|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قصة أول سفك دم في الإسلام الشيخ أحمد الفقيهي عباد الله: أنْزَلَ الله - تعالى - كتابَه ليكونَ على الناس حُجةً، حجة يوم العرْض لِمَنْ فَرَّط فيه، وشافعًا لِمَنْ عمل به، وقد ضمَّن المولى - سبحانه - كتابَه الخيرَ، ورغَّب فيه، وحذَّر منَ الشَّرِّ، وتوَعَّدَ عليه، قال بعضُ السلَف: مَن لَمْ تنفعْهُ موعظةُ القرآن، فلن تنفعه موعظةٌ، ولو تناطَحَتِ الجبال بين يديه. وإنَّ منَ المواعظ التي اشتَمَل عليها القرآن تلك القصص، التي لا تكاد تَخْلو منها سورةٌ من سور القرآن؛ فهي تحكي لنا أخبارَ الأُمَم الماضية، والقُرُون الخالية، يجد القارئ والسامع فيها التسْلِيةَ والعِبْرة، والتفَكُّر والاصطبار، والتأسِّي والاقتداء. ومنَ القصص القرآني الفريد في بابِه، العظيم في معانيه وعِبَرِه، المُعْجِز في لفْظِه وأحداثه: ما قصَّه الله - سبحانه وتعالى - على رَسُوله - صلى الله عليه وسلم - مما جرى بين ابني آدم لصلبه. هذان الابنان يُسميان بـ(قابيل، وهابيل)، وهذه التسميةُ المشهورة لهما إنَّما هي مِنْ نَقْل العلماء عن أهْل الكتاب، لَم يَرِدْ بها نصٌّ في القرآن، ولا جاءتْ في سنَّة ثابتة، فلا علينا ألاَّ نجزمَ بها، ولا نرجحها؛ كما يقول العلاَّمةُ أحمد شاكر. عباد الله: قرَّبَ الولدان قُربانًا، فأخْرَج كلُّ منهما شيئًا مِنْ ماله؛ بقَصْدِ التقَرُّب إلى الله - تعالى - فتَقَبَّل الله من أحدهما صدقتَه، وَلَم يَتَقَبَّل منَ الآخر، وكانتْ قرابين الأُمَم الماضية علامة قبولِها أكْل النار ما تقبل منها، وترْك ما لَم يُتَقَبَّلْ، قال الابن الذي لَم يُتَقَبَّل منه لأخيه - حسَدًا وبغيًا -: ﴿ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾، فقال له أخوه مُتَرَفِّقًا له في ذلك: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ ﴾؛ أي: منَ المتَّقين لله في ذلك العمل، بأن يكونَ عملُهم خالصًا وصوابًا. ثم قال له مُخبرًا: إنه لا يريد أن يتعَرَّض لقَتْله، لا ابتداء ولا مُدافعةً؛ فقال: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ﴾[1]، وليس ذلك جُبنًا منه، ولا عجْزًا، وإنما لأنه يَخافُ الله ربّ العالَمين؛ حيث حَرَّمَ الله قتْل النفس بغَيْر النفس ظُلمًا، والخائف لله لا يُقْدِم على الذنوب؛ صغيرِها وكبيرِها، وإذا دار الأمرُ بين أن أكونَ قاتلاً أو مقتولاً، فإنِّي أُوثِرُ أن أكونَ مقتولاً، فتبوء بالوِزْرَيْن، وترجع بالإِثْمَيْن؛ الإثم الأول: إثْم القتْل بغَيْر الحق، والإثم الثاني: إثم معاصيك التي عملْتَ مِنْ قبلُ، ﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾[2]، فإنْ قَتَلْتَنِي فإنَّ عاقبة قتْلك إياي أن تكونَ مِن سُكَّان النار، التي هي ثواب التاركين طريق الحق، الزائغين عن قصد السبيل، المُتَعَدِّين ما جعل الله لهم، إلى ما لَم يجعل لهم. وهذا يدلُّ على أنَّ الله - عز وجل - كان أَمَر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض، ووَعَدَ وأوعد، ولولا ذلك ما قال المقتول للقائل: ﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ بِقَتْلِك إياي، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالمين، وفي الآيات دلالة أيضًا على أنَّ القَتْل مِنْ كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار. أيها المسلمون: لَم يرتدع الأخ الجاني ولَم ينْزَجِر، ولم يزل يُراوِد نفسه، حتى طَوَّعَتْ له نفسُه قتْل أخِيه الذي يقْتَضِي الشرع والطبع احترامه؛ فَقَتَلَهُ فأصبح من الخاسرين دنياهم وآخرتهم، وأصبح قد سَنَّ هذه السنة لكل قاتل: ((ومَن سنَّ سُنَّة سيئة، فعلَيْه وِزْرها، وَوِزْر مَن عمل بها إلى يوم القيامة))، أخرج الإمام أحمد وغيره: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مِن نفس تُقتَل إلاَّ كان على ابن آدم الأول شطر من دمها؛ لأنه أول مَن سَنَّ القَتْل)). عباد الله: لما قَتَل الأخُ أخاه، لَم يَدْر كيف يَصْنع به؛ لأنه أول ميت مات من بني آدم، فبَعَث اللهُ غرابًا يبْحَثُ في الأرض - أي: يثيرها - ليدفِنَ غرابًا مَيِّتًا، فجعل الغرابُ الحيُّ يُواري سَوْءَة الغراب الميِّت، فقال القاتل لأخيه: ﴿ يَا وَيْلَتَا ﴾، كلمة تحسُّر، لَمَّا رأى الدفْن منَ الغراب، وأنه أكبر منه علمًا، وأن ما فعله كان جهلاً؛ فنَدِمَ وتَحَسَّر، ثم وارَى سَوْءة أخيه - أي: بدنه - لأنَّ بدَن الميت عورة، فأصبح من النادمين على ما أقدم عليه من قَتْله أخاه. أيها المسلمون: مِنْ أجل قتْل ابن آدم أخاه ظُلمًا وعدوانًا، شرع الله على أهل الكُتُب السماوية: أنه مَن قتَلَ نفسًا بغَيْر سبب - من قصاص ونحوه - أو فساد في الأرض، واستحَلَّ القتل بلا سبب ولا جناية، فكأنما قَتَل الناس جميعًا؛ لأنه لا فرْق عند القاتل بين نفْسٍ ونفْسٍ، فلما تَجَرَّأ على قتْل النفس التي لم تستحق القتل، علم أنه لا فرْق عنده بين هذا المقتول وبين غيره، ومَن أحياها بأن استبقَى نفس أحد فلَم يَقْتله، مع دعاء نفسه إلى فعله، فقد سلم الناسُ كلُّهم منه بهذا الاعتبار، وذلك إحياء لها. عباد الله: قَرَن الله - سبحانه - في الآيات السابق ذِكْرُها قتْلَ النَّفْس بالفَسَاد في الأرض، وجعل كلاًّ منهما مُبَرِّرًا للقَتْل، وذلك لأنَّ أمن الجماعة المسلمة، وصيانة النظام العام ضروريٌّ لأمن الأفراد، فالذي يُهَدِّد أَمْن المجتمَعات المسلمة هو عنصر فاسد يجب اسْتِئْصالُه، ما لَم يرجع إلى الرشْد والصواب، وقد أوْضَح المولَى - سبحانه - عُقُوبة المفْسِدين في الأرض؛ فقال: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[3]. عباد الله: إن المبارِزين لله ورسوله بالعداوة، المفْسِدين في الأرض بالكُفْر والقتل، وأخْذ الأموال، وإخافة السبيل، المعتدين على أهْل دار الإسلام المُقيمين للشريعة؛ سواء كانوا مسلمين، أو ذميين، أو مستأمنين بعَهْدٍ - إنَّ أولئك يُحاربون الله ورسوله، وإن كانوا بفِعْلِهم يُحاربون الجماعة المسلِمة والإمام المسلم، إنهم قطعًا لا يُحاربون الله - سبحانه - بالسيف، ولا يحاربون رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد اختياره للرفيق الأعلى، ولكن الحربَ منهم لله ورسوله متَحَقِّقة بالحرب لشريعة الله ورسوله، وللجماعة التي ارتضتْ شريعة الله ورسوله، وللدار التي تُنَفَّذ فيها شريعةُ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون: إنَّ الجزاءَ الذي يَلْقاه أولئك المحارِبون لله ورسوله في الحياة الدنيا، لا يُسْقِط عنهم العذابَ في الآخرة، ولا يُطَهِّرُهم مِن دَنَس الجريمة، وهذا كله تغْليظ للعقوبة، وتشنيع للجريمة؛ ذلك أن الجماعة في دار الإسلام يجب أن تعيشَ آمنة، والسلطة المسلمة القائمة على شريعة الله يجب أن تكونَ مُطاعة، وهذا هو الوسَط والخير الرفيع الذي يجب تَوْفير الضمانات كلها لازدهاره، وهذا هو أيضًا النظامُ العادل الكامل الذي يجب أن يُصانَ منَ المساس به، فإذا ارْتَدَعَ هؤلاءِ المحاربون لله ورسوله، الساعون في الأرض فسادًا عنْ غَيِّهِم وفسادِهم؛ نتيجة استشعارهم نكارة الجريمة، وتوبة منهم إلى الله، ورجوعًا إلى طريقه المستقيم - كان الله غفورًا لهم، رحيمًا بهم في الحساب الأخير في الدار الآخرة. الخطبة الثانية عباد الله: لقد جاء الإسلامُ بحِفْظِ الأَنْفُس والأرواح، وحَرَّمَ الاعتداء عليها. والأنفس المعصومةُ أربعة: المؤمن، وهو أشدُّها وأكرمها على الله، والمُعاهد، والذِّمي، والمستأمن، فهذه الأنفُس المعصومة لا يجوز الاعتداءُ عليها، أو استحلال دمها؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال المؤمِن في فُسحة من دينه، ما لَم يصبْ دمًا حرامًا))[4]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَحِلُّ دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة))[5]. أيها المسلمون: إنَّ الحفاظ على أنفسكم وأموالكم وأمن بلادكم أمانةٌ في أعناقِكم، فكُونوا لَبِنة خير، وقفوا في وجْه مَن يُريد الإفساد والفساد بدينكم ومُقَدساتكم، ثم صلُّوا على نبيِّكُم، كما أَمَرَكُم الله بالصلاة والسلام عليه. ـــــــــــــــ [1] [المائدة: 28]. [2] [المائدة: 29]. [3] [المائدة: 33]. [4] رواه البخاري. [5] متفق عليه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |