حكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4891 - عددالزوار : 1905953 )           »          7 تريكات عشان تاكل صحي في العيد من غير حرمان.. المحشي في الفرن والكبة مشوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 153 )           »          طريقة عمل الكفتة المشوية فى عيد الأضحى.. طعمها لايقاوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          بعد أكل الفتة واللحمة.. 8 أخطاء نرتكبها عند غسل الأطباق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 128 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح البشرة والتخلص من علامات الإرهاق فى العيد.. خطواتها سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 115 )           »          استبدلى الحلويات بتورتة الشاورما والفتة بخطوات بسيطة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          وقفات مع عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 180 )           »          لن ينال الله لحومها ولا دماؤها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          ماذا بعد الحج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          أعياد بلا عتاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 68 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-09-2020, 02:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,493
الدولة : Egypt
افتراضي حكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين

حكم استعمال الدواء المشتمل على شيء من نجس العين

أ. د. وهبة الزحيلي




تقديم:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الإسلام الحنيف الخالد يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الالتزام بتعاليمه العامة وبين الواقعية أو السماحة، فهو يراعي ظروف الحياة وأوضاع التطور، ويقدِّر ما يقدمه العلم والاكتشاف العلمي للبشرية من أجل الحفاظ على البنية أو الصحة الإنسانية، ومراعاة الظروف الاجتماعية وتطوراتها لعلاج الأمراض، والتخلص من ظاهرة الألم بقدر الإمكان.

لذا كان الأصل العام هو التمسك بنصوص الشريعة العامة، مع الأخذ أحياناً بالأحكام الاستثنائية أو الاضطرارية ضمن ضوابط الضرورة المقررة شرعاً والمأذون بها في خمس آيات من سورة البقرة:173، والمائدة:3، والأنعام:119، و145، والنحل/:115.

ونص الآية الأولى على سبيل المثال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وهذا الاتجاه ينطبق على مقتضيات التوسع العلمي في مجال الصناعات الغذائية والدوائية، في المصانع الغربية الضخمة وأمثالها، بالاعتماد على التركيبات الكيميائية، وإضافة بعض المحرَّمات إليها في شرعنا من النجاسات المختلفة أو المحظور تناولها، ومنها الكحول والخمور وشحوم الخنازير، وقد تتعين هذه الأدوية فلا يوجد لها بديل، وقد يتوافر بديل مساوٍ لها في المنفعة أو أقل منها فائدة، مثل دواء الهيبارين المشتمل على شيء من نجس العين باستخدام أمعاء الخنزير مصدراً رئيساً لتحضير هذا الدواء، وهو تحضير الهيبارينات العادية، ثم تحويلها بتأثير التحطيم الجزئي إلى هيبارينات ذات وزن جزيئي منخفض وهو الهيبارينات الجديدة، لعلاج الخثرات الدموية وجراحة الأوعية الدموية، والوقاية من التخثر في الأوردة العميقة، وعلاج آفات القلب الإكليلية والذبحة الصدرية غير المستقرة، واحتشاء عضلة القلب الحاد، واستطبابات كثيرة أخرى.
فما الحكم الفقهي لاستخدام الهيبارين الجديد ونحوه؟

خطة البحث:
الجواب عن الحكم الشرعي لهذا الدواء ونحوه يتطلب ما يأتي:
- التزام أحكام الضرورة الشرعية في تناول الدواء المشوب بمحرَّم شرعاً.
- بيان معنى الاستحالة وضوابطها الشرعية.
- توصيف مدى الحاجة إلى إدخال بعض الأطعمة المحرمة في شرعنا في المنتجات الغذائية والدوائية.
- حكم الاستحالة وبيان آراء الفقهاء الثمانية في المسائل المتفق عليها والمختلف فيها.
- القواعد المتعلقة باستحالة النجاسة في رأي المجيزين لها.
- إباحة تناول بعض الأغذية والأدوية الناتجة عن الاستحالة الكاملة، أو عدم الاستحالة للضرورة.
- استهلاك المادة بغيرها بحيث تصير كالهالكة كاختلاط الخمر في ماء أو مائع.


التزام أحكام الضرورة الشرعية في تناول الدواء المشوب بمحرَّم شرعاً:
الحكم الشرعي العام هو الواجب تطبيقه بصفة عامة في الأحوال العادية، فهو بمثابة "العزيمة" وهي الأحكام الكلية المشروعة ابتداء لتكون قانوناً عاماً لكل المكلفين في جميع الأحوال كأحكام العبادات الأساسية، وقواعد المعاملات الأساسية، وأحكام الحدود والقصاص.

ولا يلجأ إلى الرخصة أو الأحكام الاستثنائية إلا في أحوال خاصة لا دائمة ولا عامة؛ لأن الرخصة هي: الأحكام التي شرعها الله تعالى بناء على أعذار العباد، رعاية لحاجتهم، مع بقاء السبب الموجب للحكم الأصلي، مثل رخص السفر والمرض وأكل المضطر أو شرب العطشان ما هو محرَّم شرعاً عند ضرورة إنقاذ الحياة من الموت أو الهلاك جوعاً أو عطشاً، ولا بديل من الحلال في ظرف معين كالوجود في الصحراء أو غصة الطعام، وقد تكون الحاجة مثل الضرورة، علماً بأن الضرورة أشد باعثاً أو دافعاً من الحاجة، لأن الضرورة يترتب على مخالفتها احتمال الوقوع في خطر الهلاك، وأما الحاجة فيترتب على مخالفتها الوقوع في المشقة.

فمن قواعد الضرورة ما يأتي(1):
1- أن يقتصر الشخص فيما يباح تناوله للضرورة في رأي جمهور الفقهاء على الحد الأدنى أو القدر اللازم لدفع الضرر؛ لأن إباحة الحرام ضرورة و"الضرورة تقدر بقدرها" ومثلها "الحاجة تقدر بقدرها".
2- أن يصف الحرام – في حالة ضرورة الدواء – طبيب مسلم عدل ثقة في دينه وعلمه، وبشرط ألا يوجد بديل آخر من الأدوية المباحة شرعاً، يقوم مقام الحرام، ويحقق الشفاء المطلوب، تطبيقاً للحكم الشرعي وهو: أن يكون ارتكاب الحرام متعيناً لا مفر منه.
3- يحل للمضطر أو المحتاج تناول أي شيء من الحرام، سواء كان ذلك للغذاء أو الدواء، دفعاً للضرر، وحفظاً للصحة، وصوناً عن الهلاك، إذا كان الجوع الذي لا يجد معه الجائع شيئاً يسد رمقه إلا المحرَّم(2)، أو كان المرض لا علاج له إلا الدواء المخلوط بحرام، لأن الضرورة ومثلها الحاجة المتعينة تبيح تناول شيء من جميع المحرمات والمطعومات والأشربة، لعموم الآية الكريمة: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] يوضح ذلك ما قاله ابن رشد "الحفيد": إذا لم يجد المضطر شيئاً حلالاً يتغذى به، جاز له استعمال المحرمات في حال الاضطرار، ولا خلاف في ضرورة التغذي(3).


أي وضرورة التداوي حفاظاً على النفس كضرورة الغذاء تماماً، ومن المعلوم في القواعد الشرعية الكلية: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة" (م32 من المجلة) والمراد بالخصوص: ما تحتاجه فئة أو طائفة معينة كأهل حرفة أو صناعة.

التداوي بالخمر على طبيعتها من غير استحالة (تحول):
هذا مثال واضح يبين مدى مشروعية التداوي بالحرام، ومن أهم الأمثلة: الخمر والخنزير، فعلى الرغم مما قرره أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم من تحريم الانتفاع بالخمر للمداواة وغيرها، كاستخدامها في دهن أو طعام أو بلّ طين، عملاً بالحديث النبوي: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حَرَّم عليكم"(4) فإن فقهاء الحنفية قالوا: يجوز التداوي بالمحرَّم إن علم يقيناً أن فيه شفاء، ولا يقوم غيره مقامه، أما بالظن فلا يجوز، وقول الطبيب الواحد لا يحصل به العلم (أي اليقين) ولحم الخنزير لا يرخص التداوي به، وإن تعين، ويرخص شرب الخمر للعطشان، وأكل الميتة في المجاعة إذا تحقق الهلاك، ولا بأس بشرب ما يذهب بالعقل، فيقطع الأكِلة(5) ونحوه(6).

وقيد الشافعية حرمة التداوي بالخمر بما إذا كانت صرفاً غير ممزوجة بشيء آخر تستهلك فيه، أما الترياق المعجون بها مما تستهلك فيه فيجوز التداوي به عند فقد ما يقوم به، مما يحصل به التداوي من الطاهرات، كالتداوي بنجس كلحم حيَّة وبول، وكذا يجوز التداوي بما ذكر لتعجيل شفاء بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك أو معرفته للتداوي به، وبشرط أن يكون القدر المستعمل قليلاً لا يسكر(7).

وقال العز بن عبد السلام: جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة، ولا يجوز التداوي بالخمر على الأصح إلا إذا علم أن الشفاء يحصل بها، ولم يجد دواء غيرها(8).

وأجاز الحنابلة شرب الخمر لعطش إذا كانت ممزوجة بما يروي من العطش، فإن شربها صرفاً أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش، لم يبح له ذلك، وعليه عقوبة الحد المقررة(9).

وأباح الشيعة الإمامية استعمال الخمر للضرورة مطلقاً، وللدواء كالترياق والاكتحال، لعموم الآية الدالة على جواز تناول المضطر إليه(10).

وقرر جماعة من الزيدية الحكم بقولهم: الأقرب جواز التداوي بالخمر، حيث خشي المريض التلف، أو تلف عضو منه، وقطع بحصول البرء بذلك، إذ هو حينئذ كمن غص بلقمة، فإن لم يقطع بالشفاء لم يجز، إذ الخبر يقتضي أن لا شفاء به، فيبطل ظن حصوص الشفاء(11).

وقال جماعة من المالكية: من اضطر إلى خمر: فإن كان بإكراه شُرب بلا خلاف، وإن كان لجوع أو عطش فلا يشرب، وبه قال مالك في العتبية وقال: لا يزيده الخمر إلا عطشاً، وحجته أن الله تعالى حرَّم الخمر مطلقاً، وحرَّم الميتة بشرط عدم الضرورة، وقال أبو بكر الأبهري: إن ردت الخمر عنه جوعاً أو عطشاً، شربها، وقد قال الله تعالى في الخنزير: إنه (رجس) فتدخُل في إباحة الخنزير للضرورة بالمعنى الجلي الذي هو أقوى من القياس، ولا بد أن تروي ولو ساعة، وتردّ الجوع ولو مدة، فإن غص الآكل بلقمة فهل يسيغها بخمر أو لا؟ قيل: لا يسيغها بالخمر مخافة أن يدعي ذلك، وقال ابن حبيب من المالكية: يسيغها لأنها حالة ضرورة(12)

وأبان ابن العربي الرأي الراجح في الانتفاع بالخمر عند المالكية، فقال(13): والصحيح أنه سبحانه حرَّم الميتة والدم ولحم الخنزير أعياناً مخصوصة، في أوقات مخصوصة، ثم دخل التخصيص بالدليل في بعض الأعيان، وتطرق التخصيص بالنص إلى بعض الأوقات والأحوال، فقال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} فرفعت الضرورة التحريم، ودخل التخصيص أيضاً بحال الضرورة إلى حال تحريم الخمر لوجهين:
أحدهما – حملاً على هذا بالدليل، كما تقدم من أنه محرم، فأباحته الضرورة كالميتة.
والثاني – أن من يقول: إن تحريم الخمر لا يحل بالضرورة، ذكر أنها لا تزيده إلا عطشاً، ولا تدفع عنه شبعاً، فإن صح ما ذكره كانت حراماً، وإن لم يصح – وهو الظاهر – أباحتها الضرورة كسائر المحرّمات.


وأما الغاصّ بلقمة: فإنه يجوز له فيما بينه وبين الله تعالى، وأما فيما بيننا فإن شهدناه، فلا يخفى بقرائن الحال صورة الغصة من غيرها، فيصدق إذا ظهر ذلك، وإن لم يظهر حددناه(14) ظاهراً، وسلم من العقوبة عند الله تعالى باطناً.

وقال القرطبي بعد أن ذكر آراء العلماء في التداوي بالخمر: إن الأحاديث التي تمنع التداوي بالخمر، يحتمل أن تقيد بحال الاضطرار، فإنه يجوز التداوي بالسم ولا يجوز شربه(15).

يتبين من هذه النقول في المذاهب المختلفة أن استعمال الكحول(16) ومشتقاته على الطبيعة من غير استعماله في الأدوية جائز للضرورة عند أكثر العلماء؛ لأنه لا بد منه لإذابة الدواء، وإذا كان السُّكْر اضطرارياً كما في حالة العلاج الطبي أو حال الخطأ في تناول شيء كعصير فاكهة، فلا عقاب شرعاً على السكران، أما في حالة السكر الاختياري، فيعاقب السكران على كل الجرائم التي يرتكبها، وفي كل الأحوال يسأل السكران مدنياً بدفع التعويض عما ارتكبه في أثناء سكره، سواء أكان اضطرارياً أم اختيارياً.

بيان معنى الاستحالة وضوابطها الشرعية:
لكلمة الاستحالة في اللغة العربية معنيان(17):
الأول – عدم الإمكان، فيقال: هذا شيء مستحيل أي باطل غير ممكن الوقوع، وليس له هنا مناسبة، لتعلقه بالمنطق والفلسفة في تقسيم الأشياء إلى جائز (ممكن) ومستحيل، وواجب.


والثاني – تغير الشيء عن طبعه ووصفه، أي تغير الذات والصفات والاسم، وهذا المعنى هو المتعلق بهذا البحث، وهو واضح في بيان تبدل حقيقة الشيء وصورته النوعية إلى شيء آخر أو نوع آخر.

والمراد بالاستحالة في الاصطلاح الفقهي هنا هو ذات المعنى اللغوي، أي تحول الشيء وتغيره عن وصفه، ويعبر الفقهاء عنه بمناسبة استحالة الأعيان النجسة كالعذِرة والخمر والخنزير، فإنها قد تتحول عن أعيانها أو ذواتها وتتغير أوصافها بالتخليل أو الاحتراق أو الوقوع في شيء طاهر، كالخنزير الذي يقع في الملاحة، فيصير ملحاً.

وقد ذكر العلامة ابن عابدين الحنفي نيفاً وثلاثين مطهراً، منها انقلاب حقيقة الأعيان بانتفاء بعض أجزاء مفهومها أو كلها، كانقلاب الخنزير ملحاً، وجعل الزيت المتنجس صابوناً، وتخلل الخمر بنفسها أو تخليلها بواسطة أو بإلقاء شيء فيها، قال الكمال بن الهمام في فتح القدير: ولو صب ماء في خمر أو بالعكس، ثم صار خلاً طهر في الصحيح(18).

وهذا المعنى ينطبق أيضاً على التفاعلات الكيميائية التي تحوِّل المادة إلى مركب آخر، فهي استحالة العين إلى عين أخرى(19).

وتكون ضوابط الاستحالة ما يأتي:
1 – تغير حقيقة الشيء وتحوله إلى مادة أخرى مغايرة للأصل في الاسم أو الذات، والخصائص أو الصفات.
2 – لم يبق لأصل الشيء وجود مادي بطبيعته، وإنما تحولت أجزاؤه وتغيرت صفاته، والتغير مطهر عند محمد بن الحسن من الحنفية خلافاً لأبي يوسف، والعلة هي التغيير وانقلاب حقيقة الشيء، كتغير الخمر وصيرورتها خلاً، وصيرورة العذِرة رماداً، وتحول الزيت النجس إلى صابون، فهو انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى، وهو المفتى به عند الحنفية لعموم البلوى، واختاره أكثر المشايخ خلافاً لأبي يوسف، كما قال ابن عابدين(20) وأضاف قائلاً:


ومقتضاه: عدم اختصاص ذلك الحكم بالصابون الذي صنع من زيت نجس، فيدخل فيه كل ما كان فيه تغير وانقلاب حقيقة، وكان فيه بلوى عامة، فيقال كذلك في الدبس المطبوخ إذا كان زبيبه متنجساً، ولا سيما أن الفأر يدخله، فيبول ويبعر فيه وقد يموت فيه.

وقد بحث كذلك بعض شيوخ مشايخنا فقال: وعلى هذا إذا تنجس السمسم ثم صار طحينة يطهر، خصوصاً وقد عمت به البلوى، وقاسه على ما إذا وقع عصفور في بئر، حتى صار طيناً، لا يلزم إخراجه لاستحالته.

فكل ذلك انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى، لا مجرد انقلاب وصف، أي إن الذات تغيرت، وإن استحالت من شيء آخر.

توصيف مدى الحاجة إلى إدخال بعض الأطعمة المحرمة في شرعنا في المنتجات الغذائية والدوائية:
لجأت بعض المصانع الغذائية في الشرق والغرب لاستخدام بعض المواد المحرمة أو النجسة في شرعنا في صناعة أنواع مختلفة من المواد الغذائية والمستحضرات الدوائية، ومن أمثلة هذه المواد المحرمة أو النجسة ما يأتي:
1- الاعتماد على لحم الخنزير وشحمه وجلده، وبعض دهون الحيوانات الميتة وعظامها الرخيصة الكلفة في الأطعمة المعلبة والجيلاتين والأجبان (بالمنفحة) والمربيات والعلكة والكراميل، والأسماك والدهون الحيوانية، والخبز والكعك والبسكويت والشكولاتة والفطائر والشوربة، سواء في أمريكا أو أوربا.
2- استخدام جلد الخنزير في تصنيع الصابون والمنظفات والغليسرين والحلويات كالتوفي والآيس كريم وفي الصناعات الدوائية الطبية، والمستحضرات الإنزيمية العلاجية، والهرمونات المستخلصة من الخنزير.
3- الاعتماد على شحم الخنزير ولحمه في تحضير الإنسولين لمعالجة مرضى السكري، واستخراج الببسين من الميتة أو من الخنزير.
4- دخول الكحول في بعض الأدوية ولا سيما أدوية السعال.
5- استعمال الدم وبقايا اللحوم والعظام من الخنزير وغيره من الميتات في إنتاج أعلاف الدواجن وغيرها.
6- تصنيع الدم الناتج من الحيوانات المذبوحة في معلّبات مأكولة.
7- تستورد أمريكا الآن أشعار الآدميين من الهند لإدخال البروتين المستخرج منها في دقيق (طحين) الخبز الأبيض.
8- سقاية النباتات وتغذيتها بالنجاسات كالأرواث والدماء والمياة الملوثة وما فيها من سموم وأضرار، تخل بتوازن التربة وتسمم النبات وتمرضه.


وذلك كله بحجة زيادة الإنتاج وتوفير الغذاء للجائعين، وتحقيق أنواع الترف، مع الربح السريع، وقلة التكاليف وغير ذلك من الدوافع غير الإنسانية في الواقع.

هذه الطفرة بالاعتماد على ما هو محرم في شرعنا، هل يعدّ ذلك مجرد تجزئة لهذه المواد، أو أنه يحدث بالفعل تفاعل كيماوي يغيِّر حقيقة المواد ويحوِّلها إلى مواد أخرى؟ وبالتالي يمكن انطباق صفة الاستحالة الشرعية التي ذكرها فقهاء الحنفية ومن وافقهم، لا بد في الإجابة عن هذا من التأكد السريع والجاد من أهل الخبرة وتحليل المخابر للمادة.

فإذا كانت العملية مجرد تفكيك التركيب وتجزئة المادة الأصلية وبقاء التركيب السابق في وضعه الطبيعي، فلا يعد هذا استحالة؛ لأن مجرد التحلل الجزئي لروابط المادة وتغيرها من شحم خنزير إلى جيلاتين أو شيكولاتة لا يسوغ الإباحة، وأما إذا تغير التركيب الأساسي للمادة الأصلية، فيمكن القول بالإباحة بعد التخلص من المواد الشائبة.

وينبغي المبادرة إلى القول: إن مجرد الطبخ مع مادة أخرى، أو تحليل جزيئات الدهون إلى مكوناتها، لا يعد مسوغاً للقول بالإباحة، وإنما لا بد من تغير التركيب الكيماوي للدهول، فدهن الخنزير المكرر مثلاً يبقى محتفظاً برائحة خاصة تظهر عند تسخينه دون تنقيته من الأحماض الدهنية ودون تغيير التركيب الخاص بهذا الدهن الحرام في ذاته أو عينه، وحينئذ لا يباح هذا الدهن، حتى وإن اتخذ شكلاً أو صفة أخرى، مع بقاء تركيب المادة الأصلي.

وبعبارة أخرى: هل يقبل عقلاً وشرعاً القول بإباحة شحم الخنزير ولحمه إذا تحول إلى شيكولاتة ونحوها مثلاً؟ علماً بأن هذا التحول مجرد إضافة مواد أخرى إلى الشحم أو اللحم، فتجعل له طعماً جديداً أو مذاقاً جديداً، كإضافة المقبِّلات أو البهارات والفلفل إلى الطعام، فيجعل له شهية وقبولاً، أي إن تغير الصفات من غير تغير الطبيعة والذات لا يجيز تناول هذا الشيء المتغير شكلاً، إلا إذا كانت هناك ضرورة علاجية بضوابطها المقررة والمعروفة شرعاً، كما أوضحت سابقاً.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 141.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 139.51 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]