|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الزكاة أهميتها وضرورتها للفرد وللمجتمع 1 كتب أ - أشرف شعبان الزكاة هي الفريضة الثانية في الإسلام بعد فريضة الصلاة، والركن الثالث من أركانه "بعد الشهادتين والصلاة"، وعبادة من عباداته الأربع "الصلاة والزكاة والصيام والحج" وشعيرة من شعائر الإسلام الكبرى، ودعامة من دعائم الإيمان، ومنهج القرآن الكريم والسنة المطهرة أن يقرنا الصلاة بالزكاة دائما، دلالة على قوة الاتصال بينهما وأن إسلام المرء لا يتم إلا بهما، فالصلاة عمود الإسلام من أقامه فقد أقام الدين ومن هدمة فقد هدم الدين، والزكاة قنطرة الإسلام من عبر عليها نجا ومن تجاوزها هلك، قال ابن مسعود رضي الله عنه ( « أمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له» )(1) وتدل كلمة الزكاة في اللغة على الطهارة والنماء والبركة، يقال زكت نفسه إذا طهرت، وزكا الزرع إذا نما، وزكت البقعة إذا بورك فيها. ففي المعجم الوسيط الزكاة هي البركة والنماء والطهارة والصلاح، وفي لسان العرب أصل الزكاة الطهارة والنماء والبركة والمدح. قال الواحدي وغيره أن أصل مادة "زكا" الزيادة والنماء، يقال زكا الزرع يزكو زكاء، وكل شئ ازداد فقد زكا. ولما كان الزرع لا ينمو إلا إذا خلص من الدغل كانت لفظة الزكاة تدل على الطهارة أيضا. وإذا وصف الأشخاص بالزكاة بمعنى الصلاح فذلك يرجع إلى زيادة الخير فيهم، يقال رجل زكي أي زائد الحد من قوم أزكياء، وزكى القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخبر. ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة آية 103 ( { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم } ) كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ( «ما نقص مال من صدقة ولا تقبل صدقة من غلول» ) [مسلم] يقول أهل العلم أنها سميت زكاة لما فيها من تزكية النفس والمال والمجتمع (2) بينما تدل كلمة الزكاة في الشرع على الحصة المقدرة من المال التي فرضها الله للمستحقين، كما تطلق على نفس إخراج هذه الحصة. قال الزمخشري الزكاة من الأسماء المشتركة تطلق على عين "وهي الطائفة من المال المزكى بها" وعلى معنى "وهو الفعل الذي هو التزكية". وهذه الحصة، هي حق معلوم، قدر الشرع الإسلامي نصبه ومقاديره وحدوده وشروطه ووقت أدائه حتى يكون المسلم على بينة من أمره ومعرفة بما يجب عليه وكم يجب؟ ومتى يجب؟ علمه الذين تجب عليهم الزكاة وعلمه الذين تصرف لهم الزكاة، وهي حق واجب الأداء بصفة دائمة ولو لم يجد فقير يستحق المواساة أو حاجة تستدعي المساهمة، والذي قرر هذا الحق وحدده هو الله تعالى مالك المال الحقيقي وفرضه على من استخلفهم من عباده فيه قال تعالى {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [سورة الحديد آية 7(3)] واختيار الإسلام لهذه الكلمة ليعبر بها عن الفريضة المالية المعلومة، تكشف عما يقصد إليه الإسلام من وراء هذه الفريضة، فالزكاة فيها معنى الطهارة ومعنى النماء كلاهما، طهارة ونماء للنفس وللمال، فهي طهارة لآخذ الزكاة ولمعطيها، فأما معطيها فيتطهر بها من رجس الشح البغيض والبخل، تلك الآفة النفسية الخطرة التي قد تدفع من اتصف بها إلى الدم فيسفكه أو العرض فيبذله أو الوطن فيبيعه، ولن يفلح فرد أو مجتمع سيطر الشح عليه وملك ناصيته، قال تعالى في سورة الحشر آية 9 {( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )} وهي في الجانب الآخر، طهارة لآخذ الزكاة، تتطهر بها نفسه، من الحسد والضغن، على ذلك الغني الكانز، لمال الله عن عباد الله ( {الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده } ) [سورة الهمزة آية 2- 3] ولتمني زوال نعمته، حينما يجد نفسه لا يستفيد من هذه الملكية ومن هذا المال، فمن شأن الإحسان أن يستميل قلب الإنسان، كما أن من شأن الحرمان في جانب والتنعم في جانب أخر، أن يملأ قلوب المحرومين بالبغضاء والأضغان، وبالتالي فالزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه من عوامل الهدم والتفرقة والصراع والفتن، ولعل هذا كله ما تهدي إليه الآية الكريمة ( {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ) التوبة 103 ثم هي بعد الطهارة، نماء وزيادة، نماء لشخصية الغني، وكيانه المعنوي، فالإنسان الذي يسدي الخير، ويصنع المعروف، ويبذل من ذات نفسه ويده، لينهض بإخوانه في الدين والإنسانية، وليقوم بحق الله عليه، يشعر بامتداد في نفسه، وانشراح واتساع في صدره، ويحس بما يحس به من انتصر في معركة، وهو فعلا قد انتصر على ضعفه وأثرته وشيطان شحه وهواه، فهذا هو النمو النفسي والزكاة المعنوية، ولعل هذا ما نفهمه من عبارة الآية ( {تطهرهم وتزكيهم بها } ) فعطف التزكية على التطهير قد يفيد هذا المعنى، الذي ذكرناه، إذ كل كلمة في القرآن لها معناها ودلالتها، والزكاة أيضا نماء لشخصية الفقير، حيث يحس أنه ليس ضائعا في المجتمع، ولا متروكا لضعفه، وفقره ينخران فيه، حتى يوديا به، ويعجلا بهلاكه، كلا إن مجتمعه ليعمل على إقالة عثرته، ويحمل عنه أثقاله، ويمد له يد المعونة بكل ما يستطيع، وبعد ذلك فهو لا يتناول الزكاة، من فرد يشعر بالاستعلاء عليه، ويشعر هو بالهوان أمامه، بل يأخذ حقه من يد الدولة، حرصا على كرامته أن تخدش، ولو قدر للأفراد أن يكونوا هم المعطين بأنفسهم فالقرآن يحذرهم المن والأذى ( {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم } ) [سورة البقرة آية 263] ثم هي طهارة للمال، فالمال الذي يكنزه صاحبه، أو يستمتع به لنفسه، ولا يخرج منه حق الله، الذي فرضه، يظل خبيثا نجسا، حتى تطهره الزكاة وتغسله من أدران الشح والبخل، فقد سميت زكاة لأنها مطهرة للمال بإخراج حق الغير منه، وفي مثل هذا يقول بعض السلف ( الحجر المغصوب في الدار رهن بخرابها ) وكذلك الدرهم الذي استحقه الفقير في المال رهن بتلويثه كله ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ) رواه الحاكم، كما روي عنه أنه قال ( «حصنوا أموالكم بالزكاة» ) رواه أبو داود (4) كما روى أنس أن رجلا من بني تميم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: « يا رسول الله أني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( تخرج الزكاة من مالك فأنها طهره تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق السائل والجار والمسكين ) فقال: يا رسول الله أقلل لي. فقرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى في سورة الإسراء آية 26 ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) قال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها وإثمها على من بدلها )» [أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح] (5) وبذلك تشير هذه الأحاديث على أن الزكاة تطهر المال. والزكاة أيضا نماء للمال، وبركة فيه، وربما استغرب ذلك بعض الناس، فالزكاة في ظاهرها نقص من المال، بإخراج بعضه أو جزء منه، فكيف تكون نماء وزيادة؟! وللإجابة على هذا، نشير إلى إن هذا، النقص الظاهر لمن ينظر ببصره، غير محسوس، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما نقص مال من صدقه ) من الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي كبشة الأنماري، قال عليه الصلاة والسلام ( «ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه ما نقص مال من صدقه ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر » ) كما إن هذا النقص الظاهر وراءه زيادة حقيقية، لمن يتأمل ببصيرته قول الله تعالى ( { يمحق الله الربا ويربي الصدقات} ) سورة البقرة آية 276 زيادة في مال المجموع وزيادة في مال الغني نفسه، فهذا الجزء القليل الذي يدفعه المزكي يعود عليه أضعافه من حيث يدري أو لا يدري، روى أحمد والترمذي وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( «إن الله عز وجل يقبل الصدقات ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهرة أو فلوه، أو فصيله» "المهر والفلو والفصيل هو ولد الفرس" حتى إن اللقمة لتصير مثل جبل أحد ) قال وكيع: وتصديق ذلك في كتاب الله قوله تعالى ( {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} ) [ سورة التوبة آية 104] وقوله تعالى في سورة البقرة آية 276 ( {يمحق الله الربا ويربى الصدقات } ) ويخلف الله على المتصدق قال تعالى في سورة سبأ آية 39 { وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } (6) وعمل العناية الإلهية في هذا الإخلاف والإرباء بغير ما نعرف من الأسباب، والله يؤتي من فضله ما يشاء لمن يشاء والله ذو الفضل العظيم قال تعالى في سورة البقرة آية 268 {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم } يقول ابن القيم في هذه الآية إن الله سبحانه وتعالى يعد عباده مغفرة منه لذنوبهم، وفضلا بأن يخلف عليهم أكثر مما أنفقوا وأضعافه، إما في الدنيا أو في الدنيا والآخرة0 وقال تعالى في سورة الروم آية 39 {وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} تشير هذه الآية الكريمة إلى التفسير الاقتصادي للنماء(7) والزكاة ليست فقد سبب لنماء المال وزيادته بل قد تكون من سبل سعة الرزق على المزكي نفسه، فلما اشتكي الرجل المحترف من أخيه الذي حضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ( «لعلك ترزق به» ) كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ( « هل ترزقون إلا بضعفائكم » ) وقد ذكروا عن عبد الله بن جعفر أنه كان جودا لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى جاء رجل يوما يقول له: ابن سبيل، فنزل له عبد الله عن دابته وأعطاه حقيبة فيها من مطارف الخبز، وأربعة آلاف درهم، ودفع له سيف علىّ، وقال: إياك أن تغلب عليه، فجاءه الحسن والحسين يراجعانه، ويقولان له: رحمك له أنفق ولا تسرف، فقال بأبي وأمي أنتما، أن الله عودني أن يتصدق علي وعودته أن أتصدق عن عباده، وأخاف أن أقطع النفقة فيقطع عني وفي الحديث الذي رواه مسلم ( «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا» ) (8) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «( بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة يقول: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان "للاسم الذي سمع في السحابة" فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثا )» [رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة ورواه الطيالسي وابن منده] هذا الذي يتصدق بثلث حديقته يأتي الماء "المطر" فيصب صبا في حديقته، لا يتعداها ( « ما نقص مال من صدقة» ) وللصدقات فضل آخر على المتصدق فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( « تجاوزا عن ذنب السخي، فإن الله آخذ بيده كلما عثر» ) [رواه الدارقطني والبيهقي وابن الجوزي] ، فمثلما أقالوا عثرات المنكوبين مرارا، فكذا يقيل الله عثراتهم (9) ثم أن الجزء الذي يدفعه المسلم كل حول زكاة من ماله، يكون حافزا له على تثمير ماله وتنمية ثروته، إما بنفسه أو بمشاركة غيره حتى لا تأكلها الزكاة، وهذا التثمير يعود على رب المال وفقا لسنة الله بأضعاف ما أخذ منه(10) ولهذا نرى بعض الدول الغنية المتخمة، تتبرع بأموال من عندها لبعض الدول الفقيرة، لا لله ولكن لتخلق قوة شرائية لمنتجاتها، وإذا نظرنا نظرة نفسية نرى أن الدينار في يد رجل تخفق له القلوب بالحب وتهتف له الألسنة بالدعاء وتحوطه الأيدي بالحماية والرعاية، الدينار مع هذا الإنسان أشد قدرة وأكثر حركة، من بضعة دنانير مع غيره ممن يعيش لنفسه غريقا في أنانيته، يتمنى الناس له الفشل والإخفاق(11) وفي أمر الله، للمسلم بزكاة ماله، إيحاء له بتحري السبل الشريفة في جمعه وتحصيله، ثم إنفاقه بما يرضي الله والناس عن طريق الزكاة، ومن تحرى الحلال في جمع ماله واتقى الله في بذله، زاد الله في ماله وزكاه، فيربيه من فضله أضعافا مضاعفة من حيث لا يحتسب صاحبه {( يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم )} [سورة البقرة آية 276] (12) ومن أهم آثار الصدقات واجبة أو غير واجبة، الاستظلال بها يوم القيامة، وإكرام الله للمتصدق وتأمينه يوم الفزع الأكبر فعن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير مرثد بن عبد الله حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( «كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس» ) أو ( يحكم بين الناس ) قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (13) والزكاة وأن كانت نظاما ماليا في الظاهر إلا أنها لا تنفصل عن العقيدة ولا عن العبادة، ولا عن القيم والأخلاق ولا عن السياسة والجهاد ولا عن مشكلات الفرد والمجتمع والحياة والأحياء (14) فهي عبادة، حيث يؤديها المسلم عبادة لله، وطاعة وامتثال لأوامره وابتغاء مرضاته وشكرا له واعترافا بفضله (15) وهى فريضة مالية تفرض على المال متي توافرت فيه شروط الخضوع للزكاة، حتى ولو كان صاحب المال لم يكلف بالعبادات مثل خضوع مال اليتيم للزكاة وهو قاصر ، ودليل ذلك قول الرسول صلي الله عليه وسلم « ( اتجروا في أموال اليتامى حتى لا تأكلها الصدقة )» رواه الطبراني(16) وهي فريضة ثابتة واجبة التطبيق على مدار الأزمنة وفي كل مكان، ما دام في الأرض إسلام ومسلمون لا يبطلها جور جائز ولا عدل عادل شأنها شأن الصلاة فهذه عماد الدين وتلك قنطرة الإسلام فلو كان المسلم في مكان لا يجد فيه مسجدا ولا إماما يأتم به وجب عليه أن يصلي، حيث تيسر له، في بيته أو غيره، فالأرض كلها مسجد للمسلم، ولا يترك الصلاة أبدا، والزكاة أخت الصلاة والمسلم مطالب بأدائها ولا تسقط عنه بحال مثلها في ذلك مثل الصلاة، حيث يفرض عليه دينه أن يقوم بتفرقتها على أهلها، إن فرطت الدولة في المطالبة بها وتقاعس المجتمع عن رعايتها وإذا لم توجد الحكومة المسلمة التي تجمع الزكاة من أربابها وتصرفها على مستحقيها، فإن لم يطالبه بها السلطان طالبة بها الإيمان والقرآن وعليه أن يعرف من أحكام الزكاة ما يمكنه من أدائها على الوجه المشروع المطلوب(17) وهي من باب شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، فمن المعلوم الذي تنادي به العقول، وتقره الفطر، وتدعو إليه الأخلاق وتحث عليه الأديان والشرائع، أن الاعتراف بالجميل وشكر النعمة أمر لازم، بل أنه أمر فرض بالعقل والشرع، والزكاة توقظ في نفس معطيها معنى الشكر لله تعالى، والاعتراف بفضله وإحسانه، قال الأمام الغزالي: إن لله عز وجل، على عبده، نعمة في نفسه وفي ماله، فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن، والمالية شكر لنعمة المال، وما أخس من ينظر إلى الفقير، وقد ضيق عليه الرزق وأحوج إليه، ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى، على إعفائه عن السؤال وإحواج غيره إليه، بربع العشر أو العشر من ماله. ومن الإيحاءات العميقة لهذا المعنى في أفكار المسلمين ومشاعرهم معنى: أن الزكاة مقابل النعمة، وأن كل نعمة يجب أن تقابل بزكاة من الإنسان، سواء أكانت النعمة مادية أم معنوية، ولهذا شاع بين المسلمين قول زك عن عافيتك، زك عن بصرك ونور عينيك، زك عن عملك، زك عن نجابة أولادك وهكذا، كما روى في الحديث ( لكل شئ زكاة ) رواه ابن ماجة عن أبي هريرة والطبراني عن سهل بن سعد (18) والزكاة في الإسلام حق للفقير وللمجتمع ومن قبل ومن بعد فهي حق لله، فهي حق للفقير بوصفه أخا للغني في الدين والإنسانية، فقد جعل الإسلام المجتمع كالأسرة الواحدة يكفل بعضها بعض بل كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، فمن حق الفقير الذي لا يستطيع أن يعمل، أو يستطيع أن يعمل ولا يجد عملا، أو يعمل ولا يجد كفايته من عمله، أو يجد ولكن حل به من الأحداث ما أفقره إلى المعونة، من حقه أن يعان ويشد أزره ويؤخذ بيده، وليس من الإيمان ولا من الإنسانية أن يشبع بعض الناس، حتى يشكو التخمة، وإلى جواره من طال حرمانه حتى أن من الجوع(19) يقول أهل العلم فضل الفقراء على الأغنياء كبير لأنهم سببا لإثابتهم (20) وقد ذهب الإمام الشافعي إلى أن الزكاة حق يتعلق بعين المال فلا يجوز للمالك التصرف فيه ويصير الفقراء شركاء لرب المال في قدر الزكاة، فلو باع مال الزكاة بعد الحول، قبل إخراجها، بطل البيع في قدر الزكاة، حتى لو مات الفقير، بعد وجوب الزكاة وقبل أن يقبضها، يدفع نصيبه إلى ورثته (21) والزكاة مع أنها حق الفقير فهي حق الجماعة أيضا، فالإنسان لم يكسب ماله بجهده وحده، بل شاركت فيه جهود وأفكار وأيد كثيرة، بعضها عن قصد وبعضها عن غير قصد، بعضها ساهم من قريب وبعضها ساهم من بعيد، وكلها أسباب عاونت في وصول المال إلى ذي المال، فإذا نظرنا إلى التاجر مثلا كيف جمع ماله وحقق كسبه؟ رأينا للمجتمع عليه فضلا كبيرا فمن يشتري؟ ولمن يبيع؟ ومع من يعمل؟ وبمن يسير إذا لم يكن المجتمع؟ وهكذا الزارع والصانع وكل ذي مال، فمن حق المجتمع ممثلا في الدولة التي تشرف عليه وترعى مصالحه وتسد خلات أفراده، أن يكون لها نصيب من مال ذي المال، فلو لم يكن في المجتمع المسلم أفراد فقراء أو مساكين، لوجب على المسلم أن يؤدي زكاته، ولابد لتكون رصيدا للجماعة تنفق منه عند المقتضيات، ولتبذل منه في سبيل الله، وهو مصرف عام ودائم مادام في الأرض إسلام، والزكاة بعد ذلك وقبل ذلك، حق الله تعالى، فالله هو المالك الحقيقي، لكل ما في الكون أرضه وسمائه، والمال في الحقيقة ماله، لأنه خالقه وواهبه وميسر سبله ومانح الإنسان القدرة على اكتسابه، فإذا زرع الإنسان زرعا فأنبت حبا أو غرس غرسا، فآتى ثمرا، فكم يوازي عمل يده في الحرث والسقي والتعهد، بجانب عمل يد الله الذي جعل الأرض ذلولا وأنزل الماء من السماء مطرا؟ وأجراه في الأرض نهرا، وهيأ للحبة في باطن التراب، غذائها حتى صارت شجرة مورقة مثمرة، ألا ما أقل عمل الإنسان وجهده بجانب رعاية الله! ثم ما عمل الإنسان إذا لم يهبه الله الأدوات التي يعمل بها والعقل الذي يفكر ويدبر؟ ولهذا يبين لنا القرآن فضل الله على عباده ويرد الحق إلى نصابه فيقول المولى عز وجل في سورة الواقعة الآيات 63 - 70 { ( أفرءيتم ما تحرثون أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرمون أفرءيتم الماء الذي تشربون أنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون )} ويقول في سورة أخرى {( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا )} {سورة عبس الآيات 24 - 28} وفي سورة ثالثة يقول ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا تشكرون ) سورة يسن الآيات 33 - 35 نعم ( أفلا يشكرون ) وهم يأكلون من ثمار لم تعملها أيديهم وإنما عملتها يد الله، الله الذي أحيا الأرض الميتة، وأخرج منها الحب وأنشأ الجنات وفجر العيون، وليس عمل يد الله في الزراعة، فحسب بل في كل ناحية من الحياة، زراعة أو تجارة أو صناعة أو غيرها، ففي الصناعة، مثلا نجد المادة الخام من خلق الله، لا من إنتاج الإنسان، ومن هنا امتن الله، على الناس بمادة الحديد فقال ( {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} ) سورة الحديد آية 25 والتعبير ب ( أنزلنا ) يعني أن الله خلقه، بتدبير سماوي علوي، لا دخل للإنسان فيه، ونجد الاهتداء إلى الصناعات من إلهام الله، وتعليمه للإنسان ما لم يكن يعلم، كما قال تعالى عن نبي الله داود ( {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون} ) سورة الأنبياء آية 80 والنتيجة من هذا أن المال رزق، يسوقه الله للإنسان، فضلا منه ونعمة، ومهما ذكر الإنسان عمله وجهده، فليذكر عمل القدرة الإلهية في الإيجاد والإمداد، فلا غرابة بعد هذا أن ينفق الإنسان عبد الله بعض ما رزقه الله على إخوانه عباد الله قياما للواجب المنعم بحق الشكر على نعمائه، ومن أجل هذا يقول الله تعالى في سورة البقرة آية 254 ( { أنفقوا مما رزقناكم} ) ويقول جلا وعلا ( {ومما رزقناهم ينفقون} )سورة البقرة آية 3 (22) ولأن الزكاة مفروضة من الله عز وجل، مثلها كالصلاة والحج، فلا وجه فيها ولا مجال، لمن أو أذى أو تفضل، فإذا أخذ هذا المحتاج مال زكاة فحقه أخذ(23) فليست الزكاة هبه أو تبرعا أو منه من الأغنياء على الفقراء ، بل هي حق لهم، حق استودعه الله، يد الغني، ليؤديه لأهله، وليوزعه على مستحقيه، ويجب على المزكي الإيمان بذلك مصداقا لقول الله تبارك وتعالى ( { والدين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} ) سورة المعارج آية 24-25 (24) بل على المسلم أن يدفع الزكاة وهو طيب النفس بها راجيا أن يتقبلها الله منه ولا يردها عليه ويستحب له أن يسأل ربه قبولها بمثل هذا الدعاء ( اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما )(25) للزكاة عدة أثار وفضائل: ففي التربية الروحية تقوي الإيمان والامتثال والطاعة والشكر لله، وتحرر النفس من عباده المال وسطوته، وفي التربية الخلقية تغرس عند المزكي فضيلة الإخلاص والصدق والأمانة والبذل والعطاء والرحمة والتراحم، فمن المقاصد السامية للزكاة تطهير القلوب وتزكيه النفوس وإصلاح الصدور، كما لها أثرا في تحقيق العدالة الاجتماعية حيث تحقق التضامن والتكافل بين الناس، وتقريب الفوارق بين الطبقات، وتقوي روح الحب والمودة بين أبناء المجتمع، وبذلك يوجد المجتمع الفاضل، كما لها أثرا على التنمية الاقتصادية حيث تمنع الاكتناز وتساهم في علاج مشكلة الفقر والتضخم والبطالة وسوء توزيع الدخول، كما لها أثرا فعالا في تحقيق العزة السياسية من خلال إعداد القوة العقائدية للمجاهدين، والإنفاق على أسرهم وتمويل القوة المادية للجهاد، وكذلك الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ونصرة المسلمين المظلومين المضطهدين، كما تساهم الزكاة في حفظ مقاصد الإنسان الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال، فلا يقتصر أثرها الطيب على الأفراد فقط، بل تعالج المجتمع من أمراضه المختلفة، وهذا لا يتحقق إلا إذا جمعت بالحق، وزعت بالحق، ومنعت من الباطل، ويعني ذلك الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في جباتها وصرفها(26) للزكاة أثر في الجانب الاقتصادي، حيث إنها تمثل مصادرة تدريجية للأموال المكتنزة الصالحة للنماء، فاستقطاب 5ر2 في المائة من الأموال التي تزيد عن حد النصاب، يؤدي إلى استقطاع 10 في المائة من الأموال المكتنزة، في أقل من خمس سنوات، وثلثها في أقل من سبعة عشر عاما، بل أن الزائد عن حد النصاب يذهب زكاة في نحو 40 عاما(27) وباستقطاع الزكاة هذه الأموال من أربابها، تدفعهم على تعويض ما أخذ منهم، وبالتالي تؤدي إلى إخراج النقود لتعمل وتغل وتكسب وتنمى، حتى لا يأتي عليها مرور الأعوام وفي هذا جاءت الأحاديث والآثار (28) فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، الأوصياء على أموال اليتامى أن يتجروا فيها حتى لا تأكلها الزكاة قائلا ( «اتجروا بأموال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة» )(29) فهي بذلك تمثل أداة فعالة لدفع الأموال المعطلة والصالحة للنماء للمشاركة في الإنتاج، وبالتالي تؤدي إلى توفير الأموال السائلة للمشروعات الاقتصادية، فهي إذن تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية التلقائية ومحاربة الفقر (30) كما أن إخراج الزكاة من نماء المال أو عائد الاستثمار بدلا من استقطاعها من رأس المال نفسه يؤدي إلى الحث على الاستمرار في المشاريع الاستثمارية حفاظا على رأس المال من النقصان كما أن انخفاض نصاب الزكاة يؤدي إلى دفع المدخرات الصغيرة أيضا للاشتراك في العملية الإنتاجية واستثمارها حتى لا تستقطع الزكاة المستحقة عليها من أصل المال، ومن ناحية أخرى تمثل الزكاة كأداة لحماية المستثمرين لما توفره من ضمان لرؤوس الأموال المستثمرة، حيث يمكن استخدام سهم الغارمين في تعويض المشروعات التي تتعرض لضائقة أو كارثة، كما يمكن استخدامه لدفع المستثمرين إلى القيام بمشروعات معينة ترتفع نسبة المخاطرة فيها ويحتاجها الاقتصاد القومي. كما إن عدم اشتراط توزيع الزكاة على مستحقيها نقدا، بل يمكن أداؤها في شكل مواد استهلاكية أو إنتاجية، كما كان يحدث في صدر الإسلام، ذلك أن مقدار العطاء يكون بالقدر، الذي يذهب الفقر ويقضي على أسبابه، أي يحقق قوام العيش، قال النووي فان كانت عادته "أي الفقير" الاحتراف أعطي ما يشتري به حرفته قلت قيمة ذلك أو كثرت ومن كان خياطا أو نجارا أو قصابا أو غيرهم من أهل الصنائع أعطي ما يشتري به الآلات التي تصلح لمهنته، وبالتالي تستخدم الزكاة في تشغيل طاقة إنتاجية معطلة، ويذهب الفقهاء إلى تحديد أوجه إنفاق حصة الزكاة المخصصة للقضاء على الفقر وأسبابه بحيث تقسم إلى جزئيين القسم الأول يعطي للقادرين على الكسب بأنفسهم بحيث يمكنهم شراء وسيلة للإنتاج والكسب مثل آلة حرفتهم وبذلك يتم تحقيق قدر من التشغيل للعمالة المعطلة بسبب عدم توافر رأس المال اللازم لتشغيلها، أما الجزء الثاني فيعطي لغير القادرين على الكسب بأنفسهم وفي صورة قيام الدولة بإقامة مشروعات تعود بدخل مستمر ومنتظم يكفيهم0 كما إنها تمثل أداة أساسية في الاقتصاد الإسلامي لتوزيع الدخل، وتخصيص استخدامات المال على أوجه الاستثمار المختلفة من جانب، وعلى الاستهلاك من جانب آخر، وبالتالي النمو بموارد المجتمع، فالزكاة أمضى سلاح في محاربة الكنز وإخراج النقود من مخابئها في الصناديق أو الشقوق لتشارك في ميدان العمل والتثمير بدل أن تبقى قوة معطلة، والزكاة تحث على الاستثمار، وتحمي المستثمرين، وتؤدى إلى إعادة توزيع الدخل، وزيادة التشغيل، وتمويل التنمية الإقليمية، كما إن تحديد مصارف الزكاة بوضوح يؤدي إلى تيسير عملية التخطيط الاقتصادي من أجل التنمية، إلى جانب أن ثبات فئات الزكاة الواجب أداؤها على الأموال المختلفة يؤدي إلى استقرار الاقتصاد الإسلامي(31) ونظرا لأن الزكاة تتسم بالمحلية، أي انه لا يجوز نقل حصيلتها من مكان جمعها، حتى يكتفي أهل هذا المكان تماما، إلا في حالة زيادة حاجة إقليم أخر، عن حاجة هذا المكان، مما يساعد على تمويل التنمية الإقليمية، قال أبو عبيد: العلماء مجمعون على أن أهل كل بلد من البلدان، أحق بصدقتهم، مادام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك وأن أتي ذلك على جميع صدقاتها، ولذا لا تحمل الزكاة من بلد إلى أخر، وبأهل البلد الأول فقر، حيث ترد إلى مكان جبايتها وهو فعله الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (32) يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |