|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التقبيح والتحسين العقليان طرفان ووسط! أ.د. عبدالحميد بن صالح الكراني مسألة التحسين والتقبيح العقليان. الطائفة الأولى: وهم الأشاعرة. ومذهبهم: أن الأفعال لا توصف لا بقُبْحٍ ولا بحُسْنٍ لا لذواتها ولا لمعانٍ فيها. وعليه: فالعقل لا يُحسِّن ولا يقبِّح. فالفعل الذي يأمر به الشرع حَسَنٌ ولا اعتبار لصفته. وما نهى عنه الشرع سيِّئٌ وليس لصفة فيه. ومذهبهم يعني أن الله –جلَّ ذكره- يأمر لمحض الإرادة والأمر؛ لا لأجل حكمة ومصلحة. لازم مذهبهم: أنَّ الأمر بالقبيح يُصيِّره حَسَناً لمجرَّد الأمر. والنهي عن الحَسَن يُصيِّره قبيحاً لمجرد الأمر؛ لأنه لا دخل للصفات والمعاني في هذه الأفعال. يوضحه قول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- : (ويقولون: انه يجوز أن يأمر الله بالشرك بالله، وينهي عن عبادته وحده ويجوز أن يأمر بالظلم والفواحش، وينهي عن البر والتقوى، والأحكام التي توصف بها الأحكام مجرد نسبة وإضافة فقط، وليس المعروف في نفسه معروفًا عندهم، ولا المنكر في نفسه منكرًا عندهم، بل إذا قال: {يأمرهم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، فحقيقة ذلك عندهم أنه يأمرهم بما يأمرهم، وينهاهم عما ينهاهم ويحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم) مجموع الفتاوى (8-433). الطائفة الثانية:وهم المعتزلة والكَرَّاميَّة. ومذهبهم: أن الأفعال توصف بالحُسْن والقُبْح لذواتها أو لمعانٍ فيها. وعليه: فالعقل يُحسِّن ويُقبِّح. فالفعل إن دلَّ على حُسْنٍ فلا يخلو من حالتين: الأولى: إما أن يكون تركه يستوجب الذمَّ؛ فهو واجبٌ. والأخرى: إما أن يكون تركه لا يستوجب الذمَّ؛ فهو المندوب. والفعل الدَّالُّ على القُبْحِ لا يخلو -أيضاً- من حالتين: الأولى: إما أن يكون فعله يستوجب الذمَّ؛ فهو محرَّمٌ. والأخرى: إما أن يكون فعله لا يستوجب الذمَّ؛ فهو المكروه. ثم اختلفوا في الأفعال التي لا تدلُّ على حُسْنٍ ولا قُبْحٍ، فقال بعضهم بالإباحة، وقال بعضهم بالتحريم، وقالت طائفة بالوقف! ولازم مذهبهم: أن العقل يُحسِّن ويُقبِّح، ويوجب ويحرِّم! والشرع كاشف فقط لهذا الحُسْنِ والقُبْح وليس سبباً لشيءٍ من الحُسْنِ والقُبْح. وعليه: ينبني عدم الحاجة لإرسال الرسل؛ لإمكان معرفة الحُسْن بالعقل؛ فيثاب على فعله. ومعرفة سوء الفعل بالعقل؛ فيعاقب على فعله. وعليه –أيضاً-: فلا حاجة لإرسال الرسل؛ لقيام العقل بمعرفة الحُسْن والقُبْح دونهم! قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: (ثم اخذوا يقيسون ذلك على ما يحسن من العبد ويقبح، فجعلوا يوجبون على الله ـ سبحانه ـ ما يوجبون على العبد، ويحرمون عليه من جنس ما يحرمون على العبد، ويسمون ذلك العدل والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمته وعدله) مجموع الفتاوى (8-91). الطائفة الثالثة:وهم أهل السنة والجماعة. ومذهبهم: أن في الأفعال صفات قد يدرك العقل حُسْنها أو قُبْحها. ولكن هذا الحُسْن أو القُبْح لا يوجب الحكم، ولا تترتب الأحكام على ما في الأفعال من صفات، بل الأحكام مترتبةٌ على الوحي. وعليه: فمذهب أهل السنة والجماعة وسط بين طرفي قول الأشاعرة والمعتزلة. إذ يقولون بما قالته المعتزلة من جهة أن في الأفعال صفاتٌ قد يدرك العقل حُسْنها أو قُبْحها. ولكن يُخالفون المعتزلة في ترتيب الأحكام على هذه الصفات التي في الأفعال. وهم يوافقون الأشاعرة في أن الأحكام تترتب على الوحي فقط. ولكن يخالفون الأشاعرة في نفيهم وجود صفات في الأفعال قد يدرك العقل حُسْنها أو قُبْحها. ولازم مذهب أهل السنة والجماعة: أن ما كان عليه الناس من شرك وظلم قبل مجيء الرسول سيئٌ وشرٌ وقبيح. لكن العقوبة إنما تستحق ببعثة الرسول. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: (والله تعالى عليم حكيم، عليم بما تتضمنه الأحكام من المصالح، فأمر ونهى لعلمه بما في الأمر والنهي والمأمور والمحظور من مصالح العباد ومفاسدهم، وهو أَثْبَتَ حكم الفعل، وأما صفته فقد تكون ثابتة بدون خطاب) مجموع الفتاوى (8-434). أدلة أهل السنة والجماعة لمذهبهم في التحسين والتقبيح العقليين: الدليل الأول: أننا إذا نظرنا إلى الأفعال وجدنا فيها صفات قد يدرك العقل حُسْنها أو قُبْحها ولو لم يرد فيها شرعٌ يأمر بها أو ينهى عنها. ومن ذلك العدل، فإنه فعلٌ حَسَنٌ؛ لاشتماله على صفات توجب حُسْنه، وهي مصلحة العالم وإيتاء كل ذي حقٍّ حقه. ومن ذلك الظلم؛ فإنه فعلٌ قبيح؛ لاشتماله على صفات توجب قُبْحه؛ وهي فساد العالم بالاستيلاء على حقوقهم وقهرهم. فالعدل فعلٌ حَسَنٌ، لما أدرك العقل فيه من الصفات الحسنة، لكن لا يتعلَّق بهذه الصفات أمرٌ إلا بورود الشرع. والظلم فعلٌ قَبِيْحٌ؛ لما أدرك العقل فيه من الصفات القبيحة، لكن لا يتعلق بهذه الصفات نهيٌ إلا بورود الشرع. الدليل الثاني: أن الشارع وصف بعض الأفعال بالحسن قبل أن يأذن بها، ووصف بعضها بالقبح قبل أن ينهى عنها؛ فدلَّ هذا على أن الأفعال توصف بالحُسْنِ والقُبْحِ قبل ورود الشر عبها إذناً أو نهياً. ومن ذلك قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) [الأعراف:28] والفاحشة هنا: هي طوافهم بالبيت عراة الرجال والنساء من غير قريش. ثم قال تعالى: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) أي لا يأمر بما هو فاحشة في العقول والفطر، ولو كان إنما عُلِمَ كونه فاحشة بالنهي وأنه لا معنى لكونه فاحشة إلا تعلّق النهي به، لما أنكر عليهم فعلتهم، ولصار معنى الكلام: إن الله لا يأمر بما ينهى عنه! وهذا يُصان عن التكلُّم به آحاد العقلاء؛ فضلا عن كلام العزيز الحكيم. ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف:32] فوصفها بالحسن، حيث أخبر بأنها زينة وطيبات قبل ورود الشرع بالإذن بها وإنكار تحريمها. الدليل الثالث: الاستقراء، وبيانه: أننا استقرأنا نصوص الشريعة من الكتاب والسنة فوجدناها معلَّلة، وهذا يدلُّ على أن في الأفعال صفات قد يدرك العقل حُسْنها أو قُبْحها. فكل تعليل جاء لفعل أمر؛ فإنه يُثبت حُسْناً. ومنه قول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) [العنكبوت:45] فالصلاة فعلٌ حسَنٌ، ومن الصفات الحسنة فيها أن إقامتها تنهى عن الفحشاء والمنكر. ومنه قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ) [الأعراف:157]. وكل تعليل جاء لترك أمر؛ فإنه يُثبت قُبْحاً. ومنه قول الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء:32] فالله سبحانه علَّل النهي عن قربان الزنى بأنه فاحشة؛ فهذه صفة تدلُّ على قبح هذا الفعل. ومنه قوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157]. الدليل الرابع: التجربة والعمل؛ فإن كل فعل أمر به؛ فإن فعله يحقق مصلحة، وتركه يجلب مفسدة. وكل فعل نهي عنه، فإن تركه يحقق مصلحة، وفعله يجلب مفسدة. الدليل الخامس: الأدلة التي تدل على إثبات العذر لمن لم تبلغه الشريعة؛ وعلى إثبات العذر على عدم تقدير إرسال الرسل. فهذه الأدلة تدلُّ على أن الحكم تابع للوحي، لا لما قد يدركه العقل في الأفعال من صفات حسنة أو قبيحة. ومن هذه الأدلة ما يأتي: أولاً: قوله الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء:15] فالله سبحانه وتعالى أخبر بأنه لن يعذب أحداً حتى يبعث رسولاً، فهذا أمنٌ من العذاب يستلزم نفي الوجوب والحرمة قبل البعثة، وهذا يدل على أن الناس غير مكلفين قبل ورود الشرع؛ فالأحكام الشرعية تابعة للوحي، لا لما في الأفعال من صفات قد يدركها العقل. ثانياً: قوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء:165] فهذه الآية تدل على قيام الحجة من الناس قبل البعثة، فدلَّ ذلك على نفي الموجب والمحرم قبل ورود الشرع، وهذا يدل على أن الأحكام تابعة لإرسال الرسل. ثالثاً: قوله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [القصص:59] فقد أخبر الله سبحانه أنه لن يهلك أو يعذب أحداً حتى يبعث رسولاً يبين لهم الأحكام الشرعية: ما يجب وما يحرم، وبعد ذلك يعاقب من خالف أمره، وهذا يدل على أن الأحكام تابعة للوحي، وليست تابعة لما في الأفعال من صفات. رابعاً: قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص:47] فالعذر قائم لهم في امتناع إصابتهم بالمصيبة لانتفاء شرط وقوعها، وهو إرسال الرسول، فدلَّ هذا على أن الأحكام تابعة للوحي، وليست تابعة لما في الأفعال من صفات. والآيات في هذا المعنى كثيرة. خامساً: ما أخرجه البخاري عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين). فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في هذا الحديث بأن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين؛ حتى لا يكون للناس عذر في مخالفة أمر الله؛ فدلَّ ذلك على أن الأحكام تابعة لإرسال الرسل.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |