قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 927 - عددالزوار : 205299 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3094 - عددالزوار : 357244 )           »          وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها ووجوب قص الشارب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          وبشر الصابرين.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          أشنع جريمة في التاريخ كله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تحريم الاستعاذة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلَّا الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          البخل سبب في قطع البركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          وقفات تربوية مع سورة العاديات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          من أسباب الثراء الخفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          قبسات من علوم القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-11-2009, 02:49 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
قال تعالى : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (3) سورة يوسف
نحن نقصُّ عليك -أيها الرسول- أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن، وإن كنت قبل إنزاله عليك لمن الغافلين عن هذه الأخبار، لا تدري عنها شيئًا.[1]
وجعل هذا القَصص أحسن القصص لأنّ بعض القصص لا يخلو عن حسن ترتاح له النفوس . وقصص القرآن أحسن من قصص غيره من جهة حسن نظمه وإعجاز أسلوبه وبما يتضمّنه من العبر والحكم ، فكلّ قصص في القرآن هو أحسن القصص في بابه ، وكلّ قصة في القرآن هي أحسن من كلّ ما يقصّه القاصّ في غير القرآن . وليس المراد أحسن قصص القرآن حتى تكون قصّة يوسف عليه السّلام أحسن من بقيّة قصص القرآن كما دلّ عليه قوله : بما أوحينا إليك هذا القرآن } .
فإنّ القصص الوارد في القرآن كان أحسن لأنّه وارد من العليم الحكيم ، فهو يوحي ما يعلم أنّه أحسن نفعاً للسّامعين في أبدع الألفاظ والتراكيب ، فيحصل منه غذاء العقل والروح وابتهاج النفس والذّوق ممّا لا تأتي بمثله عقول البشر .[2]
وهذه القصة التي سوق نتكلم عنها تمثل جانباً مهماً من جوانب الصراع بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، وهو الذي يجب أن يعرفه أصحاب الدعوة ، في كل زمان ومكان ، ذلك لأن أهل الباطل يعادون الحق ، ويحاربونه على كل الأصعدة ، ولا يحبون أن ينتشر بين الناس ، حتى لا تكشف أوراقهم ، وتفضح أراجيفهم ، لأنهم جميعاً بلا استثناء يمثلون مقولة فرعون الذي استبعد قومه قال تعالى :{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (29) سورة غافر .
والناس في الأغلب يميلون مع القوي ، الذي يغريهم بالمال والمتاع والشهوات أو يلوِّحُ لهم بالعصا { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) } [الشعراء : 41 - 52]
ولكن في نهاية المطاف سوف ينتصر الحق على الباطل ،قال تعالى : { قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (12) سورة آل عمران
فإلى القرآن الكريم وعطائه المتدفق الذي لا ينتهي .
وأما طريقة عملي في هذا الكتاب فهي كما يلي :
فقد قسمته لمباحث على الشكل التالي :
المبحث الأول-أَغْرَاض اَلْقِصَّة في القرآن الكريم
المبحث الثاني-قصة أصحاب القرية
شرح الكلمات,المناسبة,المعنى العام,التفسير والبيان ,ومضات عامة,ما ترشد إليه الآيات
المبحث الثالث-قطوف تربوية حول قصة أصحاب القرية .
المبحث الرابع-الإعجاز البياني في مثل أصحاب القرية الذين كذبوا المرسلين
وقد اعتمدت على أمهات كتب التفسير القديمة والحديثة ، وكتب الحديث وغيرها .
ووضعته في الشاملة 3 وفهرسته فيها ، وغيرت الآيات لتكون بالرسم العادي .
قال تعالى : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (62) سورة آل عمران
أسال الله تعالى أن ينفع به جامعه وناشره والدال عليه في الدارين وأن يكون القرآن حجة لنا لا حجةً علينا .
جمعه وأعده
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود

[1] - التفسير الميسر - (4 / 103)

[2] - التحرير والتنوير لابن عاشور - (7 / 299)



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-11-2009, 02:52 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

تمهيد حول القصة
أمر اللهُ رسولَه صلى الله عليه وسلم أنْ يضربَ بقصة أصحاب القرية مثلاً لِقريش ليعتبروا بما حدث لأصحاب القرية من الهلاك بسبب كفرهم.
ومثلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسُلِ الثلاثةِ الذين أرسلَهم اللهُ لأصحاب القرية ليصبرَ كما صبروا.
ومثلاً لأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليقتدوا بهذا الرجل المؤمن الذي جاء من أقصا المدينة يسعى.
وكلامنا عن قِصَّةِ أصحاب القرية سيكون حول العناصر التالية:
العنصر الأول: المواجهة بين الكفر والإيمان قديماً وحديثاً.
العنصر الثاني: هكذا يفعل الإيمان بأهله.
العنصر الثالث: نتيجة الكفر والإيمان.
العنصر الأول -المواجهة بين الكفر والإيمان قديماً وحديثاً
المواجهةُ دائماً بين الكفر والإيمان، وبين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وتظهر هذه المواجهة جليةً بين الكفر والإيمان في قِصَّةِ أصحاب القرية.
فالإيمان يتمثل في رسل الله الذين أرسلهم الله لأصحاب القرية وفي الرجل المؤمن الذي جاء من أقصا المدينة يسعى، والكفر يتمثل في أصحاب القرية.
والله سبحانه وتعالى في هذه القصةِ وفي غيرها من قَصَص القرآن يُخبرُنا بالمواجهة التي تحدث بين الكفر والإيمان، ويُخبرنا بنتائج هذه المواجهة وهي النصرُ والتمكينُ والفوز بسعادة الدنيا والآخرة لأهل الإيمان.
والخزيُ والهلاكُ والشقاءُ والعذاب في الدنيا والآخرة لأهل الكفر والضلال.
قال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾
فهذه قريةٌ أرسلَ اللهُ إليها رسولينِ –كما أرسل موسى وأخاه هارونَ إلى فرعون وملئه- فدَعوا أهلَ تلك القريةِ إلى عبادة الله وحده فكذبوهما فشدَّ اللهُ أَزْرَهما وأَمْرَهما برسولٍ ثالثٍ، وتقدم ثلاثتهم من جديد بدعوة أهل تلك القرية: ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾.
وفي هاتين الآيتين فوائدُ:
الفائدة الأولى: أنه ما من قرية إلا أرسلَ اللهُ إليها رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحدهُ، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر:24].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [سـبأ:34].
الفائدة الثانية: أنَّ الرسولَ يتقوى بالرسول الآخر. والرسولينِ يتعززان بالرسول الثالث. والداعي إلى الله يتقوى بإخوانهِ الدعاةِ إلى الله.
الفائدة الثالثة: الإصرار على الدعوة والتبليغ مهما كانت النتائج.
ولكن بماذا ردَّ أصحابُ القريةِ على رسُل الله؟
يخبرنا ربُّنا سبحانه وتعالى في كتابه فيقول عنهم: ﴿ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ﴾
أثارَ أصحابُ القريةِ شُبهةً وهي شُبهةُ |بشرية الرسل|، وبنوا على تلك الشبهةِ نتيجةً خاطئةً وهي أنهم كاذبون وليسوا مرسلينَ: ﴿ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ﴾.
وهذه هي الشبهةُ التي واجهَ بها كلُّ قومٍ رسولَهم، واعتبروها مانعاً من تصديقهِ والإيمان بهِ،قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن:6].
وبماذا ردَّ رسُلُ اللهِ على افتراءات أصحاب القرية؟
يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى فيقول عنهم: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ أي: أجابتهم رسُلُهم الثلاثةُ قائلينَ: اللهُ يعلمُ أنا رسله إليكم، ولو كذبنا عليه لانتقمَ منا أشدَّ الانتقامِ.
وقالوا لهم: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ أي: إنما علينا أنْ نبلغكم ما أرسلنا به، وهذه هي مهمتنا وهذا هو واجبنا.
ومهمةُ الرسلِ جميعاً ومهمةُ الدعاةِ إلى الله جميعاً هي البلاغُ والدعوةُ فقط كما قال تعالى على لسان رُسُلهِ: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.
والتطير-وهو التشاؤم- من الرسل والدعاة إلى الله والتهديد بالقتل والتعذيب من أفعال الكفار قديماً وحديثاً: قال تعالى عن أصحاب القرية: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
التطير-وهو التشاؤم- من الرسل ليس خاصاً بأهل هذه القرية، بل هو سُنَّةٌ عامةٌ، وموقفٌ محدَّدٌ مُطَّردٌ، فما من قومٍ جاءهم رسولٌ إلا تطيروا به وتشاءموا من دعوته.
• ها هم قومُ ثمودَ يتطيرونَ برسولهم صالحٍ صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ [النمل: من الآية47]
• وقوم فرعون تطيروا بموسى صلى الله عليه وسلم ومن معه. قال تعالى عنهم: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [لأعراف:131].
• وها هم كفار مكةَ يتطيرون بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم. قال تعالى عنهم: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: من الآية78].
فهذا التطير والتشاؤم من أخلاق الكفار قديماً لرُسُلِ الله وحديثاً لدعاة الإسلام.
والتهديد بالقتل والرجم والإخراج والتعذيب هو لغةُ الكفار قديماً وحديثاً.
فها هم أصحابُ القريةِ يقولون لرُسُلِ اللهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
وها هو فرعونُ يقول لموسى صلى الله عليه وسلم: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: من الآية29].
وها هم قوم نوحٍ صلى الله عليه وسلم يقولون لنبيهم: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء:116].
وها هم قوم لوطٍ صلى الله عليه وسلم يقولون لنبيهم: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ [الشعراء: من الآية167].
أ تدرون ماذا ردَّ رسلُ الله على تطيُّرِ وتهديدِ أصحابِ القريةِ؟
قال الله عنهم: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ أي: قالتْ الرسلُ لهم: ليس شؤمكم بسببنا، وإنما شؤمكم بسببكم، وبكفركم، وعصيانكم، وسوء أعمالكم، وإسرافكم في المعاصي والإجرام.
وكفار اليومِ -والكفرُ ملةٌ واحدةٌ - يتشاءمون من الإسلام ومن دعاة الإسلام، وينفقون أموالهم بالليل والنهار ليُشوِّهوا صورةَ الإسلام ودعاة الإسلام ليصدوا الناسَ عن سبيل الله،كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ [الحج: من الآية72].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [لأنفال:36].
وكفار اليوم لا يعرفون إلاَّ لغةَ التهديد بالقتل والسجن وهي لغةُ العاجزِ الضعيفِ الذي لا يملك حجةً ولا برهاناً.
فعلى الدعاة إلى الله تعالى أن يصبروا على دعوتهم للناسِ ويقولوا للكفار كما قال الرسلُ لأصحاب القريةِ: ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾.
العنصُرُ الثاني -هكذا يفعل الإيمان بأهله
الإيمان إذا تمكن من القلوب صنعَ الرجالَ.
الإيمان إذا امتلأتْ به القلوبُ دفعَ صاحبَهُ إلى كلِّ خيرٍ ومنعه من كلِّ شرٍ.
قال تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يـس: من الآية20].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ [غافر: من الآية28].
وقال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: من الآية23].
فالإيمان يصنعُ الرجالَ، ولا يعرفُ قدرَ الرجالِ إلاَّ الرجالُ.
بينما المواجهةُ قائمةٌ بين رسل الله وأصحاب القريةِ، جاء رجلٌ مؤمن من أقصا المدينة يسعى دفعَهُ إيمانُهُ إلى الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ والدعوةِ إلى الله. فأخذ هذا الرجلُ يدعو قومَهُ بلطفٍ إلى الإيمان باللهِ والاستجابة لرسل اللهِ ويحذرهم من عقاب الله.
والله سبحانه وتعالى يخبرنا عن هذا الرجلِ المؤمنِ لنقتدي به في دعوتنا.
قال تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ. إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾.
هكذا قالها بأعلى صوتِهِ: ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾.
قالها لقومه ليتبعوه وقالها للرسلِ ليشهدوا لهُ بها عند الله يومَ القيامةِ.
فلما قال ذلك وثب عليه قومُه فقتلوه؛وقال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة، وهو يقول: "اللهم اهد قومي، فإنهم لا يعلمون". فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقول كذلك، فقتلوه، رحمه الله.[1]
هكذا الكفار لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمةً.
العنصر الثالث -نتيجة الكفر والإيمان
أما نتيجةُ الإيمان فهي سعادة الدنيا والآخرة.
• ففي الدنيا:
1- النصرُ والتمكين ، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: من الآية47].
وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51].
2- يدافعُ الله عنهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: من الآية38].
• وأما في الآخرةِ فالفوز بالجنة ، قال تعالى: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾.
هكذا يفعل الإيمانُ بأهلهِ؛ نصح قومَهُ حياًّ وميتاً.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: نصح قومَه في حياته بقوله: ﴿يا قوم اتبعوا المرسلينَ﴾، وبعد مماته في قوله: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾.
ومقصوده أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من الثواب والجزاء والنعيم المقيم لقادهم ذلك إلى اتباع الرسلِ، فرحمه الله ورضي عنه فلقد كان حريصاً على هداية قومه.| [2]
وهكذا المؤمنُ الصادقُ في إيمانه لا يريد من الناس إلا أن يؤمنوا بالله وحده ليفوزوا بالجنةِ وينجوا من عذاب الله.
وهكذا المؤمن دائماً يعرف الحق ويرحم الخلقَ.
وهكذا المؤمن دائماً لا يطلعُ إلى الدنيا الفانيةِ وإنما يطلعُ على ما عند اللهِ لأنَّ اللهَ يقول: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: من الآية96].
ويقول ـ: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: من الآية64].
أما نتيجةُ الكفر فهي الشقاء في الدنيا والآخرة
• أما في الدنيا: فالهلاك والدمار والعذاب كما فُعل بأصحاب القرية. قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ. إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾.
وهكذا يتعامل ربُّنا سبحانه مع الكفرةِ، قال تعالى: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت:40].
وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:102].
أما نتيجةُ الكفرِ في الآخرة فالعذاب الأليمُ في دار الجحيمِ، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر:36].
ويختمُ ربُّنا سبحانه قِصَّةَ أصحابِ القريةِ بآياتٍ فيها تحذيرٌ وتذكيرٌ، قال تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ. وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾.[3]

[1] - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (6 / 571)

[2] - تفسير ابن كثير - دار طيبة - (6 / 572)

[3] - http://www.almenhaj.net/Report.php?linkid=7583


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-11-2009, 02:53 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

المبحث الأول
أَغْرَاض اَلْقِصَّة في القرآن الكريم
إن الذي يتدبر القرآن الكريم، يرى جانبا كبيرا من آياته وسوره، قد اشتمل على قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى قصص غيرهم من الأخيار والأشرار.
يرى ذلك بصورة أكثر تفصيلا في السور المكية، التي كان نزولها قبل الهجرة، لأنها في الأعم والأغلب اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى وعلى صدق الرسول r فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى وعلى أن البعث وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب حق وصدق.
وهذه الأدلة ساقتها السور المكية تارة عن طريق قصص الأنبياء مع أقوامهم، وتارة عن غير ذلك من الطرق الأخرى، كالنظر في ملكوت السماوات والأرض، وفي خلق الإنسان وغيره من سائر المخلوقات.
أما السور المدنية وهي التي كان نزولها بعد الهجرة، فهي في الأعم والأغلب اهتمت بعد أن رسخت العقيدة السليمة في قلوب المؤمنين، بتفصيل أحكام الشريعة العملية، كالعبادات، والمعاملات، والحدود، والعلاقات الاجتماعية، وتنظيم شئون الدولة الإسلامية داخليا وخارجيا..
فمثلا من السور المكية التي اشتمل معظمها، أو جانب كبير منها، على قصص الأنبياء، سور: الأعراف، ويونس، وهود، ويوسف، والشعراء، والقصص، والصافات .. الخ.
والقصة في كل زمان ومكان لها أثرها العميق في النفوس، لما فيها من عنصر التشويق، وجوانب الاعتبار والاتعاظ .. ولا تزال على رأس الوسائل التي يدخل منها الهداة والمصلحون والقادة، إلى قلوب الناس وعقولهم، لكي يسلكوا الطريق القويم، ويعتنقوا الفضائل، ويجتنبوا الرذائل، ويسلموا وجوههم لله الواحد القهار ومن هنا ساق ما ساق من قصص يمتاز بسمو الغاية، وشريف المقصد، وصدق الكلمة والموضوع، وتحري الحقيقة بحيث لا تشوبها شائبة من الوهم أو الخيال أو مخالفة الواقع.
كما أن من مميزات قصص القرآن: اشتماله عن طرق شتى في التربية والتهذيب، تارة عن طريق الحوار، وأحيانا عن طريق سلوك طريق الحكمة والاعتبار، وطورا عن طريق التخويف والإنذار نرى ذلك على سبيل المثال في قوله تعالى: [{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ "100" وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ "101" وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "102" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ "103" } (سورة هود: 100 ـ 103)]
والقصة في القرآن ليست عملا فنيا مستقلا في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه – كما هو الشأن في القصة الفنية الحرة , التي ترمي إلى أداء غرض فني طليق – إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى أغراضه الدينية . والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء ؛ والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبيتها . شأنها في ذلك شأن الصور التي يرسمها للقيامة وللنعيم والعذاب , وشأن الأدلة التي يسوقها على البعث وعلى قدرة الله , وشأن الشرائع التي يفصلها والأمثال التي يضربها ... إلى آخر ما جاء في القرآن من موضوعات .
وقد خضعت القصة القرآنية في موضوعها , وفي طريقة عرضها , وإدارة حوادثها , لمقتضى الأغراض الدينية ؛ وظهرت آثار هذا الخضوع في سمات معينة سنعرض لها بعد قليل . ولكن هذا الخضوع الكامل للغرض الديني , ووفاءها بهذا الغرض تمام الوفاء , لم يمنع بروز الخصائص الفنية في عرضها . ولاسيما خصيصة القرآن الكبرى في التعبير . وهي التصوير .
وقد لاحظنا من قبل أن التعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني , فيما نعرضه من الصور والمشاهد . بل لاحظنا أنه يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني , فيخاطب حاسة الوجدان الدينية , بلغة الجمال الفنية . والفن والدين صنوان في أعماق النفس وقرارة الحس , وإدراك الجمال الفني دليل استعداد لتلقي التأثير الديني , حين يرتفع الفن إلى هذا المستوى الرفيع , وحين تصفو النفس لتلقي رسالة الجمال .
وقد أوردنا في فصل " التصوير الفني " نموذجين من القصة , عملت فيهما الريشة المعجزة عملها , وهي تعرضهما عرضا أخاذا . وقد وعدنا هناك بتفصيل البحث في القصة , فلنأخذ الآن في هذا التفصيل.
أغراض القصة
سيقت القصة في القرآن لتحقيق أغراض دينية بحتة كما أسلفنا ؛ وقد تناولت من هذه الأغراض عددا وفيرا من الصعب استقصاؤه , لأنه يكاد يتسرب إلى جميع الأغراض القرآنية ؛ فإثبات الوحي والرسالة , وإثبات وحدانية الله , وتوحد الأديان في أساسها , والإنذار والتبشير , ومظاهر القدرة الإلهية , وعاقبة الخير والشر , والعجلة والتريث , والصبر والجزع , والشكر والبطر , وكثير غيرها من الأغراض الدينية , والمرامي الخلقية , قد تناولته القصة , وكانت أداة له وسبيلا إليه .
فإذا نحن استعرضنا هنا أغراض القصة القرآنية , فإنما نثبت أهم هذه الأغراض وأوضحها , ونترك استقصاءها وتتبعها :
1-بيان أن هذا القرآن عند الله تعالى وأن ما اشتمل عليه هذا القرآن من قصص للسابقين، لا علم للرسول r بها، وإنما علمها بعد أن أوحاها الله تعالى إليه، وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه. استمع إلى القرآن وهو يقرر ذلك في مواطن متعددة، فيقول في أعقاب حديث طويل عن قصة نوح عليه السلام مع قومه:[{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (سورة هود: 49)]
أي: تلك القصة التي قصصناها عليك عن نوح وقومه من أخبار الغيب الماضية، التي لا يعلم دقائقها وتفاصيلها أحد سوانا، ونحن "نوحيها إليك" ونعرفك بها عن طريق وحينا الصادق الأمين.
وهذه القصة وأمثالها "ما كنت تعلمها" أنت يا محمد، وما كان يعلمها "قومك" أيضا بهذه الصورة الصادقة الحكيمة "من قبل" هذا الذي الوقت أوحيناها إليك فيه.
ومادام الأمر كذلك "فاصبر" صبرا جميلا على تبليغ ما أمرك الله بتبليغه، كما صبر أخوك نوح من قبلك، واعلم أن العاقبة الحسنة للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضي الله تعالى.
فالآية الكريمة تعقيب حكيم عن قصة نوح عليه السلام، قصد به الامتنان على النبي r كما قصد به الموعظة والتسلية.
أما الامتنان فنراه في قوله سبحانه: "ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا" وأما الموعظة فنراها في قوله تعالى: "فاصبر".
أما التسلية فنراها في قوله عز وجل: "أن العاقبة للمتقين". وشبيه بذلك ما قاله سبحانه في أعقاب الحديث الطويل عن قصة يوسف عليه السلام مع أخوته مع غيرهم قال تعالى:[{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } (سورة يوسف: 102)]
أي: ذلك الذي قصصناه عليك يا محمد من قصة أخيك يوسف، من الأخبار الغيبية التي لا يعلمها علما تاما شاملا إلا الله تعالى وحده، ونحن "نوحيه إليك" ونخبرك به لما فيه من العظات والعبر.
وأنت يا محمد ما كنت حاضرا مع أخوة يوسف، وقت أن أجمعوا أمرهم للمكر به، وللاعتداء عليه، وقد أخبرناك بذلك للاعتبار والاتعاظ.
ونرى مثل هذا المعنى أيضا وهو الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله تعالى وحده ما قصه سبحانه علينا بعد حديث طويل عن جانب من قصة موسى عليه السلام، وعن جانب من قصة مريم.
أما بالنسبة لقصة موسى عليه السلام فقد قال سبحانه:[{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ "44" وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ "45" وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا .. "46"} (سورة القصص: الآيات 44 ـ46)]
أي: لم تكن يا محمد حاضرا وقت أن كلفنا أخاك موسى بحمل رسالتنا، وكان ذلك عند الجانب الغربي لجبل الطور، ولم تكن أيضا من المشاهدين لما أوحيناه إليه، ولكنا أخبرناك بذلك بعد أن خلت بينك وبين موسى أزمان طويلة.
ولم تكن أيضا مقيما في أهل مدين، وقت أن حدث ما حدث بين موسى عليه السلام وبين الشيخ الكبير وابنتيه من محاورات ..
ولم تكن كذلك بجانب جبل الطور وقت أن نادينا أخاك موسى، وأنزلنا إليه التوراة لتكون هداية ونورا لقومه.
فالمقصود بهذه الآيات الكريمة بيان أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأن الرسول r لم يكن عالما بتلك الأحداث السابقة، وإنما أخبره الله تعالى بها عن طريق قرآنه الكريم، ووحيه الصادق الأمين.
وأما بالنسبة لقصة مريم، فقد قال سبحانه خلالها: [{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } (سورة آل عمران: الآية 44)]
أي: ذلك القصص الحكيم الذي قصصناه عليك يا محمد فيما يتعلق بما قالته امرأة عمران، وما قاله زكريا، وما قالته الملائكة لمريم.
ذلك كله من أخبار الغيب التي ما كنت تعلمها أنت ولا قومك، وإنما يعلمها الله وحده وأنت ما كنت حاضرا مع زكريا عليه السلام ومع الذين نافسوه في كفالة مريم، واقترعوا على ذلك فكانت كفالتها من نصيب زكريا عليه السلام، ومن الواضح أن المقصود بهذه الآية الكريمة، وما يشبهها من آيات كثيرة، إقامة الأدلة على أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأن ما اشتمل عليه من قصص السابقين لم يكن للرسول r علم به، ولم يكن أيضا لغيره علم صحيح به.
فجاء القرآن الكريم بهذه القصص، وحكاها بالحق والصدق، لتكون عبرة وعظة للناس .. قال تعالى: [{إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة آل عمران: الآية 62)]
وقال سبحانه: [{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } (سورة الكهف: الآية 13)]
وقال عز وجل: [{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } (سورة الأعراف: الآية 7)]
2- وكان من أغراض القصة : بيان أن الدين كله من عند الله , من عهد نوح إلى عهد محمد r. وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة , والله الواحد رب الجميع ؛ وكثيرا ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة , معروضة بطريقة خاصة , لتؤيد هذه الحقيقة . ولما كان هذا غرضا أساسيا في الدعوة , فقد تكرر مجيء هذه القصص , على هذا النحو , مع اختلاف في التعبير , لتثبيت هذه الحقيقة وتوكيدها في النفوس , نضرب لذلك مثلا ما جاء في سورة " الأنبياء " : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ . وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ " . " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ " . إلى قوله : " وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ " .
" وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ .وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ " . " وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ " . " وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ . وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ " . " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ . وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ " . " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " . " وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ . وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ " . " وَذَا النُّونِ(2) إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ " . " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " . " وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا(3) فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ " . " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " .
وهذا هو الغرض الأصيل , من هذا الاستعراض الطويل . وغيره من الأغراض الأخرى , يأتي عرضا وفي ثناياه ..
3- وكان من أغراض القصة بيان أن الرسل جميعا قد أرسلهم الله تعالى برسالة واحدة في أصولها ألا وهي إخلاص العبادة لله الواحد القهار، وأداء التكاليف التي كلف سبحانه خلقه بها وقد وردت آيات كثيرة تدل على أن أول كلمة قالها كل رسول لقومه، هي أمرهم بعبادة الله تعالى، ونهيهم عن عبادة أحد سواه.
فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه كما حكى القرآن عنه: [{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 59)]
وهذا هود عليه السلام يقول لقومه:[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 65)]
وهذا صالح عليه السلام يقول لقومه:[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 73)]
وهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه:[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 85)]
فهذه الجملة الكريمة حكاية لما وجهه هؤلاء الأنبياء لقومهم من إرشادات وهدايات. أي: قالوا لهم بكل لطف وأدب: اعبدوا الله وحده لا شريك له، فإنه هو المستحق للعبادة، أما سواه فلا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
ويحكي القرآن الكريم هذا المعنى على لسان كل نبي فيقول: [{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (سورة الأنبياء: 25)]
أي: وما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول آخر، إلا وأفهمناه عن طريق وحينا، أنه لا إله يستحق العبادة والطاعة آلا أنا، فعليه أن يأمر قومه بذلك، وأن ينهاهم عن عبادة غيري
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-11-2009, 02:55 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

4- وكان من أغراض القصة بيان أن وسائل الأنبياء في الدعوة موحدة , وأن استقبال قومهم لهم متشابه – فضلا على أن الدين من عند إله واحد , وأنه قائم على أساس واحد – وتبعا لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة أيضا , مكررة فيها طريقة الدعوة , على نحو ما جاء في سورة " هود " : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ . فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " . إلى أن يقول : " وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ... " . وإلى أن يقولوا له " .. يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " .
" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ . يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " .إلى قوله : " قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ . إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ " ... إلخ
" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ . قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " .... إلخ
5- وكان من أغراض القصة بيان الأصل المشترك بين دين محمد ودين إبراهيم عليهما السلام بصفة خاصة , ثم أديان بني إسرائيل بصفة عامة ؛ وإبراء أن هذا الاتصال أشد من الاتصال العام بين جميع الأديان . فتكررت الإشارة إلى هذا في قصص إبراهيم وموسى وعيسى : " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى "
" أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى . وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى . أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " . " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... " . " ... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ... " . " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " . إلى أن يقول : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً ... " .
6- وكان من أغراض القصة بيان أن الله ينصر أنبياءه في النهاية ويهلك المكذبين , وذلك تثبيتا لمحمد صلى الله عليه وسلم, وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان : " وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " . وتبعا لهذا الغرض كانت ترد قصص الأنبياء مجتمعة , مختومة بمصارع من كذبوهم . ويتكرر بهذا عرض القصص كما جاء في سورة " العنكبوت " : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ. فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ " . " وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " . إلخ " وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ " . إلى أن يقول " )إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. َلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " . " وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ " . " وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ " . " وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ " . " فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " .
وتلك هي النهاية الواحدة للمكذبين .
7- وكان من أغراض القصة تصديق التبشير والتحذير , وعرض نموذج واقع من هذا التصديق , كالذي جاء في سورة " الحجر " : " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " . فتصديقا لهذا وذلك جاءت القصص على النحو التالي : " وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ . قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ " . ... إلخ .
وفي هذه القصة تبدو " الرحمة " . ثم : " فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ . قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ . قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ . وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ . فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ . وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ . وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ . قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ . وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ . قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ . قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ . لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ . وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ . وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ . وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ " .
وفي هذه القصة تبدو " الرحمة " في جانب لوط , ويبدو " العذاب الأليم في جانب قومه المهلكين . ثم : " وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ . فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ "
وفي هذه القصة يبدو " العذاب الأليم " للمكذبين . وهكذا يصدق الأنبياء , ويبدو صدقه في هذا القصص الواقع , بهذا الترتيب .
8- وكان من أغراض القصة بيان نعمة الله على أنبيائه وأصفيائه , كقصص سليمان وداود وأيوب وإبراهيم ومريم وعيسى وزكريا ويونس وموسى , فكانت ترد حلقات من قصص هؤلاء الأنبياء تبرز فيها النعمة في مواقف شتى , ويكون إبرازها هو الغرض الأول , وما سواه يأتي في هذا الموضع عرضا .
9- وكان من أغراض القصة , تنبيه أبناء آدم إلى غواية الشيطان , وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم آدم , وإبراز هذه العداوة عن طريق القصة أروع وأقوى,وأدعى إلى الحذر الشديد من كل هاجسة في النفس تدعو إلى الشر , وإسنادها إلى هذا العدو الذي لا يريد بالناس الخير
ولما كان هذا موضوعا خالدا , فقد تكررت قصة آدم في مواضع شتى .
10-كذلك من أهداف القصة في القرآن الكريم: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسليته عما أصابه من قومه وتبشيره صلى الله عليه وسلم بأن العاقبة الطيبة ستكون له ولأصحابه ..
أما تثبيت فؤاده عن طريق قصص الأنبياء السابقين، فنراه في آيات كثيرة: منها قوله تعالى: [{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (سورة هود: الآية 120)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة في أواخر سورة من سور القرآن الكريم الزاخرة بقصص الأنبياء مع أقوامهم وهي سورة هود عليه السلام.
فقد اشتملت هذه السورة على قصة نوح مع قومه، وقصة هود مع قومه، وقصة صالح ولوط وشعيب مع أقوامهم، وقصة إبراهيم مع الملائكة الذين جاءوا يبشرونه بابنه إسحاق، كما اشتملت على جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه.
والمعنى: وكل نبأ من أنباء الرسل الكرام السابقين نقصه عليك أيها الرسول الكريم ونخبرك عنه: المقصود به تثبيت قلبك، وتقوية يقينك، وتسلية نفسك ونفوس أصحابك، عما لحقكم من أذى في سبيل تبليغ دعوة الحق إلى الناس ..
ولقد جاءك يا محمد في هذه السورة الكريمة وغيرها من سور القرآن، الحق الثابت المطابق للواقع، والذكرى النافعة للمؤمنين بما جئت به.
وأما التسلية عن طريق قصص الأنبياء السابقين، والتسرية عن قلبه صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الاقتداء بهم في صبرهم .. فكل ذلك نراه في آيات كثيرة منها قوله سبحانه:[{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ "52" أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ "53" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ "54" وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ "55"} (سورة الذاريات: الآيات من 52: 55)]
وقد جاءت هذه الآيات بعد حديث مركز عن جانب من قصة إبراهيم وموسى وهود وصالح ونوح عليهم الصلاة والسلام.
والمعنى: نحن نخبرك يا محمد بأنه ما أتى الأقوام الذين قبل قومك من نبي أو رسول، يدعوهم إلى عبادتنا وطاعتنا، إلا وقالوا له كما قال قومك في شأنك هذا الذي يدعي الرسالة أو النبوة ساحر أو مجنون.
والمقصود بالآية الكريمة: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من مشركي قريش، إذ بين له سبحانه أن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله، والمصيبة إذا عمت خفت.
ثم أضاف سبحانه إلى هذه التسلية تسلية أخرى فقال: "أتواصوا به"؟
أي: أوصي السابقون اللاحقين أن يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم، أنت أيها الرسول ساحر أو مجنون!
وقوله سبحانه: "بل هم قوم طاغون": إضراب عن تواصيهم إضراب إبطال، لأنهم لم يجمعهم زمان واحد أو مكان واحد، حتى يوصي بعضهم بعضا، وإنما الذي جمعهم تشابه القلوب، والالتقاء على الكفر والفسوق والعصيان.
أي: هل وصى بعضهم بعضا بهذا القول القبيح؟ كلا لم يوص بعضهم بعضا، لأنهم لم يتلاقوا، وإنما تشابهت قلوبهم، فاتحدت ألسنتهم في هذا القول المنكر.
ثم تسلية ثالثة نراها في قوله تعالى: "فتول عنهم فما أنت بملوم". أي: فأعرض عنهم أيها الرسول الكريم وسر في طريقك دون مبالاة بمكرهم وسفاهتهم، فما أنت بملوم على الإعراض عنهم، وما أنت بمعاقب منا على ترك مجادلتهم ..وداود على التذكير والتبشير والإنذار مهما تقول المتقولون، فإن التذكير بما أوحيناه إليك من هدايات سامية، وآداب حكيمة .. ينفع المؤمنين.
وشبيه بهذه الآيات في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أذى، قوله تعالى:[{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ "42" وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ "43" وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ "44"} (سورة الحج: 42 ـ 44)]
وأما دعوته صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بإخوانه الأنبياء السابقين في صبرهم، فناره في آيات متعددة .. منها قوله سبحانه:[{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. } (سورة الأنعام: 90)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد أن ذكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الآيات السابقة عليها أسماء ثمانية عشر نبيا، ثم أمره بالاقتداء بهم فقال:[{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. } (سورة الأنعام: 90)] أي: أولئك الأنبياء الذين ذكرناهم لك يا محمد، هم الذين هديناهم إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم فبطريقتهم إلى الإيمان بالله، وفي ثباتهم على الحق، كن مقتديا ومتأسيا.
وأما تبشيره صلى الله عليه وسلم عن طريق قصص الأنبياء السابقين بأن النصر سيكون له ولأتباعه، فنراه في آيات كثيرة: منها قوله تعالى: [{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (سورة الأنعام: 34)] أي: ولقد كذب الأقوام السابقون رسلا كثيرين جاءوا لهدايتهم، فكان موقف هؤلاء الرسل من هذا التكذيب والأذى الصبر والثبات، واستمروا على صبرهم وثباتهم حتى أتاهم نصرنا الذي اقتضته سنتنا وأحكامنا التي لا تتخلف.ولقد جاءك أيها الرسول الكريم من أخبار إخوانك الأنبياء السابقين ما فيه العظات والعبر، فعليك أن تستبشر بأن النصر سيكون لك ولأتباعك.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-11-2009, 02:56 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

ومن الآيات التي بشرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن العافية ستكون له ولأتباعه، كما كانت للأنبياء السابقين وأتباعهم قوله تعالى: [{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (سورة المجادلة: 21)]
وقوله سبحانه: [{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ "171" إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ "172" وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ "173"} (سورة الصافات: الآيات 171 ـ173)]
[{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (سورة غافر: الآية 51)]
11- كذلك من أهداف القصة في القرآن الكريم: الاعتبار والاتعاظ. قال تعالى: [{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }]
وهذه الآية الكريمة هي الآية الأخيرة التي ختم الله تعالى بها سورة يوسف عليه السلام، التي اشتملت على أحسن القصص وأحكمه وأصدقه وأشده أثرا في النفوس .. أي: لقد كان في قصص أولئك الأنبياء الكرام، وما جرى لهم من أقوامهم، عبرة وعظة لأصحاب العقول السليمة، والأفكار القويمة، بسبب ما اشتمل عليه هذا القصص من حكم وآداب وإرشادات. وما كان هذا الذي قصصناه حديثا مختلقا أو كاذبا، وإنما هو حديث لحمته وسداه الصدق الذي لا يحوم حوله الكذب، والتأييد لما صح من الكتب السابقة التي امتدت إليها أيدي الفاسقين بالتحريف والتبديل، والتفصيل والتوضيح للشرائع السابقة، والهداية والرحمة لقوم يؤمنون به، ويعملون بما فيه من أمر أو نهي.
والعبر والعظات التي نأخذها من قصص القرآن الكريم، لها صور شتى منها: بيان حسن عاقبة المؤمنين، الذين ثبتوا على الحق، وابتعدوا عن الباطل، وتابوا إلى الله تعالى توبة صادقة، وشكروا الله تعالى على نعمه، بأن استعملوها فيما يرضيه لا فيما يسخطه.
ونرى نماذج لذلك في قصة سليمان عليه السلام الذي آتاه الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فلم يبطره هذا الملك، ولم يشغله عن ذكر الله تعالى بل قال كما حكى القرآن عنه "هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر".
ونرى نماذج لذلك في قصة ذي القرنين، الذي مكن الله تعالى له في الأرض، فاستعمل ما آتاه الله من قوة في الخير لا في الشر، وفي الإصلاح لا في الإفساد.
ونرى نماذج لذلك في قصة أصحاب الكهف، الذين آمنوا بربهم، وزادهم الله تعالى إيمانا على إيمانهم، بسبب ثباتهم على الحق.
نرى نماذج لذلك في قصة قوم يونس عليه السلام الذين استجابوا لدعوة الحق، وصدقوا نبيهم فيما أخبرهم به، وأخلصوا دينهم لله تعالى.
[{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } (سورة يونس: الآية 98)]
والمعنى: فهلا عاد المكذبون إلى رشدهم وصوابهم، فآمنوا بالحق الذي جاءتهم به رسلهم، فنجوا بذلك من العذاب، كما نجا منه قوم يونس عليه السلام بسبب ندمهم على ما فرط منهم، وإيمانهم إيمانا صادقا، وتوبتهم توبة نصوحاً، فعاشوا آمنين إلى حين انقضاء آجالهم في هذه الدنيا ..
12- ومنها: بيان سوء عاقبة المكذبين، الذين أصروا على كفرهم، ولم يستمعوا لنصائح أنبيائهم، واستحبوا العمى على الهدى، وجحدوا نعم الله تعالى واستعملوها في المعاصي لا في الطاعات.
ونرى نماذج لذلك في قصة قارون الذي آتاه الله تعالى من النعم ما أتاه، فلم يشكر الله تعالى على نعمه، بل قال بكل غرور وصلف: "إنما أوتيته على علم عندي".
كما نرى نماذج لذلك في قصة أهل سبأ الذين قال الله تعالى في شأنهم: [{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ "15" فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ "16" ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ "17"} (سورة سبأ: الآيات: 15 ـ 17)]
ولفظ "سبأ" في الأصل: اسم لرجل ينتهي نسبه إلى أول ملك من ملوك اليمن، والمراد به هنا: الحي أو القبيلة المسماة باسمه، وكانوا يسكنون بمأرب على مسيرة ثلاثة أيام من صنعاء.
والمعنى: لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم، علامة واضحة على فضل الله مساكنهم والثاني عن شمالها .. وقال الله تعالى لهم على ألسنة الصالحين منهم: "كلوا من رزق ربكم واشكروا له" نعمه، فأنتم تسكون في بلدة طيبة، فيها كل ما تحتاجونه، وقد منحها لكم الله الرحيم بكم، الغفور لذنوبكم، فاشكروه على ذلك.
"فأعرضوا" أي: فأعرضوا عن نصح الناصحين، وجحدوا نعم الله، فكانت نتيجة ذلك، أن أرسل الله تعالى عليهم السيل المدمر، وتحولت البساتين اليانعة إلى أماكن ليس فيها سوى الثمار والأشجار التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هذا الذي فعلناه بهم، سببه جحودهم وبطرهم، ومن سنتنا أننا لا نعاقب بهذا العقاب الرادع إلا من جحد نعمنا، وفسق عن أمرنا.
والمتدبر للقرآن الكريم يراه قد ساق لنا كثيرا من قصص الجاحدين، ثم بين لنا سوء مصيرهم. ومن ذلك أنه سبحانه بعد أن ذكر لنا جانبا من قصص نوح وإبراهيم ولوط، وشعيب، وهود، وصالح وموسى .. مع أقوامهم، عقب على ذلك بقوله تعالى: [{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (سورة العنكبوت: 40)]
أي: فكلا من هؤلاء المذكورين كقوم نوح وإبراهيم ولوط .. أخذناه وأهلكناه، بسبب ذنوبه التي أصر عليها ولم يرجع عنها. فمنهم من أرسلنا عليه "حاصبا" أي ريحا شديدة رمته بالحصاة كقوم لوط عليه السلام.
ومنهم من أخذته الصيحة الشديدة المهلكة كقوم صالح وشعيب عليهما السلام ومنهم من خسفنا به الأرض وهو قارون.
ومنهم من أغرقناه كما فعلنا مع قوم نوح ومع فرعون وقومه. وما كان الله تعالى مريدا لظلمهم، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم، وأوردوها موارد المهالك، بسبب إصرارهم على كفرهم وجحودهم.
هذه بعض الأهداف والمقاصد التي من أجلها ساق القرآن ما ساق من قصص، امتاز بسمو غايته، وشريف مقاصده، وعلو مراميه.
13- وكان للقصة أغراض أخرى متفرقة :
منها : بيان قدرة الله على الخوارق : كقصة خلق آدم . وقصة مولد عيسى . وقصة إبراهيم والطير الذي آب إليه بعد أن جعل على كل جبل منه جزءا . وقصة " الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " . وقد أحياه الله بعد موته مئة عام .
وبيان عاقبة الطيبة والصلاح , وعاقبة الشر والإفساد . كقصة ابني آدم . وقصة صاحب الجنتين . وقصص بني إسرائيل بعد عصيانهم , وقصة سد مأرب , وقصة أصحاب الأخدود .
وبيان الفارق بين الحكمة الإنسانية القريبة العاجلة , والحكمة الكونية البعيدة الآجلة . كقصة موسى مع " عبد من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما " وسنعرضها بالتفصيل في مناسبة أخرى.
إلى آخر هذه الأغراض الوعظية , التي كانت تساق لها القصص فتفي بمغزاها .. ( التصوير الفني في القرآن الكريم للسيد قطب رحمه الله )
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-11-2009, 02:59 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

يتبــــــــــــــــــــــــــــع إن شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 128.21 كيلو بايت... تم توفير 3.97 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]