشباب فكريًا ضد التيارات التي تستهدف هويتهم وثقافتهم.
• تقوية النسيج الاجتماعي وتعزيز القيم الأخلاقية والروحية.
• تهيئة الأمة فكريًا وعلميًا لمواجهة التحديات المعاصرة بوعي وثبات.


خطوات عملية للعودة إلى بدء الوحي:
لتحقيق العودة الحقيقية إلى بدء الوحي والاستفادة منها عمليًا، لا بد من خطوات منهجية واضحة، تشمل:
• تعزيز دور المؤسسات التعليمية والتربوية في التعريف بأهمية بدء الوحي وقيمه.
• تكثيف البرامج التربوية التي تُعنى بإعادة صياغة الشخصية المسلمة وفق قيم القرآن والسنة.
• توفير بيئة حوارية مفتوحة تساعد على نشر الوعي بأهمية اللحظة التاريخية التي انطلق فيها الوحي.
• إطلاق مبادرات مجتمعية وثقافية تستلهم من قيم بدء الوحي وتطبقها في الواقع.


خاتمة:
إن الأمة الإسلامية، وهي تبحث عن طريق للخروج من أزمتها الراهنة، تجد في العودة إلى بدء الوحي فرصة عظيمة لتجديد مسيرتها الحضارية، وإعادة بناء هويتها الإسلامية على أسس راسخة. هذه العودة لا تعني الرجوع إلى الماضي فحسب، بل هي انطلاق نحو المستقبل بقيم ومبادئ ثابتة، تمكن الأمة من مواجهة تحديات العصر بثقة وأمل.