|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التجارب نورة سليمان عبدالله جاء في كتاب الأدب من "فتح الباري": قال معاوية: "لا حكيم إلا ذو تجربة". وجاء في الحديث الذي صحَّحه ابن حبان: "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة". التجارب: جربت الشيء جرَّبته تجريبًا؛ أي: اختبرته مرةً بعد أخرى، والاسم التجرِبة - بكسر الراء - والجمع التجارب، والمراد فائدتها ونفعها للإنسان، فكثير من الأشياء لا تظهر إلا بالتجارب وسَبْر الأمور بالاطلاع عليها ومباشرتها، والتجربة لا تأتي إلَّا عن حلم وأناة، وأما الإنسان العجول وغير الصبور فلا يتهيَّأ له أن يكتسب التجارب في حياته، بل إنَّ عجلته وسرعته تحرمه من ذلك، فالإنسان لا ينال التجارب إلا إذا كان ذا تجربةٍ وحسن استفادة من التجارب، فكما أن الحلم بالتحلُّم والعلم بالتعلُّم، فكذلك الأدب، فلا بد فيه من تحلُّم وتصبُّر وتجربة. ألم ترَ أن العقل زينٌ لأهله ![]() ولكن تمام العقل طول التجارب ![]() ![]() ![]() قال ابن الأثير: معنى "لا حليم إلا ذو عثرة"؛ أي: لا يحصل الحلم حتى يرتكب الأمور ويعثر بها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها، وقيل: لا حليم إلا ذو تجربة. وقال غيره: المعنى لا يكون حليمًا كاملًا إلا مَنْ وقع في زلَّة، وحصل منه خطأ، فحينئذٍ يخجل، فينبغي لمن كان كذلك أن يستر مَنْ رآه على عيب فيعفو عنه، وكذلك مَنْ جرَّب الأمور علم نفعها وضررها فلا يفعل شيئًا إلا عن حكمة. وقوله: ((لا حكيم إلا ذو تجربة)) الحكمة والتي هي وضع الأمور في مواضعها ووزنها بموازينها الصحيحة لا تكون إلا عن تجارب، ولا يكتسبها الإنسان إلا بعد التجربة؛ لأنه يكون قد عرف الأمور وعرف كيف يتصرف فيها، فالتجارب مفيدة للمرء في حياته وأموره ومعاملاته، وهذا هو باب التجربة الصحيح، فباب التجربة يُستفاد منه في اكتساب الأخلاق وممارسة الأمور ومعاينة الأشياء، والمعنى أنه يستفاد منه في الأمور الدنيوية والمصالح والأعمال واكتساب الرزق ونحو ذلك، ومَنْ جرَّب الأمور علم نفعها وضررها فلا يفعل شيئًا إلا عن حكمة، ومما ينبغي التفطُّن له... وقيل: أكثر الناس تجربة في الحياة أكثرهم حلمًا، وإذا رأيت الرجلَ عجولًا غضوبًا فاعلم أنه قليل التجارب.. وكلما زادت تجاربك ازددْتَ حكمةً وقدرةً على مواصلة طريقك في الحياة، فتجارب الحياة هي العامل الأهم في صقل شخصية الفرد، ومعاونته على حلِّ الصعاب والخروج من الأزمات، ولا بدَّ أيضًا من (الملاحظة) ماذا استفدت من تلك التجارب، فتنتج لك التجربة بعد ملاحظتها نظرة جديدة لنفسك والحياة والعلاقات، فقد تكتشف قدرات جديدة في نفسك لم تكن لتعرفها لولا تلك التجارب. وفي الحديث المشهور: ((لا يلدغ المؤمن من جُحْرٍ مرتين))؛ أي: إنه إذا لدغ من موضع فإنه لا يكرره مرةً ثانيةً، فيستفيد من هذه التجربة، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: ((حديث صحيح نعم، معناه ينبغي للمؤمن أن يأخذ حذره إذا لدغ من جحر من إنسان يأخذ حذره، إذا كان زيد خدعه مرة فليحذره حتى لا يخدعه مرة أخرى، وإذا كان عمرو ظلمه في المعاملة فليحذر أن يخدعه في معاملة أخرى وهكذا، يعني: ينبغي له توقي الشر ممن خدعه أولًا أو أضرَّه أولًا)). وسببُ هذا الحديثِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أسَر أبا عزَّةَ الشَّاعرَ يومَ بَدْرٍ، فسأل النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يمُنَّ عليه بإطلاقِ سَراحِه، وذكر فَقْرَه وقِلَّةَ مالِه، فمَنَّ عليه، وعاهَده ألَّا يُحرِّضَ عليه ولا يَهجُوَه، فأطلَقَه، فلَحِق بقَومِه، ولكِنَّه لَمَّا رجع إلى مكَّةَ استهواه صَفوانُ بنُ أُمَيَّةَ وضَمِنَ له القيامَ بعيالِه، فخرج مع قريشٍ لحربِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ورجَع إلى التَّحريضِ والهجاءِ، ثمَّ أُسِر يومَ أُحُدٍ، فطلَبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَنَّ عليه مرَّةً أُخرى، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يُلْدَغُ المؤمنُ مِن جُحْرٍ واحدٍ مرَّتَينِ))، وهو من جوامِعِ الكَلِمِ التي لم يُسْبَقْ إليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل كان أوَّلَ من أنشأها وصاغها. فينبغي للمسلم التَّعلُّمُ مِن الخطأِ، وعدمُ تكرارِه. وأنْ يكونَ حازمًا حذِرًا؛ لا يُؤتَى مِن ناحيةِ الغفلةِ، فيُخدَعَ مرَّةً بعْدَ أُخْرى ويقَعَ في مَكروهٍ، وقدْ يكونُ ذلك في أمرِ الدِّينِ كما يكونُ في أمرِ الدُّنيا، وهو أَوْلاهما بالحذَرِ. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |