كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من آداب المجالس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أعظم فتنة: الدجال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          فضل معاوية والرد على الروافض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          طريق لا يشقى سالكه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مكانة العلم وفضله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          العليم جلا وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فضل العلم ومنزلة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 08:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,225
الدولة : Egypt
افتراضي كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟

كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟

الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

نص الخطبة:
الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، فصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار، ومن سار على نهجهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.

أما بعد:
فيا عباد الله، نسمع في حياتنا كثيرًا أخبارًا وقصصًا وحكاياتٍ ورواياتٍ تتحدث عن أمراض مرعبة، وأحداث مزعجة، ومصائب مؤسفة، ونهايات محزنة، تصيب هذا أو ذاك ممن حولنا، قد يكون واحد من أعز أحبابنا وأهل مودتنا، نسمع عن قارعة ألمت به، أو مصيبة نزلت عليه في نفسه أو أهله وماله، فيُصيبنا الهم والغم والأسى؛ تعاطفًا معه ورحمةً به مما هو فيه من كرب وبلاء، ولا نملك إلا التضرع إلى الله أن يعينه على ما هو فيه، وأن يكشف عنه البلاء والكرب، وأن يأجره في مصيبته، ثم ندعو الله أن يحفظنا من كل سوء ومكروه، وأن يقينا شر ما نسمع من أنواع الأمراض والمصائب التي تكاثرت على الناس في كل شئون حياتهم، ويظل الخوف والهاجس يراودنا في كل حين كلما سمعنا قصةً جديدةً أو حادثة قريبة تفوح بروائح معضلات الأمراض، وفواتك الأسقام، وأنواع البلاء؛ فمن منا يسلم من الهمِّ أو الغم؟! من منا يضمن لنفسه أو لولده السلامة من البلايا والأمراض؟! من منا يضمن بقاء ما أنعم الله عليه من النعم؟! لا أحد، فدوام الحال من المحال.

فما المخرج من مثل هذا القلق الدائم والتوتُّر المستمر والعناء المتواصل؟ كيف نقي أنفسنا وأحبابنا من مثل هذه النوازل المتوالية في عالم اليوم المضطرب؟ وكيف تقي نفسك وولدك المكروه بكل ما تشمله كلمة المكروه من سوء وضرر؟

إنه سؤال عظيم والإجابة عليه مطلب غالٍ ونفيس، ويستحيل تقدير ثمن الإجابة بمقاييس التقدير المعروفة والتقليدية، ولك أخي الكريم أن تعجب غاية العجب إذا علمت أن الأمر أسهل مما تتصوَّر، وأقرب مما تظن، وخذ الإجابة من فَمِ النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم مباشرة؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم: ((صَنَائِعُ المَعرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَالآفَاتِ وَالهَلَكَاتِ))؛ رَوَاهُ الحَاكِمُ.

إنها صنائع المعروف التي اصطفى الله لها رجالًا واختار لها على مَرِّ العصور والدهور أجيالًا، جعلهم مفاتيح الخيرات والرحمات، فأصبحوا نعمة على العباد لا نقمة عليهم، أصبح الواحد منهم مسلمًا لله منقادًا مطيعًا ما يسمع عن بابٍ من أبواب الخيرات إلا كان إليه سبَّاقًا طالبًا لـه ومشتاقًا.

صنائع المعروف وما أدراك ما صنائع المعروف! التي يخط بها العبد الصالح في دواوين الصالحات تلك الحسنات العظيمة.

صنائع المعروف التي غفر الله بها الذنوب، وستر بها العيوب، وفرَّج بها الهموم والغموم والكروب، فكم من إنسان نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ مَصَارِعِ السُّوءِ بسبب فعله للخير، وكم من إنسان حفظ الله ماله بسبب إحسانه للناس، وكم من إنسان نجَّاه الله من الحوادث المميتة بسبب معروفه إلى الناس أو الحيوان، وكم من إنسان حفظ الله أولاده وأهله من المهلكات بسبب دعوة صالحة ممن أحسن إليهم.

ولا يقال هذا الكلام جزافًا؛ بل هو منطوق نصوص تَشهَدُ بِأَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنْسِ العَمَلِ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: 60]، وَقَالَ تعالى: ﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [المجادلة: 11].

وفي الخبر الصحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مستنكرًا: سبحان الله! ما أزهد كثيرًا من الناس في الخير والفضل! عجبت للرجل يأتيه أخوه لحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلًا، فيقعد عن إسداء المعروف لأخيه، فلو كنا لا نرجو جنة ولا نخاف نارًا ولا ننتظر ثوابًا ولا نخشى عقابًا؛ لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق؛ فإنها تدل على سُبُل النجاح، فقام رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أسمعته من رسول الله؟ قال: وسمعت ما هو خير منه، لقد أوتينا بسبايا طيئ، وكان في الناس جارية، فتقدَّمت إلى رسول الله وقالت: يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت ألَّا تخلي عني، فلا تشمت فيَّ أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، كان أبي يفك العاني، ويَقْري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم الطائي، فقال النبي: ((يا جارية، هذه صفة المؤمن، خلوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق)).

أرأيتم إن كريم خلق والدها ومعروفه القديم وقاها من الأسر ومن شماتة العرب! حقًّا إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.

أيها المسلمون، إن اصطناع المعروف والسعي في خدمة الناس وقضاء حوائجهم؛ أمرٌ دعت إليه الفطرة القويمة، وأقَرَّتْه النفوس السليمة، في كل زمان ومكان حتي قبل أن يبعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى عن رُسُله وأنبيائه أنهم كانوا يسعَوْن في خدمة الآخرين وإعانتهم، وكشف الكربة عنهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 73]، ‏وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 90].

قال السَّعْدي-رحمهُ الله-: "لا يتركُون فضيلة يقدرُون عليها، إلا انتهزوا الفُرصة فيها، فهذا سيدنا موسى الكليم عليه السلام سقى للفتاتَيْنِ بلا أجرة مع أنه كان في شدة الحاجة مفتقرٌ إلى عطاءِ الله وفضله، وهو الذي طَعِمَ ورق الشجر، وكان في مخمصةٍ وفاقةٍ؛ لكنه مع ذلك لم يشترطْ ولم يؤجل صُنْع المعروفِ ولم يُقَايِضْ عليه مالًا أو مقابلًا، وكان لم يذق طعامًا منذ سبعة أيام، ولُصِقَ بطنُهُ بظهره، قال ابن عباس: وكان قد بلغ به الجوع وأخضر لونه من أكل البقل في بطنه، قال الله: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 23، 24].

وَلَمَّا تَكَلَّمَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْمَهْدِ قَالَ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم: 30، 31]. قَالَ مُجَاهِدٌ: "أَيْ: نَفَّاعًا لِلنَّاسِ أَيْنَمَا كنت".

وكان سيد أهل المعروف وإمامهم وقائدهم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان لا يتأخر عن تفريج كربات، فكم قضى لهم من ديون، وكم خَفَّف عنهم من آلام، وكم واسى لهم من يتيم؛ شهدت بذلك أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها لَمَّا عَادَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن غَارِ حِرَاءٍ خَائِفًا بَعدَ نُزُولِ الوَحيِ عَلَيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَقَالَ لها: ((لَقَد خَشِيتُ عَلَى نَفسِي))، قَالَت لَهُ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا -: "كَلَّا وَاللهِ لا يُخزِيكَ اللهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحمِلُ الكَلَّ، وَتَكسِبُ المَعدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ"؛ (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

كانت هذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي بالرسالة، وبعد الرسالة كان صلى الله عليه وسلم من أفضل صناع المعروف الداعين له؛ فَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ- يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا))؛ (رواه ابن أبي الدنيا).

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)).

وخطب عثمان رضي الله عنه فَقَالَ: "إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ"؛ (رواه أحمد).

ومَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ؛ جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: "يَا قَوْمِ، أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الْفَاقَةَ"؛ (رواه مسلم).

"ومَا سُئِلَ النَّبِيُّ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لا"؛ (رواه البخاري ومسلم).

وتأتي إليه امرأة كان في عقلها شيء، فتقول: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال: ((يا أم فلان، انظري أي السكك شئت؛ حتى أقضي لك حاجتك))، فخلا معها في بعض الطرق، حتى فرغتْ من حاجتها؛ (رواه مسلم).

ويقول عنه الخباب بن الأرت: "خرجنا في سرية فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهدنا حتى يحلب عنزة لنا في جفنة لنا فتمتلئ حتى تفيض"؛ (رواه أحمد).

ولقد سَارَ سَلَفُ الْأُمَّةِ عَلَى الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ فِي بَذْلِ الْمَعْرُوفِ، وَنَفْعِ النَّاسِ، فذُكِرَ مِنْ صَنِيعِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رضي الله عنه حِينَ وَلِيَ الْخِلافَةَ، أنه كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَأْتِي بَيْتًا فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ تَسْكُنُهُ عَجُوزٌ عَمْيَاءُ، فَيُنْضِجُ لَهَا طَعَامَهَا، وَيَكْنِسُ لَهَا بَيْتَهَا، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ مَنْ هُوَ، فَكَانَ يَسْتَبِقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى خِدْمَتِهَا.

وكان أبو بكر رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها؛ فقال أبو بكر: وإني لأرجو ألا يغرني ما دخلت فيه- يعني الخلافة- عن شيء كنت أفعله.

وَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رضي الله عنه الْخِلافَةَ خَرَجَ يَتَحَسَّسُ أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدَ أَرْمَلَةً وأَيْتَامًا عِنْدَهَا يَبْكُونَ، يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجُوعِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ غَدَا إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمَلَ وَقْرَ طَعَامٍ عَلَى ظَهْرِهِ، وَانْطَلَقَ فَأَنْضَجَ لَهُمْ طَعَامَهُمْ، فَمَا زَالَ بِهِمْ حَتَّى أَكَلُوا وَضَحِكُوا.

وكان عمر رضي الله عنه يتعاهد الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندكِ؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدنا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أُمُّك يا طلحة، عثرات عمر تتبع.

وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه، فكان يخدمني.

وقال علي بن أبي طالب لجابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهم: يا جابر، من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب لله عرضها للزوال؛ (المستطرف).

وعن عبدالله بن الحسن بن الحسين رضي الله عنهم قال: أتيت باب عمر بن عبدالعزيز في حاجة، فقال: إذا كانت لك حاجة إليَّ فأرسل إليَّ رسولًا أو اكتب لي كتابًا؛ فإني لأستحي من الله أن يراك ببابي.

وهذا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يقول: "واللهِ لَأَنْ أَقْضِيَ لامْرِئٍ مُسْلِمٍ حَاجَةً أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ".

عباد الله، هكذا سَارَ سَلَفُ الْأُمَّةِ عَلَى الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ فِي بَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَنَفْعِ النَّاسِ.
فتشَبَّهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبُّه بالرجال فلاح

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه.

وبعد:
فيا أخي الحبيب، هل تريد أن يُنَفَّس كربُك، ويزولَ همُّك؟ هل تريد التيسير على نفسك؟

هل تريد أن تقي نفسك من مصارع السوء؟
هل تريد أن تقي نفسك وولدك المكروه بكل ما تشمله كلمة المكروه من سوء وضرر؟ ففرج عن المكروبين، وكن من أهل المعروف، فعن محمد بن عيسى قال: كان عبدالله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان -يعني في فندق- فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، قال: فقدم عبدالله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلًا -أي عبدالله بن المبارك - فخرج في النفير -أي: في الجهاد- فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب، فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه، فقال عبدالله: وكم مبلغ دينه؟ فقالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلًا ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه ألَّا يخبر أحدًا ما دام عبدالله حيًّا، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبدالله -أي: سار في آخر الليل- وأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبدالله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك وقد خرج، فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال عبدالله بن المبارك للفتى: أين كنت؟! لم أرك في الخان! قال: نعم. يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوسًا بدين، قال: وكيف كان سبب خلاصك؟! قال: جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقال له عبدالله: يا فتى، احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك؛ فلم يخبر ذلك الرجل أحدًا إلا بعد موت عبدالله.

وكان أحد السلف يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن، وكان كثير من الصالحين يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم.

وهذا سفيان بن عيينة أتاه مسكين يطلب منه حاجة فلم يكن معه شيء ليعطيه الرجل، فبكى سفيان، فقيل: ما يبكيك رحمك الله؟ قال: أي مصيبة أعظم من أن يؤمل فيك رجل خيرًا فلا يجده عندك.

وجاء في أخبار الوزراء أن الوزير أبا شجاع جاءه كتاب فيه أن امرأة وأطفالها الأربعة في مكان كذا وكذا لا مال عندهم، ولا عائل لهم، وهم عراة جياع يكاد البرد والجوع يقتلهم، فاستدعى الوزير غلامه، وقال له: اذهب الآن واشترِ لهم ما يصلح حالهم، ثم خلع الوزير ثيابه، وقال: والله، لا لبثتها ولا أكلت حتى تعود فتخبرني أنك كسوتهم وأشبعتهم، وبقي في البرد ينتفض جسده حتى رجع إليه الغلام فأخبره أنه أشبعهم وأدفأهم، فقام الوزير ولبس ثيابه، ثم حمد الله على ما يسَّره على يديه لتلك المرأة المسكينة وأولادها الأربعة. انظروا كيف يسمو بعض الناس بعمله فوق كل ما تعارف عليه الناس، فيعلو حتى يبلغ السماء فضلًا وخيرًا.

وإن دروب الخير- أيها المسلمون- كثيرة، وحوائج الناس متنوعة، إطعام جائعٍ، وكسوة عارٍ، عيادة مريضٍ، وتعليم جاهل، وإنظار معسر، وإعانة عاجز، وإسعاف منقطع... تطرد عن أخيك همًّا، وتزيل عنه غمًّا.. تكفل يتيمًا، وتواسي أرملة.. تكرم عزيز قومٍ ذلَّ، وتشكر على الإحسان، وتغفر الإساءة.. تسعى في شفاعة حسنة تفك بها أسيرًا، وتحقن بها دمًا، وتجرُّ بها معروفًا وإحسانًا، فإن كنت لا تملك هذا ولا هذا فادفع بكلمةٍ طيبةٍ، وإلا فكُفَّ أذاك عن الناس؛ فعن أبي ذرٍّ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ليس مِن نَفْسِ ابنِ آدَمَ إلَّا عليها صدقةٌ في كلِّ يومٍ طلَعَت فيه الشَّمسُ))، قيل: يا رسولَ اللهِ، ومِن أينَ لنا صدقةٌ نتصدَّقُ بها؟ فقال: ((إنَّ أبوابَ الخيرِ لكثيرةٌ: التَّسبيحُ، والتَّحميدُ، والتَّكبيرُ، والتَّهليلُ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عنِ المنكَرِ، وتُميطُ الأذى عن الطَّريقِ، وتُسمِعُ الأصَمَّ، وتَهدي الأعمى، وتدُلُّ المستدِلَّ على حاجتِه، وتسعى بشدَّةِ ساقَيْكَ مع اللَّهفانِ المستغيثِ، وتحمِلُ بشدَّةِ ذراعَيْكَ مع الضَّعيفِ، فهذا كلُّه صدقةٌ منك على نفسِك))؛ (صحيح ابن حبان).

وعنه أيضًا قال: قلتُ: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ إذا عمِلَ به العبدُ دخل الجنة، قال: ((يؤمنُ بالله))، قلتُ: يا رسول الله، إن مع الإيمان عملًا؟ قال: ((يرضَخُ مما رزَقَه الله))؛ يعني: يتصدَّق، قلتُ: وإن كان مُعدِمًا لا شيء له؟ قال: ((يقول معروفًا بلِسانه))، قلتُ: فإن كان عيِيًّا لا يُبلِغُ عنه لسانُه؟ قال: ((فيُعينُ مغلوبًا))، قلتُ: فإن كان ضَعيفًا لا قدرةَ له؟ قال: ((فليَصنَع لأخرقَ))، قلتُ: فإن كان أخرقَ؟- يعني: لا يُحسِنُ صنعةً- فالتفتَ إليَّ فقال: ((ما تريدُ أن تدَعَ في صاحبِك شيئًا من الخير، فليَدَعِ الناسَ من أذاه))، قلتُ: يا رسول الله، إنَّ هذا كلَّه ليسير، قال: ((والذي نفسي بيده، ما من عبدٍ يعملُ بخصلةٍ منها يريدُ بها ما عندَ الله إلا أخذَت بيدِه يومَ القيامة حتى يدخل الجنة))؛ رواه ابن حبان، ولبعض ألفاظه شواهد في الصحيحين.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، اللهم أعِنَّا على ذكرك، اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، اللهم اجعلنا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشرِّ، آمين آمين، وأقم الصلاة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.27 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]