وبالوالدين إحسانا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         محبة القرآن من علامات الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم والذين جاؤوا من بعدهم (قراءة تدبرية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          من فضائل الأوقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تلك الوسائل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حقوق المسنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 68 )           »          أفضل استثمار المسلم: ولد صالح يدعو له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الدرس العشرون: الهجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طائر طار فحدثنا... بين فوضى التلقي وأصول طلب العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 139 )           »          عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 399 - عددالزوار : 85856 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-12-2020, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,722
الدولة : Egypt
افتراضي وبالوالدين إحسانا

وبالوالدين إحسانا


الشيخ : محمد بن مبارك الشرافي




عناصر الخطبة

1/ دلالة الأمر ببر الوالدين بعد الأمر بالتوحيد 2/ الوصايا المتعددة في الكتاب والسنة بالإحسان بالوالدين 3/ وجوب بر الوالدين ولو كانا مشركين 4/ مزيّة الأم في البِرِّ 5/ بعض ما أُثِر عن السلف في بر الوالدين 6/ ثمرات بر الوالدين 7/ من أوجه بر الوالدين.


اقتباس


إِنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَمَلٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، وَقُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ، وَسَبَبٌ وَاضِحٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنْ اَلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “رِضَا اَللَّهِ فِي رِضَا اَلْوَالِدَيْنِ, وَسَخَطُ اَللَّهِ فِي سَخَطِ اَلْوَالِدَيْنِ” أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.









الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارَاً بِهِ وَتَوْحِيدَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً مَزِيدَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لا أَدْرِي كَيْفَ أَطْرُقُ هَذَا الْمَوْضُوعَ؟ وَلا بِأَيِّ شَيْءٍ أَبْدَأُ؟ وَأَحْتَارُ كَيْفَ تَكُونُ طَرِيقَةُ الْكَلامِ فِيهِ! هَلْ أَتَكَلَّمُ بُلُغَةِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ؟ أَمْ أُلْقِيهِ بِهَيْئَةِ النِّذَارَةِ وَالتَّبْشِيرِ؟.
إِنَّهُ مَوْضُوعٌ جَدِيرٌ بِالْعِنَايَةِ، وَحَرِيٌّ أَنْ يُتَدَاوَلَ فِي كُلِّ بِدَايَةٍ وَنِهَايَة، إِنَّهُ أَمْرٌ يَهُمُّ الْكَبِيرَ، وَيَحْتَاجُهُ الصَّغِيرُ.
إِنَّهُ حَقٌّ فَرَضَهُ رَبُّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَجَعَلَهُ قُرْبَةً مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَجَعَلَهُ سَبِيلَاً لِلْفَوْزِ بِرَضَاهُ وَدُخُول الْجَنَّاتِ، إِنَّهُ حَقٌّ أَمَرَ بِهِ اللهُ وَعَلَيْنَا قَضَاه، إِنَّهُ عَمَلٌ حَثَّ اللهُ عَلَيْهِ، وَرَغَّبَ فِيهِ، وَارْتَضَاه. إِنَّهُ حَقٌّ لازِمٌ عَلَى كُلِّ أَحَد، وَلا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَخْصٌ أَبَدَ الأَبَد!.
إِنَّهُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. إِنَّهُ حَقُّ الأُمِّ الْحَنُونِ، وَجَزَاءُ الأَبِ الْعَطُوفِ.
فَقُولُوا لِي بِرَبِّكُمْ: كَيْفَ نُوَفِّي هَذَا الْمَوْضُوعَ حَقَّهُ؟ وَقَدْ تَكَاثَرَتْ الآيَاتُ الْقُرْآنِيَّة، وَتَعَدَّدَتْ فِيهِ الأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّة، وَأَفَاضَ فِيهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ الذِينَ هُمْ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ خَيْرُ الْبَرِيَّة!.
وَلَكِنْ حَسْبُنَا أَنْ نُورِدَ عِبَارَاتٍ عَلَى سَبِيلِ التَّذْكِيرِ، وَنُعْطِيكُمْ كَلَمَاتٍ فِيهِ مَعَ اعْتَرَافِنَا بِالتَّقْصِيرِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء:36]، وَقَالَ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء:23].
فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ افْتَرَضَ اللهُ تَوْحِيدَهُ وَعِبَادَتَهُ التِي هِيَ أَعْظَمُ الْحُقُوقِ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَرْدَفَ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ بِحَقِّهِ لِيَدُلَّ عَلَى تَعْظِيمِ حَقِّ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
بَلْ إِنَّ اللهَ كَرَّرَ الْوَصِيَّةَ بِهِمَا مِرَارَاً وَتَكْرَارَاً بِصُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَفِي سُورَةِ الأَحْقَافِ يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً) [الأحقاف:15]، وَفِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ يَقُولُ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) [العنكبوت:8]، وَفِي سُورَةِ لُقْمَانَ جَاءَ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14].
فَتَأَمَّلُوا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- هَذِهِ الْوَصَايَا الْمُتَعَدِّدَةَ مِنْ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمُنَّةُ، بِهَذَيْنِ الْوَالِدَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَهَاوَنُ عَاقِلٌ فِي بِرِّهِمَا؟ أَوْ يَتَوَانَى مُسْلِمٌ فِي خِدْمَتِهِمَا؟ لا شَكَّ أَنَّ الْجَوَابَ: كَلَّا وَأَلْفُ كَلَّا.
ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَةِ لِلرَّبِّ ذِي الْجَلالِ، فَتَأَمَّلُوا مَاذَا قَالَ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قَالَ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قَالَ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
بَلْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ أَقْصَى جَنُوبِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِيُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَانْظُرُوا مَا الذِي أَمَرَهُ بِهِ! فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: "هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ"، قَالَ: أَبَوَاي. قَالَ: "أَذِنَا لَكَ؟"، قَالَ: لاَ. قَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا؛ فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلاَّ فَبِرَّهُمَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
اللهُ أَكْبَرُ! يَرَدُّهُ إِلَى الْيَمَنِ هَذِهِ الْمَسَافَة الْبَعِيدَة الشَّاقَّة، مِنْ أَجْلِ الْوَالِدَيْنِ، فَيَا للهِ كَمْ فَرَّطْنَا فِي حَقِّ وَالِدِينَا!.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فيِ اللهِ: إِنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَمَلٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، وَقُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ، وَسَبَبٌ وَاضِحٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنْ اَلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رِضَا اَللَّهِ فِي رِضَا اَلْوَالِدَيْنِ, وَسَخَطُ اَللَّهِ فِي سَخَطِ اَلْوَالِدَيْنِ" أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأمُرُنِي بِطَلاقِهَا؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: "الوَالِدُ أوْسَطُ أبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإنْ شِئْتَ، فَأضِعْ ذلِكَ البَابَ، أَو احْفَظْهُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقالَ: حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
بَلْ إِنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ، وَلَوْ حَاوَلا فِيكَ أَنْ تَتْرُكَ دِينَكَ الْحَقَّ، فَلا تُطَاوِعْهُمَا؛ لَكِنْ عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُمَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان:15].
وعَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ ابْنِهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَهَذَا فِي الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ، فَكَيْفَ بِالْوَالِدَيْنِ الْمُسْلمَيْنِ؟ إِنَّهُمَا أَعْظَمُ حَقَّاً، وَأَوْلَى بِرَّاً!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلأُمِّ مَزِيَّةً وَفَضِيلَةً فِي الْحَقِّ وَالْبِرِّ، فَحَقُّهَا أَعْظَمُ الْحُقُوقِ بَعْدَ حَقِّ اللهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ يُقَصِّرَ الإِنْسَانُ فِي بِرِّ أَبِيهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنْ يَزِيدَ فِي بِرِّ أُمِّهِ دُونَ أَنْ يُقَصِّرَ فِي حَقِّ أَبِيهِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَقَدْ ضَرَبَ السَّلَفُ الصَّالِحُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَرْوَعَ الْأمثلة فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، فَهَلْ مِنْ مُقْتَدٍ بِهِمْ أَوْ مُتَأَسٍّ بِهَدْيِهِمْ؟.
فَهَذَا أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ وَقَفَ عَلَى بَابِ أُمِّهِ وَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أُمَّاهُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَتَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا وَلَدِي وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَيَقُولُ: رَحِمَكِ اللهُ كَمَا رَبَّيْتِينِي صَغِيرَا، فَتَقُولُ: رَحِمَكَ اللهُ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرَاً. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَقُولُ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَرَّ مَنْ كَانَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِأُمِّهِمَا: عُثْمَان بْن عَفَّانٍ، وَحَارِثَة بْن النُّعْمَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
فَأَمَّا عُثْمَانُ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا قَدِرْتُ أَنْ أَتَأَمَّلَ أُمِّي مُنْذُ أَسْلَمْتُ. وَأَمَّا حَارِثَةُ فَإِنَّهُ كَانَ يَفْلِي رَأْسَ أُمِّهِ، وَيُطْعِمُهَا بِيَدِهِ، وَلَمْ يَسْتَفْهِمَا كَلامَاً قَطُّ تَأَمْرُ بِهِ حَتَّى يَسْأَلَ مَنْ عِنْدَهَا بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ: مَا أَرَادَتْ أُمِّي؟.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ كَانَ يَخْشَى أَنْ يَأْكُلَ مَعَ أُمِّهِ عَلَى مَائِدَةٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَسْبِقَ يَدِي إِلَى مَا سَبَقَ إِلَيْهِ عَيْنُهَا، فَأَكُونَ قَدْ عَقَقْتُهَا!.
وَهَذَا عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ نَادَتْهُ أُمُّهُ، فَأَجَابَهَا فَعَلَا صَوْتُهُ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَقَّهَا، فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَفَّارَةً لِذَلِكَ!.
وَأَمَّا مِسْعَرُ بْنُ حَبِيبٍ الْجَرْمِيّ الثِّقَةُ الْحَافِظُ، اسْتَسْقَتْ أُمُّهُ مَاءً مِنْهُ بَعْضَ اللَّيْلِ، فَذَهَبَ فَجَاءَ بِقِرْبَةِ مَاءٍ فَوَجَدَهَا قَدْ غَلَبَهَا النَّوْمُ، فَثَبَتَ فِي مَكَانِهِ وَالشَّرْبَةُ فِي يَدِهِ حَتَّى بَرِقَ الْفَجْرُ وَأَصْبَحَ!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا قَلِيلٌ مِمَّا أُثِرَ عَنِ السَّلِفَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْن, فَقُولُوا لِي بِرَبِّكُمْ: مَاذَا قَدَّمْنَا لِوَالِدَيْنَا؟ وَكَيْفَ بِرُّنَا لَهُمْ؟.
فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغِفِرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.


الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ كَمَا هُوَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ فَهُوَ خُلُقٌ فَاضِلٌ، وَكَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرْجُو جَزَاءَهُ فِي الآخِرَةِ فَهُوَ كَذَلِكَ يَرْقُبُ مُكَافَأَتَهُ فِي الدُّنْيَا، حَيْثُ إِنَّ اللهَ جَعْلَ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَمَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ بَرَّهُ أَوْلَادُهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَوْجُهَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ كَثِيرَةٌ جِدَّاً، وَلَكِنْ مِنْ أَجْمَعِهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، أَلَا وَهُوَ حُسْنُ الْخُلُقِ مَعْهُمَا، فَتَتَلَّطَفُ مَعْهُمَا، وَتُحْسِنُ خِطَابَهُمَا، وَتَقْضِي حَاجَاتِهِمَا، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيْهِمَا، وَتُكْثِرُ مُجَالَسَتَهُمَا.
ثُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ زَوْجَةٌ وَأَوْلادٌ فَتُوصِيهِمْ بِبِرِّ وَالِدَيْكَ، وَتَحْرصُ عَلَى أَنْ يَرَوْا مِنْكَ ذَلِكَ لِيَقْتَدُوا بِكَ، ثُمَّ تَجْعَلُ رِضَاكَ عَنْ زَوْجَتِكَ وَأَوْلادِكَ مَرْبُوطَاً بِإِحْسَانِهِمْ لِوَالِدَيْكَ، مَعَ الْحِرْصِ عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَقِّ وَالِدَيْكَ وَحَقِّ أَوْلادِكَ وَزَوْجَتِكَ!.
وَمِنْ بِرِّهِمَا: أَنْ تُطْلِعَهُمَا عَلَى أُمُورِكَ الْخَاصَّةِ، وَتَسْتَشِيرَهُمَا وَلَوْ عَلَى الأَقَلِّ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، وَخَاصَّةً فِي الأُمُورِ التِي لَهُمْ خِبْرَةٌ فِيهَا، وَأَكْثِرِ الدُّعَاءَ لَهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَوْتِهِمَا.
ثُمَّ لَوْ حَصَلَ مِنْ وَالِدَيْكَ أَوْ أَحَدِهِمَا خَطَأٌ أَوْ جَفْوَةٌ فَتَحَمَّلْ ذَلِكَ، وَاحْتَسِبِ الأَجْرَ عَلَى اللهِ، وَخَاصَّةً عِنْدَ الْكِبَرِ، وَتَلَطَّفْ مَا اسْتَطَعْتَ مَعَهُمَا.
وَاسْتَمِعْ مَاذَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- عَنْ ذَلِكَ عِنْدَمَا يَكْبُرَانِ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23-24].
وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمَا، فَعَنْ أَبِى أُسَيْدٍ السَّاعِدِىِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيءٌ أَبرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: "نَعَمْ: الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّ وَالَدِينَا، وَارْزُقْنَا بِرَّ أَوْلادِنَا، اللَّهُمَّ ارْحَمْ وَالِدِينَا كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارَاً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَارْضَ عَنْهُم وَعَنْ وَالِدِيهِمْ وَلِمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ.
اللَّهُمَّ لا تُؤَاخِذْنَا بِتَقْصِيرِنَا فِي حَقِّ وَالِدِينَا، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.
اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا وَقِنَا شَرَّ أَنْفُسِنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.56 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]