|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حراس القلوب وعساس الليل ديمة طارق طهبوب "ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " إنه لأمر يستحق التفكير! لماذا تخير الله سبحانه و تعالى الثلث الأخير من الليل؛ ليتنزل على عباده بأكرم صفات الإجابة و الغفران و القبول! أليس الزمن بيده سبحانه و هو الذي يبارك في الأوقات، و يجعل لها خصوصيتها؟ و لكن الله سبحانه و تعالى عالم بقلوب خلقه؛ التي يعتريها الضعف في غفلة عن عيون الناس، بينما قد تتظاهر بالقوة و الصمود و الاستمرارية في معاش النهار، عالم أن الليل يغري بالضعف و الانكسار، و يفتح كل أشكال المواجع، و يذكر بكل الجروح، و تنزل فيه النفس من علياء كبريائها إلى الارتماء على أعتاب المولى؛ عله يواسي قلوبا لم تجد غيره موئلا بعد أن ضاقت الدنيا، و ضاقت قلوب الناس، لحظة الانكسار تلك و شد الحاجة هناك لا يعالجها إلا الله، حتى لغة الخطاب لا يفهمها إلا من يتشاركون في الهم؛ فالإقبال على الله في الضعف ليس كإقبال القوة، و إقبال المضطر غير إقبال اصحاب السعة، و الله يحب و يرضى من كليهما إلا أن عياله من المفتقرين إلى رحمته و الراغبين به و الساعين له و المستمسكين به أقرب تحقيقا و نوالا. لقد أدرك الخيرة من الصحابة هذا الخلق الرباني و تلك الصفة الرحمانية، و أن للقلوب حقوقا في الليل لا تُقضى في النهار، و أوقات اختصاص لا يصلح القيام بها في زمن مفتوح؛ فهناك عاجز ينتظر عونا و الناس غافلون في مناماتهم، و هناك يتيم ينتظر كفالة، و أرملة تنتظر جبرا، و مظلوم ينتظر نصرا، و وحيد ينتظر أنسا، و فاقد ينتظر مواساة. لقد أدرك صاحب القلب الوقور أبو بكر هذه الحساسية و الخصوصية للقلوب المحتاجة المرهقة؛ التي تتضاعف همومها ليلا، فكان لا يأتي الفجر إلا و قد زار و آنس و ساعد و عاد المرضى و قدم، فلما سمع عمر بأعاجيبه في جبر قلوب الناس و أصحاب الحاجات أعلن في حياته أنه لا يستطيع منافسته في شيء أبدا. و لكن بعد أن أخلى الصديق موقع السبق، جاء عمر؛ ليطلق سنة العسس ليلا، لا ليتجسس على أحوال رعيته بعين الرقيب المسؤول الذي ينتظر أخطاءهم، بل بعين المشفق الذي يتحسس حاجاتهم؛ ليقضيها، و يكون وسيلة الله إلى عباده لجبر قلوبهم. أليس في الليل رأى ذلك الرجل المفزوع المرتبك بولادة زوجته، و هو لا يحسن لها عونا، فجاء بزوجته؛ لتعين المرأة، وجلس هو يخفف عن الرجل خوفه و همه حتى أطل الفجر، و أطل الفرج، و أطل الصبي؟ أليس هو الذي أحس بكسرة الأرامل فقال"لئن سلمني الله لأدعن أرامل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا"؟، أليس هو الذي طبخ للأيتام، و حمل لهم على ظهره؟! أليس هو الذي أحس و رق لحرمان تلك الزوجة الصبية من زوجها و هو في الجهاد، و هي تنشده ليلا؛ فشرع قانونا للدولة أن لا غياب لرجل عن بيته أكثر من ستة أشهر و لو في جهاد؟ هناك لليل حكايات لم تروها قصص العاشقين، و لا أذهان المستريحين؛ تحكي لله فقدا و حسرة و لوعة و ظلامة و حاجة! فيا لسعد من أسبل الله عليه من صفته الجبار، و جعله جسرا لوصول إحسان الله و لطفه لعباده! عسّوا أيها الغافلون و المتنعمون بالاستقرار ليلا؛ ففي طرقات الدنيا قلوب أرهقها العنت، و أثقلتها وحشة الليل إلا من بوابة السماء، و أنس بالله، و طرق مستديم لبابه. إن للقلوب حقوقا بالليل لا يقبلها الله بالنهار، و حقوقا بالنهار لا يصلح قضاؤها بالليل. المشردون كثر؛ فاجعل قلبك مأوى لهم، و الأمر أحيانا يقضى بدعوة صادقة متحرقة في ظهر الغيب. جعلكم الله من جابري كسور الكرام.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |