اللهم إني أسألك من رحمتك وفضلك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 641 - عددالزوار : 74697 )           »          الحج والعمرة فضلهما ومنافعهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 39 )           »          ٣٧ حديث صحيح في الصلاة علي النبي ﷺ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قوق الآباء للأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          حقوق الأخوّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          دفن البذور عند الشيخ ابن باديس -رحمه الله- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الاغتراب عن القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          آخر ساعة من يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          هاجر… يقين في وادٍ غير ذي زرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          الغش ... آفة تهدم العلم والتعليم والمجتمعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-11-2022, 02:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,734
الدولة : Egypt
افتراضي اللهم إني أسألك من رحمتك وفضلك

اللهم إني أسألك من رحمتك وفضلك
د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعدُ:
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ... ﴾ [النساء: 1]...

أيَّها المؤمنونَ!
من جمالياتِ هدايةِ السيرةِ النبويةِ، وعُمَدِ معالمِ أُسْوتِها ذلكمُ التجسيدُ النبويُّ الواقعيُّ للهدى الربانيِّ في مباشرةِ مجرياتِ الحياةِ وخوضِ عُبابِ أحداثِها، باطِّرادِ مسلكِ الاستقامةِ في دقيقِ الأمرِ وجليلِه، دون غلوٍّ أو جفاءٍ، حتى غدتْ تلك السيرةُ ضياءً ينيرُ للسالكين دربَهم، وحبلًا متينًا موصلًا لهم بالعروةِ الوثقى التي مَن استمسكَ بها نجا وهُدي إلى صراطٍ مستقيمٍ وعاشَ الحياةَ الكريمةَ، سيما في مواقفِ ابتلاءِ الشدةِ ومواطنِ اضطرابِ النفوسِ. وفي موقفِ إملاقٍ طالما كان للنفسِ فيه مَجْزَعٌ كان النبيُّ بإيمانِه صلى الله عليه وسلم -كعادتِه- طَوْدًا ثابتًا على قاعدةِ العبوديةِ، متَّخذًا ذلكمُ الحالَ لَبِنةً قويةً في بناءِ التعلقِ بربِّه الكريمِ وحُسْنِ ظنَّهِ به، وإمدادًا له في تغذيةِ السيرِ إليه وتخطِّي عقابيلَ الدنيا دون هلعٍ أو جزعٍ، والقناعةِ بما قسمَ اللهُ من رزقٍ. روى ذلك الموقفَ عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه-، فقال: ضَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ إِلَى أَزْوَاجِهِ يَبْتَغِي عِنْدَهُنَّ طَعَامًا، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَقَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ‌مِنْ ‌فَضْلِكَ ‌وَرَحْمَتِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إِلَّا أَنْتَ»، فَأُهْدِيَتْ إِلَيْهِ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَقَالَ: «هَذِهِ مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ»؛ رواه الطبرانيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ.

عبادَ اللهِ!
بيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَهْوى أفئدةِ مَن أصابَه الجَهْدُ، ورامَ إصابةَ القِرى. واستضافتُه صلى الله عليه وسلم أولئك نتاجُ كرمِه الأصيلِ وسخاءِ روحِه وتعبُّدِه ربَّه بأدبِ الضيافةِ الواجبِ الذي يحملُ عليه الإيمانُ باللهِ واليومِ الآخرِ. ولربما أضافَ وبيتُه قَفْرٌ مِن نُزُلِ الضيافةِ؛ إذ لا طعامَ فيه، فكان يَعْرِضُ تلك الضيافةَ على أصحابِه مرغِّبًا في المنافسةِ فيها بأسلوبِ السؤالِ والدعاءِ بالرحمةِ الحاملِ في طياتِه رضاه عن القابل، وجزيلَ أجرِه، وتحليتَه بوسامِ شرفِ استضافةِ ضيف ِرسولِ صلى الله عليه وسلم حين يقولُ: " منْ يضيفُ هذا -رحمه اللهُ-؟ "، فكانوا يبادِرون إلى قبولِها وإنْ كان ذلك على حسابِ طعامِ الزوجةِ والصبيةِ والبياتِ على جوعٍ. هكذا كان كرمُه وكان تطبُّعُه على نبْذِ التكلُّفِ وِفقَ أمْرِ ربِّه له بذلك وإذاعتِه أمامَ العالمين إذ يقولُ: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]؛ فلم يكنْ صلى الله عليه وسلم يردُّ موجودًا، أو يتكلَّفُ مفقودًا. ولما أضافَ القادمَ استعلمَ زوجاتِه عن قِرىً يُطْعِمُ به ضيفَه جائزتَه، فوردَه نبأُ زوجاتِه أجمعَ ألا قِرى عندهنّ؛ حينها رفعَ حاجتَه إلى مَن لا تُحجبُ دونه الحوائجُ، ولا يؤودُه إسداؤها أيًا كانت، مُجيِّرًا تلك الحاجةَ قُرْبةً تُدْنيه من ربِّه حين يسألُه قضاءَها؛ فيعزُّ بها عند مولاه حين عَزَّ على غيره بعفتِه واغتنى؛ إذ لم يعلِّقْ على أحدٍ سوى ربِّه حاجتَه؛ وأغنى الناسِ عن الناسِ مَن أفردَ اللهَ بحاجتِه، فدعا ربَّه مستَمْنِحًا فضلَه ورحمتَه التي لا يملِكُها أحدٌ سواه، ولم يستقلَّ تلك الدعوةَ وإنْ كانت في طعامٍ يكفي منه القليلُ، وحصولُه يكونُ بأدنى مجهودٍ، سيما وأنه رسولُ اللهِ وكلٌّ يَخطِبُ شرفَ تلبيةِ حاجتِه؛ إذ التعبدُ بالدعاءِ وإظهارُ الافتقارِ إلى اللهِ وطلبُ الزلفى لديه هو المقصودُ وإن كان طلبُ الطعامِ وسيلتَه، فعِظَمُ المقصودِ لا يتضاءَلُ بصغرِ صورةِ وسيلتِه، كما قال بعضُ السلفِ: " لِيسألْ أحدُكم ربَّه حتى في إصلاحِ شِسْعِ نعلِه "، وقال آخرٌ: " إِنِّي لأسأل اللهَ -تَعَالَى- حوائجي فِي صَلَاتي ‌حَتَّى ‌الْملحَ لأهلي ". فسألَ ربَّه من ينبوعِ العطاءِ المباركِ الذي لا يَنفدُ، ممتثِلًا أمرَه إذ يقولُ: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 32]، فسألَه فضلَه ورحمتَه التي لا يملكها أحدٌ سواه؛ فهما الأمانُ الرابحُ من الخسارِ، كما قالَ تعالى: ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [البقرة: 64]، وبهما العصمةُ الربانيةُ مِن تسلطِ الشيطانِ وإضلالِه ووساوسِه، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83]، وبها تكونُ تزكيةُ النفوسِ، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، وحُقَّ لها أنْ تكونَ أعظمَ مفروحٍ به حين فاقتْ نعيمَ الدنيا أجمعَ؛ ذلكمُ أمرُ الله وشرْعُه، قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

أيها المسلمون!
إنّ سعةَ فضلِ اللهِ لَتغمرُ حاجةَ الخلقِ قاطبةً؛ دينيِّها ودنيويِّها، خاصِّها وعامِّها؛ فإنْ طلبَه عبدٌ فإنما يطلبُ العطاءَ الغدقَ الذي لا يَنفدُ مِن أكرمِ الأكرمين؛ إذ الفضلُ توفيقُ هدايةٍ لصراطِ اللهِ المستقيمِ، وإعانةٌ عليه بسدِّ الحاجةِ ومباركةِ الرزقِ والعافيةِ، كيف إنِ اقترنتْ به الرحمةُ الإلهيةُ التي أَوْعبتِ الوجودَ حتى عمّتِ البهائمَ المعجمةَ، كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، ويقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إنّ اللهَ خَلَقَ يومَ خلق السماواتِ والأرضَ مائةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ ‌طباقُ ما بين السماءِ والأرضِ، فجعل منها في الأرضِ رحمةً؛ فبها تعطفُ الوالدةُ على ولدِها، والوحشُ والطير ُبعضُها على بعضٍ، فإذا كان يومُ القيامة أكمَلَها بهذه الرحمةِ " رواه مسلمٌ؟! كيف إنْ كان طالبُ الرحمةِ مِن أهلِ الإحسانِ الذين أحسنوا عبادةِ ربِّهم وأحسنوا معاملةَ خلْقِه؟! فللرحمةُ مع المحسنين قُرْبٌ وحظٌّ لا كغيرِهم، كما قال -سبحانه-: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وذلك في رحمةِ الدنيا الواحدةِ، وأعظمُ الحظِّ وأوفرُه مُدَّخَرٌ لهم في الرحماتِ الأخرويةِ التسعةِ والتسعين. وتحقُّقُ فضلِ اللهِ ورحمتِه للعبدِ إنما يكونُ بمقدارِ تمسُّكِه بالإسلامِ والسنةِ؛ فهما معينُ فضلِ اللهِ ورحمتِه، ومنهما تتفجرُ أنهارُ الخيراتِ، قال ابنُ القيّمِ: " وَقَدْ ‌دَارَتْ ‌أَقْوَالُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ هِيَ الْإِسْلَامُ وَالسُّنَّةُ، وَعَلَى حَسَبِ حَيَاةِ الْقَلْبِ يَكُونُ فَرَحُهُ بِهِمَا، وَكُلَّمَا كَانَ أَرْسَخَ فِيهِمَا كَانَ قَلْبُهُ أَشَدَّ فَرَحًا، حَتَّى إِنَّ الْقَلْبَ لَيَرْقُصُ فَرَحَا إِذَا بَاشَرَ رُوحَ السُّنَّةِ أَحْزَنَ مَا يَكُونُ النَّاسُ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ أَمْنًا أَخْوَفَ مَا يَكُونُ النَّاسُ ". وما إنْ دعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الدعوةَ المجابةَ إلا ويأْذَنُ اللهُ بتنزُّلِ ثمرةٍ من فضلِه حين طرَقَ بابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم طارقٌ حاملٌ بين يديه شاةً قد أُحسِنَ شِواؤُها مُهداةً لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فقرَّتْ عينُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بها، وقدَّمَها ضيافةً لضيفِه وطعامًا لأهلِه، رادًَّا الفضلَ لمِن بيدِه وحدَه الفضلُ؛ ممتثِلًا أمرَه إذ يقول: ﴿ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 73]، قائلًا: " هَذِهِ مِنْ فَضْلِ اللهِ "؛ إقرارٌ بالنعمةِ والعطاءِ الذي ليس للعبدِ يدٌ فيه، أو في استحقاقِ مكافأتِه، وإنما هو تفضَّلٌ ربانيٌّ مَحْضٌ كريمٌ من ربٍّ كريمٍ، وذلك شعارُ الشكرِ الذي به يَرضى اللهُ عن عبدِه، ويبارِكُ له في عطائه، وتكونُ به الزيادةُ، ويَصْبَغُ العبدَ بماءِ الحياءِ من ربِّه أنْ يراه قد اتخذَ نعمتَه سببًا في عصيانِه، أو كانت هذه النعمةُ صادّةً له عن سبيلِ ربِّه.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.
أما بعدُ، فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

أيها المؤمنون!
وحسنُ ظنِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بربِّه مِلْأَ جَنانِه حين سألُ ربَّه، كيف وقد رأى أثرَ ظنِّه الحسنِ بربِّه رأيَ عينٍ؛ إذ رأى من فضلِ ربِّه إهداءَ الشاةِ المَصْلِيَّةِ في وقتِ جوعٍ وضيافةٍ وخلوِّ أبياتِه من الطعامِ، فكان ظنُّه باللهِ قد بلغَ الذُّرى حين رجا رحمتَه الكبرى التي باتَ منتظرًا لها داعيًا بها قائلًا: " هَذِهِ مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ "؛ رحمةَ المغفرةِ ودخولِ الجنةِ والظفرِ بالوسيلةِ التي لا يَنالها من الخلقِ إلا واحدٌ، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ ‌سَلُوا ‌اللَّهَ ‌لِي ‌الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لي الوسيلةَ حلَّتْ له الشفاعةُ " رواه مسلمٌ.

عبادَ اللهِ!
إنَّ العيشَ بذلك المنهجِ الذي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يطبِّقُه واقعًا حياتيًا مطَّرِدًا في معاشِه، ويمارسُه حلًا ناجعًا في معالجةِ مصاعبِ الحياةِ إنْ كَبُرتْ أو صَغُرَتْ؛ من بلاغِ الدعوةِ ونصرةِ الدينِ وإقامةِ الدولةِ حتى ضيافةِ الضيفِ وتحصيلِ لقمةٍ تَسُدُّ الجوعَ؛ بربطِ أحداثِها بغايةِ الوجودِ؛ وهي تحقيقُ العبوديةِ للهِ، وانضواءِ الأحداثِ تحت حُكْمِه وسلطانِه، ونشأتُها من حكمتِه، والاستعانةُ به -سبحانه- في تخطِّي عِقَباها؛ إنْ في سراءَ شُكْرًا، أو في ضراءَ صَبْرًا، بإظهارِ الافتقارِ وإدمانِ الدعاءِ وسؤالِ اللهِ فضلَه ورحمتَه- إنَّ ذلك هو العصمةُ من الزيغِ والنكوصِ عن اقتفاءِ الصراطِ المستقيمِ والرضوخِ لضغطِ الواقعِ، وسبيلُ الهناءِ بالعيشِ وإن كان صاحبُه مُعْدَمًا حين رضيَ عن ربِّه وقَنِعَ بعطائه، وحبلُ ظنِّه الحَسَنِ بربِّه ورجائه الجميلِ وثيقٌ ممدودٌ؛ لا تُوهِنُهُ الشدائدُ، فضلًا عنْ أنْ تقْطعَه! فتحرَّرَ بسلوكِ ذلك المنهجِ النبويِّ مِن رِقِّ الطمعِ في الخلقِ والأُسارِ بقيودِ مِنِنِهم واسترضائهم على حسابِ الدِّينِ والقِيَمِ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: " وَكُلَّمَا قَوِيَ طَمَعُ الْعَبْدِ فِي ‌فَضْلِ ‌اللَّهِ ‌وَرَحْمَتِهِ وَرَجَائِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَدَفْعِ ضَرُورَتِهِ قَوِيَتْ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ وَحُرِّيَّتُهُ مِمَّا سِوَاهُ؛ فَكَمَا أَنَّ طَمَعَهُ فِي الْمَخْلُوقِ يُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ لَهُ؛ فَيَأْسُهُ مِنْهُ يُوجِبُ غِنَى قَلْبِهِ عَنْهُ، كَمَا قِيلَ: اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ، وَأَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ، وَاحْتَجْ إلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ. فَكَذَلِكَ طَمَعُ الْعَبْدِ فِي رَبِّهِ وَرَجَاؤُهُ لَهُ يُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ لَهُ، وَإِعْرَاضَ قَلْبِهِ عَنْ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ، وَالرَّجَاءُ لَهُ يُوجِبُ انْصِرَافَ قَلْبِهِ عَنْ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ؛ لَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ يَرْجُو الْمَخْلُوقَ وَلَا يَرْجُو الْخَالِقَ ".
‌بمَنْ ‌يَستغيثُ ‌العبدُ إلا بربِّه
ومَن للفتى عند الشدائدِ والكَرْبِ
ومَن مالكُ الدنيا ومالكُ أهلِها
ومَن كاشفُ البلوى على البُعْد والقُرْبِ
ومَن يدفعُ الغمّاءَ وقتَ نزولِها
وهل ذاك إلا مِن فعالِك يا ربِّي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 53.25 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]