وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         5 قواعد وحيل مهمة لحفظ لحوم العيد لوقت أطول بأفضل حالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          5 زيوت عطرية طبيعية تعطر بيتك بأمان وتقضي على الروائح الكريهة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          بعيدا عن عيادات التجميل.. 6 أكلات هتدي جسمك الكولاجين لبشرة مشدودة ونضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          املأ أوقات فراغهم.. أنشطة مفيدة للأطفال فى الصيف بديلة للتابلت والموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          4 خطوات بسيطة وعملية تساعدك ترجع للشغل بعد إجازة العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          طريقة عمل السجق البلدي في البيت.. طعمه في العيد ألذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          5 وصفات طبيعية للعناية بالبشرة بالقهوة.. تقلل الانتفاخات وتقاوم الشيخوخة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          5 أفكار لوجبات نباتية للضيوف اللي ما بياكلوش لحمة في عيد الأضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1446هجرية (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          المقاصد الربانية للعشر المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-10-2024, 06:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,511
الدولة : Egypt
افتراضي وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد

وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد

الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمَده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71]، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

معاشر المؤمنين، يحكي الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه قصة عجيبة ونبأً غريبًا عن نبي من أنبيائه الكرام النبي ابن النبي سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام الذي جمع الله له بين عز الدنيا والآخرة، فلقد كان ملكًا يُسمع ويُطاع له، وأيَّده الله بكثير من الخوارق والمعجزات، وكان نبيًّا مرسلًا أيَّده الله بالعلم والحكمة، فكان الجزاء أن شكر لله سبحانه، ففي موقف عظيم وموقف مهيب؛ يقول جل وعلا: ﴿ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 17- 19].

ثم يجلس سليمان في مملكته وحوله جنوده من الجن والإنس ومن الطير، وهو الإمام المطاع والنبي المجتبى في ذلك الزمان، وكانت مملكته في بلاد فلسطين، وكانت أوامره تنفذ إلى جميع أقطار الأرض، فهو ملك ذلك الزمان، وهو الرسول الذي أرسله الله سبحانه أرسله بالهدى ودين الحق فبينما هو في مملكته، وكان من ضمن جنوده أحد الطيور المعروفة، لكنه طائر خاص يسمى بالهدهد، له مجلس معلوم إن جلس يراه سليمان، وفي هذا اللقاء والاجتماع لم يكن هذا العضو حاضرًا، بل كان غائبًا، وما قطع سليمان بغيابه، وإنما التمس له العذر، وهكذا شأن أهل الإيمان يَعذِرون ولا يستعجلون، فيقول بألطف عبارة: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [النمل: 20- 21].

بمعنى إن كان غيابه لأمر شرعي وحجته قوية كان معذورًا، وإن لم يكن كذلك فلقد حدد العقوبة نبي الله سليمان، وكان حازمًا في مملكته، يسوس بني إسرائيل ويحل مشاكلهم، ويقوم بشأن الرعايا؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاءُ)[1]، فهذا النبي الكريم يصدر هذا القرار العظيم على أحد أعضاء مملكته وجنوده يتهدده بالعقوبة؛ قال بعض المفسرين في قوله: (لأعذبنَّه): المراد بذلك نتف ريشه[2] بأن يأمر بنتف ريشه، فتأكله الدواب والهوام، فلا يستطيع الطيران: ﴿ أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾[النمل: 21]، فلما جاء الهدهد يقول ربُّنا: ﴿ فمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [النمل: 22]، بمعنى أن غيابه كان قليلًا يمكث الهدهد أمام سليمان عليه الصلاة والسلام، فيقول: ﴿ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [النمل: 22].

ففي بداية السياق القرآني تتحدث نملة، فيسمع سليمان كلامها، فيتعجب من قولتها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ﴾ [النمل: 18]، وها هو الآن يتكلم مع الهدهد إنه لملك عظيم، لكن ذلك ما حمله على الطغيان ولا على الكبرياء، وإنما تواضع لرب الأرض والسماء، وهكذا شأن العظماء، فكلما زاد ملكهم وزادت أموالهم وثراؤهم، زاد تواضعهم، فعلامَ يكون التكبر وقد جرى ابن آدم من مجرى البول مرتين؟ فأنت ضعيف يا بن آدم، فهذا النبي الكريم يسمع إلى خطاب الهدهد وهو يقول: ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ [النمل: 22]، وفي ذلك دليل على أن الأنبياء ما كانوا يعلمون الغيب على علوِّ مراتبهم وكثرة علومهم، وعلى تلقِّيهم الوحي صباحًا ومساءً، فهم لا يعلمون الغيب، هدهد من الطيور يقول لسليمان: ﴿ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾ [النمل: 22]، وما ها هنا نافية ينفي أن يكون سليمان قد أحاط بما أحاط به من العلم والمعرفة في جزء يسير وفي بقعة من بقاع الأرض قال: ﴿ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾ [النمل: 22]؛ بمعنى أنه جاء إلى أرض اليمن إلى مملكة بلقيس التي كانت في أرض مأرب، فدخل في تلك المملكة ورأى القصور، ورأى عرش بلقيس، وتأمل ما عندهم من حظوظ الدنيا وحضارتها، فظل يسرد لسليمان ما رآه من أعاجيب رحلته، ذكر له ما رآه من أمور الدنيا، ثم ما كان من أمر الدين، ﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 22- 23]، هذا ما يتعلق بأمر الدنيا.

أما ما يتعلق بأمر الدين قال: ﴿ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُمَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُلا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [النمل: 24-26].

هذا استنكار من الهدهد لهؤلاء الذين صرفوا العبادة لغير الله، والله هو الذي خلق وهو الذي رزق، وهو الذي أعطى كل شيء فهدى، فلذا يرفع الله من شأن الهدهد، وجعل قولته كلامًا يتلى إلى يوم القيامة؛ لأنه غار على أمر التوحيد ونبذ الشرك، وما كان عند أولئك الأقوام من التبابعة السبئيين من السجود لغير الله، وذلك أنهم كانوا على دين المجوس، فخشي سليمان أن يكون هذا استعذار من الهدهد، وأنه شيء ألقاه الشيطان من أن يخرج من سخطة سليمان هروبًا من الذبح، ﴿ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [النمل: 27-28]، ثم كتب كتابًا له قال: ﴿ إِنَّهُمِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30- 31].

فينطلق الهدهد من أرض فلسطين يحمل رسالة من سليمان بن داود إلى ملكة سبأ وأعضاء مملكتها يطالبهم بالإسلام أولًا دون تهديد أو وعيدٍ، وإنما يطالبهم بالدين، فيدخل الهدهد مملكة سبأ، ويتأمل أين تمكث ملكتهم، فيلقي بذلك الخطاب ثم يتولى بعيدًا بمنآى، يريد ماذا يكون الرد على رسالة سليمان عليه الصلاة والسلام، فإذا بالملكة تأخذ الرسالة، إنه أمر مدهش، فمن الذي ألقاها، إنها لا تدري، لكن تلك المرأة كان عندها من حصافة العقل والفطنة ما يؤهلها أن تفهم رسالة سليمان، ولا سيما أنها مختومة بخاتم الملك، وكان الختم مهيلًا معظمًا عند الملوك والخلفاء، فتأخذ الرسالة وتجمع أعضاء مملكتها من أجل المشاورة من أجل تفهم الخبر: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 29].

هكذا تصف الكتاب إنه كتاب كريم، و﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 30- 31]، ثم قالت: ﴿ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل: 32].

فإذا بالجنود يجيبونها وأعضاء دولتها يثنون على أنفسهم وعلى ملكتهم، وما أُوتوا من القوة والعتاد: ﴿ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ [النمل: 33].

وهذا يدل أيضًا على أدبهم؛ إذ إنهم ألقوا بالمشورة دون أن يقطعوا بأمر من قبلهم، وهكذا من استشير يأتي برأيه ما يراه ناصحًا لمن استشاره، ويتقي في ذلك الله سبحانه وتعالى، ثم يترك الأمر لمن استشاره، ولا يكون كلامه كنص قرآني أو حديث نبوي يريد من ذلك تطبيق كلامه دون كلام غيره من الناس، على أنه رأي وضرب من الاجتهاد، فهؤلاء يقولون: ﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ ﴾[النمل: 33].

تريدين أن نحارب وأن نقاتل، فنحن أهل لذلك نسارع ونقاتل من أجل مملكتنا، ومن أجل وطننا، من أجل ما عندنا من الخيرات في بلدنا هذا، فكانت المرأة أعقل منهم، فقالت: ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 34- 35].

فإذا بها تجمع هدايا من أغلى وأنفس التحف والهدايا، وهي تريد من وراء ذلك أن تختبر سليمان أهو يفرح بأمر الهدايا بأمر المال والثراء، من أجل أن يسقط من عينها؛ لتعلم أنه صاحب دنيا، فترسل مجموعة من الرجال مع رجل يسوس هؤلاء من أرض سبأ إلى أرض فلسطين، قالت: ﴿ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 35]؛ أي: منتظرة، بما يرجع جاؤوه بهذه التحف، ﴿ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 36-37].

فعلمت حينها أن هذا الملك إنما هو صاحب دين، وأنه يدعوها إلى الإسلام، وأن الدنيا لا تساوي عنده شيء، وأنه قد أُوتي من حظوظها ما لم تُعطاه بلقيس ومملكتها؛ إذ إن الله سخر له الريح تأخذه من مكان لآخر، وسخَّر له الجنود من الجن والإنس والطير، فكان هذا تسخيرًا من الله سبحانه وتعالى، فلما عاد الرسل من أرض فلسطين، علمت هذه المرأة أن هذا الرجل إنما يريد منها الإسلام، فحركت قومها وحركت أفراد دولتها من أجل الهجرة والانتقال والمفاهمة، فانتقلت من أرض سبأ إلى أرض فلسطين، فلما علم سليمان بتحرُّكها، كان في تشاور مع أمرائه وأعضاء دولته، فقال: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 38]، وهم بينما هم في الطريق وكان عرش بلقيس في سبعة أبيات، كل بيت فيها جنود يحرسون هذا الملك العظيم الذي هال الهدهد حينما قال لسليمان: ﴿ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النمل: 23]؛ أي: سرير تجلس عليه من أجل قضايا الناس، قد رُصِّع بالذهب والفضة والياقوت، فيقول سليمان من أجل أن تكون مفاجأة لملكة سبأ،ولتعلم أن ملكها ليس بشيء بالنسبة لملك سليمان، ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 38-39]، والمراد بذلك أن يحضر هذا السرير من أرض سبأ إلى فلسطين في قرابة ست ساعات من حين يقوم سليمان في سياسة أمور بني إسرائيل إلى قبيل الظهر، ﴿ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39]، فيقول شخصٌ آخر صال عليه بالعلم فبعضهم يقول: مؤمن من الجن وبعضهم يقول من الإنس، والله أعلم بحقيقة ذلك، لكن عنده علم من الكتاب علمه الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ﴾ [النمل: 40]، بمعنى في ومضة عين يا سليمان وأنت تراه بين يديك، فما إن رفع جفنَه ووضعه، وإذا به يرى سرير بلقيس أمامه، مشاهدًا قد جيء به من أرض اليمن من بلاد مأرب؛ ليكون في أرض فلسطين، فلما رآه سليمان، تعجب وعظم الله، فقال: ﴿ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].

هكذا كان الشكر والاسترجاع، فلم يكن الغرور والكبرياء، وإنما هو التواضع لرب الأرض والسماء، ﴿ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].

اللهم بارك لي ولكم في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا ما قلته لكم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم فاستغفروه يغفر لكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن سليمان عليه الصلاة والسلام أراد اختبار هذه المرأة ورجاحة عقلها، فإنها ملكة تسوس شعبًا كاملًا، فقال لجنوده: ﴿ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 41]، فغيَّروا بعض مواضع الزينة، فلما وصلت إلى فلسطين قيل لها: ﴿ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ﴾ [النمل: 42]؛ إذ إنها لو نفت أن يكون عرشها لقيل لها: كيف تصعدين على سرير لا تعرفينه، ولو أنها قالت: نعم هو لاتِّهمت بالحمق وسذاجة العقل، فمن الذي أتى به من أرض اليمن، لكنها كانت سريعة البديهة وذكية العقل، فأجابت بقولها: ﴿ كأنه هو ﴾ فأجاب الله لسليمان قال: ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 42]، ثم أراد سليمان أن يبهرها بموضع آخر وبعلامة أخرى، فبينما هو في جنده؛ إذ طلب مقابلتها، طلب مقابلة هذه المرأة، فقال كما قال الله: ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ﴾ [النمل: 44]، من أجل استقبال سليمان ﴿ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ﴾ [النمل: 44]، وذلك أن سليمان كان عنده من الجن مَن قد جعل له مسبحًا، وجعل في هذا المسبح الماء، وجعل فيه من الأسماك وغير ذلك من الحيوانات المائية، وكان ممردًا بالزجاج، فلما دخلت المرأة حسبته لجةً يعني مجمع ماءٍ، فكشفت عن ساقيها، فقال لها سليمان: ﴿ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 44]، قال تعالى: ﴿ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [النمل: 43]؛ أي: نشأت في مجتمع كافر، فلقد كانت هي من آخر ملوك التبابعة، قيل: كان قبلها سبعون ملكًا يخلف كل ملك آخر، فلما كان في زمنها لم يكن من الرجال من يأخذ بأمر أبيها وأجدادها، ولم يكن أحدٌ من الرعية قادرًا على ذلك، فبرزت للحكم هي، فأسلمت هذه المرأة في نهاية المطاف، وهناك قصص وأعاجيب ذكرت في هذا المكان، ولكن ينبغي الاكتفاء بأمر القرآن على أن ملكة سبأ أسلمت لله رب العالمين مع سليمان بن داود، وتأمل لفظتَها: ﴿ مَعَ سُلَيْمَانَ ﴾ [النمل: 44]، وهكذا ينبغي للعبد أن يكون حريصًا على أن يكون مع الصالحين.

أحب الصالحين ولست منهم
لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي
وإن كنا سويًا في البضاعة


أسلمت هذه المرأة لله سبحانه وتعالى حتى إن رجلًا من القرشيين قال لرجل من أهل اليمن: ما فعلت عجوزكم يا أهل اليمن؟ قال: أسلمت مع سليمان لله رب العالمين، وأما عجوزكم يا قرشي، فحمالة الحطب دخلت النار مع الداخلين، والمراد بعجوزهم ما عناها الله بقوله: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ﴾ [المسد:1-5].

هذه المرأة دخلت النار مع الداخلين، وملكة سبأ لم تغترَّ بمملكتها، وإنما اتهمت نفسها أنها مخدوعة بالملك والشهرة والرياسة، وأنها غافلة عن الإسلام، فأسلمت لله رب العالمين، وقد يقول قائل: فكيف كانت امرأة تسوس شعبًا كاملًا؟ والجواب على ذلك أن ذلك كان في شريعة المتقدمين، كان من الجائز أن تكون المرأة هي التي تلي أمور الناس، أما في شريعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلقد حدث أن بنت كسرى لَما وَلِيت الحكم بعد موت أبيها، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قومٌ ولَّوْا أمرهم امرأة)[3]، بل كانت هذه المرأة التي وليت أمر الرعية بنت كسرى خرجت إلى الناس، ثم قالت قولة مشهورة قالت:
ما كانت العذراء لتبدي سترَها
لو كان في هذي الجموع رجالُ




لو كان هؤلاء رجال ما كان يحق للعذراء أن تخرُج لتكون هي المقننة، وهي التي يرجع إليها ويتحاكم إليها، فإن هذا من أمور الرجال على أن هذه امرأة كافرة، أما في شريعة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه قال: (لن يُفلح قوم وَلَّوْا أمرهم امرأة)[4]، فلنا عبرٌ وعظات في هذه القصة المباركة، وهو أن يكون العبد متعظًا بما وعظه القرآن الكريم، وأن يكون متأثرًا بما ذكره الله عز وجل من المعجزات، ومن الحكم البالغة في هذا الميدان وهكذا أيضًا لنعلم جميعًا أن هؤلاء مع ما أعطاهم الله من بسط العيش والثراء، ما كان ذلك حاجزًا لهم عن طاعة الله سبحانه وتعالى، فلقد كان سليمان عليه الصلاة والسلام ملكًا وكان نبيًّا أيضًا، وكان يسوس بني إسرائيل، وكان يقوم بأمر الله سبحانه وتعالى وأمر الملك، لا شك أنه مشغول في كثير من القضايا، لكن ما شغله ذلك عن طاعة الله، فكل ما يشغل عن الله باطلٌ يا عباد الله، إنه والله باطل، ما أشغلك عن الله وعن دين الله وعن أمر الله، فهو باطل، فلم يشغل سليمان بالملك والثراء عن أمر الله سبحانه وتعالى، وهكذا يجب على المسلم إذا وَلِيَ أمرًا من أمور المسلمين أن لا يحجبه ذلك عن طاعة الله سبحانه وتعالى، وأين سليمان أين سليمان بن داود ومملكته العظيمة؟ وأين ملكة سبأ وما كان عندها من جنود التبابعة، إنهم خرجوا من هذه الدنيا.

أين الملوك وأبناء الملوك ومن
كانت لهم عزة في الملك قعساء
نالوا يسيرًا من اللذات وارتحلوا
برغمهم فإذا النعماء بأساء


وهكذا
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسانُ
هي الحياة كما شاهدتها دولٌ
من سره زمن ساءته أزمانُ


يجب على المسلم أن يكون كيسًا فطنًا، وأن يكون متقيًا لله سبحانه وتعالى، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وأن يكون شديد المراقبة لله؛ حتى لا يفاجئه الموت وهو على غير ذلك.

اللهم أعطنا ولا تحرِمنا، وكن معنا ولا تكن علينا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم اهدنا واهدِ بنا، واجعلنا سببًا لمن اهتدى، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار، وصلُّوا وسلِّمُوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وأقم الصلاة.

[1] متفق عليه: البخاري (3268) ومسلم (1842) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] انظر: تفسير الطبري (9/ 505) وتفسير ابن كثير (3/ 478) وتفسير القرطبي (13/ 162) وغيرها من كتب التفسير ورواه الحاكم في المستدرك (3526) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[3] رواه البخاري (4163, 6686) وأحمد (20418, ومواضع) والترمذي (2262) والنسائي (5388) وغيرهم.
عن أبي بكرة رضي الله عنه.

[4] انظر: المرجع السابق.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.88 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.44%)]