|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() صفات عثمان بن عفان رضي الله عنه: وقفات تربوية شوقي عبدالله عبّاد الخطبة الأولى لا تزال تراجم الصحابة رضي الله عنهم وسِيَرهم نبراسًا يضيء الطريق لجميع السائرين إلى الله تعالى والدار الآخرة، فهم خير هذه الأمة بعد نبيِّها، اتصفوا بأحسن الصفات، وتخلَّقوا بمكارم الأخلاق، فكانوا أبَرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم[1]. في هذه الخطبة، نقف مع أحد أفراد ذلك الجيل القرآني الفريد، محاولين النظر في بعض صفاته التي نحن بأمسِّ الحاجة إليها كأفراد ومجتمعات، تمثلت هذه الصفات في شخص الصحابي الجليل، الخليفة الراشد الثالث، أمير المؤمنين، عثمان بن عفان رضي الله عنه. أما الصفة الأولى فهي الحياء: الحياء هو خُلُق الإسلام كما جاء في الحديث: ((إن لكل دين خلقًا، وخُلُق الإسلام الحياء))[2]، وهو خُلُق يشتمل على مجانبة المكروه من الخصال، فيجتنب صاحبه ما يكره الناس من الأقوال والأفعال، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث إلى اتصاف عثمان بن عفان رضي الله عنه بهذه الصفة؛ أعني: الحياء، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن عثمان رجل حيي))[3]، وعندما عدَّد عليه الصلاة والسلام مناقب بعض أصحابه، قال عن عثمان: ((وأصدقهم حياء عثمان))[4]، وعندما كان صلى الله عليه وسلم مضطجعًا كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، بقي على حالته بعدما استأذن أبو بكر وعمر ودخلا، فلما استأذن عثمان، جلس عليه الصلاة والسلام، وسوَّى ثيابه، ولما سألته أُمُّنا عائشة رضي الله عنها وعن أبيها بعد ذلك قال: ((ألا أستحي من رجل تستحيي منه الملائكة))[5]، ومن شدة حيائه رضي الله عنه أنه لم يكن يغتسل واقفًا، قال التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله وهو يصف عثمان: إنْ كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليُفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صُلْبه[6]. بالرغم من أن صفة الحياء -يا عباد الله- من الصفات التي فُطِر الإنسان على التخلُّق بها، وعلى البعد عما يناقضها، حتى إنك لتجدها عند البعض من غير المسلمين، فإن أهل الإسلام في هذه الأوقات بحاجة ماسة إلى هذا الخُلُق العظيم، فإن شياطين الإنس أبوا إلا أن ينزعوا هذه الفطرة، ويُبْعِدوا الناس -كل الناس- عنها، خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور منصات البث الرقمية التي تعرض الأعمال السينمائية، وتوزعها دون المرور على "مقص الرقابة" التقليدي، الأمر الذي أدَّى إلى ظهور "المشاهير" من الجنسين، والذي لم يهتم كثير منهم -مع الأسف- بهذا الخلق، وهذه الصفة وهي الحياء والمروءة؛ بل على النقيض من ذلك اهتموا بما يتنافى مع الحياء، ويتعارض مع رفيع الأخلاق، ويمس الذوق العام للناس، اهتموا بأمور -إن خلت من المُحرَّمات- فالجهل بها لا يضُرُّ، والعلم بها لا ينفع، ناهيك أن تلكم المنصات الرقمية اعتنت ببثِّ الكثير من المواد الإعلامية الرامية إلى "نزع" الحياء حتى من فئة الصغار من البنين والبنات. أيها المسلمون، كم نحن بحاجة لشيء -أقول شيء- من حياء عثمان، نتمثله نبراسًا في واقعنا، نضبط به أقوالنا وأفعالنا و"مشاركاتنا" و"تغريداتنا"، ونضبط أفلامنا ومسلسلاتنا خصوصًا في شهر رمضان. إن تمثل شيء من حياء عثمان في الواقع، وتذكُّر هذه الصفة بين الحين والآخر سيكون سدًّا أمام ذلك "المشهور"، أو تلك "المشهورة" من أن يبث شيئًا من الممارسات السيئة لمتابعيه، وسيمنع الإنسان سواء كان رجلًا أو امرأة من أن يضع في شريط إعلان القناة الفضائية ما يتعارض مع العِفَّة، وسيجعل الإنسان يحفظ لسانه من أن يطعن في أعراض الناس، أو يتكلم في أنسابهم؛ لأن كل هذا يخالف الحياء، والأمر كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)). أما الصفة الثانية التي اتصف بها عثمان رضي الله عنه هي عنايته بالقرآن: أُثِرَ عنه رضي الله عنه تلاوته للقرآن في الليل وفي الصلاة، وربما قرأ القرآن في ركعة[7]، ولما قرأ ابن عمر رضي الله عنهما قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9]، قال: ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه[8]، قال ابن كثير في تفسيره: وإنما قال ابن عمر ذلك؛ لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته، وعندما رثاه شاعر الرسول حسان بن ثابت رضي الله عنه بعد استشهاده، نوَّه إلى هذه الصفة- أعني: عنايته بالقرآن الكريم- فقال حسان: ضَحَّوا بأشْمَطَ عُنوانُ السجودِ به ![]() يُقَطِّع الليلَ تسبيحًا وقرآنا ![]() ![]() ![]() عباد الله، إن حاجة المسلمين اليوم ماسة للاعتناء بالكتاب العزيز ليس من جانب الحفظ المجرد؛ بل من جانب التدبر وعقل المعاني، وفهم الخطاب، وإذا كانت حلقات التحفيظ ودور القرآن قد انتشرت خلال الفترة الماضية، وعلى مستوى الجنسين، سواء كان انتشارها في المساجد والدور أو عبر النت، إلا أن "واجب الوقت"[9] يفرض اهتمامًا أكبر بفهم القرآن وتدبر معانيه؛ بل والغوص في ذلك؛ ولذلك كان عثمان رضي الله عنه يقول: "لو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله"[10]. ولا يُتَصور الوصول إلى ما وصل إليه عثمان من "عدم الشبع من كلام الله" دون عقل المعاني، وفهم مراد الله، وكما أن تمثُّل صفة الحياء سيقف أمام تيار الشهوات، فتمثُّل صفة تدبر القرآن ستقف أمام تيار الشبهات، فالقرآن مملوء بالحجج الدامغة والردود القوية على أصحاب الشبهات؛ ولذلك عَلَّق ابن القيم رحمه الله على كلمة عثمان: (لو طهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله) قائلًا: ".. إن المنحرفين من أهل الإرادة لما لم تطْهر قلوبهم تعوضوا بالسماع الشيطاني عن السماع القرآني الإيماني"[11]، قال التابعي الجليل مسروق رحمه الله: "ما أحد من أصحاب الأهواء إلا في القرآن ما يرد عليهم، ولكنَّا لا نهتدي له"[12]، والغوص في معاني الكتاب العزيز بحر لا ساحل له، والكل يغترف بقدر ما لديه من مَلَكات وقدرات في هذا الجانب، ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [البقرة: 60]، وإلا فإن الحفظ المجرد قد لا يكون له كبير الأثر على صاحبه كما هو مشاهد، قال ابن تيمية رحمه الله: "والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به، فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين"[13]، على أن يُراعى في موضوع التدبر عُمْر المتلقين، فتيسير معاني القرآن للصغار قد يتطلب أعباء إضافية، تختلف عن تلك المتعلقة بالكبار. الخطبة الثانية أما ثالث الصفات التي اتَّصف بها أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فهي صفة الإنفاق في سبيل الله.فقد كان رضي الله عنه من أغنياء الصحابة، ومساهماته في الإنفاق في وجوه الخير كثيرة؛ منها: شراؤه بئر رومة من صاحبها اليهودي، وجعله إياها سقاية للمسلمين، وذلك بعدما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يشتري بئر رومة فله الجنة))[14]، وقد جَهَّز رضي الله عنه الجيش في غزوة تبوك عندما كانت الغزوة في وقت عسر ومشقة على المسلمين، وسُمِّي الجيش حينها بجيش العسرة، وقال صلى الله عليه وسلم حينها: ((مَنْ جَهَّز جيش العسرة فله الجنة))[15]، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل من المنبر وهو يقول: ((ما على عثمان ما عمل بعد هذا))، وذلك حينما جَهَّز رضي الله عنه ثلاث مائة من الإبل بأحلاسها وأقتابها[16]. إن المال هو من أسباب دخول عثمان بن عفان رضي الله عنه الجنة، و((نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجل الصالح))[17] كما في الحديث، فعثمان خير نموذج لأغنياء المسلمين وأثريائهم، خصوصًا إذا كان المسلمون يعيشون خصاصة ومجاعة وفقرًا، كما هو الحال هذه الأيام؛ بل منذ أعوام، فأكثر المآسي المادية على مستوى العالم واقعة في بلاد المسلمين، وإن لم يكن للمسلمين إخوانُهم فمن سيكون لهم؟! إن الإسلام عالَج جزءًا كبيرًا من الملف الاقتصادي عبر حَثِّ أتباعه على الإنفاق سواء كان الإنفاق الواجب؛ كالزكوات والكَفَّارات والنذور، أو الإنفاق المستحب؛ كالصَّدَقات والأوقاف وسائر التبرُّعات، ولو تم جمع وتوزيع هذه الأمور بشكل صحيح لما احتاج المسلمون إلى غيرهم، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، ونحن مقبلون على شهر الإنفاق، فاللهَ اللهَ في الاتصاف بهذه الصفة، وعثمان رضي الله عنه إنما هو نموذج واحد من جيل الصحابة المقتدرين؛ كأبي بكر وابن عوف وطلحة بن عبيدالله الذي لُقِّب بطلحة الخير من كثرة إنفاقه في وجوه البر، وغيرهم، كانوا سبَّاقين في الإنفاق بسخاء، وضربوا أروع الأمثلة في هذا الباب. وإن كنت متعجبًا -أخي المسلم- فاعجب من اجتماع هذه الصفات الثلاث في شخص عثمان رضي الله عنه في موقف واحد، ذلكم هو قبيل مقتله، وهو محاصر في الدار، فقد أعتق في ذلك اليوم عشرين مملوكًا، ودعا بسراويل فشدَّها عليه، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقُتل وهو بين يديه[18]. فإعتاقه المماليك هو من الإنفاق في سبيل الله، وشده سراويله هو من حيائه ألا تنكشف عورته بعد مقتله، ونشره المصحف بين يديه يتلوه هو من عنايته بالقرآن، فهو الذي يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا. وأخيرًا أيها المسلمون، فإن على الفرد المسلم من الرجال والنساء أن يربِّي نفسه على التخلُّق بهذه الصفات، وهي على كل حال، صفات حَثَّ الإسلام على التخَلُّق بها في نصوص كثيرة؛ لكنها اجتمعت في شخص عثمان بن عفان رضي الله عنه، بصورة واضحة، عليه أن يعوِّد نفسه على الحياء فيما يصدر منه من تصرفات، وأن يتلو القرآن بتدبر وفهم، ويعود يده على العطاء ولو بالقليل، فـقد ((سبق درهم مائة ألف درهم)) كما في الحديث[19]. [1] أبو نعيم في الحلية من قول ابن عمر رضي الله عنهما. [2] ابن ماجه (4182). [3] مسلم (2402). [4] أحمد (13990) والترمذي (4125). [5] مسلم (2401). [6] أحمد (543). [7] قال ابن حجر في الفتح (3/165): ففي كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلةً في ركعة لم يصل غيرها؛ ا. هـ. [8] تفسير ابن كثير. [9] انظر "واجبات وقتية للخطاب الدعوي" للكاتب، متاح على شبكة الألوكة، عبر الرابط: https://www.alukah.net/culture/0/144053/ [10] إغاثة اللهفان لابن القيم. [11] المصدر السابق. [12] ذم الكلام للهروي. [13] مجموع الفتاوى (23/55). [14] البخاري (2778). [15] البخاري (2778) وأحمد (730). [16] أحمد (16696) والترمذي (4033). [17] البخاري في الأدب المفرد (126) من حديث عمرو بن العاص. [18] المسند (526). [19] الألباني في صحيح الترغيب (883).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |