رمضان شهر الصبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إماطة الأذى عن الطريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          فأنساهم أنفسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          انتشار لافتات "ممنوع دخول المسلمين" في ولاية راجستان الهندية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مسائل شاملة في العشر من ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حديث الائتلاف علي القرآن بكل الروايات الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وَلَدي فتنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مِن أسباب العناية القرآنية باليوم الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          خواطر في طريق الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأونروا: 90% من سكان غزة أجبروا على الفرار من منازلهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لا تزال الفرصة متاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2020, 10:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,014
الدولة : Egypt
افتراضي رمضان شهر الصبر

رمضان شهر الصبر (1)


أحمد عماري







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛ عباد الله، ها هو شهر الصيام والقيام قد حل بساحتكم، ونزل ضيفا عليكم، يستحثُّ الهِمم، ويستنهض الأرواح، وينبه النفوس؛ لتقوم من غفلتها، وتصحو من نومتها، وتعود إلى بارئها.

جاءنا رمضان؛ لتتطهر فيه القلوب، وتتزكى فيه النفوس، وتحيا فيه الأرواح، وتغفر فيه الذنوب، وترفع فيه الدرجات، وتمحى فيه السيئات، وتعتق فيه الرقاب.
جاءنا رمضان لتقوية الإرادة، وصدق العزيمة، والانتصار على النّفس، والتّسامي بها فوق الشّهوات، والتّرفع بها عن الأحقاد والضّغائن والكراهية والعناد.

جاءنا رمضان بأيامه الفاضلة، ولياليه المباركة؛ التي لا تنقضي عجائبها، ولا تنتهي نفحاتها، فكلها هبات ونعم، وعطايا ومنح، وخيرات وبركات.
جاءنا موسم الطاعة والعبادة، موسم الجود والرحمة، موسِم العفو والمغفرة، موسم الفوز بالجنان والعتق من النيران.

إخوتي الكرام؛ كم تُطوى الليالي والأيام، وتنصرم الشهور والأعوام، فمن الناس من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. يولد المعدوم، ويشِبّ الصغير، ويَهرَم الكبير، ويموت الحي، وينظر المرء ما قدمت يداه، وكلٌّ يجري إلى أجل مسمى. "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".

فهنيئا لك يا من أدركت رمضان؛
فبلوغ رمضان نعمة عظيمة، ومنة كبيرة، لا يعرف قدرها إلا الصالحون المشمِّرون، العالمون بفضائل الأيام والشهور، والأعوام والدهور. فمن أدركه فاغتنمه فقد أدرك خيرا كثيرا، وفاز فوزا عظيما.

أخرج الإمام أحمد وابن حبان وابن ماجة والبيهقي عن طلحة بن عُبيد الله رضي الله عنه: أن رجلين قدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعاً، وكان أحدهما أشدَّ اجتهاداً من صاحبه، فغزا المجتهد منهما، فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم توفي. قال طلحة: فرأيت فيما يرى النائم كأني عند باب الجنة، إذا أنا بهما وقد خرج خارج من الجنة، فأَذِن للذي تُوفّي الآخِرَ منهما، ثم خرج فأَذِن للذي استشهد، ثم رجعا إليَّ، فقالا لي: ارجع، فإنّه لم يأْنِ لك بعد. فأصبح طلحةُ يحدّث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مِن أيّ ذلك تعجبون؟ " قالوا: يا رسول الله، هذا كان أشدَّ اجتهاداً ثم استُشهد في سبيل الله، ودخل هذا الجنةَ قبله؟ فقال: "أليس قد مَكث هذا بعده سنة؟ " قالوا: بلى، "وأدرك رمضانَ فصامه"؟ قالوا: بلى، "وصلى كذا وكذا سجدةً في السنة؟" قالوا: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمَا بينهما أبعدُ ما بين السماء والأرض".

رمضان يربينا على الصبر:
إخوتي الكرام، وضمن حديثنا عن أخلاق الإسلام العظيمة نودّ أن نقف في هذا الشهر المبارك مع خلق من أعظم الأخلاق والقِيَم التي يتربّى عليها المسلم في شهر رمضان، إنه خلق الصبر، الذي تدور حوله جميع الأخلاق والقيم.

فرمضان يربينا على خلق الصبر، ومن أجل ذلك سمي بشهر الصبر. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «شهرُ الصبر، وثلاثةُ أيام من كل شهر: صومُ الدَّهر». أخرجه الإمام أحمد والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع.

وإنما وصف النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بأنه شهر الصبر لما يشتمل عليه من أنواع الصبر كلها؛ ففيه الصبر على فعل الطاعة، وفيه الصبر على ترك المعصية، وفيه الصبر على أقدار الله المؤلمة.

ففي رمضان صيام وقيام، وصلاة وتلاوة قرآن، وفيه بر وإحسان، وجود وإطعام، وذكر ودعاء، وتوبة واستغفار، وغير ذلك من أنواع الطاعات والقربات، وهي تحتاج إلى الصبر؛ ليقوم بها الإنسان على أكمل الوجوه وأفضلها.

وفي رمضان كفّ اللسان عن الكذب والزور واللغو، والسب والشتم، والصخب والجدال، والغيبة والنميمة، وفيه منع بقية الجوارح من اقتراف جميع المعاصي والآثام، وهذا كله يحتاج إلى الصبر؛ حتى يتمكن العبد من حفظ نفسه عن الوقوع فيها.

وفي رمضان يترك الصائم طعامه وشرابه وشهوته، فيُحِسّ في نهاره بألم الجوع والعطش، وشدة المصارعة للنفس فيما تشتهيه، فيحتاج إلى الصبر؛ حتى يتغلب على ألم الجوع والعطش والشهوة.
فرمضان إذن شهرُ الصبر، وشهرٌ يربي على الصبر.

مفهوم الصبر:
الصبر في اللغة: الحبس والمنع، وهو ضدّ الجزع، ويقال: صبر صبراً: تجلَّد ولم يجزع، وصبر: انتظر، وصبّر نفسه: حبسها وضبطها، وسُمّي الصوم صبراً لما فيه من حبس النفس عن الطعام، والشراب، والنكاح.

والصبر في الشرع هو: حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها، طلباً لرضا الله وثوابه.
قال ابن القَيِّم في تعريف الصبر: "حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش".

فلا صبر مع الجزع والتسخط، وإنما الصبر مع الرضا والحب، وتفويض الأمر كله لله. فمن الناس من يجزع ويتسخط في رمضان، يجزع من الجوع والعطش، ويعُدّ أيام رمضان عدّا، فهذا لم يتعلم الصبر من الصوم.
كما أنه لا صبر مع الشكوى، إلا أن تكون الشكوى إلى الله وحده، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].

كما أنه لا صبر مع تشويش الجوارح، والتعبير بها عن الجزع والتسخط، كلطم الخدود وشق الجيوب عند نزول المصيبة، وإطلاقها فيما يغضب الله عز وجل، وإنما الصبر مع سكون العبد وتسليم أمره لله، وتوظيف الجوارح فيما يرضي الله سبحانه.
وَإِذَا عَرَتْكَ بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا
صَبْرَ الكَرِيمِ فَإِنَّهُ بِكَ أَعْلَمُ

وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى ابْنِ آدَمَ إِنَّمَا
تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لا يَرْحَمُ


مكانة الصبر وفضله:
الصبر خلقٌ عظيم، يرتبط بمقامات الدين كلها، فإنما تختلف أسماؤه بسبب اختلاف مواقعه، فإن كان في حبس النفس لمصيبة سُمِّي صبرًا، وإن كان في محاربة سُمِّي شجاعة، وإن كان في إمساك الكلام سُمِّي كتمانًا، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدًا، وإن كان عن شهوة الفرج سمي عفَّة، وإن كان عن شهوة طعام سُمي شرفَ نفس، وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمي حلمًا. فكل هذه القِيَم ترجع في معناها إلى الصبر، ولِيَتخلقَ المرء بها يحتاج إلى صبر.

فالصبر أساس لكل خُلُقٍ جميل، ووسيلة إلى التنزه عن كلِّ خُلُقٍ ذميم، ولعظم شأنه تكرر ذكره في القرآن الكريم أكثر من سبعين مرة، بألفاظٍ مختلفة، فهو مِن عزائم الأمور، التي يجب الحرص عليها والعزم على أدائها؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى:43].

وورد الصبر في القرآن الكريم مقرونا بمجموعة من القيم العليا في الإسلام، ومن ذلك:
1 - جاء مقرونا باليقين في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
2 - وجاء مقرونا بالشكر في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5] في أربع سور.
3 - وجاء مقرونا بالتوكل في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 42].
4 - وجاء مقرونا بالصلاة في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45].
5 - وجاء مقرونا بالتسبيح في قوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].
6 - وجاء مقرونا بالجهاد في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110].
7 - وجاء مقرونا بالتقوى في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].
8 - وجاء مقرونا بالحق في قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].
9 - وجاء مقرونا بالرحمة في قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد: 17].

وحسبك من خُلُقٍ يسهِّل على العبد مشقةَ الطاعات، ويهوِّن عليه تركَ ما تهواه النفوس من المخالفات، ويُسَليه عن المصيبات، ويُمِدُّ الأخلاق الجميلةَ كلها ويكون لها كالأساس للبنيان، ومتى علِم العبد ما في الطاعات من الخيرات العاجلة والآجلة، وما في المعاصي من الأضرار العاجلة والآجلة، وما في الصبر على المصائب من الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ سهُل الصبْر على النفس، وربما أتت به منقادة مستحْلِيَة لثمراته.

وإذا كان أهل الدنيا يهُون عليهم الصبر على المشقات العظيمة لتحصيل حطام الدنيا الزائل، فكيف لا يهُون على المؤمن الصبرُ على ما يحبه الله لتحصيل النعيم المقيم في الدار الآخرة!!.
وكيف لا يتَّصف العبد بالصبر، والله عزَّ وَجَل أجلُّ من صَبَر؛ ففي الصحيحين - واللفظ للبخاري - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحدٌ أصبرُ على أذى سمعه من الله؛ يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم».

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحدٌ أصبرُ على أذى يسمعه من الله تعالى؛ إنهم يجعلون له ندا، ويجعلون له ولدا، وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم».
وكيف لا يتخلق المسلم بالصبر، والصبر من أخلاق الأنبياء والمرسلين، فقد قال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85]. وقال عز وجل لنبيه الكريم محمد: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35].

وكيف لا يتحلى العبد بالصبر، والصبر من صفات المؤمنين المتقين، فقد قال تعالى بعد ذكره لصفات عباد الرحمان في سورة الفرقان: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾[الفرقان: 75، 76].

الخطبة الثانية

عبادَ الله؛ ما أحوجنا ونحن في بداية هذا الشهر المبارك الفضيل إلى أن نصبر على طاعة الله، وأن نجتهد في القرب من الله، فما هي إلا أيام معدودات كما قال رب الأرض والسموات: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 183، 184]. أيام معدودات، أيام محدودة قليلة، ستنتهي وتنقضي، وينتهي معها ألم العبادة ومشقتها، ويبقى الأجر والثواب مُدَّخَرا لمن صبر فيها وعمل صالحا، وتبقى الحسرة والندامة يتجرعها من فرّط فيها وقصّر.


فاللهم لك الحمد أن بلغنا رمضان وما كنا لنبلغه بحولنا وقوتنا. وهديتنا للصيام والقيام، وما كنا لنهتدي لولا أن هديتنا. فلك الحمد كالذي نقول، ولك الحمد خيرًا مما نقول.
فيا رب كما بلغتنا رمضان نسألك أن توفقنا فيه لحسن الصيام والقيام والبر والإحسان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-05-2020, 10:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضان شهر الصبر

رمضان شهر الصبر (2)



أحمد عماري





الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

مرة أخرى مع خلق الصبر الذي نتربى عليه في شهر الصبر، ذلكم الخلق العظيم الذي يعين العبد على الاجتهاد في الطاعات والقربات، وترك المعاصي والمنكرات، وتحمّل المصائب والملمّات.. وحديثنا اليوم عن أنواع الصبر وصوره وأشكاله.


وأنواع الصبر ثلاثة؛ صبر على فعل الطاعة، وصبر على ترك المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة.

يقول ابن القيم: "الصبر باعتبار متعلقه ثلاثة أقسام: صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبرٌ عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها".


أولاً: صبر على فعل الطاعة؛

فالعبادة تحتاج إلى صبر، والمداومة على الطاعة تحتاج إلى صبر؛ ولذلك قال الله تعالى: ï´؟ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ï´¾ [مريم: 65]. وقال جل ثناؤه: ï´؟ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ï´¾ [طه: 132].


ولقد أجمع العقلاء على أنّ أنفَسَ ما صُرفت له الأوقات هو عبادة رب الأرض والسماوات، والسيرُ في طريق الآخِرة، وبذلُ ثمَن الجنة، والسعي في النجاة من النار. وتلك غايات عظيمة، وأهداف نبيلة، يحتاج العبد من أجل تحقيقها إلى صبر وتحمل وعزيمة وثبات، فمن عرف ما قصَد هان عليه ما وجد. قال تعالى: ï´؟ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ï´¾ [الإسراء: 19].


ورمضان شهر طاعة وعبادة؛ فيه يُقبِل العِباد على طاعة الله، فتمتلئ المساجد، وتنتشر مجالس العلم، وتلهَج الألسُن بالذكر والدعاء وقراءة القرآن. فلقد يَسّرَ الله العبادة في رمضان، فأبواب الخيرات مفتوحة، وشهوة النفس مكسورة، والشياطين مُصَفدة، والأعوان على الخير كثيرون، ترى الناس بين راكع وساجد، وداع وذاكر، ومسبح ومستغفر، وقارئ للقرآن، ومنفق على الفقراء... وكل ذلك يبعث على الجد والعمل، والبذل والعطاء، ويُهَوّن على النفس مشقة الطاعة وألمَ العبادة.


عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفّدَت الشياطين ومَرَدَة الجنّ، وغُلقَت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتّحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة». رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان وابن خزيمة، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع.


"يا باغي الخير أقبل". فهذا زمن الخير الذي تعيشه؛ أقبل على الصيام. أقبل على القيام. أقبل على الصلاة. أقبل على القرآن. أقبل على الذكر. أقبل على الدعاء. أقبل على الجود والإحسان.

ويا باغي الشر أقصر، تراجع وعُدْ إلى رُشدِك، فهذه فرصة لتوبتك وعَوْدتك..


إخوتي الكرام؛ أبواب الخير في رمضان كثيرة، وأنواع الطاعات فيه عديدة، فالفائز من أقبل عليها وتزود منها، والمحروم من أعرض عنها وفرط فيها. ومن أبرز الطاعات في رمضان:

أولاً: الصيام:

الصيام من أعظم العبادات، وأحبها إلى الله تعالى. وقد نسبه الله لنفسه، دون غيره من العبادات، تشريفا له، وترغيبا فيه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به...». "كل عمل ابن آدم له" أي: قد يناله بسببه ثناء من الناس، لأنه فعل ظاهر. "إلا الصوم" أي: بخلاف الصوم فإنه ترك خفي، لا يطلع عليه إلا الله، ولا يجازي عليه إلا الله.


وفي روية لمسلم: «كل عمل ابن آدم يُضاعَفُ، الحسَنة عَشرُ أمثالها، إلى سَبعِمائة ضِعْفٍ. قال الله عز وجل: إلا الصّوم، فإنه لي وأنا أجْزي به، يَدَعُ شهوته وطعامه مِن أجلي...».

قال القرطبي رحمه الله: (لما كانت الأعمالُ يَدخلها الرياء، والصومُ لا يَطلع عليه بمجرد فِعله إلا الله، فأضافه إلى نفسه). فالصيام سرٌّ بين العبد وربه، لا يَطلع عليه غيره؛ لأنه مُركب مِن نية باطنة، لا يطلع عليها إلا الله سبحانه.


فبَعدَ شهور عديدة طغتْ فيها على المرء شهوته، فملأ بطنه من أطايب الطعام والشراب، ألوان وأنواع من المأكولات والمشروبات في كل وجبة من الوجبات، آن الأوان لهذا الإنسان أن يجوع ويظمأ، ليَعْرف قدر النعمة التي نسي شُكرها، وليتذكر إخوانه من الفقراء الذين لا يجدون من الطعام ما يملأ بطونهم، ولا من الشراب ما يدفع ظمأهم، ولا من اللباس ما يواري سوءاتهم.


إنه الصيام الذي يجعل المسلم يُقلِعُ عن شهوات الدنيا وحُطامها، فيتعلق قلبه بنعيم الآخرة، وتشتاق نفسه إلى النعيم الدائم المقيم، الذي أعدّه الله لعباده المؤمنين في جنات النعيم، مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذن سمعَتْ، ولا خطرَ على قلب بَشر.

ففي الصحيحين عن سهل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة بابا يقال له الرّيان، يَدخُل منه الصائمون يوم القيامة، لا يَدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد».


وفي الصحيحين وغيرهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».

وأخرج الترمذي والطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ».


ثانيا:القيام:

تمر على المرء شهور عديدة يقوم فيها ساعات طوال سعيا وراء الدنيا وزينتها، حتى إذا جاء رمضان انتصبت هذه الأرجل قائمة بين يدي الله عز وجل في صلاة التراويح.


فمَن كان مُفَرّطا في القيام قبل رمضان، فرمضان فرصة ليقوم بين يدي الله عز وجل، فرصة ليتدرّبَ على صلاة الليل، فهي أفضل الصلاة بعد الفريضة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ».


وعلى القائم في صلاة التراويح ألا ينصرف حتى ينصرف إمامه، ليُكتَبَ له بذلك قيامُ الليلة بكاملها، فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان وأصحاب السنن عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتِب له قيام ليلة». وكيف لا يصبر العبد وهو يعلم أن في قيامِه مغفرةً لذنوبه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه».


ألا تصبر يا عبد الله على بضع ركعات تصليها مع الإمام، ونبيك صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه؟ فإذا لم نصبر على صلاة التراويح فكيف لنا أن نلحق بمن قال الله فيهم: ï´؟ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ï´¾ [الفرقان: 64]؟.


ثالثاً: الذكر والدعاء:

إياك أن تكون غافلا في رمضان؛ أكثِرْ من ذكر الله، روض لسانك على ذكر الله، املأ أوقاتك بذكر الله، اجعل ذكر الله أنيسك ورفيقك.


وإياك أن تكون غافلا عن الدعاء، سل ربك أن يمنحك من خير الدنيا، وأن يجعلك أهلا لنعيم الآخرة، فلك عند الله دعوات مستجابات. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم». أخرجه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع.


إذا قمت في الثلث الأخير من الليل فلا تنس الدعاء والاستغفار. والناس في رمضان عادة يقومون في السّحَر، فتلك فرصة عظيمة للاستغفار والدعاء. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟».


وقد مدح الله عباده المتقين وذكر من صفاته أنهم يستغفرون بالأسحار، فقال سبحانه: ï´؟ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ï´¾ [الذاريات: 15 - 18]. وقال عز وجل: ï´؟ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ï´¾ [آل عمران: 15، 17].


رابعا: قراءة القرآن:

فرمضان شهر القرآن، فيه ابتدأ نزول القرآن، وفيه كان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيُدارسُه القرآن، وفيه يُختم القرآن في صلاة التراويح، وفيه يقبل الناس على قراءته، وفيه تعقد مجالسه وموائده.


فهنيئا لمن انشغل بالقرآن، وأقبل على القرآن، ووجد أنسَه في القرآن، ففي صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.


وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصّفّة، فقال: «أيّكم يحب أن يغدوَ كل يوم إلى بُطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْماوَين في غير إثم ولا قطع رحم؟» فقلنا: يا رسول الله، نحبّ ذلك. قال: «أفلا يَغدو أحدكم إلى المسجد، فيَعلمَ أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادِهن من الإبل»؟.

اقْرَأْ كِتَابَ اللِه جُهْدَكَ وَاتْلُهُ
فيمَنْ يَقومُ بِهِ هناكَ ويَنْصِبُ

بِتَّفَكُّرٍ وتخشُّعٍ وتَقَرُّبٍ
إن المقَرَّبَ عِندهُ المتَقرِّبُ

الخطبة الثانية

إخوتي الكرام؛ من الطاعات التي ينبغي أن نحرص عليها، ونصبر من أجلها في هذا الشهر المبارك: الجود والإحسان.

فرمضان شهر الجود والإحسان، شهر لإطعام الطعام، شهر لتفقّدِ أحوال الفقراء والمحتاجين، وهذا هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم«أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرَسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة».


ومن الإحسان في رمضان: تفطير الصائم؛ لما أخرجه الترمذي وابن ماجة والنسائي وابن حبان عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن فَطرَ صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا». قال الترمذي حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع.


ومنه زكاة الفطر، التي يؤدّيها المسلم صبيحة يوم العيد أو قبل يوم العيد بيوم أو يومين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، مَن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات». أخرجه أبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال صحيح علىشرط البخاري، ووافقه الذهبي.


فعلى المسلم أن يشكر الله تعالى على نعمه، وأن يتذكر إخوانه المحتاجين، فإذا كنت يا عبد الله تحسّ بألم الجوع في نهار رمضان، فاعلمْ أنّ مِن إخوانك مَن يقاسي ألم الجوع على الدوام. فمِن تمام شُكرك لله تعالى: أن تُطعم الفقراء والمساكين، وأن تُدخِل السرور على المحتاجين، وأن تسعى على أرملة أو يتيم.


فيا عبد الله؛ اصبر على طاعة الله، اصبر على ما يرضي ربك، وانتصر على نفسك وهواك، وابذل واجتهد، ولا تتكاسل، وعوّد نفسك على الخير، روضها على الطاعة، دربها على الإحسان، وإياك أن تخرج من رمضان كما دخلته، إياك أن تكون ممن قال فيهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «...رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له...». أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.


اصبر على طاعة الله، واعلم أنه لا راحة في الدنيا لمن أراد أن يَنعَم بالراحة الأبدية في الدار الآخرة، ولا ينشغل بحطام الدنيا الزائل من أراد نعيم الآخرة الخالد. وفي كلام نفيس لابن القَيِّم رحمه الله، يقول فيه: (وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وإنّ مَن آثر الراحة فاتته الراحة، وإنّ بحسب ركوب الأهوال وإحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة؛ فلا فرحة لمن لا همّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان ولا قوة إلا بالله، وكلما كانت النفوس أشرف، والهمة أعلا، كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقلّ، كما قال المتنبي:

وإذا كانت النفوس كبارا ♦♦♦ تعبت في مرادها الأجسام


ولا ريب عند كل عاقل أن كمال الراحة بحسب التعب، وكمال النعيم بحسب تحمل المشاق في طريقه، وإنما تَخْلص الراحة واللذة والنعيم في دار السلام، فأما في هذه الدار فكلا ولما.

قيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: (عند أول قدم يضعها في الجنة).

مَضَى شعبانُ ما أحسنْتَ فيهِ
وهذا شهرُ رمضانَ المباركْ

فيا مَن ضَيَّع الأوقاتَ جهلًا
بقيمتِها أفِقْ واحْذَر بَوَارَكْ

فسوف تفارقُ اللذاتِ قهرًا
ويُخْلي الموتُ يومًا منكَ دارَكْ

تدارَكْ ما استطعتَ مِن الخطايَا
بتوبةِ مخلصٍ واجعلْ مدارَكْ

على طلبِ السلامةِ مِن جحيمٍ
فخيرُ ذوي الجرائمِ مَن تدارَكْ

فاللهم وفقنا في هذا الشهر لطاعتك وطاعة رسولك، وأعنا فيه على حسن الصيام والقيام، وألهمنا فيه الذكر وقراءة القرآن، واجعلنا فيه من أهل الخير والجود والإحسان، يا رحيم يا رحمان.

اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المرحومين، واجعلنا فيه من الفائزين، واجعلنا فيه من المفلحين.. يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل شهرنا هذا شهر خير وبركة على أمة حبيبك ومصطفاك، اللهم فرج فيه هم المهمومين، ونفس فيه كرب المكروبين، واشف فيه مرضى المسلمين أجمعين.

اللهم اجعله شهر أمن وأمان، وسلم وسلام، يا رحيم يا رحمان.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

__________________
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-05-2020, 10:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضان شهر الصبر

رمضان شهر الصبر (3)





أحمد عماري







الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

فمرة أخرى مع خلق الصبر الذي نتربى عليه في شهر الصبر.. وبعد أن تحدثنا في الجمعة الماضية عن النوع الأول من أنواع الصبر، ألا وهو الصبر على فعل الطاعة والاجتهاد فيها، نتحدث اليوم عن الصبر على ترك المعصية واجتنابها.



إخوتي الكرام؛ إذا كان العبد في حاجة إلى الصبر حتى يؤديَ ما أمر الله تعالى به وسَنّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطاعات والقربات، فإنه كذلك في حاجة إلى الصبر حتى يبتعد عما نهى الله ورسوله عنه من المعاصي والمخالفات.



وإذا كان رمضان يربي العباد على الطاعة والعبادة، فإنه كذلك يربيهم على اجتناب المعصية. فهو فرصة لتهذيب النفس وتزكيتها حتى تتغلب على شهواتها ونزواتها، وغرورها وكبريائها، وعاداتها ومساوئها.



ولقد ذكر الله تعالى الغاية من الصيام فقال سبحانه: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 183]. والتقوى تعني الوقاية مما يخافه العبد ويخشاه، فالصيام وقاية للعبد من عذاب الله، ووقاية له من كل ما يؤدي إلى عذاب الله وسخطه. ففي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « الصِّيَامُ جُنَّةٌ». أي وقاية.



وأخرج أحمد وابن حبان والنسائي عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، دَعَا لَهُ بِلَبَنٍ لِيَسْقِيَهُ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ». وفي لفظ لأحمد وابن ماجة: « الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ ».



فالصوم وقاية من الآثام، وقاية من السيئات، وقاية من الشهوات، وقاية من المنكرات، وقاية للَّسان في نطقهِ، وللعين في نظرها، وللأذن في سماعها، وقاية للجوارح كلها من الحرام. فمن لم يكن صومه مانعا له من الإثم والفحش والمعصية، ففي صومه خلل.



ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزور والعملَ به والجهلَ، فليس لله حاجة أن يَدَعَ طعامَه وشرابه». وكل كلام باطل قبيح فهو زور، والوقوع فيما نهى الله عنه عمل بالزور، أما الجهل فهو التعدي والحماقة وإساءة الأدب، وانتهاك الحرمات، وهو ضد الحِلم.



وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رُبّ صائمٍ ليس له مِن صيامه إلا الجوع، ورُبّ قائم ليس له مِن قيامه إلا السّهَر». أخرجه النسائي وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع.



فما قيمة صيام ضاع أجره وثوابه؟ وما قيمة قيام ذهب أجره وثوابه، بسبب ما يرتكبه الإنسان من الذنوب والآثام؟. فقد يَفقِد العبد أجرَ صيامه وقيامه إذا كان يتعاطى المحرمات، ويُطلِق جوارحه تسرَح في المنكرات في أيام رمضان ولياليه. ومن سوء الفهم لرمضان؛ أن يظن المرء أنه مجرد إمساك عن الطعام والشراب والجماع، ولا يبالي بما يرتكبه من معاصي ومخالفات.



روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «إذا صُمْتَ فليصمْ سمعُك وبصرك ولسانُك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليَكُنْ عليك وقارٌ وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوَم صومِك سواءً».



يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه "الوابل الصيب": (والصائم هو الذي صامَتْ جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يَجْرَح صومَه، وإن فعَل لم يَفعلْ ما يُفسِد صومَه، فيَخرُج كلامُه كله نافعا صالحا، وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمّها مَن جالسَ حاملَ المسك، كذلك مَن جالسَ الصائمَ انتفع بمُجالسته، وأمِن فيها مِن الزور والكذب والفجور والظلم، هذا هو الصوم المشروع، لا مُجرّد الإمساك عن الطعام والشراب).


إذا لم يكن في السمع مني تصاون

وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت



فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما

فإن قلت: إني صمت يومي فما صمت





رمضان جاء لِيُقوّم الألسن حتى لا تزل؛ وليغض من الأبصار حتى لا تزيغ، وليهذب الأسماع حتى لا تضل...

فروّضْ جوارحَك على طاعة الله، وعوّدها عبادةَ الله. واعلم أنّ اللسانَ لا يصمُت، والفِكرَ لا يُحَدُّ، والجوارحَ لا تسكُن، فإن لم تُشْغِلها بالعَظائم شُغِلت بالصغائر، وإن لم تُعمِلها في الخير عَمِلتْ في الشر.

رمضان جاء ليُشغل العبدَ بكل جميل، ويكفه عن كل قبيح.



لكنّ الملاحَظَ على بعض الصائمين أنهم لا يتورّعون عن السبّ والشتم، ولا عن الغيبة والنميمة، ولا عن الكذب والزور، ولا عن الكلام الفاحش البذيء... وهذا يتنافى تماما مع ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم مِن ضرورة ضبطِ الصائم لنفسه ومشاعره، وتحَكّمِه في غضبه، ومقابَلة الإساءة بالإحسان، وصون اللسان عن كل قبيح. فقد أخرج الحاكم وابن خزيمة والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام مِن الأكل والشرب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابّكَ أحد وجهَل عليك، فقلْ: إني صائم». قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وصححه الألباني في صحيح الجامع.





وأخرج مالك في الموطإ والبخاري ومسلم في صحيحيْهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنّة، فإذا كان أحدُكم صائما فلا يَرفُثْ، ولا يجهَل، فإن أمرؤ قاتله أو شاتمه فليَقلْ: إني صائم، إني صائم».





فالصائمَ لا يرفث؛ أي لا يتكلم بالكلام الفاحِش البَذِيء، بل يصون لسانه عن كل فُحْش وقُبْح وخُبْث، فإنه يستشعر أن الله يراقبه، وأن الله يسمعه، فيستحيي أن يَسمع منه ربه ما لا يرضيه، ويستحيي أن يوظف لسانه فيما يضرّ ولا ينفع.



والصائم لا يفسق؛ أيْ لا يخرج عن حدود الأدب، ولا يرتكب ما يخرج به عن طاعة الله، لا في القول ولا في العمل، بل هو منقاد لربه، مستسلم لحكمه، ممتثل لأمره، مجتنب لنهيه، لا هَمّ له إلا أن يطيع ربه وأن يرضي خالقه.



والصائم لا يَصْخَب؛ أي لا يَرفَع صوته بالخصام والجدال، بلْ هو هادئ النفس، ليِّنَ الطبع، يَكره الضجيج، ويحبّ السكون والسكوت؛ لأنه أسلم له من الإثم، وأجْمَعُ لشمْل قلبهِ على ربه. وقد نهى الله تعالى عن رفع الصوت من غير حاجة، فقال تعالى في وصية لقمان لابنه: ï´؟ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ï´¾ [لقمان: 19].



والصائم لا يَجهَل؛ أي لا يفعلُ فعلَ الجُهّال، كالصّياح والسّفَهِ والسّخرية... وكل ما عُصِيَ بهِ اللهُ فهو جَهْل، ومعاملة الناس بما يكرهون جَهْل عليهم.



ورمضان جاء ليربينا على الصّبر على الأذى؛ فالصائم إذا أوذي أو اعتُدِي عليه أو أضَرّ به أحد، "فإن سابّه أحد أو قاتله فليَقلْ: إني صائم، إني صائم". لا يَنفعِل، ولا يردّ بالمثل، بل يصبر، ويتحمل، ويعفو ويصفح، ويقابل الإساءة بالإحسان، كما قال ربنا سبحانه: ï´؟ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ï´¾. فانظر كيف وَعَدك الله سبحانه وتعالى أنك إنْ أحسَنتَ إلى مَن أساء إليكَ أحَبّكَ حتى يصيرَ كأنه وليّ حميم، فلا تلتفِتْ إلى مَنْ يقول لك: إنْ سامحتَه طمَعَ فيكَ واستخف بك وزاد عدوانه عليك...



فخير الناس من يصبر على أذى غيره، مع حُسن معاملته وطِيب مُعاشرته، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظمُ أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». رواه الإمام أحمد وابن ماجة والبيهقي. ورواه البخاري في الأدب المفرد بلفظ: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على اذاهم».



والصبر على أذى العباد من هدي الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى:ï´؟ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ï´¾ [الأنعام: 33، 34].



روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».



ولقد أوذي نبينا صلى الله عليه وسلم أشد ما تكون الإذاية، فلما أتيحت له فرصة الانتقام، قال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً».

فاللهم ارزقنا الصبر، واجعلنا من الصابرين، واحشرنا في زمرة الصابرين، يا رب العالمين.



الخطبة الثانية

إخوتي الكرام؛ رمضان جاء ليربينا على التغلب على شهوات النفس ونزواتها؛ ففي نهار رمضان يكون المسلم صائما، والصومُ يَكسِر شهوة النفس ويُضعفها، ولذا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم الشباب، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». أي قاطع للشهوة.



وفي الليل يكون المسلم منشغلا بالقيام بين يدي الله تعالى، فلا يدع النفسَ تسرح في كل ما تشتهيه. وبترك الصائم القائم لشهوته وانشغاله بطاعة ربه استحق شفاعة الصيام والقرآن، فقد أخرج الإمام أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسولالله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يَشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أيْ ربّ؛ إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفّعني فيه. ويقول القرآن: ربّ منعته النوم بالليل فشفِّعْني فيه، فيُشَفَّعَان». قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصححه الألباني في صحيح الجامع.



وإنما فاق الصيام كثيرا من الأعمال في الأجر والثواب، لما فيه من ترك الشهوة تقربا وتعبدا لله سبحانه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم يُضاعَفُ، الحسَنة عَشرُ أمثالها، إلى سَبعِمائة ضِعْفٍ. قال الله عز وجل: إلا الصّوم، فإنه لي وأنا أجْزي به، يَدَعُ شهوته وطعامه مِن أجلي...».



فما أحوج العباد إلى أن يتربوا في رمضان على التحكم في شهواتهم ونزواتهم؛ فإن الشهوات طريق إلى المعاصي والمنكرات، فكم من أنفس أزهقت بسببها، وكم من أموال سلبت وضاعت بسببها، وكم من أعراض انتهكت بسببها...



فعابدُ الشهوة وأسيرُها يَقتُل من أجل شهوته، ويَزني من أجل شهوته، ويسرق من أجل شهوته، ويعتدي على الآخرين من أجل شهوته...



ورمضان يريدك أن تتحرر من عبودية نفسك وهواك، يريدك أن تتغلب على شهواتك ونزواتك، لأنه يريدك أن تعتق فيه من النار.



ومن استَحْكمَت فيه شهوتُه قادته إلى النار. ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُفّتِ الجنة بالمكاره، وحُفّتِ النار بالشهوات».



رمضان جاء ليربينا على كل خلق كريم، ويمنعنا من كل خلق ذميم؛

رمضان جاء ليربينا على المحبة والرحمة، لا على الكراهية والبغضاء. جاء ليربينا على التناصر والتآزر، لا على التنازع والتخاصم. جاء ليربينا على الوحدة والتضامن، لا على الفرقة والتدابُر..



وإذا كان الله تعالى قد وعد عباده في هذا الشهر بالعفو والمغفرة والتجاوز؛ فعلى العباد كذلك أن يعفوا عمن ظلمهم، وأن يغفروا لمن أساء إليهم، وأن يتجاوزوا عمن أخطأ في حقهم.



علينا ألا نخرج من رمضان إلا ونحن أشد قوة وتماسكا، وأعظم محبة وتراحما، وأكثر تضامنا وتسامحا. فهذه مبادئ وأخلاق علينا أن نتربى عليها في رمضان، وأن نداوم عليها بعد رمضان.




فاللهم أعنا على ترك معصيتك ومعصية رسولك، واغفر يا رب ذنوبنا، وكفّرْ عنا سيئاتنا، وتجاوز عن تقصيرنا، يا رب العالمين.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.

اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المرحومين، واجعلنا فيه من الفائزين، واجعلنا فيه من المفلحين.. يا أرحم الراحمين.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واشف مرضى المسلمين، وأصلح أحوالهم، يا رب العالمين.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 105.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 103.36 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]