الإسراء والمعراج دروس وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 407 - عددالزوار : 74248 )           »          حكم الزكاة لمن اشترى أرضاً ولم ينو بيعها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          صيام الأيام البيض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          هل الاستغراق في النوم ينقض الوضوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          الفرق بين الرياح والريح والسُّنة فيهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2022 )           »          اهتمام الإسلام بالعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 108 - عددالزوار : 48162 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 108 - عددالزوار : 52319 )           »          عُزلة الـ «تكست نِك» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-12-2021, 04:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,462
الدولة : Egypt
افتراضي الإسراء والمعراج دروس وعبر

الإسراء والمعراج دروس وعبر
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان


نص الخطبة: الحمد لله، نحمده سبحانه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالها، من يَهْدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من صلى وزكَّى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا؛ أما بعد:
عباد الله:
تظل السيرة النبوية منبعًا عذبًا، وموردًا صافيًا، ينهل منه المسلمون في كل حين وفي كل مكان، يلتمسون العِبَرَ والدروس في سيرة خير البرية وصاحب الرسالة النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، وسنعيش اليوم مع آية باهرة، ومعجزة ظاهرة، وحدث عظيم، مع معجزة من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم التي كان الله عز وجل يؤيده بها بين الحين والآخر؛ مع الإسراء والمعراج.

ٲيـــهــــا المــســلــمـــون:
الإسراء والمعراج من أجلِّ المعجزات، وأعظم الآيات التي تفضل بها المولى سبحانه على نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، ولأهمية هذه المعجزة؛ فقد ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في موضعين:
الأول: في سورة سميت باسم هذه المعجزة؛ وهي سورة "الإسراء"؛ التي بدأها سبحانه بقوله: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

والثاني في سورة النجم؛ قال تعالى: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 1 - 18].

وأخْرج البخاريُّ ومسلم - واللفظ لمسلم - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُتيتُ بالبُراق، وهو دابَّة أبيضُ طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضَع حافره عندَ منتهى طرفه... قال: فركبتُه حتى أتيتُ بيت المقدس، قال: فربطتُه بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلتُ المسجِد، فصليتُ فيه رَكعتين، ثم خرجتُ فجاءني جبريلُ عليه السلام بإناء مِن خمر، وإناء مِن لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: اخترتَ الفِطرة، ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتَح جبريل، فقيل: مَن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمد، قيل: وقدْ بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففُتِح لنا...؛ الحديث)).

أيها الأحبة: والإسراء والمعراج كانا في اليقظة لا في المنام، وقد تظاهرت على ذلك الروايات المتكاثرة في كتب الحديث المشهورة، وكتب السير الموثوق بها، والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم، والذي تركن إليه النفس بعد البحث والتأمل أنهما كانا في شهر ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه، وقد ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" أثرًا عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما؛ يشهد لذلك قالا: "وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء، وفيه هاجر"، هذا حديث القرآن والسنة عن معجزة الإسراء والمعراج، وتلك هي أحداث قصة الإسراء والمعراج ملخصة، تحمل في طياتها الآيات العظيمة، والمعجزات الكبيرة، والدروس والعبر العظيمة، بعضها أعظم من بعض، فتعالَوا بنا لنتدارس هذه الدروس والعبر، سائلين المولى عز وجل أن ينفعنا بكل ما نقول وما نسمع.

الـــدرس الأول: المِنحَ لا تكون إلا بعد المِحَن:
أيها المسلمون، إنَّ الله عوَّد عباده المؤمنين أنَّ "العطايا لا تكون إلا بعد الرزايا"، وأنَّ "المِنحَ لا تكون إلا بعد المِحَن"، وأنَّ "اليسر لا يكون إلا في ذيل العسر"، نعم، فقد توالت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزان والآلام قبل إسرائه ومعراجه، حتى سُمِّيَ ذلك العامُ بعامِ الحزن؛ فقد حاصره قومه حصارًا خانقًا في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات، كانت قاسيات شديدات عليه وعلى أصحابه، حتى قال سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "خرجت ذات ليلة لأبول والجوع شديد... وبينما كنت أقضي حاجتي إذ سمعت قعقعة تَحْتَ بَوْلِي، فَإِذَا بقِطْعَة جِلْدِ بَعِير... فَأَخَذْتُهَا فَغَسَلْتُهَا ثُمَّ أَحْرَقْتُهَا... ثُمَّ اسْتَفَفْتُهَا وَشَرِبْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَقَوِيتُ عَلَيْهَا ثَلَاثة أيام"، الله أكبر... ثم ماذا بعد هذا؟ يُفجع النبيُّ بخبر وفاة مناصره ومسانده الذي كان يوفر له الحماية الخارجية (خارج المنزل) لتبليغ دعوة ربه، يُفجع بموت عمه أبي طالب، فازدادت جراءة كفار قريش عليه، حتى كان أبو لهب يلاحقه في الأسواق والمجامع، يسبه، ويسفهه، ويرميه بالحجارة، ويخبر بأنه كذاب، حتى دخل النبيُّ على ابنته ذات يوم - بأبي وأمي هو صلوات الله عليه - وقد نثر سفيه من سفهاء قريش التراب على رأسه، فجعلت ابنته تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها‏:‏ ‏((‏لا تبكي يا بنيَّة، فإن الله مانع أباكِ)‏)،‏ وقال‏:‏ (‏(‏ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب‏))‏، انظروا أيها الإخوة الكرام إلى حجم البلاء الذي صُب على النبي ثم ماذا بعد هذا البلاء، الذي لو نزل على جبل لجعله هدًّا؟ يخرج الحبيب إلى الطائف داعيًا وهاديًا، يحدوه الأمل في هداية ثقيف، لكنه يصدم برفض أهل الطائف لدعوته، وتعرضهم له بالشتم والأذية... وقد سلطوا عليه وعلى صاحبه سفاءهم، حتى ضاق الحبيب ذرعًا، فدخل بستانًا يلوذ به، ويحتمي بشجراته من الضرب والمطاردة، رافعًا يديه إلى السماء، مناجيًا ربه، معتذرًا إليه، متحببًا إليه، بكلمات كريمة، وبدعاء صادق نبع من أعماق قلبه الحزين، قد امتزجت كلماته بحرقه وجدانه المكسور: ((اللَّهُمَّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك))؛ [صححه العلامة أحمد شاكر].

ثم ماذا بعد هذا أيها الأحبة؟ يُفجع النبيُّ بخبر وفاة ردئه ومؤازره زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، التي ملأت عليه قلبه وعقله، التي كانت تؤازره وتسانده في أحرج أوقاته، وتواسيه بنفسها ومالها في أحلك الظروف.

أيها المسلمون، عباد الله:
بلايا ومحن ومصائبُ صُبَّت على النبيِّ لو أنها صُبت على الأيام صِرنَ لياليًا؛ موت للسند الخارجي، موت للسند الداخلي، طرد وضرب من أهله.

لكن ما نتيجة هذا الصبر؟ ما نتيجة هذا الرضا والتسليم المطلق لقضاء الله؟ ما نتيجة هذه العبودية الخالصة التي ليس للنفس حظ فيها؟ النتيجة دعوة كريمة ومَكرمة للنبيِّ بزيارة السماء حتى وصل إلى درجة من الرقيِّ، لم يصلها قبله إنس ولا ملك مقرب، فجاءتْ ضيافةُ الإسراء والمِعراج؛ تكريمًا مِن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم، وتجديدًا لعزيمته وثباته.

أرأيتم أيها المسلمون؟ بعد كل هذه المآسي والآلام التي مر بها الحبيب صلى الله عليه وسلم جاء الفرج من الله، فيا كل مهموم، يا كل مكروب، ويا كل مصاب، يا كل محزون ومبتلًى، أبْشِرْ بفرج الله؛ فبعد كل محنة منحةٌ، هذا أمرٌ حقيقي ملموس، ولنتدبَّر قصَّة يوسف عليه السلام بعد إلقائِه في الجُبِّ، وبيعه بثمَن بخس، وصار عبدًا بعد أنْ كان حرًّا، واتهامه بالفحشاء، ثم سجنه، أي أمَل بعد ذلك؟ انقلبت المِحنةُ إلى محنة، وصار يوسف عليه السلام عزيزَ مصر، وجلس على عرْش مصر، وأجلس أبويه على العرش، كان ذلك امتحانًا وابتلاءً مِن الله، رضِي بقضاء الله وصبَر؛ فتبدَّلتِ المحنة إلى منحة، وهذا هو المطلوب أن ترضى بقضاء الله، وتستسلم له صابرًا محتسبًا.

لتكن هذه رسالة إلى كل مهموم ومحزون ومبتلًى، نقول له: إن مع العسر يسرًا.
خطاب لكل مصاب، وكل من سحقته المشقةُ والعناء، نقول له: إن مع العسر يسرًا.
نداء لكل من أحدقت به المصائب، وأحاطت به الأزمات، نقول له: إن مع العسر يسرًا.
دعوة لكل من أثقلته الديون، نقول له: إن مع العسر يسرًا.
مواساة لكل من أقعده المرض، ونغص عيشه السقم، نقول له: إن مع العسر يسرًا.
صَبْرًا جَمِيلًا ما أقربَ الفَرَجا
من رَاقَبَ اللَّهَ فِي الأمورِ نَجَا
منْ صدق الله لم ينلهُ أذًى
ومن رجَاهُ يكونُ حيثُ رَجَا

فمِن زحمةِ الابتلاء، كانت رحلة الإسراء، مِنْحة واصطفاء، رحمةً واجتباء.

الـــدرس الثــاني: الثبات
أيها المسلمون، عباد الله، قضية الإسراء والمعراج هي قضية الثبات على المبدأ المتمثِّل في موقف سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، قد كان حادث الإسراء مُستغربًا عند البشر، إلا أن رجلًا كأبي بكر الصديق لم يُخالجْ هذا الاستغراب داخله، ولم يتردَّد في تصديقه؛ قال له الكفار: إن صاحبك يزعم أنه أُسري به الليلة إلى بيت المقدس ثم عاد، ونحن نقطع أكباد الإبل شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، وكان أبو بكر فطِنًا، فلم يقل لهم مباشرة، لقد صدق؛ لاحتمال أنهم افتعلوا هذا الأمر، ونسبَوه إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، إنما قال: "إن كان قال فقد صدق؛ إني أصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدِّقه في خبر السماء"، فاستحق بهذا التصديق أن يكون صدِّيقًا، بل مِن حينها كان جديرًا أن يكون ثاني اثنين، واستحقَّ أن يكون إيمانه أثقل من إيمان الأمة جميعها.

وتتضح قضية الثبات كذلك من المشهد الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم لماشطة ابنة فرعون؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي، قَالَتْ: لاَ وَلَكِنْ رَبِّي، وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلاَنَةُ، وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِي، قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ ليَ إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ، اقْتَحِمِي؛ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ))؛ [أخرجه أحمد].

الدرس الثالث: رسالة الله واحدة إلى الخلق أجمعين:
أحبتي في الله، الإسلام هو المنة الكبرى، والنعمة العظمى، وهو الدين الوحيد الذي ارتضاه الله لأهل الأرض، بل لأهل السماء، فما من نبي ولا رسول، إلا وبعثه الله جل وعلا بالإسلام بداية من نبي الله نوح؛ كما قال ربنا حكاية عنه في سورة يونس: ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72].

إلى أن بعث الله لبنة تمامهم، ومسك ختامهم؛ المصطفى صلى الله عليه وسلم – بالإسلام؛ قال الله تعالى لنبيه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وخاطبه الله جل وعلا بقوله: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، فالدين الوحيد الذي ارتضاه الله لأهل السماء ولأهل الأرض هو الإسلام، وهو ليس للعرب فحسب، بل للبشرية كلها؛ ولذا قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19].

بل إن دين الجن المؤمنين هو الإسلام؛ كما قال الله حكاية عنهم: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [الجن: 14، 15].

فالإسلام ليس دينَ العرب فحسب، وليس دين المسلمين فحسب، بل هو دِين البشرية كلها، وبه جاء الأنبياءُ مِن لدُن آدم ونوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، فهو يُصلِّي إمامًا بالأنبياء، ويؤمُّ بيتَ المقدس، الذي أقيم للناس؛ ليعبدوا الله تعالى فيه بعد بيت الله الحرام، وهو القِبلة الأولى للمسلمين، وأهميته بالنسبة للمسلمين وثيقةٌ مِثل أهمية بيت الله الحرام، ولو تحوَّلتِ القبلة عنه؛ فمحمَّد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيِّين وإمامهم.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنا أَوْلى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد علَّات، ليس بَيْني وبينه نبي)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنبياء مِن قبلي، كمثل رجل بنَى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لَبِنة مِن زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيِّين)).

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أَوْلى الناس بعيسى ابن مريم، في الأولى والآخرة، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: الأنبياء إخوة مِن علَّات، وأمهاتهم شتَّى، ودِينهم واحد، فليس بيننا نبي)).

وقال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى:
في قصَّة الإسراء والمعراج تلمح أواصرَ القُربى بين الأنبياء كافة، وهذا المعنى من أصول الإسلام: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، والتحيات المتبادلة بيْن النبي صلى الله عليه وسلم وإخوته السابقين توثِّق هذه الآصرة، ففي كلِّ سماء أحلَّ الله فيها أحدَ رسله، كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستقبل فيها بهذه الكلمة: ((مرحبًا بالأخ الصالح، والنبيِّ الصالح)).

أمَّا محمَّد صلى الله عليه وسلم، فقد أظهر أنَّه مُرسَل لتكملة البِناء الذي تعهَّده مَن سبقوه، ومنع الزلازل مِن تصديعه؛ [فقه السيرة لمحمد الغزالي].

الدرس الرابع: مكانة المسجد الأقصى:
أيها المسلمون، إن للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين، ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة؛ فهو يعتبر قبلة الأنبياء جميعًا قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتم تغيير القبلة إلى مكة، وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى))؛ [البخاري ومسلم].

يقول الدكتور علي الصلابي: "إنَّ الربط بيْن المسجد الأقصى، والمسجد الحرام وراءَه حِكم ودلالات وفوائد؛ منها:
أ‌- أهمية المسجِد الأقْصى بالنسبة للمسلمين؛ إذ أصبح مسرَى رسولهم صلى الله عليه وسلم ومِعراجه إلى السماوات العُلى، وكان ما يزال قِبلتهم الأولى طوال الفترة المكيَّة، وهذا توجيه وإرْشاد للمسلمين بأن يحبُّوا المسجد الأقْصى وفلسطين؛ لأنَّها مباركة ومقدَّسة.

ب‌- الربط يُشعِر المسلمين بمسؤوليتهم نحوَ المسجد الأقْصى بمسؤولية تطهير المسجد الأقْصى مِن أوضار الشرك وعقيدة التثليث، كما هي أيضًا مسؤوليتهم تطهير المسجد الحرام مِن أوضار الشِّرْك وعبادة الأصنام.

ت‌- الربط يشعِر بأنَّ التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديدٌ للمسجد الحرام وأهله، وأنَّ النَّيل مِن المسجد الأقصى توطئة للنَّيل مِن المسجد الحرام، فالمسجد الأقصى بوَّابة الطريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى مِن أيدي المسلمين، ووقوعه في أيدي اليهود يَعني أنَّ المسجد الحرام والحجاز قد تهدَّد الأمن فيهما، واتَّجهتْ أنظار الأعداء إليهما لاحتلالهما.

فإلى المسلمين ننادي: باسم الإسلام دِينِ الله الحقِّ، والذي شرَّفَنا الله تعالى بالانتماء إليه، نبثُّ آلامَ الجراح، ونتوثَّب لعبير الأمل بأن تكونَ الذِّكْرى ملهمةً إلى كل فضلٍ، دافعةً بإذن الله إلى المكارم وتجاوز الواقِع المرير، والتناصر بين المسلمين، يا خيرَ أمَّةٍ أُخرجت للناس، لا تنسَوا الأقصى في زَحْمة الدنيا؛ فإنَّه مسجدُكم، وكَنْزُ الكرامة لديكم، وهل يترك عاقلٌ كَنْزَه؟! وهو أمانتُكم، ولا يصونها إلاَّ الأمناء، كما أنَّه لا يُفرِّط فيها إلاَّ كلُّ خوَّانٍ، عَلِّموا أولادَكم حُبَّ الأقصى، والحُزنَ على غربته، قولوا لهم: إنَّ لنا غريبًا طال انتظارُه، علَّ أحدَهم يكون رمزًا لحمايته في زمن الضياع، واقرؤوا لهم تاريخَه، ولا تُجفِّفوا منابعَ الذِّكْرى في قلوبهم، واتركوهم قبلَ أن تفارقوا دنياهم، وقد أخذتم عليهم العَهدَ، وتركتم لهم الوصيةَ، كما أنَّكم حريصون على أن تتركوا لهم الأموالَ والمتاع.

أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يحرر المسجد الأقصى، وأن ينصر الإسلام، ويعز المسلمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخـــطــبــة الثــانـيــة
الحمد لله ولي المتقين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
عباد الله، في هذه الرحلة العظيمة والآية الباهرة دروس وعظات وعبر، وقفنا مع بعضها، فتعالَوا بنا إلى بعض ما رآه النبي في الإسراء والمعراج:
عباد الله: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسرائه ومعراجه أمورًا حدثت وتحدث، وتناقلتها كتب السنة، ومع ذلك لا تتحول الأمة من حال القراءة والاطلاع إلى حال الالتزام والعمل؛ ومن هذه المرائي:
المجاهدون في سبيل الله: روى ابن جرير وغيرُه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم يَزرعون في يومٍ ويحصدون في يوم، كلَّما حصَدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله؛ تُضاعَف لهم الحسَنةُ بسَبعِمائة ضعف)).

أوضَحَت هذه المرئية ما أعدَّه الله عز وجل مِن جزاء، وما ادخره من ثوابٍ لأولئك الذين جاهَدوا في سبيل الله؛ إعلاءً لكلمته، ونشرًا لدينه، جاهَدوا بكلمة صادقة، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ثقة وطَمعًا فيما عند الله، وهو أعظمُ وأبقى: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198].

تاركو الصلاة: جاء في رواية البيهقيِّ وابن جرير عن أبي سعيد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قومٍ تُرضَخ رؤوسُهم بالصخرة، كلما رُضِخت عادت كما كانت، ولا يُفتَّر عنهم من ذلك شيء، فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسُهم عن الصلاة المكتوبة))، والعقول والرؤوس التي كانت تحترم كل موعد بشري، يزيد من رصيدها ويزيد من مالها، تخرج مبكرة وتعود في آخر ساعات الليل، لكنها تنسى موعدها مع الله، في موقف بين يدي الله في خمس صلوات، مثل هذه الرؤوس، لا وزنَ لها ولا كرامة لها عند الله، وتستحق يوم القيامة الرمي بالحجارة.

مانعو الزكاة: جاء في رواية البيهقيِّ وابن جَرير عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قومٍ على أقبالهم رِقاع وعلى أدبارهم رِقاع، يَسرَحون كما تسرح الإبلُ والغنم، ويأكلون الضَّريع (وهو اليابس من الشوك)، والزقُّوم (وهو ثمر شجر مرٍّ له زفرة، قيل: إنه لا يُعرف بشجر الدنيا، وإنما هو لشجرة من النار؛ وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 64])، ورَضْفَ جهنَّم وحجارتَها، قال: فما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذي لا يؤدُّون صدَقات أموالهم، وما ظلَمَهم الله تعالى شيئًا، وما الله بظَلاَّم للعبيد))، تُعساءُ حرَموا الفقراء من حقوقهم، فكان جَزاؤهم أن يُحرَموا هم أيضًا من أموالهم وما كسَبَت أيديهم، ومن ثَمَّ حُرِم مانِعو الزكاة في هذه المرئية من ثوبٍ سابغ يَستُر أجسادهم، وإنما الذي نالوه فقط رِقاعٌ على السَّوءتين، وضَريعٌ وزقُّوم ورضفُ جهنم وحجارتها، يَأكلونها فتُقطِّع أمعاءهم، هذا ما نالوه من أموالٍ تكَدَّست ومُلئت بها الخزائن، أما الباقي فلِغَيرهم؛ لِمَن ورثوه يُبدِّدونه في مَلاذِّهم وأهوائهم.

خطباء الفتنة:
رَوى ابن جَرير في تفسيره والبيهقيُّ والحاكمُ من حديث أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قومٍ تُقْرَض ألسنتُهم وشِفاههم بمقاريضَ مِن حديد؛ كلَّما قُرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هؤلاء هم خُطباء الفتنة؛ يقولون ما لا يَفعلون))، وهذه المرئية تتعلق بسُلوك الدعاة، وأنهم لا بد أن تتوافق أفعالهم مع أقوالهم، وأنه إذا انفصلت الكلمة عن السلوك وتباينَت عنه، كان ذلك وحدَه كافيًا للإعراض عن دعوتهم، وعدَم الالتفات إلى أقوالهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]، وخطباء الفتنة أيضًا هم خُطباء رغبةٍ ورهبة؛ يخشَون الناس، ويطمعون فيما في أيديهم، ويَقولون ما لا يُرضى، دونما نظرٍ إلى شِرعة الحق وسُنَّة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وأمثلة ذلك كثيرةٌ في واقع المسلمين اليوم؛ مِن تحليلٍ للحرام، وتعطيل لحدود الله، وتزكيةٍ للفاسقين، ومُجالَسة للظالمين، وكلا الصِّنفين علماء سوء وخطباء فتنة، ومن ثَم كان عِقابهم أن تُقرَضَ ألسنتُهم وشِفاههم بمقاريضَ من حديد، وأن يستمرُّوا في ذلك العذاب، لا يُفتَّر عنهم، وهم فيه مُبلسون، وهذا أنموذجٌ فقط لِما يَغشاهم من النَّكال، بيد أن في السنة المطهرة أنَّ مِن جملة عقابهم أنْ تندَلِق أقتابُ (أمعاء) الواحد منهم في النار، فيَدور حولَها كما يَدور الحمار برَحاه، ((ويَسأله أهل النار: ألستَ كنتَ تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنتُ أمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه)).

آكلو لحوم البشر:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَمَّا عُرِجَ بِي، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ))؛ [أخرجه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني]، وجاءت تلك المرئية تجسد جزاء آكلي لحوم البشر، وهو ذكر الإنسان بما يكره، وهي قضية وقف الإسلام منها موقفًا حاسمًا؛ حيث لا يقبل اغتياب الإنسان أخاه، وعدَّ ذلك أكلَ لحمِ الأخ ميتًا؛ قال تعالى: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12].

ورأى صلى الله عليه وسلم مالكًا خازن النار، ورأى المرأة المؤمنة التي كانت تمشط شعر ابنة فرعون، ورفضت أن تكفر بالله، فأحرقها فرعون بالنار.

ورأى أكلة أموال اليتامى ظلمًا، لهم مشافر كمشافر الإبل، يُقذَفون في أفواههم قطعًا من نار كالأزهار فتخرج من أدبارهم.


ورأى صلى الله عليه وسلم شاربي الخمر بصورة أناس يشربون من الصديد الخارج من الزناة.
هذه بعض المشاهد التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنحذر من ارتكاب المعاصي والذنوب.

اللهم كما احتفيت بنبيك في الدنيا والآخرة، فاغفر لأمته، وارفع عنها الغلاء والوباء والربا، اللهم يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى، يا عالم كل خفية، ويا كاشف كل بلية، يا من يملك حوائج السائلين، ندعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلَّت حيلته، دعاء المضطرين، الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه سواك، اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان، اغفر يا رب ذنوبنا، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]