|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العبادة تساعد على كظم الغيظ سمير مثنى علي الأبارة من الانفعالات النفسية العنيفة التي قد تعصف بالإنسان وبمن حوله إذا لم يهذبها الإيمانُ والتأدب بآدابه: الغضب، فالغضب انفعال قوي عنيف ينبع من فطرة الإنسان. والإسلام يعترف بالفطرة الإنسانية، لذلك لا ينكر حق الإنسان في أن يغضب ويتأثر بما يصيبه من الأذى، ويتعرض له من سوء أو إهانة. ولكنه في الوقت نفسه يهتف بالإنسان أن يملك نفسه في وقت الغضب، ويحافظ على الاعتدال في انفعاله. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَا: كِلَاهُمَا قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ[1]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصـرعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ))[2]. في هذا الحديث دليل على أن الغضب انفعال عنيف، وأن التحكم فيه وفي زمام النفس عند فورانه مطلب صعب، لا يقوى عليه إلا الشديد القوي من الرجال. ولهذا نبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أن الرجل الشديد في الحقيقة هو الذي يقوى على أن يملك نفسه عند الغضب، وليس كما يعتقدون هو الذي يقوي على أن يصـرع كل من يصارعه. وما نحتاج إلى توضيحه هنا، هو أن الإنسان لا يبلغ إلى اكتساب تلك القوة النفسية التي تمكنه من القدرة على ضبط نفسه في ساعة الغضب إلا بالتربية الإيمانية التي تغرس في نفسه أخلاق الصبر والسماحة والعفو عن الناس، ولتحريض المؤمنين على هذا الخلق النبيل جعل الله تعالى كظم الغيظ من صفات الإيمان التي يحب أهلها. قال سبحانه: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [3] أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها، التي أعدها الله للمتقين، فهم أهلها وأعمال التقوى هي الموصلة إليها، ثم وصف المتقين وأعمالهم، فقال: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) [آل عمران: 134] أي: في حال عسـرهم ويسـرهم، إن أيسـروا أكثروا من النفقة، وإن أعسـروا لم يحتقروا من المعروف شيئا ولو قل. (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) [آل عمران: 134] أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشـرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم. (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) [آل عمران: 134] يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشـر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم[4]. فالغيظ انفعال بشـري تصاحبه فورة الدم، وهو أحد ضرورات الطبيعة البشـرية، ولا يغلبه الإنسان إلا بذلك السمو الروحاني المنبعث من تقوى الله عز وجل، وبتلك القوة الروحية المنبثقة من الصلة بالله، والتطلع إلى أفق أعلى وأسمى من آفاق الضرورات الذاتية والحسابات الأرضية. وكظم الغيظ فضيلة، ولكن الله تعالى يحب أن يرتقى المؤمن إلى مقام من الفضيلة أسمى، هو مقام العفو عن الناس، فقد يكظم الإنسان الغيظ ويبقى الحقد والضغينة دفيناً في قلبه، ويتحول إلى عداوة خفية. لذلك جمع الله في وصف المؤمنين والمحسنين الذين يحبهم بين كظم الغيظ والعفو عن الناس، ليحرضهم على الارتقاء إلى هذا المرتقى السامي من الفضائل الخلقية، وحين يشيع خلق العفو عن الزلات والهفوات تصفو القلوب ويسود الإخاء والسلام بين العباد. وذكر الله من صفات المؤمنين في آية أخرى أنهم يغفرون إذا ما غضبوا، وينتصرون إذا أصابهم البغي، قال تعالى ![]() (وَأَمْرُهُمْ) [الشورى: 38] الديني والدنيوي (شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى: 38] أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتوادهم وتحاببهم وكمال عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي في الغزو والجهاد، وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء، أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموما، فإنها من الأمور المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله، وهو داخل في هذه الآية. (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ) [الشورى: 39] أي: وصل إليهم من أعدائهم (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى: 39] لقوتهم وعزتهم، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار. فوصفهم بالإيمان، وعلى الله، واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر، والانقياد التام، والاستجابة لربهم، وإقامة الصلاة، والإنفاق في وجوه الإحسان، والمشاورة في أمورهم، والقوة والانتصار على أعدائهم، فهذه خصال الكمال قد جمعوها، ويلزم من قيامها فيهم، فعل ما هو دونها، وانتفاء ضدها. فمرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله. ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: 40] يجزيه أجراً عظيماً، وثواباً كثيراً، وشـرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشـرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأموراً به[7]. نستخلص مما تقدم في هذه الفقرات أن الإنسان لا يستقيم في انفعالاته التي جبل عليها كالهلع والخوف واليأس والبطر والفخر والأنانية والغضب على حد الاعتدال، ولا يقوى على التحكم في زمامها إذا ثارت وفارت، إلا بالإيمان والتربية الروحية والنفسية، وأن الخالق سبحانه الذي خلق الإنسان هو الخبير بأمراضه النفسية وبالدواء الذي فيه شفاؤها. إن من طبيعة النفس الإنسانية أنها لا تطمئن ولا تهدأ إلا بذكر الله والإنابة إليه والأنس بقربه وطاعته. قال الله عز وجل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[8] ويهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن، ألا بطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس[9]. قال ابن القيم " ولقلب الإنسان أسـرار عجيبة منها أنه لا يطمئن إلا بالله عز وجل". وقال أيضاً: "وههنا سـر لطيف، وهو أن الله عز وجل، جعل لكل عضو من أعضاء الإنسان كمالاً، إن لم يحصل له فهو في قلق واضطراب وانزعاج بسبب فقد كماله الذي جعل، وجعل كمال القلب ونعيمه وسـروره ولذته، في معرفة الله سبحانه ومحبته والإنابة إليه والإقبال عليه والأنس به. فإذا عدم القلب ذلك كان أشد عذاباً واضطراباً، ولا سبيل له إلى الطمأنينة بوجه من الوجوه، ولو نال من الدنيا وأسبابها ومن العلوم ما نال، إلا بأن يكون الله وحده هو محبوبه وإلهه ومعبوده، وغاية مطلوبة[10]. ومما يؤكد صحة ما ذهب إليه ابن القيم أن الروح التي خص بها الإنسان، نفخة علوية نورانية، شاء الله أن يفيضها على هذا المخلوق الذي خلقه من التراب، ولكنها تظل مشتاقة إلى عالمها النوراني الذي تنتمي إليه، وتتطلع على الدوام إلى الاتصال به، وإلى الخلاص من كل ما يكدر صفاءها ويعكر طهرها. وكلما اتصل الإنسان بربه، وتقرب إليه بعبادته وذكره وطاعته، وجدت روحه ما يلبى أشواقها ويعيد إليها طمأنينتها وراحتها، وليس للإنسان من سبيل إلى الطمأنينة الحقة إلا بذكر الله ومعرفته وطاعته. قال ابن القيم: "ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره"، فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتى بشيء سوى الله تعالى وذكره ألبتة، وما عداه فالطمأنينة إليه غرور"[11]. -------------------------------------------- [1] سعيد بن المسيب (94 هـ): هو سعيد بن المُسَيِّب بن حَزْن بن أبي وَهْب، سيد التابعين في زمانه، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وقيل لأربع مضين منها بالمدينة. رأى عمر، وسمع عثمان وعليا وزيد ابن ثابت، وعائشة وأبا هريرة وابن عباس وخلقا سواهم. توفي رحمه الله سنة أربع وتسعين. (البداية والنهاية 9 / 99). [2] صحيح مسلم باب فضل من يمسك نفسه عند الغضب (ج4 - ص 2014- رقم 107 - (2609). [3] سورة آل عمران:133 - 134 [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(ج1 - ص 148). [5] سورة الشورى:37 - 40 [6] سورة فصلت:35 [7] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ج1 - ص 759). [8] سورة الرعد: 28 [9] التفسير الميسـر (ج1 - ص252). [10] كتاب الروح لابن القيم، ص 218. [11] المصدر السابق.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |