|
|||||||
| ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي آداب السلام فضل السلام: ١- عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلًا سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ))؛ [متفق عليه]. ٢- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ))؛ [أخرجه مسلم]. ٣- وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بسَلاَمٍ))؛ [أخرجه الترمذي وابن ماجه]. كيفية السلام: يُسْتَحَبُّ أنْ يَقُولَ المُبْتَدِئُ بالسلام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، فيأتي بِضَميرِ الجَمْعِ، وَإنْ كَانَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، ويقول المجيب: "وَعَلَيْكُمْ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ"؛ لحديث عمران بن حصين: ((أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليك، ثم قال: وعليكم السلام، ثم قعد، فقال: عشر، ثم سلم عليه مرة أخرى رجل آخر، فقال: السلام عليك ورحمة الله، ثم قعد فرد عليه، وقال: عشرون، ثم سلم عليه آخر، فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، ثم قعد، فرد عليه، ثم قال: ثلاثون))؛ [رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وحسنه وصححه الألباني]، وأخرج أبو داود في سننه من حديث سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث عمران، وزاد: ((ثم أتى آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أربعون، قال: هكذا تكون الفضائل))؛ [ضعفه الألباني: 5196]. فإن قال المبتدئ: السلام عليكم، حصل السَّلامُ، وإن قال: السلام عليكَ، أو سلام عليكَ، حصل السلام؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ؛ نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٍ، فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ؛ فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ، وَتَحِيَّةُ ذُرّيَّتِكَ، فقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ))؛ [رواه البخاري ومسلم]. وأما الجواب فأقله: وعليكَ السلام، أو وعليكم السلام، أو عليكم السَّلام؛ لحديث المسيء صلاته وفيه: ((ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ))؛ [رواه البخاري ومسلم]، ورجحه النووي في الأذكار والسفاريني في غذاء الألباب. ولو قال المجيب: وعليكم؛ أجزأه؛ ورجحه البغوي في شرح السنة (١٢/ ٢٥٥). الأولَى البدء بالسلام: ١- عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أوْلَى النَّاسِ باللَّهِ مَنْ بَدأَهُمْ بالسَّلامِ))؛ [رواه أبو داود والترمذي]. ٢- عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ، وَالمَارُّ عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِير))؛ [متفق عليه]. ٣- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، والمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ))؛ [متفق عليه]. السلام على من عرفت ومن لم تعرف: عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلا سَألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: ((تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ))؛ [متفق عليه]. السلام عند الدخول وعند الخروج: عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَتْ الأُولَى بأَحَقَّ مِنْ الآخِرَةِ))؛ [أخرجه أبو داود والترمذي]. السلام على الصبيان: ١- عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: ((أنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ))؛ [متفق عليه]. السلام على الكفار: ١- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ تَبْدَؤوا اليَهُودَ وَلاَ النّصَارَىَ بِالسَّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَىَ أَضْيَقِهِ))؛ [أخرجه مسلم (٢١٦٧)]. ٢- وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ))؛ [متفق عليه]. إذا مرَّ واحدٌ على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفَّار، فالسنَّة أن يُسلِّم عليهم يقصد المسلمين أو المسلم. عن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على مجلسٍ فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود، فسلَّم عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه البخاري ومسلم]. قال ابن القيم في زاد المعاد: "وقد اختلف السَّلَفُ والخَلَفُ في ذلك، فقال أكثرُهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يُردُّ عليهم، رُوى ذلك عن ابن عباس، وأبي أُمامة، وابْنِ مُحَيْرِيز، وهو وجه في مذهب الشافعي رحمه اللَّه، لكن صاحبُ هذا الوجه قال: يُقال له: السَّلامُ عَلَيْكَ، فقط بدونِ ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد، وقالت طائفة: يجوزُ الابتداءُ لِمصلحة راجحة مِن حاجة تكون له إليه، أو خوف مِن أذاه، أو لِقرابةٍ بينهما، أو لِسببٍ يقتضِي ذلك، يُروى ذلك عن إبراهيم النَّخعي، وعلقمَة، وقال الأوزاعيُّ: إن سلَّمْتَ، فقد سلَّمَ الصالحونَ، وإن تركتَ، فقد ترك الصَّالِحون". قال الشيخ ابن باز: "الصواب عموم السنة فلا يخرج عنها، فإذا عرف أنه كافر فلا يبدؤوه بالسلام، فإن سلم الكافر، فإنه يرد عليه وإن لم يعرف من يقابله، فإنه يسلم لحديث: ((تُقرِئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف))، ولا وجه لأي قول يخالف صريح السنة، إذا وردت، وأما إذا لم يرد في السنة شيء، فهو محل اجتهاد". قال ابن القيم في زاد المعاد: "واختلفوا في وجوب الرد عليهم، فالجمهورُ على وجوبه، وهو الصوابُ، وقالت طائفة: لا يجبُ الردُّ عليهم، كما لا يجبُ على أهل البدع وأولى، والصواب الأول، والفرق أنَّا مأمورون بهجر أهلِ البدع تعزيرًا لهم، وتحذيرًا منهم، بخلاف أهل الذمة". قال الشيخ ابن باز: "الصواب هو الرد عليهم، وأما أهل البدع فيهجرون؛ تعزيرًا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب بن مالك". تسليم الرجال على النساء: ♦ عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: ((كانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ - وفي رواية: كانَتْ لَنا عَجُوزٌ - تأْخُذُ منْ أصُولِ السِّلْقَ فتطْرَحُهُ فِي القِدْرِ، وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ منْ شَعِيرٍ، فَإذَا صَلَّيْنا الجُمُعَةَ وانْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْها فَتُقدِّمُهُ إليْنَا))؛ [رواه البخاري]، قَوْله: "تُكَرْكِرُ"؛ أي: تَطحَنُ. ♦ عَنْ أَسْمَاء بنت يَزِيد رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: ((مَرَّ عَلَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا))؛ [أخرجه أبو داود وابن ماجه]. تسليم النساء على الرجال: عَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: ((ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأمِّ هَانِئٍ...))؛ [متفق عليه]. قال ابن القيم في زاد المعاد: "وهذا هو الصوابُ في مسألة السلام على النساء: يُسلِّم على العجوز وذواتِ المحارم دونَ غيره". قال الشيخ ابن باز في التعليق على زاد المعاد: "هذا فيه نظر، بل يسلم على المحارم وغير المحارم، مع مراعاة ما حرم الله من الخلوة، ووجوب غض البصر، فالصواب السلام على العموم، ولها البداءة بالسلام؛ لعموم الأدلة الدالة على أفضلية البداءة بالسلام".
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي آداب المصافحة والمعانقة والتقبيل قال النووي:"المصافحة مستحبة عند كل لقاء"؛ [الأذكار (١/ ٢٦٦)]. فضل المصافحة: • عن أبي الخطاب قتادة، قال: ((قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم))؛ [رواه البخاري]. • وعن أنس رضي الله عنه قال: ((لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة))؛ [رواه أبو داود بإسناد صحيح]. • وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، إلا غُفر لهما قبل أن يفترقا))؛ [رواه أبو داود]. • وعن أنس رضي الله عنه قال: ((قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن]. متى تكون المصافحة والمعانقة؟ عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقَوا تصافحوا، وإذا قدِموا من سفر تعانقوا))؛ [أخرجه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في الصحيحة (٢٦٤٧)]. مصافحة المرأة الشابة: الصواب أنه لا يصافح الإنسان إلا زوجته أو محارمَه من النساء، ولا يصافح المرأة الأجنبية ألبتةَ؛ وهو قول جمهور العلماء والأئمة الأربعة، واختيار ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين؛ لحديث أميمة بنت رقيقة: ((قالت: يا رسول الله، بايعنا، قال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأةٍ قولي لمائة امرأة))؛ [رواه أحمد، والترمذي، والنسائي]. مصافحة المرأة العجوز: اختُلف في حكم مصافحتها للرجل على أقوال: ١-عدم جواز مصافحتها مطلقًا؛ وهو مذهب المالكية، ورواية في مذهب الحنابلة. ٢-جواز مصافحتها بحائل بين اليدين، إذا أُمِنتِ الفتنة، وهو وجه عند الشافعية. ٣ -جواز مصافحتها بدون حائل إذا أمنت الفتنة من الطرفين، وهو مذهب الحنفية، ورواية في مذهب الحنابلة. والخلاف في المسألة قويٌّ، ولكن الراجح والأحوط عدم مصافحة العجوز بحائل، وبدون حائل. والدليل على هذا ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: ((قالت: ما مسَّتْ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأة قطُّ)). • وروى الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار، أنه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لأنْ يُطعَنَ في رأس أحدكم مخيط من حديد خيرٌ له من أن يمَسَّ يد امرأة لا تحل له))؛ [صححه الألباني في الصحيحة]، وصوَّب بعضهم أنه من قول معقل بن يسار، ولا يصح مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. مصافحة الكفار: •مصافحة الكفار تابعة للسلام عليهم، فإذا كان لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، فلا يجوز ابتداؤهم بالمصافحة، لكن إذا سلَّم الكافر ومد يده للمصافحة، فلا حرج بردِّ السلام عليه ومصافحته. • المصافحة بكلتا اليدين مباحة لا سُنَّة ولا بدعة؛ قال البخاري: (باب: الأخذ باليدين)، وصافح حماد بن زيد ابنَ المبارك بيديه؛ وفي حديث ابن مسعود قوله: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه))؛ أي: إنه صلى الله عليه وسلم آخذٌ بكفِّ ابن مسعود بكفيه كلتيهما. قال شراح الحديث: إن الأخذ باليد هو مبالغة في المصافحة، ونوع احتفاء بالمصافَح. •سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن المصافحة بعد العصر والفجر، هل هي سنة مستحبة أم لا؟ فأجاب رحمه الله بقوله: "أما المصافحة عقب الصلاة، فبدعة، لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستحبها أحد من العلماء". مصافحة الجالسين عند دخول المجلس: قال ابن عثيمين: "لا أعلم فيها شيئًا من السنة، ولهذا لا ينبغي أن تُفعل. بعض الناس الآن إذا دخل المجلس بدأ بالمصافحة من أول واحد إلى آخر واحد، وهذا ليس بمشروع فيما أعلم، وإنما المصافحة عند التلاقي، أما الدخول إلى المجالس، فإنه ليس من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه أن يفعلوا ذلك، وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي ويجلس حيث ينتهي به المجلس، ولم نسمع أيضًا أنه إذا جلس حيث ينتهي به المجلس أنهم يقومون ويصافحونه، فالمصافحة على هذا الوجه ليست بمشروعة"؛ [الباب المفتوح]. المعانقة: كرَّه المالكية المعانقةَ مطلقًا، وقال الشافعية بسُنية المعانقة للقادم من السفر وتباعد اللقاء، وقال الحنفية والحنابلة بالإباحة. • وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قدِم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه، فاعتنقه وقبَّله))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وضعفه الألباني]. عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه (وهب بن عبدالله) قال: ((لما قدم جعفر بن أبي طالب من هجرة الحبشة، تلقَّاه النبي صلى الله عليه وسلم فعانقه، وقبَّل ما بين عينيه))؛ [رواه الطبراني والهيثمي، وحسنه الألباني في الصحيحة (٢٦٦٧)]. عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقَوا تصافحوا، وإذا قدِموا من سفر تعانقوا))؛ [رواه الطبراني والهيثمي والمنذري، وحسنه الألباني في السلسة الصحيحة (٢٦٤٧) بقوله: (إسناده جيد)، وقال الشيخ ابن باز في "مجموع فتاوى ومقالات" (١١/ ٣٨٩): (رواته محتج بهم في الصحيح)]. ولما رحل جابر بن عبدالله رضي الله عنه إلى عبدالله بن أنيس رضي الله عنه شهرًا إلى مصر خرج عبدالله بن أنيس رضي الله عنه، واعتنق كل منهما الآخر؛ [رواه أحمد (٢٦ /٤٣٢)، والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني في الصحيحة (٦/ ٣٠٣)]. وعن الشعبي: ((أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقَوا تصافحوا، وإذا قدِموا من سفر تعانقوا))؛ [رواه البيهقي والطحاوي، وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية، والألباني (٦/ ٣٠٤) بقوله: (إسناده جيد)]. يقول الإمام البغوي: "فأما المكروه من المعانقة والتقبيل، فما كان على وجه المَلَقِ (الزيادة في التودد)، والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه، فعند التوديع، وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب، وشدة الحب في الله، وإنما كُره ذلك في الحضر فيما يرى؛ لأنه يكثر، ولا يستوجبه كلُّ أحد، فإنْ فَعَلَهُ الرجل ببعض الناس دون بعض، وَجَدَ عليه الذين تركهم، وظنوا أنه قصَّر بحقوقهم، وآثر عليهم، وتمام التحية المصافحةُ"؛ [شرح السنة (١٢/ ٢٩٣)]. وقال الشيخ ابن باز: "فالسنة الدائمة الغالبة هي المصافحة عند اللقاء، والمعانقة عند القدوم من السفر، وإذا زاد على هذا بأن قبَّل بعض الأحيان، فلا بأس، قبَّل الرأس، أو اليد، أو الخد، أو الرجل، فلا بأس، من غير غلو، المعانقة لا بأس بها قبل السفر وعند القدوم"؛ [شرح رياض الصالحين (٢٩٤)]. وقال الشيخ ابن عثيمين: "هي من الأمور التي يُتبع فيها العرف إذا كان فيها جلبُ مودة، وقد اعتاد الناس اليوم أنهم يتعانقون عند اللقاء بعد الأسفار، ويتعانقون أيضًا عند الوداع في الأسفار؛ فهي من الأمور التي تكون حسب العادة"؛ [اللقاء الشهري (١٣)]. تقبيل الأبناء والأطفال: • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما، فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم))؛ [متفق عليه]. تقبيل البنات والأقارب والمحارم كالأخوات والعمات والخالات: • عن البراء قال: ((فدخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حُمى، فرأيت أباها، فقبَّل خدها، وقال: كيف أنت يا بنية؟))؛ [رواه البخاري (٣٩١٧)]. • وعن عائشة قالت: ((ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا وهَدْيًا ودَلًّا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها))؛ [رواه البخاري (٣٧٦٢)]. "سُئل الإمام أحمد رحمه الله: يُقبِّل الرجل ذات محرم منه؟ قال: إذا قدم من سفر، ولم يَخَفْ على نفسه". قال ابن مفلح: "ولكن لا يفعله على الفم أبدًا، الجبهة أو الرأس"؛ [الآداب الشرعية (٢/ ٢٥٦)]. وفي الإقناع (٣/ ١٥٦): "ولا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات المحارم إذا لم يخَفْ على نفسه، لكن لا يفعله على الفم، بل الجبهة والرأس". وفي الموسوعة الفقهية (١٤/ ١٣٠): "لا يجوز للرجل تقبيلُ فمِ الرجل أو يده أو شيء منه، وكذا تقبيل المرأة للمرأة، والمعانقة ومماسة الأبدان، ونحوها، وذلك كله إذا كان على وجه الشهوة، وهذا بلا خلاف بين الفقهاء... أما إذا كان ذلك على غير الفم، وعلى وجه البر والكرامة، أو لأجل الشفقة عند اللقاء والوداع، فلا بأس به". تقبيل الزوجة: •عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي كان يقبِّل بعض زوجاته، ثم يصلي، ولا يتوضأ))؛ [رواه أبو داود]. وعن عائشة رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملكَكُم لإرْبِهِ)). فيجوز للزوج الاستمتاعُ بكل جسد المرأة بالتقبيل ونحوه. قسَّم بعض أهل العلم التقبيل إلى خمسة أقسام: ١- قبلة المودة للولد على الخد. ٢- قبلة الرحمة للوالدين على الرأس. ٣ -قبلة الشفقة لأخيه على الجبهة. ٤-قبلة الشهوة لامرأته أو أَمَتِه على الفم. ٥ -قبلة التحية للمؤمنين على اليد؛ أي: للعلماء أو للأبوين. ٦ -قبلة الديانة للحجر الأسود، للحاج والمعتمر. تقبيل الميت: روى البخاري في كتاب الجنائز: ((أن أبا بكر أقبل على فرسه من مسكنه بالسُّنْحِ، حتى نزل، فدخل المسجد فلم يكلمِ الناس، حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمَّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم – قصده - وهو مسجًّى ببرد حِبَرَة، فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه، فقبَّله ثم بكى، فقال: بأبي أنت يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتةُ التي كُتبت عليك فقد نِلْتَها))؛ [رواه البخاري (١٢٤١)]. • عن عائشة قالت: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبَّل عثمان بن مظعون وهو ميت، حتى رأيت الدموع تسيل))؛ [رواه أبو داود (٣١٦٣)، والترمذي (٩٨٩)، وابن ماجه (١٤٥٦)، وأحمد، وصححه الألباني]. حكم تقبيل الأمْرَدِ: الأمردُ إذا لم يكن صبيحَ الوجه، فحكمه حكم الرجال في جواز تقبيله للوداع والشفقة دون الشهوة، أما إذا كان صبيحَ الوجه يُشتهى، فيأخذ حكم النساء، فتحرُمُ مصافحته وتقبيله ومعانقته، بقصد التلذذ، عند عامة الفقهاء. حكم تقبيل الفم: "لا يجوز للرجل تقبيل فم الرجل أو يده أو شيء منه، وكذا تقبيل المرأة للمرأة، والمعانقة ومماسَّة الأبدان، ونحوها، وذلك كله إذا كان على وجه الشهوة، وهذا بلا خلاف بين الفقهاء... أما إذا كان ذلك على غير الفم، وعلى وجه البر والكرامة، أو لأجل الشفقة عند اللقاء والوداع، فلا بأس به"؛ [الموسوعة الفقهية (١٣/ ١٣٠)]. تقبيل الخبز: صرح الشافعية بجواز تقبيل الخبز، وقالوا: إنه بدعة مباحة أو حسنة؛ لأنه لا دليل على التحريم ولا الكراهة، لأن المكروه ما ورد عنه نهيٌ، أو كان فيه خلاف قوي، ولم يرد في ذلك نهي، فإن قُصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن، ودوسه مكروه كراهة شديدة، بل مجرد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه. وقال صاحب الدر من الحنفية مؤيدًا قول الشافعية في جواز تقبيل الخبز: وقواعدنا لا تأباه، أما الحنابلة فقالوا: لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات، إلا ما استثناه الشرع"؛ [الموسوعة الفقهية (١٣/ ١٣٣، ١٣٤)]. قال ابن مفلح: "وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين؛ فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات، إلا ما استثناه الشرع"؛ [الآداب الشرعية (٣/ ٢٣١)]. وإلى المنع ذهب المالكية أيضًا، قالوا: "ويُكره تقبيل المصحف وكذا الخبز والمعتمَد أن امتهانه - أي الخبز – مكروه"؛ [الخرشي على خليل (٢/ ٣٢٦)، الفواكه الدواني (١/ ٣٥٦)]. وقد نص ابن الحاج على أن تقبيل الخبز بدعة. • لم يرد فيه دليل، لكن الخبز ورد الحديث بإكرامه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكرموا الخبز))؛ [رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه السيوطي في الجامع الصغير، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (١/ ٢٥٦)]. قال المناوي: "إن إكرام الخبز عام بسائر أنواعه، ومثَّلوا لذلك بأن لا يوضع عليه ما يلوثه ويقذره أو يغير رائحته، ألَّا يوطَأ ولا يمتهن كأن يُستنجى به أو يُوضع في القاذورة والمزابل، أو يُنظَر إليه بعين الاحتقار"؛ [فيض القدير (٢/ ٩١)]. جاء عن عائشة: ((دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كِسْرَةً مُلقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: يا عائشة، أكرمي كريمكِ؛ فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم))؛ [رواه ابن ماجه (٣٣٥٣)، وهو ضعيف]. حكم تقبيل المصحف: اختلف العلماء في حكم تقبيل المصحف؛ فمنهم من استحبه كالشافعية، وذهب آخرون إلى إباحة ذلك كالحنفية والحنابلة، قال النووي في كتاب التبيان: "رُوينا في مسند الدارمي بإسناد صحيح عن أبي مليكة: أن عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي كتاب ربي". وذهب المالكية إلى القول بكراهة تقبيل المصحف. وقال ابن تيمية: "القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئًا مأثورًا عن السلف، وقد سُئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف، فقال: ما سمعت فيه شيئًا"؛ [الفتاوى (٢٣/ ٦٥)]. قال ابن مفلح: "ويجوز تقبيل المصحف، قدمه في الرعاية وغيرها، وعنه – أي: عن الإمام أحمد - يُستحب؛ لأن عكرمة بن أبي جهل كان يفعل ذلك؛ رواه جماعة منهم الدارمي وأبو بكر بن عبدالعزيز، وعنه التوقف فيه، وفي جعله على عينيه، قال القاضي في الجامع الكبير: إنما توقف عن ذلك، وإن كان فيه رفعة وإكرام؛ لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يُستحب فعلُهُ، وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف"؛ [الآداب الشرعية (٢/ ١٧٣)]. قال ابن باز: "لا نعلم في تقبيل المصحف شيئًا مأثورًا، التقبيل للقرآن ليس له أصل معتمد، وليس بمشروع، يُروى أن عكرمة بن أبي جهل أحد الصحابة كان يقبله، ويقول: هذا كتاب ربي، لكن لا أعلم له سندًا صحيحًا ثابتًا عنه رضي الله عنه وأرضاه، وبكل حال فتقبيله لا حرج فيه، لكن ليس بمشروع، ولو قبَّله إنسان، فلا حرج عليه، لكن ليس هذا بمشروع، ولم ينقل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيدَ ثابتة، فالأولَى ترك ذلك". تقبيل اليد: أجاز أكثر العلماء تقبيلَ اليد للوالد، والعالم، والإمام العادل؛ إكرامًا وتقديرًا له. وكره مالك وغيره ذلك واعتبروه السجدة الصغرى. عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة قال فيها: ((فدنَونا من النبي صلى الله عليه وسلم فقبَّلنا يده))؛ [رواه أبو داود، وضعفه الألباني]. وعن صفوان بن عسال قال: ((قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألا عن تسع آيات بينات، وذكر الحديث إلى قوله: فقبَّلا يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال النووي في المجموع: بإسناد صحيح، واستنكره النسائي، وضعفه الألباني]. وعند البخاري في الأدب المفرد: "أن بعض التابعين أتَوا سلمة بن الأكوع، فأرانا يدًا، يقول الراوي: مثلَ خفِّ البعير فقمنا إليها فقبَّلناها"؛ [صححه الألباني]. قال النووي: "تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه أو شرفه أو صيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يُكره، بل يُستحب، فإن كان لغِناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا، فمكروه شديد الكراهية"؛ [الأذكار للنووي (١/ ٢٦٢)، الفتح (١١/ ٥٧)]. قال ابن تيمية: "فأما تقبيل اليد، فلم يكونوا يعتادونه إلا قليلًا، وأما ابتداء مدِّ اليد للناس ليقبِّلوها وقصده لذلك، فيُنهى عن ذلك بلا نزاع، كائنًا من كان، بخلاف ما إذا كان المقبِّلُ المبتدئَ بذلك"؛ [مختصر الفتاوي المصرية (٢/ ٢٦، ٢٧)، والآداب لابن مفلح (١/ ٣٢٧)]. وقال ابن باز: "وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لقُوه يصافحونه، ولا يقبِّلون يده، وربما قبَّل يده بعض الصحابة بعضَ الأحيان، ولكنها أحوال قليلة، والمشهور عنهم المصافحة، وهذا هو الأكثر، وتقبيل يده أو قدمه، إنما هو شيء قليل، جاء في بعض الأحاديث لأسبابٍ، فعله بعض الصحابة عند قدومه من السفر، فالحاصل: أن السنة الغالبة هي المصافحة عند السلام واللقاء، أما تقبيل اليد، إذا فُعل بعض الأحيان، فلا حرج فيه لمصلحة شرعية، أما اتخاذه عادة، فهو خلاف السنة"؛ [فتاوى نور على الدرب (شريط رقم ٤٨٨)]. وقال الشيخ الألباني: "وأما تقبيل اليد، ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة، يدل مجموعها على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط الآتية: ١- ألَّا يُتَّخَذ عادة، بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته، ويتطبع هؤلاء على التبرك بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن قُبِّلت يده، فإنما كان ذلك على النُّدرة، وما كان كذلك، فلا يجوز أن يُجعَلَ سُنَّة مستمرة، كما هو معلوم من القواعد الفقهية. ٢- ألَّا يدعو ذلك إلى تكبُّرِ العالم على غيره، ورؤيته لنفسه، كما هو الواقع مع بعض المشايخ اليوم. ٣- ألَّا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة، كسنة المصافحة، فإنها مشروعة بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وهي سبب تساقط ذنوب المتصافحين، كما رُوي في غير ما حديث واحد، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر، أحسن أحواله أنه جائز؛ [السلسلة الصحيحة (حديث ١٦٠)]. أما ما ورد من نهي النبي الرجلَ عن تقبيل يده، وقوله له: ((هذا إنما يفعله الأعاجم بملوكها، إنما أنا رجل منكم))، فهذا حديث قد رواه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب، وأبو يعلى في مسنده، كلهم من طريق يوسف بن زياد الواسطي، عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، وكلٌّ من يوسف بن زياد الواسطي وشيخه ضعيفٌ. تقبيل الرأس: تقبيل الرأس شائع في عصرنا، مع أنه في النصوص قليل، بل نادرٌ، ولم يثبُت فيه شيء مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعده الشيخ عبدالرحمن البراك من المباحات، والأصل فيه الجواز، ولكن لا يكون عادة. تقبيل القدم والرِّجل: عن صفوان بن عسال قال: ((قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألا عن تسع آيات بينات، وذكر الحديث إلى قوله: فقبَّلا يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي))؛ [رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال النووي في المجموع: بإسناد صحيح، واستنكره النسائي، وضعفه الألباني]. فزيادة الرِّجل عدَّها أكثر العلماء شاذة ومُدْرَجة في الحديث، فلم يثبت شيء مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن السلف، ما يدل على مشروعية تقبيل القدم والرِّجل. فلا يصح شيء في تقبيل الرِّجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح عن الصحابة والتابعين وأتباعهم شيء في ذلك فيما نعلم، وترك تقبيل قدمَيِ الوالدين أسلمُ للدين. وقد اختلف أهل العلم في تقبيل القدم - وخصوصًا الوالدين أو أهل العلم والصلاح - على أقوال: • فمنهم من أباحه كابن عثيمين والعباد وابن باز على قول، مع تقييده بأن يكون أحيانًا؛ قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الحاصل: أن هذين الرجلين قبَّلا يد النبي صلى الله عليه وسلم، ورجله، فأقرهما على ذلك، وفي هذا: جواز تقبيل اليد، والرجل، للإنسان الكبير الشرف والعلم، كذلك تقبيل اليد والرجل، من الأب والأم، وما أشبه ذلك؛ لأن لهما حقًّا، وهذا من التواضع"؛ شرح رياض الصالحين (٤/ ٤٥١)]. وسُئل الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله: أبي أحيانًا يأمرني بتقبيل رجله مازحًا؟ فأجاب: لا مانع من أن تقبلها؛ [شرح سنن أبي داود (٢٩/ ٣٤٢)]. • ومنهم من منعه كابن باز في قوله الآخر؛ حيث سُئل: هل يجوز للإنسان أن يقبل قدمَيْ والديه؟ فقال: لا، المصافحة تكفي، أو تقبيل ما بين عينيه ورأسه. س: والذي يفعل هذا؟ ج: تركُه أولى، تركه أولى، والله أعلم. • ومنهم من توسَّط، فمنع تقبيل القدم إذا كان فيه انحناء؛ كالفوزان.
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي آداب الاستئذان حكمة الاستئذان: 1- قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27]. 2- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: ((اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِدْرى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ))؛ [متفق عليه]. قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري عند شرحه لهذا الحديث: "إنما جُعِل - أي الاستئذان - خوفَ النظر إلى عورة المؤمن وما لا يحل منه". كيفية الاستئذان: 1- عَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا اسْتَأْذَنَ أحَدُكُمْ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ))؛ [متفق عليه]. 2- وَعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: حَدَّثنَا رَجُلٌ مَنْ بَنِي عَامِرٍ: ((أَنَّهُ اسْتَأْذنَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: أَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ: اخْرُجْ إِلَى هَذا فَعَلِّمْهُ الاِسْتِئْذانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ))؛ [أخرجه أحمد، وأبو داود]. أين يقف من يريد الاستئذان؟ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبلْ البَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأيْمَنِ أَوْ الأيْسَرِ، وَيَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ))؛ [أخرجه أحمد وأبو داود]. وقت استئذان المماليك والصغار: قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58]. من دعاه أحد فجاء إليه فليستأذن: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنهُ قال: ((دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: أبَا هِرٍّ، الحَقْ أهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ، قال: فَأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا، فَأذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا))؛ [أخرجه البخاري]. عدم النظر في بيت غيره إلا بإذنه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ))؛ [متفق عليه]. ما يقوله المستأذن إذا سُئل عن اسمه: 1- عَنْ أمِّ هَانِئٍ بِنْتَ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالتْ: ((ذَهَبْتُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أنَا أمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبِي طَالِبٍ...))؛ [متفق عليه]. 2- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ((أتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقُلْتُ: أنَا، فَقَالَ: أنَا أنَا، كَأنَّهُ كَرِهَهَا))؛ [متفق عليه]. أن يقف بجانب الباب ولا يقف أمامه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب مِن تلقاء وجهه، ولكن من رُكنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: ((السلام عليكم، السلام عليكم))، وذلك أن الدُّور لم يكن عليها يومئذٍ سُتُور؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني]. ينبغي للمستأذن ألَّا يدق الباب بعنف. عن أنس بن مالك أنه قال: ((إن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني]؛ قال الحافظ ابن حجر: "وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب، وهو حسن لمن قرب محله من بابه، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر، فيستحب أن يُقرع بما فوق ذلك بحسبه"؛ [فتح الباري (ح: ٦٢٥٠)(١١/ ٣٨)]. • من دُعِيَ أو أُرسل إليه رسول، فإنه لا يحتاج إلى الاستئذان؛ وذلك أن توجيه الدعوة وإرسال الرسول يتضمن الإذن، فاستُغني بالدعوة والرسول عن الاستئذان. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رسول الرجل إلى الرجل إذنه))؛ [رواه أبو داود (٥١٨٩)، وقال الألباني: صحيح]. وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دُعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول، فإن ذلك له إذن))؛ [رواه أبو داود (٥١٩٠)، وقال الألباني: صحيح]، واستثنى بعض أهل العلم ما إذا تأخر المدعو عن وقت الدعوة، أو كان في مكان يُحتاج معه في العادة إلى الإذن، فإنه يستأذن. • الاستئذان عند إرادة القيام والانصراف من المجلس، وهذا أدبٌ نبوي رفيع، يوجه الزائر إلى سلوك الأدب في الانصراف، فكما أن دخولك كان بإذن، فليكن انصرافك بإذن أيضًا، ولعل العلة في ذلك هو خشية وقوع البصر على شيء لا يحل النظر إليه، أو غير مرغوب في رؤيته؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومن حتى يستأذنه))؛ [قال الألباني في سلسلته الصحيحة: رواه أبو الشيخ في تاريخ أصبهان (١١٣)، السلسلة (١/ ٣٠٤) ح (١٨٢)]. • الاستئذان على الأم والأخت ومن في حكمهما؛ وذلك لكيلا يقع البصر على عورة، أو هيئة تكره النساء أن يراهن أحد، وهن على تلك الحالة. عن علقمة قال: "جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود قال: أأستأذن على أمي؟ فقال: ما على كل أحيانها تحب أن تراها"؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد (١٠٥٩)، وقال الألباني: صحيح الإسناد]، وعن مسلم بن نذير قال: "سأل رجل حذيفة فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره"؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد (١٠٦٠)، وقال الألباني: حسن الإسناد]. وعن عطاء قال: "سألت ابن عباس فقلت: أستأذن على أختي؟ فقال: نعم، فأعدت فقلت: أُختان في حجري، وأنا أُموِّنهما، وأنفق عليهما، أستأذن عليهما؟ قال: نعم، أتحب أن تراهما عريانتين؟"؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد (١٠٦٣)، وقال الألباني: صحيح الإسناد].
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي آداب المجلس ♦ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]، هذه الآية أصل في آداب الاجتماع واللقاء في المجالس والمنتديات. تواضع النبي صلى الله عليه وسلم بالجلوس مع أصحابه: عن أنس قال: ((بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ))؛ [رواه البخاري]. وعن جابر بن سمرة قال: ((جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت، فربما يتبسم معهم))؛ [رواه الترمذي وصححه]. ♦ السلام على أهل المجلس عند القدوم والانصراف؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلِّم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثم إن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة))؛ [قال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني]. استحباب ذكر الله تعالى: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم فيه، إلا كان عليهم تِرَة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))؛ [رواه الترمذي وقال: حديث حسن]، ترة: يعني: حسرة وندامة. الجلوس حيث ينتهي المجلس: عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: ((كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في الصحيحة (٣٣٠)]. ♦ تجنب الجلوس بين اثنين جلسا مع بعضهما قبله إلا إذا فسحا له بينهما؛ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، وفي رواية لأبي داود: ((لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما))، وصححه الألباني]. ♦ من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه، فهو أحق به))؛ [رواه مسلم (٢١٧٩)]. لا يُقام أحد من مجلسه ليجلس فيه آخر: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه))؛ [رواه البخاري (٦٢٦٩)، ورواه أحمد بلفظ: ((لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم))، وصححه الألباني، صحيح الأدب المفرد، ص: ٤٤٠، والصحيحة: برقم: ٢٢٨]. حفظ أسرار المجلس: عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حدَّث رجل رجلًا بحديث ثم التفت فهو أمانة))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (٥٠٠)]. الحذر من التناجي في المجلس: فإن كان في المجلس الواحد ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الثالث؛ مراعاة لمشاعره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس؛ من أجل أن ذلك يحزنه))؛ [رواه البخاري ومسلم]. قال ابن حجر رحمه الله: "قال الخطابي: وإنما قال: ((يحزنه)) لأنه يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له))؛ [فتح الباري (١١/ ٨٦)]. عدم الانفراد بالحديث: قال عبدالله بن مسعود: "حدِّث القوم إذا أقبلت عليك قلوبهم، فإذا انصرفت عنك، فلا تحدثهم، فقال له: وما علامة ذلك؟ قال: إذا أحدقوا إليك أبصارهم فقد أقبلت عليك قلوبهم، فإذا اتكأ بعضهم على بعض، فقد انصرفت عنك قلوبهم، فلا تحدِّثهم"؛ [أخرجه البغوي في شرح السنة (١/ ٣١٣)]. عن الحسن قال: "حدثوا الناس ما أقبلوا عليكم بوجوههم، فإذا التفتوا فاعلموا أن لهم حاجات"؛ [رواه ابن أبي شيبة (٢٦٥٠٥)]. ذكر كفارة المجلس في ختام اللقاء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جلس في مجلس، فكثر فيه لَغَطُهُ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك))؛ [رواه الترمذي، وأحمد، وغيرهما (صحيح الجامع ٦١٩٢)]. القيام للقادم والداخل للمجلس: القيام ثلاثة أقسام كما قال العلماء: ١- القسم الأول: أن يقوم عليه وهو جالس للتعظيم، كما تُعظِّم العجم ملوكها وعظماءها، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يجوز؛ لحديث معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يتمثَّل له الرجال قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار))؛ [أخرجه أبو داود (٥٢٢٩)، والترمذي (٢٧٥٥) واللفظ له، وأحمد (١٦٩١٨)]؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلسوا لما صلى بهم قاعدًا، أمرهم أن يجلسوا ويصلوا معه قعودًا؛ عن أنس بن مالك قال: ((اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يُسمِع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا، فلما سلم، قال: إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم، وهم قعود، فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا))؛ [رواه مسلم (٤١٣)]. ٢ - القسم الثاني: أن يقوم لغيره واقفًا لدخوله أو خروجه من دون مقابلة ولا مصافحة، بل لمجرد التعظيم، فهذا مكروه؛ قال أنس بن مالك: ((لم يكن شخص أحبَّ إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لِما يعلمون من كراهته لذلك))؛ [رواه الترمذي (٢٧٥٤)، وصححه الألباني]. ٣ - القسم الثالث: أن يقوم مقابلًا للقادم ليصافحه، أو يأخذ بيده ليضعه في مكان أو ليجلسه في مكانه، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به، بل هو من السنة. لحديث عائشة قالت: ((ما رأيت أحدًا كان أشبه سمتًا وهديًا ودلًّا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها؛ كانت إذا دخلت عليه قام إليها، فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها))؛ [رواه أبو داود (٥٢١٧)، وصححه الألباني]. وعن أبي سعيد الخدري قال: ((نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا قريبًا من المسجد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: قوموا إلى سيدكم، أو خيركم))؛ [رواه البخاري (٣٠٤٣)، ومسلم (١٧٦٨)]. ثبت في الصحيحين في قصة كعب بن مالك لما تاب الله عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهم جميعًا، وفيه أن كعبًا لما دخل المسجد قام إليه طلحة بن عبيدالله يهرول فسلَّم عليه وهنَّأه بالتوبة، ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ فدلَّ ذلك على جواز القيام لمقابلة الداخل ومصافحته والسلام عليه. قال ابن تيمية: "لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام، كما يفعله كثير من الناس، بل قال أنس بن مالك: ((لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لِما يعلمون من كراهته لذلك))؛ [رواه الترمذي (٢٧٥٤)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيًا له؛ كما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة، وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ : ((قوموا إلى سيدكم))؛ [رواه البخاري (٣٠٤٣)، ومسلم (١٧٦٨)]، وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة؛ لأنهم نزلوا على حكمه". والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وهدي خير القرون إلى ما هو دونه، وينبغي للمطاع ألَّا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد. وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيًا له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام، ولو تُرك لاعتقد أن ذلك لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يُقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين، وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة، فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يتمثل له الرجال قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار)؛ [رواه الترمذي (٢٧٥٥)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]، فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا له لمجيئه إذا جاء، ولهذا فرَّقوا بين أن يُقال: قمت إليه، وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا صلى بهم قاعدًا من مرضه، وصلوا قيامًا أمرهم بالقعود؛ وقال: ((لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضًا))، وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد؛ لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود، وجماع ذلك كله الذي يصلح اتباع عادات السلف وأخلاقهم، والاجتهاد عليه بحسب الإمكان. فمن لم يعتقد ذلك ولم يعرف أنه العادة، وكان في ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما"؛ [الفتاوى (١/ ٢٥٨)، وفتاوى اللجنة الدائمة (١/ ١٤٤ - ١٤٧)]. قال ابن باز: "لا يلزم القيام للقادم، وإنما هو من مكارم الأخلاق، من قام إليه ليصافحه ويأخذ بيده، ولا سيما صاحب البيت والأعيان، فهذا من مكارم الأخلاق، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة، وقامت له رضي الله عنها، وقام الصحابة بأمره لسعد بن معاذ لما قدم ليحكم في بني قريظة، وقام طلحة بن عبيدالله من بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء كعب بن مالك حين تاب الله عليه، فصافحه وهنأه ثم جلس، وهذا من باب مكارم الأخلاق والأمر فيه واسع. وإنما المنكر أن يقوم واقفًا للتعظيم، أما كونه يقوم ليقابل الضيف لإكرامه أو مصافحته أو تحيته، فهذا أمر مشروع، وأما كونه يقف والناس جلوس للتعظيم، أو يقف عند الدخول من دون مقابلة أو مصافحة، فهذا ما لا ينبغي، وأشد من ذلك الوقوف تعظيمًا له وهو قاعد لا من أجل الحراسة، بل من أجل التعظيم فقط"؛ [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (٤/ ٣٩٤)].
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي آداب الزيارة فضل الزيارة في الله ومكانتها وعظم ثوابها: ١- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زار رجلٌ أخًا له في الله في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مَدْرَجَتِهِ، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك، أن الله أحبك كما أحببته))؛ [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٣٥٠)، ومسلم (٢٥٦٧)]. ٢- عن معاذ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]. ٣- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أن طبتَ وطاب ممشاك، وتبوأتَ من الجنة منزلًا))؛ [أخرجه الترمذي (٢٠٠٨) واللفظ له، وابن ماجه (١٤٤٣)، وأحمد وصححه الألباني]. ٤- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبدالله بن عمرو، ألم أُخبَر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صُمْ وأفْطِرْ، وقُم ونَمْ؛ فإن لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزَورِك عليك حقًّا))؛ [رواه البخاري (١٩٧٥)، ومسلم (١١٥٩)]. ٥- عن أنس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم))؛ [أخرجه الترمذي (٢٦٩٦) بنحوه، والنسائي في السنن الكبرى (٨٣٤٩)، وابن حبان (٤٥٩)، واللفظ له، والبغوي في شرح السنة (٦/ ٣٣٥)]. آداب الزيارة: ١- إخلاص النية لله واستحضارها عند الزيارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))؛ [رواه البخاري ومسلم]، فينوي بزيارة الأقارب صلة الرحم، وينوي بزيارة الأصحاب المحبة في الله تعالى رجاء موعوده وثوابه. ٢- عدم الإكثار من الزيارة؛ رُوي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زُرْ غِبًّا، تزددْ حبًّا))؛ [رواه الطبراني، ولا يثبت له سند مرفوع]، عن عطاء بن أبي رباح قال: ((دخلت مع عبدالله بن عمر وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنهم، وهي في خدرها، فقالت: من هؤلاء؟ قلنا: عبدالله بن عمر وعبيد بن عمير، فقالت: يا عبيد بن عمير، أنت كما قال الأول: زُرْ غِبًّا تزدد حبًّا)). ٣- عدم الانصراف حتى يستأذن صاحب المنزل؛ عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومَنَّ حتى يستأذنه))؛ [أخرجه الديلمي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٨٣)]. ٤- التعريض أو القيام من صاحب المنزل إذا أطال الزوار الجلوس: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما تزوج رسول زينب بنت جحش دعا القوم فطعِموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل))؛ [متفق عليه]. ٥- زيارة الضعفاء والمساكين؛ عن أنس، قال أبو بكر رضي الله عنه، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: ((انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها))؛ [رواه مسلم (٢٤٥٤)]. ٦- الخروج مع الزائر إلى باب الدار: زار أبو عبيد القاسم بن سلام، أحمدَ بن حنبل، قال أبو عبيد: فلما أردت القيام قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبدالله، فقال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار وتأخذ بركابه؛ [الآداب الشرعية (٣/ ٢٢٧)].
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي آداب المزاح • المُزاح - بضم الميم -: كلام يراد به المباسطة بحيث لا يُفضي إلى أذى، فإذا بلغ إلى الإيذاء، فهو السخرية. والمِزاح بكسر الميم مصدر. الحكمة من مشروعيته وإباحته: المزاح أمر مشروع في الإسلام، يُعد صدقة من الصدقات يُؤجر عليها المسلم، ولكن لذلك شروط وضوابط، والحكمة من مشروعيته أن فيه إدخالًا للسرور على قلب المسلم، ويُستعان به على التخلص من السأم والملل، وطرد الوحشة، ودفع الهمِّ والخوف والقلق ونحوه عن قلب المسلم، وفيه تأليف القلوب، فتنشط النفوس وتتهيَّأ الأجساد لأداء الأعمال الصالحة. الهدي النبوي في المزاح: ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ممازحة ومداعبة ومؤانسة زوجاته وأهل بيته وأصحابه. • عن عبدالله بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (ما رأيت أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ رواه الترمذي (3641) وصححه الألباني. • عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا ذا الأذنين)؛ رواه الترمذي (3828) والبغوي في شرح السنة (3606) وصححه الألباني. • عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: (نعم غير أني لا أقول إلا حقًّا)؛ رواه الترمذي (1990) والبغوي (3602) وحسنه الألباني. • عن عائشة قالت: (أتيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللَّه علَيهِ وسلَّمَ- بِخَزيرةٍ قد طَبختُها لَهُ، فقُلتُ لِسَودةَ -والنَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آله وسلَّمَ بَيني وبينَها-: كُلي، فأبَتْ، فقُلتُ: لتأكلِنَّ أو لألطِّخَنَّ وجهَكِ، فأبَتْ، فوضَعتُ يدي في الخَزيرةِ، فَطليتُ وجهَها، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ، فوَضعَ بيدِهِ لَها، وقالَ لَها: أَلطِخي وجهَها، فضحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ لَها، فمرَّ عمرُ، فقالَ: يا عبدَ اللَّهِ، يا عبدَ اللَّهِ، فظنَّ أنَّهُ سيَدخلُ، فقالَ: قوما فاغسِلا وجوهَكُما، فقالَت عائشةُ: فما زلتُ أَهابُ عُمرَ لِهَيبةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ)؛ رواه أبو يعلى (4476) وصحَّحه الألباني. • عن أسيد من حُضير قال: (بينما رجل من الأنصار يُحدِّث القوم وكان فيه مزاح بَيْنا يُضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود، فقال: أصبرني! فقال: "اصطبر"، قال: إن عليك قميصًا وليس عليَّ قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبِّل كشحه، قال: إنما أردتُ هذا يا رسول الله)؛ رواه أبو داود (5224)، وصححه الألباني. • عن ثابت بن عبيد، قال: (كان زيد بن ثابت من أفْكَه الناس إذا خلا مع أهله، وأرصنهم إذا جلس مع القوم)؛ رواه البخاري في الأدب المفرد. آداب المزاح: 1- ألا يقترن بمعصية أو يؤدي إلى مخالفة شرعية، كالكذب، فقد يلجأ بعض المازحين إلى المبالغات والكذب، فيُدخِل على النكتة أو النادرة زيادات من عنده وصياغات خاصة كأنه يعيد إخراجها، كل ذلك ليعطي لمزاحه نكهة ومذاقًا خاصًّا، فيشتد الناس في الضحك ويتعجبون لمزاحه· وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الصنف من الناس فقال: "ويل للذي يُحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له"؛ أخرجه أبو داود (4990)، والترمذي (2315) والنسائي (11123) وأحمد (20046) وصححه الألباني. وقال كذلك: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار أبعد من الثريا"؛ رواه أحمد، وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (1451). 2- أن يخلو من الغيبة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]. 3- ألا يكون فيه استهزاء بالآخرين أو سخرية منهم، فإن ذلك حرام؛ لقوله سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]. وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يَحْقِره، بحسب امرئ من الشر أن يَحْقِر أخاه"؛ رواه البخاري (6064) ومسلم (2564). 4- الاقتصاد فيه وعدم التوسُّع والإكثار منه: قال سعد بن أبي وقَّاص لابنه ناصحًا: "اقتصد في مزاحك؛ فإن الإفراط فيه يُذهِب البهاء، ويُجرِّئ عليك السفهاء". قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "اتقوا المزاح؛ فإنه حمقة تورث الضغينة". قال الإمام النووي رحمه الله: "المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأمَّا من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله". 5- ألا يكون في المزاح ترويع لأحد من المسلمين؛ لما رواه أبو داود عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لمسلم أن يُروِّع مسلمًا"؛ صححه الألباني. 6- اختيار الأوقات المناسبة للمزاح، كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزَّم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها.
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي (آداب البشارة والتهنئة) التبشير بالخير والشيء الطيب السارِّ، والأمر المُفرح، من السنة، وهو من الآداب الإسلامية والأخلاق الدينية، وقد زخرت النصوص من الكتاب والسنة بأنواع البشائر الدينية والدنيوية؛ قال الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25]، وقال سبحانه: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأنفال: 9، 10]، وقال جل وعلا: ﴿ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 39]، وقال تعالى: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71]، وعن عمران بن حصين قال: ((جاء وفد بني تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أبشروا يا بني تميم، قالوا: بشَّرتنا فأعطِنا، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء وفد أهل اليمن فقال لهم: أبشروا يا أهل اليمن، إذ لم يقبل البشرى بنو تميم...))؛ [رواه البخاري: 3191]. عن أبي ذر قال: ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل بالخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن))؛ [رواه مسلم: 2642]. عن أم العلاء، قالت: ((عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: أبشري يا أم العلاء؛ فإن مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه، كما تُذهب النار خبَث الذهب والفضة))؛ [رواه أبو داود (3092)، وصححه الألباني]. آداب البشارة والتهنئة: المسارعة والمسابقة بالبشارة بالخير: قال كعب بن مالك: "فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلةً، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذَكَرَ الله؛ قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخررتُ ساجدًا، وعرفت أنْ قَدْ جاء فرجٌ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إليَّ رجلٍ فرسًا، وسعى ساعٍ من أسلمَ، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه"؛ [رواه البخاري: 4418]. استحباب إعطاء البشارة للمبشر: عنون أبو داود في سننه: (باب في إعطاء البشير)، وقد ورد في قصة توبة كعب بن مالك: "فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما"؛ [رواه البخاري: 4418]. قال ابن القيم رحمه الله: "وفي نزع كعب لثوبيه وإعطائهما للبشير دليل على أن إعطاء المبشرين من مكارم الأخلاق والشيم، وعادات الأشراف"؛ [زاد المعاد (3/ 511)]. سجود الشكر عند البشارة: إذا بُشِّر المسلم بشيء يسره، يخر ساجدًا لله، وهو سجود الشكر؛ فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا جاءه أمر سرور أو بُشر به، خرَّ ساجدًا شاكرًا لله))؛ [رواه أبو داود (2774)، وصححه الألباني].
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
|
سلسلة الآداب الشرعية علي بن حسين بن أحمد فقيهي (آداب الطعام والشراب) الطعام والشراب من أخص وأعظم نِعمِ الله جل وعلا الظاهرة، ومِنَنِه السابغة، فبه استمرار الحياة، وبقاء المخلوقات، وهذه الأطعمة والأشربة المتنوعة توجب النظر والاعتبار؛ قال مجاهد في: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾ [عبس: 24]، قال: "إلى مأكله ومشربه"، كما أنها تقتضي القيام بواجب النعمة بالتزام الأحكام الشرعية، والآداب المرعية التي زخرت بها نصوص الوحي للدلالة على كمال الديانة، وعظمة الملة؛ قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114]. 1- التسمية في أول الطعام: ففي الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، قال: كنت غلامًا في حِجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلامُ، سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك))، فما زالت تلك طعمتي بعد؛ [رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022)]. والأمر بالتسمية عند الأكل محمول على الندب عند الجمهور، وحمله بعضهم على الوجوب لظاهر الأمر؛ قال ابن حجر: "قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر، إلا إن أُريد بالاستحباب أنه راجح الفعل، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك"؛ [فتح الباري (9/ 522)]، ورجَّح القول بالوجوب ابن القيم؛ فقال: "والصحيح وجوب التسمية عند الأكل، وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة، ولا معارض لها، ولا إجماع يسوغ مخالفتها، ويُخرجها عن ظاهرها، وتاركها شريكه الشيطان في طعامه وشرابه"؛ [زاد المعاد (2/ 397)، ورجحه ابن باز في التعليق على الزاد، وابن عثيمين في الشرح الممتع (12/ 358)]. 2- إذا نسيَ أن يسمِّيَ في أول الأكل والشرب،فليقل: بسم الله أوله وآخره؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم طعامًا، فليقل: بسم الله، فإن نسيَ في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره))؛ [رواه أحمد وأبو داود (3767)، والترمذي (1858)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3264)، وصححه الألباني في الصحيحة (198)]. وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه لو سمَّى لَكفاكم))؛[ رواه الترمذي (1858)، وقال: حسن صحيح]. الصيغة المشروعة للتسمية عند الأكل: (بسم الله)؛ لما روته عائشة رضي الله عنها: ((فليقل: بسم الله))، واختلف العلماء فيما إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فأكثر العلماء على أنه لا بأس بهذه الزيادة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا قال عند الأكل: بسم الله الرحمن الرحيم، كان حسنًا، فإنه أكمل"؛ [الفتاوى الكبرى (5/ 480)]، وقال النووي: "من أهم ما ينبغي أن يُعرف صفة التسمية... والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: بسم الله، كفاه وحصلت السنة"؛ [الأذكار (1/ 231)]؛ قال الشيخ ابن باز في التعليق على زاد المعاد: "الأصل في الأوامر الوجوب، فكما يجب الأكل باليمين تجب التسمية عند الأكل، وإذا قال: (بسم الله) عند الأكل والوضوء، كفى، وإن زاد: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فهو أكمل فيُطلِق بسم الله ويُراد بها الزيادة، فتُشرع: (بسم الله الرحمن الرحيم) في كل شيء وهو أكمل إلا عند الذبح، ورجحه ابن عثيمين فقال: "إذا زاد: الرحمن الرحيم، فهذا حسن"؛ [الشرح الممتع (12/ 359)]، وتعقب الحافظ ابن حجر النوويَّ بقوله: "وأما قول النووي في أدب الأكل من الأذكار صفة التسمية، والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: بسم الله، كفاه وحصلت السنة، فلم أرَ لِما ادعاه من الأفضلية دليلًا خاصًّا، وأما ما ذكره الغزالي في آداب الأكل من (الإحياء)، أنه لو قال في كل لقمة: بسم الله، كان حسنًا، وأنه يُستحب أن يقول مع الأولى: بسم الله، ومع الثانية: بسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم، فلم أرَ لاستحباب ذلك دليلًا"؛ [فتح الباري (9/ 521)]، وقال الشيخ الألباني: "وأقول: لا أفضل من سنته صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يثبت في التسمية على الطعام إلا (بسم الله)، فلا يجوز الزيادة عليها، فضلًا عن أن تكون الزيادة أفضل منها، لأن القول بذلك خلاف ما أشرنا إليه من الحديث: ((وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم))"؛ [السلسلة الصحيحة (1/ 343)]. غسل اليدين قبل الطعام وبعده: له حالتان: الحالة الأولى: غسل اليدين قبل الطعام إذا كان فيهما أذًى أو قذر، وبعده إذا بقيَ عليهما بعد الفراغ من الطعام رائحة: اتفق الفقهاء على مشروعية غسل اليدين قبل الطعام وبعده، إذا كان فيهما أذًى أو قذر، أو بقيَ عليهما بعد الفراغ من الطعام رائحة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من بات وفي يده ريح غمرٍ، فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه))؛ [أخرجه أبو داود (3852)، وأحمد (7569)، والترمذي (1860)، والنسائي (6905)، وابن ماجه (3297)، وصححه الألباني]، ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نام وفي يده غمر)) هي: بعض آثار اللحم من دسم وغيره؛ نتيجة عدم غسل اليد، ((ولم يغسله فأصابه شيء))؛ من الحيوانات المؤذية أو غيرها، ((فلا يلومن إلا نفسه))؛ لأنه قد فوت ما عليه فعله، من النظافة وإزالة ما يسبِّب له الضرر والأذى. الحالة الثانية: غسل اليدين قبل الطعام إذا كانتا نظيفتين: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: الاستحباب؛ وهو قول الحنفية، والشافعية، والحنابلة، في الصحيح من المذهب؛ لحديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: ((قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده))؛ [رواه أحمد وأبو داود (3761)، والترمذي (1846)، وضعَّفه الألباني في السلسلة الضعيفة (168)]، وعن أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يكثر الله خيرَ بيته، فليتوضأ إذا حضر غداؤه، وإذا رُفع))؛ [رواه ابن ماجه، وضعفه الألباني في الضعيفة (117)]. القول الثاني: الكراهة؛ وهو قول المالكية، وهو رواية عند الحنابلة، وهو قول سفيان الثوري؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته من الخلاء، فقُرِّب إليه طعام فأكل ولم يمسَّ ماء))؛ [رواه مسلم (374)]، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل يديه قبل تناول الطعام، فدلَّ ذلك على كراهة أن يتعمد الإنسان غسل يديه عند تناول طعامه. القول الراجح: إن غسل اليدين قبل الأكل مباح، ويُستحب ويتأكد إذا ظن أنهما تُلاقيان من الأدران والأوساخ والغبار، ما يقذر الطعام، أو يضر الأكل، ويؤثر على سلامته وصحته؛ قال ابن قدامة: "يُستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وإن كان على وضوء، قال المروذي: رأيت أبا عبدالله يغسل يديه قبل الطعام وبعده، وإن كان على وضوء"؛ [المغني (7/ 289)]؛ قال أبو العباس القرطبي: "وقد ذهب قوم إلى استحباب غسل اليد قبل الطعام وبعده؛ لما رواه الترمذي من حديث سلمان: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((بركة الطعام الوضوء قبله وبعده))، ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر، وبَعدَه ينفي اللَّمم))، ولا يصح شيء منهما، وكرهه قبله: كثير من أهل العلم؛ منهم: سفيان، ومالك، والليث، وقال مالك: هو من فعل الأعاجم، واستحدثوه بعده، وقد رُوي عن مالك: أنه كره ذلك، وقال: وقد تؤول على أن يتخذ ذلك سُنة، أو في طعام لا دسم فيه"؛ [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (17/ 27)]. وقال ابن تيمية: "وتنازع العلماء في غسل اليدين قبل الأكل: هل يُكره، أو يُستحب؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، فمن استحب ذلك: احتجَّ بحديث سلمان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((قرأت في التوراة أن من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده))، ومن كرهه قال: لأن هذا خلاف سنة المسلمين، فإنهم لم يكونوا يتوضؤون قبل الأكل، وإنما كان هذا من فعل اليهود فيُكره التشبه بهم، وأما حديث سلمان: فقد ضعَّفه بعضهم، وقد يُقال: كان هذا في أول الإسلام، لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمَر فيه بشيء؛ ولهذا كان يسدل شعره موافقةً، ثم فرق بعد ذلك، ولهذا صام عاشوراء لما قدم المدينة، ثم إنه قال قبل موته: ((لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع))؛ يعني مع العاشر؛ لأجل مخالفة اليهود"؛ [مجموع الفتاوى (22/ 319)]، وقال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود: "في هذه المسألة قولان لأهل العلم: أحدهما: يُستحب غسل اليدين قبل الطعام، والثاني لا يُستحب، وهما في مذهب أحمد وغيره، والصحيح: أنه لا يُستحب"؛ [(10/ 166)]. غسل اليد بعد الطعام: وهذا لا شك في مشروعيته كأن يكون في هذا الطعام دسم، سواء نام أو لم ينم، وعند النوم أشد؛ لحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان، من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من بات وفي يده غمر فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه))، وهذا الحديث في إسناده اختلاف كثير واضطراب، وقد ذكره ابن أبي حاتم في العلل، والدارقطني في علله، وأعرض عنه صاحبا الصحيح، وقد أومأ أبو حاتم إلى أنه موقوف، وجاء أيضًا في معنى هذا الحديث أخبار، وهو يدل على التحذير من كون الإنسان ينام، وفي يده دسومة طعام؛ وقد روى البخاري من حديث جابر رضي الله عنه قال: ((كنا إذا طعمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لنا مناديل إلا أكفَّنا وسواعدنا))، وهذا محمول على قلة الماء أو له أسباب اقتضت ذلك. الأكل باليمين: روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله))؛ [رواه مسلم (2020)]. ورويَ عن إياس بن سلمة بن الأكوع أن أباه حدثه: ((أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: كُل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكِبر، قال: فما رفعها إلى فيه))؛ [رواه مسلم (2021)]. قال الإمام المرداوي: "وتُستحب التسمية عليهما، والأكل باليمين، ويُكره ترك التسمية والأكل بشماله إلا من ضرورة، على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وذكره النووي في الشرب إجماعًا، وقيل: يَجِبَان"؛ [الإنصاف (8/ 327)]، وقال الشيخ عبدالله الفوزان: "ذهب جمهور أهل العلم إلى أن الأكل والشرب باليمين مندوب، لأن النهيَّ فيه من باب الأدب والإرشاد، ولأنه من باب تكريم اليمين وتشريفها، وذهب جماعة من أهل العلم منهم ابن عبدالبر، وابن حزم، وابن أبي موسى، وابن القيم، إلى وجوب الأكل والشرب باليمين، وتحريم الأكل والشرب بالشمال"؛ [الفوائد المجموعة شرح فصول الآداب (ص98)]، ورجح وجوب الأكل باليمين ابن باز وابن عثيمين في الفتاوى. تحرير المسألة: اتفقت المذاهب الأربعة على أن الأكل باليمين من الآداب وليس من الواجبات، وذهب ابن حزم إلى وجوب الأكل باليمين استنادًا لظاهر الأخبار. حكاية أقوال المذاهب الأربعة: مذهب الحنفية: قال الإمام ابن نجيم الحنفي: "المواظبة لا تفيد السُّنِّيَّة، إلا إذا كانت على سبيل العبادة، وأما إذا كانت على سبيل العادة فتفيد الاستحباب والندب لا السنية، كلبس الثوب والأكل باليمين، ومواظبة النبي على التيامن كانت من قبيل الثاني – أي العادة - فلا تفيد السنية"؛ [شرح الوقاية (1/ 30)، وكذا قال في السراج الوهاج: إن البداءة باليمنى فضيلة على الأصح]. مذهب المالكية: قال العلامة النفراوي في الفواكه الدواني: "(و) الآداب المقارنة أن (تتناول) المأكول والمشروب (بيمينك) على جهة الندب لخبر: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله))"؛ ا.هـ، والقول بندب الأكل باليمين هو المنصوص عليه عند المالكية في مختصر خليل، وشروحه، بل في عامة كتب المذهب. المذهب الشافعي: قال الإمام الشربيني: "ويُكره نفض يده في القصعة والشرب من فم القربة، والأكل بالشمال والتنفس والنفخ في الإناء"؛ [مغني المحتاج (4/ 412)]، وهذا هو المنصوص في كتب المذهب كأسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وتحفة المحتاج للإمام ابن حجر الهيتمي، وغيرهم. مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة: "تُستحب التسمية عند الأكل، وأن يأكل بيمينه مما يليه؛ لِما روى عمر بن أبي سلمة قال: كنت يتيمًا في حِجر رسول الله فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي النبي: ((يا غلامُ، سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك))؛ [متفق عليه]"؛ [المغني (7/ 222)]. القائلون بوجوب الأكل باليمين، وحرمة الأكل بالشمال: ذهب إلى ذلك الظاهرية، واختاره الإمام ابن العربي المالكي كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح، واختاره تقي الدين السبكي من الشافعية، حكى عنه ذلك ولده الإمام التاج السبكي، وكلام الإمام العراقي في شرح الترمذي يميل إليه، واستدل من قال بالوجوب بما في الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة وفيه: أن النبي قال: ((وكُل بيمينك))، والحديث متفق عليه، وبما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من حديث جابر أن النبي قال: ((لا تأكلوا بالشمال؛ فإن الشيطان يأكل بالشمال))، وبما رواه مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمة بن الأكوع: ((أن رجلًا أكل عند رسول الله بشماله، فقال: كُل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعتَ، ما منعه إلا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه))، وقالوا: إن في الأحاديث ثلاث دلالات تفيد الوجوب: الأولى: أمر النبي بالأكل باليمين، والأمر يفيد الوجوب، الثانية: أن الأكل بالشمال تشبُّه بالشيطان، الثالثة: دعاء النبي عليه، إذ لو كان الأكل باليمين سُنة لما ناسب الدعاء عليه بسبب تركها، وردَّ الجماهير من العلماء على ذلك بما يلي: أما الأمر: فإن الأصوليين ذكروا من صوارف صيغة الأمر عن الوجوب إلى الندب، أن يكون الأمر واردًا في باب الأدب؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]، ومثَّل له العلماء أيضًا بقوله: ((كُل بيمينك، وكُل مما يليك))، ولا شكَّ أن الأكل باليمين داخل تحت الأدب. قال الإمام ابن عبدالبر: "وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه، وطرأ على ملكك، أو على ما ليس في ملكك، فما كان منه واردًا على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار، وما طرأ على غير ملكك فهو على التحريم، وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة، ثم قال: والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين... فهذا كله وما كان مثله نهي أدب وإرشاد؛ لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان، فمن واقَعَ شيئًا من ذلك لم يحرم عليه فعله"؛ [الاستذكار (5/ 288)]، وأما التشبيه بالشيطان فلا يفيد الحرمة، فقد أخبرنا النبي بأن المجلس بين الظل والشمس مجلس الشيطان؛ [رواه أحمد]، وأخبرنا في أمر القيلولة بقوله: ((قيلوا؛ فإن الشيطان لا يقيل))؛ [رواه الطبراني في الأوسط، وصححه بعض المحدثين بتعدد طرقه وإن ضعَّفه البعض الآخر]، وفي سنن ابن ماجه: ((وليُعطِ بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويعطي بشماله))؛ قال المنذري: إسناده صحيح، وصححه المناوي، ولا أعلم قائلًا بوجوب القيلولة، والجماهير من العلماء على عدم وجوب المناولة باليمين، إلى غير ذلك، وأما دعاء النبي على من أكل بالشمال، فقيل في الجواب عنه أجوبة من ذلك: الجواب الأول: أن الرجل كان منافقًا، بدليل رده أمر رسول الله كبرًا واستعلاءً، فالدعاء عليه لنفاقه الباعث له على التكبر على حكم الشرع؛ جزم بذلك القاضي عياض، ويتفق أهل العلم والنظر على أن من ترك سنة من سنن الشريعة تكبرًا عليها، وازدراء لها أنه قد انحط إلى دركة بعيدة، ولا يكون حاله كحال من ترك سُنة من السنن تكاسلًا وتفريطًا. الجواب الثاني: أن الدعاء عليه لمخالفة الحكم الشرعي عمومًا، جزم بذلك الإمام النووي، ولا يلزم أن يكون الدعاء على ترك الواجبات أو فِعل المحرمات. الجواب الثالث: أن الدعاء عليه لكِبره؛ قال المناوي في (فيض القدير): "ودعاؤه على الرجل إنما هو لكبره الحامل له على ترك الامتثال"؛ ا.هـ؛ كما هو مبين في قول الراوي: ((ما منعه إلا الكبر))، ولا يلزم على هذا الجواب أن يكون الرجل منافقًا، إذ الكِبر كبيرة لا تُخرج صاحبها من الإسلام. تنبيه: نصَّ الشافعي على إثمِ مَن ترك الأكل مما يليه محمولٌ على حالة يتأذى فيها الأكلة بذلك، كما نص على ذلك الإمام جلال الدين المحلي في شرح جمع الجوامع؛ قال النووي عند ذكره لحديث النهي عن الأكل بالشمال: "فيه استحباب الأكل والشرب باليمين، وكراهتهما بالشمال، وقد زاد نافع الأخذ والإعطاء، وهذا إذا لم يكن عذر، فإن كان عذرٌ يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك، فلا كراهة في الشمال، وفيه أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشياطين"؛ [شرح مسلم (13/ 191)]. الأكل من الجانب الذي يليه: عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، قال: كنت غلامًا في حِجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك))، فما زالت تلك طعمتي بعد؛ [رواه البخاري (3576) ومسلم (2022)]؛ قال النووي في شرح مسلم: "والثالثة: الأكل مما يليه؛ لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشـرة، وترك مروءة، فقد يتقذره صاحبه، لا سـيما في الأمراق وشبهها"؛ قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: "باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه، إذا لم يعرف منه كراهيةً": عن أنس بن مالك، يقول: ((إن خياطًا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس: فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يتتبع الدُّبَّاء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذٍ))؛ [(5379)]. قال الإمام ابن بطال المالكي رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح البخاري: "هذا الحديث يفسر قوله عليه الصلاة السلام في حديث عمر بن أبي سلمة: ((كُل مما يليك))، ويدل على أن المراد بذلك: إذا كان يأكل مع غير عياله ومن يتقذر جَوَلانَ يده في الطعام، فأما إذا أكل مع أهله ومن لا مؤنة عليه منهم من خالص إخوانه، فلا بأس أن تجول يده في الطعام استدلالًا بهذا الحديث"، قال ابن حجر في الجواب عن هذا التعارض: يمكن أن يُقال: إن المسألة فيها تفصيل: "أنه إذا كان لونًا واحدًا فلا يتعدى ما يليه، وإذا كان أكثر من لون فيجوز"؛ [فتح الباري (9/ 435)، ورجحه البغوي في شرح السنة (11/ 304)]. قال ابن باز: "إذا كان الطعام مختلفًا متنوعًا فلا بأس بالتنقل بين هذا وهذا، والأكل مما يليه في النوع الواحد"؛ [التعليق على صحيح البخاري بشرحه فتح الباري (9/ 434)]. الأكل من جوانب القصعة أو الطبق: روى أبو داود بسند حسن، عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: ((كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يُقال لها الغرَّاء، يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى، أُتيَ بتلك القصعة، يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثُروا حثا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعلني عبدًا كريمًا، ولم يجعلني جبارًا عنيدًا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُوا من حواليها، ودعوا ذُروتها يُبارَك فيها))؛ [رواه أبو داود (3773)]، وروى الإمام أحمد بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كلوا في القصعة من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها؛ فإن البركة تنزل في وسطها))؛ [رواه أبو داود (3772)، والترمذي (1805)، وابن ماجه (3277)، وصححه الألباني]؛ قال الحافظ العراقي رحمه الله: "وجه النهي عن الأكل من الوسط أن وجه الطعام أفضله وأطيبه، فإذا قصده بالأكل استأثر به على رفقته، وهو ترك أدبٍ وسوء عشرة، والمراد بالبركة هنا الإمداد من الله"؛ [فيض القدير (5/ 58)]. الآداب الشرعية: الأكل متكئًا: عن أبي جحيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا آكل متكئًا))؛ [رواه البخاري (5399)]. قال ابن حجر: "واختُلف في صفة الاتكاء فقيل: أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان، وقيل: أن يميل على أحد شقيه، وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض، قال الخطابي: تحسَب العامة أن المتكئ هو الآكِل على أحد شقيه، وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، قال: ومعنى الحديث إني لا أقعد متكئًا على الوطاء عند الأكل، فِعْل من يستكثر من الطعام فإني لا آكل إلا البُلغة من الزاد، فلذلك أقعد مستوفزًا، وأخرج ابن عدي بسند ضعيف: ((زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل))؛ قال مالك: هو نوع من الاتكاء، قلت: وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الأكل فيه متكئًا، ولا يختص بصفة بعينها، وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه المَيل على أحد الشقين، ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك، وحكى ابن الأثير في النهاية: إن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب، بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا، ولا يسيغه هنيئًا، وربما تأذى به"؛ [فتح الباري (9/ 541)]، واختلف الفقهاء في الأكل متكئًا على قولين: الأول: مكروه كراهة تنزيه؛ وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة، وقول عند الأحناف. الثاني: الإباحة؛ وهو المشهور عند الحنفية، فالأكل متكئًا لم يرِد فيه نهي، وإنما نفى النبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل متكئًا، فمثل هذا يُقال فيه: خلاف الأولى، فلم يرِد فيه نهي يصل إلى حد الكراهة أو المنع، وسُئل ابن باز: إن أكل متكئًا يأثم؟ فقال: "لا ما يأثم، لكن تركه أفضل". والخلاصة أن الأكل متكئًا خلاف الأولى والأفضل والأكمل، وقد يعبر عنه بكراهة التنزيه، ورجحه ابن باز وابن عثيمين والألباني. عدم النفخ في الطعام والشراب: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في الطعام والشراب))؛ [رواه أحمد (2917)، والترمذي (1887)، وابن ماجه (3288)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6913)]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((نهى أن يُتنفس في الإناء أو يُنفخ فيه))؛ [رواه الترمذي (1810)، وأبو داود (3240)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6820)]. النفخ في الطعام مكروه؛ جاء في الموسوعة الفقهية: "ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يُكره النفخ في الطعام، والشراب، أما عن علة هذا النهي، فمدارها على حمله صلى الله عليه وسلم لأمته على مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات". قال الحافظ ابن حجر: "وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدة أحاديث، وكذا النهي عن التنفس في الإناء؛ لأنه ربما حصل له تغير من النَّفَس، إما لكَون المتنفِّس كان متغيرَ الفم بمأكول مثلًا، أو لبعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفس"؛ [فتح الباري (10/ 92)]. وإذا كانت هناك حاجة تدعو إلى النفخ في الطعام أو الشراب لتبريده، وكان يحتاج إلى أن يأكل أو يشرب ويشق عليه أن ينتظره ليبرد، فإن الكراهة تزول حينئذٍ كما صرح بذلك بعض أهل العلم؛ قال العلامة المرداوي الحنبلي: "قال الآمدي: لا يكره النفخ في الطعام إذا كان حارًّا، قلت (المرداوي): وهو الصواب، إن كان ثَم حاجة إلى الأكل حينئذٍ"؛ [الإنصاف (8/ 328)]، وقال الشيخ ابن عثيمين: "إلا أن بعض العلماء استثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة، كما لو كان الشراب حارًّا ويحتاج إلى السرعة، فرخص في هذا بعض العلماء، ولكن الأولى ألَّا ينفخ حتى لو كان حارًّا؛ إذا كان حارًّا وعنده إناء آخر، فإنه يصبه في الإناء ثم يعيده ثانية حتى يبرد"؛ [شرح رياض الصالحين" (2/ 457)]. يتبع
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
|
ألَّا يعيب الطعام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه))؛ [رواه البخاري (3563) ومسلم (2064)]. عدم ترك اللقمة الساقطة: عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة، فليُمِطْ ما كان بها من أذًى، ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة))؛ [رواه مسلم (2034)]. ثُلُث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه: عن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم أُكُلاتٌ يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه))؛ [رواه الترمذي (2380)، والنسائي (6769)، وابن ماجه (3349)، وأحمد (17186)، وصححه الألباني]؛ قال ابن رجب: "هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد رُوِيَ أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة؛ وذلك لأن أصل كل داء التخمة، وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الحمية رأس الدواء، والبطنة رأس الداء؛ قال الغزالي: ذُكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة، فقال: ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكم من هذا"؛ [جامع العلوم والحكم (503)، وفتح الباري (9/ 528]. عدم القران (الجمع) في التمر والعنب والفواكه ونحوها، إذا كان يأكل مع أحد إلا بإذنه: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعًا حتى يستأذن أصحابه))؛ [رواه البخاري (2455)، ومسلم (2045)]. النهي في الحديث محمول على الاستحباب عند الجمهور؛ لأن ما كان من باب الآداب ومكارم الأخلاق، فإن الأمر فيها يكون للاستحباب، والنهي فيها للكراهة لا للتحريم؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "الشيء الذي جرت العادة أن يؤكل واحدةً واحدةً، كالتمر؛ إذا كان معك جماعة فلا تأكل تمرتين جميعًا، لأن هذا يضر بإخوانك الذين معك، فلا تأكل أكثر منهم إلا إذا استأذنت، وقلت: تأذنون لي أن آكل تمرتين في آن واحد؟ فإن أذِنوا لك، فلا بأس، وكذلك ما جاء في العادة بأنه يؤكل أفرادًا، كبعض الفواكه الصغيرة التي يلتقطها الناس حبة حبة، ويأكلونها؛ فإن الإنسان لا يجمع بين اثنتين إلا بإذن صاحبه الذي معه، مخافة أن يأكل أكثر مما يأكل صاحبه، أما إذا كان الإنسان وحده فلا بأس أن يأكل التمرتين جميعًا، أو الحبتين مما يؤكل أفرادًا جميعًا، لأنه لا يضر بذلك أحدًا، إلا أن يخشى على نفسه من الشرق أو الغصص"؛ [شرح رياض الصالحين (4/ 217)]. المضمضة بعد الطعام: المضمضة بعد الفراغ من الطعام مستحبة؛ لِما روى بشير بن يسار عن سويد بن النعمان، أنه أخبره: ((أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالصهباء - وهي على روحة من خيبر - فحضرت الصلاة، فدعا بطعام فلم يجده إلا سويقًا فلاك منه، فلكنا معه، ثم دعا بماء فمضمض، ثم صلى وصلينا ولم يتوضأ))؛ [رواه البخاري (5390)]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل عرقًا من شاة ثم صلى، ولم يمضمض ولم يمس ماءً))؛ [رواه أحمد (2541) وصححه الألباني]، وعن أنس رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا فلم يمضمض ولم يتوضأ، وصلى))؛ [رواه أبو داود (197) وحسنه الألباني]. قال العظيم أبادي في (عون المعبود): "فيه دليل على أن المضمضة من اللبن وغيره من الأشياء التي فيها الدسومة ليس فيها أمر ضروري، بل على سبيل الاختيار"؛ [(1/ 229)]؛ قال ابن باز رحمه الله: "المضمضة مستحبة من آثار الطعام، ولا يضر بقاء شيء من ذلك في أسنانك"؛ [مجموع الفتاوى (29/ 52)]. الأكل بثلاث أصابع: عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعِقها))؛ [رواه مسلم (2032)]، فالمُستحب أن يكون الأكل بثلاث أصابع، إلا إذا كان الطعام لا يمكن تناوله بثلاث أصابع، فيأكل بما يتيسر. قال عياض: "والأكل بأكثر منها من الشَّرَهِ وسوء الأدب، ولأنه غير مضطر لذلك، لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث، وإن اضطر إلى الأكل بأكثر من ثلاث أصابع، لخفة الطعام وعدم تلفيقه بالثلاث يدعمه بالرابعة أو الخامسة"؛ [فتح الباري (9/ 578)]. لعق اليد والإناء بعد الأكل: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم طعامًا، فلا يمسح أصابعه حتى يَلْعَقَها أو يُلْعِقَها))؛ [رواه البخاري (5456) ومسلم (2031)]. عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: ((إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة))؛ [رواه مسلم (2033)]، وعن أنس: ((وأمرنا أن نسلت القصعة))؛ [رواه مسلم (2034)]. قال النووي: "والسلت: هو المسح وتتبع ما بقيَ في القصعة من الطعام"؛ [(13/ 207)]. لعق الأصابع تنظيفٌ لها قبل أن تُمسح بالمنديل ونحوه، وهو يكون بعد الانتهاء من الأكل، وأما في أثناء تناول الطعام فيُكره لعق الأصابع، لأن الريق سيخالط ما في الإناء، والنفوس تعاف ذلك، وقد يكون وسيلةً لنقل بعض الأمراض؛ [شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (4/ 342)، وغذاء الألباب للسفاريني (1/ 209)]. أما لعق الصحفة؛ أي الإناء الذي فيه الطعام كالثريد الذي كانوا يأكلونه بأصابعهم، فيُصوَّر بصورتين؛ الأولى أن يكون باللسان، والثانية أن يكون بطريقة السلت؛ أي مسح ما بقي من الطعام في الإناء، ثم لعقه بالإصبع، وإذا كان الأكل شخصًا واحدًا من إناء خاصٍّ، وليس طعامًا لجماعة، فيمكن أن يلعق الإناء بلسانه، ويمكن أن يمسحه بالإصبع، ثم يلعق إصبعه؛ أي إن اللعق يمكن أن يكون بإحدى الصورتين، ولا عيب في ذلك ولا ضرر. أما إذا كان الإناء فيه طعام لجماعة يأكلونه، فإن اللعق باللسان لا يُتصور منهم جميعًا، بل يكون من شخص واحد بعد انتهائهم جميعًا من الأكل، وأما السلت بالأصابع فيُتصور أن يكون من أكثر من شخص؛ حيث يتتبع كل آكلٍ بإصبعه ما توارى أو بقيَ في جوانب الصحفة أو الإناء، فيأخذه ويأكله، وهذا أمر تعودوا عليه ولا يرَون فيه بأسًا، وإن كان تعافُه بعض النفوس الأخرى. والمهم هو تنفيذ المطلوب بالوسيلة التي يتواضع عليها الناس، فلا يبقى في الإناء طعام يُلقى ويضيع، أو يُترك ليتعفن ويفسد، إن لم يُغسل، بل نلتقطه بالمعلقة أو الشوكة أو السكين ونحو ذلك، بل يُندب أن يُلتقط ما وقع من الطعام ويُنظَّف ويُؤكل، ولا يُترك للشيطان، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن لعق الأصابع بعد انتهاء الأكل مفيد للصحة، عند اللعق تفرز الأصابع سائل الأميليز، الذي يقوم بتسهيل عملية الهضم ويمنع حالة الخمول. حكم الأكل والشرب قائمًا: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه نهى أن يشرب الرجل قائمًا، قال قتادة: فقلنا: فالأكل، فقال: ذاك أشرُّ، أو أخبث))؛ [رواه مسلم (2024)]، وعن علي رضي الله عنه: ((أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر، ثم أُتي بماء فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم قام فشرِب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قيامًا، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت))؛ [رواه البخاري (5616)]، وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((شرِب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا من زمزم))؛ [رواه البخاري (5617) ومسلم (2027)]، أحاديث الشرب قائمًا في الصحيحين، وأحاديث النهي عن الشرب قائمًا أعرض عنها البخاري ومالك في الموطأ، فلم يُوردوها، وأخرج مسلم منها ما رواه من حديث أنس وأبي هريرة وأبي سعيد، وكل هذه الأحاديث الثلاثة قد تكلم فيها العلماء. واختلف أهل العلم في الجمع بين أحاديث النهي وأحاديث الإباحة؛ فمن أهل العلم من غلَّب أحاديث الجواز، وطعن في أحاديث النهي، ومنهم من قال: إن النهي كان متقدمًا، والإباحة جاءت بعدُ، فهي منسوخة، وقيل: تُحمل أحاديث الشرب قائمًا على حال الحاجة، وأحاديث النهي مع عدمها؛ قال به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم؛ قال ابن تيمية: "ويُكره الأكل والشرب قائمًا لغير حاجة"؛ [الفتاوى الكبرى (5/ 477)]، وقيل بالجمع؛ فأحاديث النهي جاءت على كراهة التنزيه، وأحاديث الإباحة دلت على الجواز، وهذا أصح ما جاء في المسألة، وقال به الطبري والبيهقي، والخطابي والنووي، وابن حجر وابن الجوزي، والسخاوي ومحمد بن أحمد السفاريني، وابن مفلح وابن باز؛ قال ابن حجر: "وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، وأحاديث الجواز على بيانه، وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين، وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض، وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرًا، فقال: إن ثبتت الكراهة، حُملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم، وبذلك جزم الطبري وأيَّده بأنه لو كان جائزًا ثم حرمه، أو كان حرامًا ثم جوَّزه، لبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا واضحًا، فلما تعارضت الأخبار بذلك، جمعنا بينها بهذا"؛ [الفتح (10/ 84)]. وبناء عليه اختلف العلماء في الشرب قائمًا على أقوال: 1- الجواز: وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة. 2- كراهة التنزيه: وهو مذهب الأحناف ورواية للحنابلة. 3- التحريم: وهو قول ابن حزم؛ قال ابن باز: "ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عليٍّ رضي الله عنه أنه شرب قائمًا وقاعدًا، والأمر في هذا واسع، والشرب قاعدًا والأكل قاعدًا أفضل وأهنأ، وإن شرب قائمًا فلا حرج، وهكذا إن أكل قائمًا فلا حرج"؛ [مجموع الفتاوى (25/ 275)]. حكم الأكل قائمًا: قال القاضي عياض: "لا خلاف في جواز الأكل قائمًا وإن كان قتادة قال: فقلنا: فالأكل، قال: ذلك أشر وأخبث، لكن حكى بعض شيوخنا أنه لا خلاف في جواز الأكل قائمًا"؛ [إكمال المعلم شرح مسلم (6/ 491)]، وقال القرطبي: "لا خلاف في جواز الأكل قائمًا، وإن كان قتادة قال: (أشر وأخبث)"؛ [المفهم شرح مسلم (5/ 286)]، وابن حزم يرى جواز الأكل قائمًا؛ حيث قال: "لا يحل الشرب قائمًا، وأما الأكل قائمًا فمباح"؛ [المحلى (6/ 519)]. وتُوجَّه الكراهة عند الحنابلة؛ قال ابن مفلح: "ظاهر كلامهم لا يُكره أكله قائمًا، ويتوجه كشرب، قاله شيخنا"؛ [الفروع (5/ 302)، الآداب الشرعية (3/ 174)]. تقديم الأيمن: عن سهل بن سعد، قال: ((أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بقدح، فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلامُ، أتأذن أن أعطيَه الأشياخ، فقال: ما كنت لأُوثِرَ بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه))؛ [رواه البخاري (2351)، ومسلم (2030)]، وعن أنس رضي الله عنه قال: ((أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا له شاة لنا، ثم شبته من ماء بئرنا هذه، فأعطيته، وأبو بكر عن يساره، وعمر تجاهه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ، قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: الأيمنون الأيمنون، ألَا فيمِّنوا، قال أنس: فهي سنة، فهي سنة؛ ثلاث مرات))؛ [رواه البخاري (2571)، ومسلم (2029)]؛ قال النووي رحمه الله: "في هذه الأحاديث بيان هذه السنة الواضحة، وهو موافق لما تظاهرت عليه دلائل الشـرع من استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه: أن الأيمن في الشـراب ونحوه يقدَّم، وإن كان صغيرًا أو مفضولًا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي، والغلام على أبي بكر رضي الله عنه، وأما تقديم الأفاضل، والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف، ولهذا يقدَّم الأعلم، والأقرأ، على الأسنِّ النسـيب في الإمامة في الصلاة". النهي عن الشرب من فم القربة ونحوها: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية))؛ [رواه البخاري (5625)]، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُشرب من في السقاء أو القربة))؛ [متفق عليه؛ رواه البخاري (5628)]. عن أم ثابت كبشة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت رضي الله عنهما، قالت: ((دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب من في قربة معلقة قائمًا، فقمت إلى فيها فقطعته))؛ [رواه الترمذي (1892) وابن ماجه (2780)]. واختلف أهل العلم في علة النهي، فقيل: لعدم رؤية ما فيها، فإنه قد يختنث ويشرب، وقد يكون فيها قذًى أو قذر، ورُوي أن رجلًا شرب من قربة، فانساب جان في بطنه، والجان هي الحية الصغيرة، وقيل: لانصباب الماء عليه بكثرة، لأن هذا الفم واسع، وإن ثناه وضغط عليه، أصبح المخرج ضيقًا، فربما تدفق عليه الماء فشرق به وتأذى، وقيل: العلة أنه ينتن فم القربة. والنهي للكراهة جمعًا بين فعله صلى الله عليه وسلم ونهيه. وعلى هذا، فهل يجوز للإنسان أن يشرب الآن من القوارير التي أفواهها ملساء، ويرى ما فيها لشفافية الزجاج أو البلاستيك؟ نقول: لا بأس حينئذٍ من الشرب من فم هذه القوارير؛ لأنه: أولًا: يرى ما فيها. وثانيًا: أنه يأمن من تناثر الماء عليه. وثالثًا: أنه لا يحصل نتن في الغالب في أفواههم. تغطية أواني الطعام والشراب: عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أطفؤوا المصابيح إذا رقدتم، وغلِّقوا الأبواب، وأوكُوا الأسقية، وخمِّروا الطعام والشراب، وأحسبه قال: ولو بعودٍ تعرضه عليه))؛ [أخرجه البخاري (5624)، ومسلم (2012)]. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، فإن في السَّنة ليلةً ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء))؛ [رواه مسلم (2014)]. قال أبو العباس القرطبي: "قوله: ((غطوا الإناء، وأوكوا السقاء))، جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية، وليس الأمر الذي قُصد به الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب"؛ [المفهم شرح صحيح مسلم (5/ 284)]، وقال النووي: "وذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائد، منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث؛ وهما: صيانته من الشيطان؛ فإن الشيطان لا يكشف غطاءً، ولا يحل سقاء، وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة، والفائدة الثالثة: صيانته من النجاسة والمقذرات، والرابعة: صيانته من الحشرات والهوام، فربما وقع شيء منها فيه، فشربه وهو غافل، أو في الليل؛ فيتضرر به"؛ [شرح مسلم (13/ 265)]. إذا بات الطعام مكشوفًا، فهل يأكل أو يشرب منه؟ إذا نسيَ المسلم الإناءَ بدون غطاء، فإنه يستعمل ما فيه من طعام أو شراب ولا يرميه، وهذا ما يشير إليه حديث جابر بن عبدالله، قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله، ألَا نسقيك نبيذًا؟ فقال: بلى، قال: فخرج الرجل يسعى، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا خمرته، ولو تعرض عليه عودًا، قال: فشرب))؛ [رواه مسلم (2011)]؛ قال القرطبي: "وشُربه صلى الله عليه وسلم من الإناء الذي لم يخمر دليل على أن ما بات غير مخمر، ولا مغطًّى، أنه لا يحرم شربه، ولا يكره"؛ [المفهم (5/ 284)]، ولأن السُّنَّة لم تأمر إلا بتغطية الأواني؛ قال أبو داود رحمه الله تعالى: "قلت لأحمد: الماء المكشوف يُتوضأ منه؟ قال: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطَّى - يعني: الإناء - لم يقل: لا يُتوضأ به"؛ [مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود السجستاني، ص (9)]، وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في الأسئلة الثلاثية، الجزء الثاني، بداية الشريط الثاني هذا السؤال: سمعنا أن هناك داءً ينزل مرة في السنة فيقع على الإناء الذي لم يتم تغطيته، فما صحة ذلك؟ فقال الشيخ رحمه الله: "نعم هذا صحيح، هناك داء ينزل في يوم معين من السنة، فيقع على الإناء الذي لم يتم تغطيته، وهذا اليوم غير معلوم؛ لذلك يحرص المسلم على تغطية الإناء دائمًا، ويجوز الأكل من الإناء الذي لم يغطَّ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينهَنا عن الأكل، ولكن حثنا على تغطية الآنية". إجابة دعوة المضيف للطعام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حق المسلم على المسلم خمسٌ: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس))؛ [رواه البخاري (1164)، ومسلم (4022)]، وقد قسم العلماء الدعوة التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين: الأول: الدعوة إلى وليمة العرس: فجماهير العلماء على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي، والدليل على وجوب الإجابة ما جاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يُجِبِ الدعوة فقد عصى الله ورسوله))؛ [رواه البخاري (4779) ومسلم (2585)]؛ قال النووي: "نقل القاضي اتفاق العلماء على وجوب الإجابة في وليمة العرس"؛ [شرح النووي على مسلم (9/ 234)]. الثاني: الدعوة لغير وليمة العرس على اختلاف أنواعها، فجماهير العلماء يرَون أن إجابتها مستحبة، ولم يخالف إلا بعض الشافعية والظاهرية، فأوجبوها. حكم الأكل من الوليمة: يُستحب الأكل من الوليمة باتفاق المذاهب الأربعة؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دُعِيَ أحدكم إلى طعام فليُجب، فإن شاء طعِم، وإن شاء ترك))؛ [رواه مسلم (1430)]. غسل اليد بعد الطعام: بوَّب أبو داود في سننه: (باب في غسل اليدين بعد الطعام)؛ أي: إنه مستحب؛ وذلك لإزالة الدسومة والشيء الذي علق باليد بعد الطعام، فهو يغسله؛ لئلا يتعرض لما لا يُحمد عاقبته. عن جابر رضي الله عنه قال: ((كنا إذا طعمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن لنا مناديلُ إلا أكفَّنا وسواعدنا))؛ [رواه البخاري (5457)]. وهذا محمول على قلة الماء، أو له أسباب اقتضت ذلك، ويتأكد غسل اليدين إذا أكل طعامًا فيه زهومة ودسومة، سواء نام أو لم ينَم، وعند النوم أشد؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من بات وفي يده غمر فأصابه شيء، فلا يلومن إلا نفسه))؛ [رواه أبو داود (3852)، وأحمد (7569)، والترمذي (1860)، والنسائي في السنن الكبرى (6905)، وابن ماجه (3297)، وصححه الألباني]، وهو يدل على التحذير من كون الإنسان ينام وفي يده دسومة طعام. الحمد بعد الطعام والشراب: الحمد بعد الطعام من أسباب رضا الله عن العبد؛ عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله لَيرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها))؛ [رواه مسلم (2734)]. من صيغ الحمد بعد الطعام: للحمد صيغ متعددة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم: 1- عن أبي أمامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع مائدته قال: ((الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفيٍّ ولا مودَّع ولا مستغنًى عنه ربنا))؛ [رواه البخاري (5458)]؛ قال ابن حجر: "قوله: ((غير مكفي))، قيل: أي غير محتاج إلى أحد من عباده، لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم، قوله: ((ولا مودع))؛ أي غير متروك". 2- عن معاذ بن أنس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه، من غير حولٍ مني ولا قوة، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ [رواه الترمذي (3458)، وابن ماجه (3285)، وحسنه الألباني]. 3- عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوغه، وجعل له مخرجًا))؛ [رواه أبو داود (3851) وصححه الألباني]. 4- عن عبدالرحمن بن جبير أنه حدثه رجلٌ خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، أنه كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قُرب إليه الطعام يقول: ((بسم الله، فإذا فرغ قال: اللهم أطعمتَ وأسقيتَ، وهديت وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت))؛ [رواه أحمد (16159)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 111)]. يُستحب الإتيان بألفاظ الحمد الواردة بعد الفراغ من الطعام جميعها، فيقول هذا مرة، وهذا مرة حتى يحصل له حفظ السنة من جميع وجوهها، وتناله بركة هذه الأدعية، مع ما يشعر به المرء في قرارة نفسه من استحضار هذه المعاني، عندما يقول هذا اللفظ تارة، وهذا اللفظ تارة أخرى؛ لأن النفس إذا اعتادت على ذكر معين فإنه مع كثرة التكرار، يقل معها استحضار المعاني لكثرة الترداد. الدعاء للمضيف: عن أنس: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة))؛ [رواه أبو داود (3854) وصححه الألباني]، وعن عبدالله بن بسر قال: ((نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي، فقربنا إليه طعامًا فأكله، ثم أُتي بتمر فكان يأكل ويلقي النوى بإصبعيه - جمع السبابة والوسطى - ثم أُتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه قال: فقال أبي وأخذ بلجام دابته: ادعُ لنا، فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم))؛ [رواه مسلم (2042)].
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |