حكم الإحرام وما يسن للمحرم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4993 - عددالزوار : 2112998 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4573 - عددالزوار : 1390930 )           »          حكم الإشتراك فى صفح على النت فيها أخطاء شرعية ،التعليق على صفحة فيها منكرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حكم زيارة القبور للنساء والفتيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          لا يجوز للمسلم أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          النوم بعد صلاة الصبح لا يحرم وتركه أفضل ولكن ما أضرار النوم وقت الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          التحذير من مصاحبة أهل السوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          مفاسد مجالسة أهل المنكر والكفر، وهل يجب نصح الكافر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          قيام الليل دأب الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          موالد مصر: بين الجهل والاستغلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 65 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 18-05-2024, 09:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي حكم الإحرام وما يسن للمحرم

حكم الْإِحْرَامُ وما يسن للمحرم








يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف




قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الْإِحْرَامُ: نِيَّةُ النُّسُكِ، وَسُنَّ لِمُريدِهِ: غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ، وَتَنَظُّفٌ، وَتَطَيُّبٌ، وَتَجَرُّدٌ عَنْ مَخِيطٍ، وَيُحْرِمُ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ، وَإِحْرَامٌ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ، وَنِيَّتُهُ: شَرْطٌ. وَيُسْتَحَّبُ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)".


الْكَلَامُ هُنَا سَيَكُونُ فِي عِدَّةِ فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ الْإِحْرَامِ لُغَةً وَشَرْعًا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (الْإِحْرَامُ نِيَّةُ النُّسُكِ).
الْإِحْرَامُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَحْرَمَ الرَّجُلُ يُحْرِمُ إِحْرَامًا، وَهُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّتِهِ مَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مِنَ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَأَشْيَاءَ مِنَ اللِّبَاسِ؛ فَيُقَالُ: أَحْرَمَ؛ أَيْ: دَخَلَ فِي التَّحْرِيمِ؛ كَمَا يُقَالُ: أَشْتَى إِذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ إِذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ، وَأَقْحَطَ إِذَا دَخَلَ فِي الْقَحْطِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَنْعُ؛ فَكَأَنَّ الْمُحْرِمَ مُمتَنِعٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَالْإِحْرَامُ أَيْضًا: دُخُولُ الْحَرَمِ أَوِ الدُّخُولُ في الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ: إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الشُّهُورِ الْحُرُمِ، وَهِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ[1].

وَالْإِحْرَامُ شَرْعًا: نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي نُسُكِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَوْ هُمَا؛ لَا نِيَّةَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ فَقَطْ[2]. وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ خُرُوجِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَيْتِهِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَكِنْ لَا يَحْصُلُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ نِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ مُحْرِمٌ إِلَّا إِذَا تَلَبَّسَ بِالنُّسُكِ؛ فَإِرَادَةُ النُّسُكِ لَا تُؤَثِّرُ، لَكِنْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ هِيَ الَّتِي تُؤَثِّرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: "نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ سَوْقُ الْهَدْيِ، لَا نِيَةُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى إِحْرَامًا. وَكَذَا التَّجَرُّدُ وَسَائِرُ الْمَحْظُورَاتِ؛ لِكَوْنِهِ مُحْرِمًا بِدُونِهَا. لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ قَصْدِ الْحَجِّ وَنِيَّتِهِ؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا زَالَ فِي الْقَلْبِ مُنْذُ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ"[3].

وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ هُنَا: أَنَّ قَوْلَهُ: (الْإِحْرَامُ نِيَّةُ النُّسُكِ). مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ بِدُونِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ: رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا ابْنُ رُشْدٍ.[4]

وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ النِّيَّةِ: تَلْبِيَةٌ، وَلَا سَوْقُ هَدْيٍ؛ بَلِ النِّيَّةُ كَافِيَةٌ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ النِّيَّةِ: تَلْبِيَةٌ وَلَا سَوْقُ هَدْيٍ، وَالنِّيَّةُ تَكْفِي، وَهَذَا هُوَ الصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[5].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْإِحْرَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، مَا لَمْ يَأَتِ بِالتَّلْبِيَةِ؛ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ قَصْدِ الْحَجِّ وَنِيَّتِهِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا زَالَ فِي الْقَلْبِ مُنْذُ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ كَالتَّلْبِيَةِ، أَوْ عَمَلٍ كَسَوْقِ الْهَدْيِ، يَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ[6].

الْفَرْعُ الثَّانِي: الْحِكْمَةُ مِنْ تَشْرِيعِ الْإِحْرَامِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: "قَالَ الْعُلَمَاءُ: ‌وَالْحِكْمَةُ ‌فِي ‌مَنْعِ ‌الْمُحْرِمِ ‌مِنَ ‌اللِّبَاسِ ‌وَالطِّيبِ: ‌الْبُعْدُ عَنِ التَّرَفُّهِ، وَالِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْخَاشِعِ، وَلِيَتَذَكَّرَ بِالتَّجَرُّدِ الْقُدُومَ عَلَى رَبِّهِ؛ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى مُرَاقَبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ"[7].

وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: "قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ: أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ عَنْ عَادَتِهِ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ ‌مُذَكِّرًا ‌لَهُ ‌مَا ‌هُوَ ‌فِيهِ ‌مِنْ ‌عِبَادَةِ ‌رَبِّهِ؛ ‌فَيَشْتَغِلُ بِهَا"[8]. وَقِيلَ أَيْضًا: "شَرَعَ اللهُ الْإِحْرَامَ لِإِظْهَارِ تَذَلُّلِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَذَلِكَ بِإِظْهَارِ الشَّعَثِ، وَتَرْكِ الرَّفَثِ، وَالْمَنْعِ مِنْ أَسْبَابِ الزِّينَةِ. وَالْإِحْرَامُ مَبْدَأُ النُّسُكِ وَالْعِبَادَةِ، فَهُوَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ، يَحْرُمُ بَعْدَهَا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهَا، فَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ يَتْرُكُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ مِنْ قَبْلُ. وَالْإِحْرَامُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ زِيَادَةٌ فِي شَرَفِ الْبَيْتِ وَفَضْلِهِ، فَجَعَلَ لِبَيْتِهِ الْحَرَامِ حَرَمًا آمِناً، وَأَكَّدَ ذَلِكَ وَقَوَّاهُ بِأَنْ جَعَلَ لِحَرَمِهِ حَرَمًا وَهُوَ الْمَوَاقِيتُ الْمَعْرُوفَةُ. فَلَا يَدْخُلُ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ إِلَى الْحَرَمِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ، وَنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ تَعْظِيمًا للهِ، وَتَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا لِبَيْتِهِ وَحَرَمِهِ، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾[الحج: 32]"[9].

وَجَاءَ في تَوْضِيحِ الْأَحْكَامِ: "مِنْ حِكْمَةِ التَّشْرِيعِ:
1- أَنْ يَأْتِيَ الْحَاجُّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ حَاسِرَ الرَّأْسِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالِ يَكُونُ قَرِيبَ الْقَلْبِ مِنْ رَبِّهِ، لَمْ تُطْغِهِ الْمَظَاهِرُ، وَلَمْ تُغْرِهِ الزَّخَارِفُ، وَلَمْ تَفْتِنْهُ الزِّينَةُ.

2- أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ تَبْعَثُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخُضُوعِ، وَالْخُشُوعِ إِلَى اللهِ تَعَالَى هُوَ لُبُّ الْعِبَادَةِ وَرُوحُهَا.

3- أَنَّ لِبَاسَهُ يُذَكِّرُهُ بِمَوْقِفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حِينَمَا يَأْتِي إِلَى رَبِّهِ عَارِيًا حَافِيًا؛ فَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ الْعَظِيمَ زَادَهُ قُرْبًا مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَابْتِهَالًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَخَوْفًا مِنْهُ، وَرَجَاءً إِلَيْهِ.

4- أَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ وَسَائِرَ الْعِبَادَاتِ تَرْمُزُ إِلَى الْوَحْدَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالاِتِّحَادِ بَيْنَهُمْ، وَتُشِيرُ إِلَى الْمُسَاوَاةِ؛ وَلِذَا تَوَحَّدَ زِيُّهُمْ وَمَسْكَنُهُمْ حَتَّى لَا يَطْغَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَمْتَازَ فَرْدٌ عَلَى فَرْدٍ، وَلَا يَظْهَرُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا قَوِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَإِنِّمَا هُمْ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ، وَفِي عِبَادَةٍ للهِ وَاحِدَةٍ، يَنْشُدُونَ هَدَفًا وَاحِدًا، فَهَذَا اللِّبَاسُ يُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ، وَيُوَحِّدُ بَيْنَ النُّفُوسِ.

5- هَذِهِ اللِّبْسَةُ الْخَاصَّةُ تُشْعِرُهُ فِي أَنَّهُ فِي حَالَةِ إِحْرَامٍ؛ فَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ، وَيَصُونُ نَفْسَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ.

6- أَمَّا الْمَرْأَةُ فَرُوعِيَ فِي لِبَاسِهَا قَاعِدَةُ: "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ"؛ فَبَقِيَتْ مَسْتُورَةً مُصَانَةً عَنِ الْفِتْنَةِ؛ لَاسِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ"[10].

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: حُكْمُ الْإِحْرَامِ.
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ فَرَائِضِ النُّسُكِ؛ حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً.[11]

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: مَا يُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ.
ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ سُنَنَ الْإِحْرَامِ، وَهِيَ كَالتَّالِي:
السُّنَّةُ الْأُولَى: الْغُسْلُ أَوِ التَّيَمُّمُ إِنْ عُدِمَ الْمَاءُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ).

أَيْ: سُنَّ لِمَنْ أَرادَ الْحَجَّ، أَوِ الْعُمْرَةَ، أَوْ هُمَا: أَنْ يَغْتَسِلَ؛ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ؛ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي لله عنها- قَالَتْ: «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ؛ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ، يَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ»[12]. وَلِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ-: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَجَرَّدَ لِإِهْلاَلِهِ وَاغْتَسَلَ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ كَلَامٌ[13]؛ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَعْقُوبٍ الْمَدَنِيَّ، وَهُوَ: غَيْرُ مَعْرُوفٍ[14].

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ وَاجِبٍ.[15] وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا أَعْلَمُ؛ سِوَى ابْنِ حَزْمٍ -رَحِمَهُ اللهُ-، فَقَدْ أَفْرَطَ وَأَوْجَبَهُ عَلَى النُّفَسَاءِ[16]؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَسْمَاءَ -رَضِيَ الله عَنْهُا- وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ؛ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ بِالْغُسْلِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ: دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِ الْإِحْرَامِ بِالْغُسْلِ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ؛ إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّونَهُ وَلَا يُوجِبُونَهُ. وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْجَبَهُ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ: إِذَا لَمْ تَغْتَسِلْ عِنْدَ الْإِهْلَالِ اغْتَسَلَتْ إِذَا ذَكَرَتْ، وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ؛ قَالُوا: الْغُسْلُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْإِهْلَالِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ إِيجَابُهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَكْفِي مِنْهُ"[17].

وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ الله- الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ[18].

تَنْبِيهٌ:
لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ غُسْلٌ فِي الْحَجِّ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَمَا عَدَاهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ الاِغْتِسَالُ فِيهِ؛ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ الله- فَقَالَ: "وَلَمْ يُنْقَلْ عنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْحَجِّ إلَّا ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ:
الْأَوَّلُ: غُسْلُ الْإِحْرَامِ.
الثَّانِي: وَالْغُسْلُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ.
الثَّالِثُ: وَالْغُسْلُ يَوْمَ عَرَفَةَ.

وَمَا سِوَى ذَلِكَ؛ كَالغُسْلِ لِرَمْيِ الْجِمَارِ، وَلِلطَّوَافِ، وَلِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَلَا أَصْلَ لَهُ، لَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا اسْتَحَبَّهُ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ؛ لَا مَالِكٌ، وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا أَحْمَدُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِهِ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي الاِسْتِحْبَابَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ رَائِحَةٌ يُؤْذِي بِهَا النَّاسَ؛ فَيَغْتَسِلُ لِإِزَالَتِهَا"[19].

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ)؛ أَيْ: فَإِذَا عَدِمَ الْمَاءَ، أَوْ خَافَ ضَرَرًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ: فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ؛ هَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ سُنَّةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ[20]؛ كَمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ الله-.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُنَظِّفُ. وَهَذَا رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ[21]، وَاخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ الله- فَقَالَ: "فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّيَمُّمُ... أَنَّهُ غُسْلٌ مَسْنُونٌ؛ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُنْتَقَضٌ بِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ: أَنَّ الْوَاجِبَ يُرَادُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّيَمُّمُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَسْنُونُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُحَصِّلُ هَذَا؛ بَلْ يَزِيدُ شُعْثًا وَتَغْبِيرًا؛ وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَلَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ، وَلَا تَكْرَارُ الْمَسْحِ بِهِ"[22].

فَائِدَةٌ:
وَقَدْ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ الله- إِلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُسْتَحَبَّةَ إِذَا تَعَذَّرَ فِيهَا اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ: فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا[23]، مِثْلُ مَنْ أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ التَّيَمُّمَ لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا قِيَاسَ فِيهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

السُّنَةُ الثَّانِيَةُ: التَّنَظُّفُ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَنَظُّفٌ).

أَيْ: وَيُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَنَظَّفَ، وَإِذَا قُرِنَ التَّنَظُّفُ مَعَ الْغُسْلِ: فَالْمُرَادُ بِالتَّنَظُّفِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِسُنَنِ الْفِطْرَةِ؛ مِنْ أَخْذِ شَعَرٍ وَظُفْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ؛ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى أَخْذِهَا فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَتَمَكَّنُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ الله-: "إِنَّ أَخْذَهَا لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ مُرِيدُ النُّسُكِ مُحْتَاجًا لِأَخْذِهَا أَخَذَهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ أَخْذُهَا مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ، وَلَا مِنْ سُنَنِهِ، لَكِنَّهُ مَشْرُوعٌ حَسَبَ الْحَاجَةِ. وَهَكَذَا يُشْرَعُ لِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ"[24].

السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ: التَّطَيُّبُ، وَهَذِهِ قَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَطَيُّبٌ).

أَيْ: وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ -رَضِيَ الله عَنْهَا-: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»[25]. وَقَوْلِهَا -رَضِيَ الله عَنْهَا-: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ مُحْرِمٌ»[26]. وَقَوْلُهَا: «وَبِيصِ الْمِسْكِ»؛ أَيْ: بَرِيقِهِ.
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 120.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.71 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]