يا عباد الله فلنرض بما قسم الله ولا نقنط من رحمة الله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4885 - عددالزوار : 1893513 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4453 - عددالزوار : 1219618 )           »          اللغة العربية أصل اللغات كلها كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          3 ماسكات طبيعية تخلصك من تقصف الشعر.. استعدى لإجازة العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          5 ألوان ظلال مناسبة للعيون الزرقاء.. لو محتارة ومش عارفة المناسب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          طريقة عمل عيش بذور الشيا وبذور الكتان.. خبز صحى ومشبع بدون دقيق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 81 )           »          اعرفى إزاى تختارى الصابون المناسب لنوع بشرتك.. عشان وشك ينور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          أكلات خفيفة ولذيذة لا تزيد وزنك فى الصيف.. مشعبة وترطب الجسم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          6 سلوكيات مهم تعلمها لأطفالك عشان يتعاملوا بأسلوب راقٍ ومهذب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          6 مشروبات صيفية من غير سكر تديك طاقة وانتعاش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-01-2021, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,220
الدولة : Egypt
افتراضي يا عباد الله فلنرض بما قسم الله ولا نقنط من رحمة الله

يا عباد الله فلنرض بما قسم الله ولا نقنط من رحمة الله
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد







إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].



أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

إخواني في دين الله؛ فلنرض بما قسم الله ولا نقنط من رحمة الله.



أيها الإخوة في دين الله! تمر بالإنسان أحوال تحمل معها الخير، وأخرى تحمل معها الشرَّ، والإنسان كما قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [فصلت: 49].



فبعضهم يرغب في الذرية، فيقنط إن تأخرت، والصالحون لا يقنطون من رحمة الله، فلم يقنط خليل الله من الذرية رغم كِبَر سِنِّه وعُقم امرأته، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 51 - 56]، (القُنوط): أشَدُّ اليأس من الشيء.



كذلك لم ييأس يعقوب عليه السلام من عودة ولدِه يوسف عليهما السلام بعد فقدٍ لسنوات طوال، قَالَ جل جلاله؛ مُخْبِرًا عَنْ يَعْقُوبَ عليه السلام: ﴿ يَابَنِيَّ اذْهَبُوا ﴾ [يوسف: 87] -وهذا بعد أن فقد الولد الثاني - ﴿ فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].



﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء: 83، 84]، فلم يقطع أيوبُ عليه السلام الأملَ والرجاءَ في عودة صحته وعافيته إليه، بعد بضعة عشر عاما من المرض والفقر، والمعاناة.



إن القانطين من رحمة الله من الثلاثة الهالكين، أولئك الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الوارد عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ نَازَعَ اللهَ عز وجل رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرُ، وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ"[1].





("ثَلَاثَةٌ لَا تَسْأَلْ عَنْهُمْ"): أي فإنهم من الهالكين؛ ("رَجُلٌ نَازَعَ اللهَ عز وجل رِدَاءَهُ، فَإِنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرُ، وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ") [فالعظمة والكبرياء - من خصوصيات الله، فمن تعاظم على خلق الله أو تكبر نازع الله، فالعظمة والكبرياء - من خَصَائِص الربوبية، والكبرياء أَعلَى من العظمة -والعزة-، وَلِهَذَا جعلهَا بِمَنْزِلَة الرِّدَاء، كَمَا جعل العظمة بِمَنْزِلَة الْإِزَار][2].



("وَرَجُلٌ فِي شَكٍّ مِنْ أَمْرِ اللهِ") [أي في ريب من شأنه تعالى وأوامره ونواهيه أو وجوده وصفاته]. [3]




("وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ") هذا [فيه نهى عن القنوط من رحمة الله تعالى، وإنْ عَظُمَت الذنوب وكثرت، فلا يَحِلّ لأحد أن يَقنَط من رحمة الله وإن عَظُمَت ذنوبه، ولا أن يُقَنِّط الناسَ من رحمة الله.



قال بعض السلف: إنَّ الفقيه -كل الفقيه- الذي لا ... يقنِّط الناس من رحمة الله، ولا يُجَرِّيهم على معاصي الله]. [4]، هؤلاء لا تسأل عن هلكتهم فإنهم معذبون.



إن اليأس والقنوط من رَوح الله ورحمتِه من الكبائر المقرونة بالشرك بالله جل جلاله، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ) فَقَالَ: (مَا الْكَبَائِرُ؟) فَقَالَ: "الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ"[5].



فاليأس والقنوط يصرفان العبد عن التوبة والإنابة، [وأما التوبة النصوح فقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وغيره من السلف: هو أن يتوب ثم لا يعود، -هذه هي التوبة النصوح- ومن تاب ثم عاد فعليه أن يتوب مرة ثانية، ثم إن عاد فعليه أن يتوب، وكذلك كلما أذنب ولا ييأس من روح الله. وإن لم تكن التوبة نصوحا؛ فلعله إذا عاد إلى التوبة مرة بعد مرة مَنَّ الله عليه في آخر الأمر بتوبة نصوح][6].



إنّ الظنَّ بعدم المغفرة - كالذي يظن أن الله لا يغفر له يؤدي إلى التهلكة، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه - ويكنى أبا عمارة - قَالَ لَهُ رَجُلٌ: (يَا أَبَا عُمَارَةَ، ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، أَهُوَ الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فَيُقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَلَ؟) قَالَ: (لَا! وَلَكِنْ هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ، فَيَقُولُ: لَا يَغْفِرُ اللهُ لِي)[7].



﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].



فعلينا أن نجتنب القنوط، ولنصبر على ما قدَّره الله، ولنرضَ بِقَضَاءِ الله، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].



والابتلاء من القضاء، وأهلُه إذا صبروا لهم البشرى من الله الرحمن الرحيم سبحانه، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة: 155- 157].



وقضاءُ الله لعبده المؤمن كلُّه خير له، عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ!) (إِنَّ اللهَ لَا يَقْضِي لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ)، (وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ) (حَمِدَ رَبَّهُ وَشَكَرَ)، (فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ)، (وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ، حَمِدَ رَبَّهُ وَصَبَرَ)، (فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ)، (الْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِهِ"). [8]، (فِي امْرَأَتِهِ) أَيْ: فمها.



ورضاك يا عبد الله! بقضاء الله وقدره دليلٌ على قوّةِ إيمانك، وعِظم ثوابك، واصطفاء الله لك بمحبته، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ، مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْط"[9].



وَمن الناس من لا يرضى إلا بالعطاء والمال، فإن حُرم غضب وسخِط، وتكلَّم فيمن منعه بالغمز واللمز، والإثارة والتحريض، ولم يكلوا أمورهم إلى الله، القائل سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾. (التوبة: 58 - 59).



الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِه، خيرِه وشرِّه، يجلب البركةَ والسكينة والسعة، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهِ وَوَسَّعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ، لَمْ يُبَارِكْ لَهُ"[10].



أغلب الناس ميزانهم الدنيا، فمن حاز على شيء من حطامها فهو الراضي المرضي عنه، المحسود ُكما حُسد قارون، فعلينا ألا نتخذ هذا الميزان، فإنه يورث احتقارَ نِعَمِ الله علينا، ونزنُ أمورَ الدنيا بميزانِ آخر؛ نعظِّم به نِعَمَ الله علينا، ونرضى بها، وهو أن ننظر إلى من هم أفقرَّ منا، وأقلَّ مالا وعددا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ"[11].



فارضوا بما قسم الله لكم، ولا تقنطوا إذا تأخَّر النصر والفرج، أو تأخرت الذرية والأولاد، أو تأخر الرزقُ والغيث، ومن حكمة الله أنه لم يجعل جميع الناس أغنياءَ ولا أثرياء، فلو كان ذلك كذلك لرأيتم الظلمَ والفسقَ والطغيانَ عَمَّ الأرض، قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 27، 28].



فالناس يفرحون إذا ذاقوا نعمة الله ورحمتَه، ويقنطون إذا ذاقوا مَسَّ الابتلاء، والضيقِ والشدة، ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الروم: 36، 37).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد؛

إن الرضا بما قدَّره الله على العبد من الابتلاء أجره عظيم، ويجنِّبه اليأس، ويصرف عنه القنوط، وأعظمُ منه وأكبر عند الله، الرضا بالله و- الرضا - بدين الله والرضا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا له حلاوة وطعمٌ خاصّ في قلوب عباد الله المؤمنين، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا"[12].



مَعْنَى الْحَدِيث -كما قال النووي رحمه الله-: لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ الله تَعَالَى، وَلَمْ يَسْعَ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْإِسْلَام، وَلَمْ يَسْلُكْ إِلَّا مَا يُوَافِقُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُه، فَقَدْ خَلَصَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَان إِلَى قَلْبِه، وَذَاقَ طَعْمَه. [13]- فمن كان كذلك؛ فمن أين يتطرق إلى قلوب هؤلاء يأس أو قنوط؟!



اليأس مطرود، والقنوط منبوذ من قلب من اعترف وكرّر اعترافَه كلَّ يوم خمس مرات؛ بأنه رضي بربوبية الله جل جلاله، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبدين الإسلام، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ". [14]، وما دام لا قنوط في ذاك القلب؛ فلا خطيئة ولا ذنب!



وأيضا إن تكرارَ الاعترافِ والرضا بالله والإسلام وبالرسول صلى الله عليه وسلم كلَّ صباح، هذا يوجب لك الجنة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"[15].



إن كررت هذا الدعاء لا يجعلك تدخل الجنة بمفردك؛ بل يجعل الرسولَ صلى الله عليه وسلم بنفسِه يمسكُ بيدك إلى الجنة، عَنْ الْمُنَيْذِرِ الْإفْرِيقِيِّ؛ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، فَأَنَا الزَّعِيمُ لآخُذَ بِيَدِهِ حَتَّى أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ"[16].



هذا الدعاء فيه نجاة من شر الطغاة الظالمين، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ - لاحقِ بن حميد، وهو تابعي ثقة - قَالَ: (مَنْ خَافَ مِنْ أَمِيرٍ ظُلْمًا فَقَالَ: رَضِيت بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ حَكَمًا وَإِمَامًا، أَنْجَاهُ اللهُ مِنْهُ)[17].



بل كان بعض السلف من يكتب هذا الاعتراف والرضا بالله والإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم في وصاياهم، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَصِيَّتَهُ: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيْهِ، وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا، وَجَازِيًا لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ وَمُثِيبًا، بِأَنِّي رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا، وَإِنِّي آمُرُ نَفْسِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؛ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ فِي الْعَابِدِينَ، وَنَحْمَدَهُ فِي الْحَامِدِينَ، وَأَنْ نَنْصَحَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ)[18].



قال الغزالي رحمه الله: [وقال ابن مسعود: (الهالك في اثنتين؛ القنوط والعجب)، وإنما جمع بينهما؛ -أي بين القنوط والعجب- لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي، والطلب والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنه قد سعد، وقد ظفر بمراده، فلا يسعى، فالموجود لا يطلب، والمحال لا يطلب، والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب، حاصلة له، ومستحيلة في اعتقاد القانط، فمن ههنا جمع بينهما][19].



لكن نهى الله سبحانه وتعالى المسرفين على أنفسهم بالذنوب والمعاصي، نهاهم عن القنوط من رحمة الله، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم قائلا: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].



اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين.

اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا.

اللَّهُمَّ وَنَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.

اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ.

اللهُم اسقِنَا غيثاً مُغيثاً، هَنِيئاً مَرِيئاً، غَدَقاً مُجلِّلاً، عَامَّاً طَبَقاً، سَحَّاً دائماً.

اللهُم اسقِنَا الغَيْثَ ولا تجعلنا من القَانِطين.

اللهم إن بِالعبادِ والبِلادِ والبهائِم والخلق؛ مِن اللأواءِ والجهد والضَّنْكِ؛ ما لا نشكوه إلاَّ إليك، اللهم أَنْبِتْ لنا الزَّرَعَ، وأَدِرَّ لنا الضَّرْعَ، واسقِنا مِن بركات السماء، وأنبِتْ لنا مِن بركات الأرض.

اللهم ارفع عنا الجَهْدَ والجُوعَ والعُريَ، واكشفْ عنا مِن البلاء ما لا يكشِفُه غيرُك.

اللهم إنا نستغفِرك، إنك كنتَ غفَّاراً، فأرسل السماء علينا مِدراراً.

وأقم الصلاة فـ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].





[1] (حم) (23943)، (خد) (590)، (حب) (4559)، صَحِيح الْجَامِع: (3059)، الصَّحِيحَة: (542)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (1887).




[2] العبودية لابن تيمية (ص: 99).




[3] التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 217).




[4] مجموع الفتاوى (16/ 20).




[5] (بز) في مسنده (ص 18- زوائده)، صَحِيح الْجَامِع: (4603)، الصحيحة: (2051).




[6] المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 148).




[7] (ك) (3089)، (مش) (4687)، (طس) (5672)، (هق) (17706)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (1624).




[8] (م) (2999)، (حم) (1487)، (12929)، (20298).




[9] (ت) (2396)، (جة) (4031)، (حم) (23672)، صَحِيح الْجَامِع: (285)، الصَّحِيحَة: (146).




[10] (حم) (20294)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1869)، الصَّحِيحَة: (1658).




[11] (م) 9- (2963)، (ت) (2508)، (جة) (4142)، (حم) (7442).




[12] (م) (34)، (ت) (2623).




[13] (النووي) (1/ 111).




[14] (م) 13- (386)، (ت) (210)، (س) (679)، (د) (525)، (جة) (721)، (حم) (1565).




[15] (د) (1529)، (ن) (9833)، (حب) (863)، (ش) (29282)، انظر الصَّحِيحَة: (334).




[16] (طب) (ج20/ ص355/ ح838)، انظر الصَّحِيحَة: (2686)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (657).




[17] (ش) (29181)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ (2239).




[18] (مي) (3230)، (عب) (16320)، (ش) (34844)، (هق) (12465).




[19] إحياء علوم الدين، ومعه تخريج الحافظ العراقي (5/ 182).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.70 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]