|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
وقفات تربوية مع سورة النصر رمضان صالح العجرمي 1- أسباب نزول ومعاني السورة. 2- واجبات عملية من السورة. الهدف من الخطبة: التذكير بأهمية وأسباب نزول هذه السورة، وما تضمَّنَته من معانٍ عظيمة، وبعضٍ من الواجبات العملية المستفادة من السورة. مقدمة ومدخل للموضوع: أيها المسلمون عباد الله، نقف هذه الوقفات مع سورة عظيمة من قصار السور، فيها بشارات وإشارات للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي سورة تتكرر على أسماعنا؛ إذ إنه يحفظها الكبير والصغير، وهي آخر ما نزل من القرآن؛ إنها سورة: [النصر]. سورة النصر: سورة مدنية بالإجماع، وآياتها ثلاث آيات، فهي واحدة من أقصر سور القرآن، إلا أنها على قصرها فيها من المعاني ما لا يُحصى. وسورة النصر: هي آخر سورة نزلت كاملةً؛ فعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: "تعلم آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعًا؟ قلت: نعم، ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، قال: صدقت"؛ [رواه مسلم]. وفي أثرٍ أنها نزلت في حجة الوداع؛ كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: "نزلت هذه السورة بمنًى في حجة الوداع، ثم نزلت: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3]، فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يومًا، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى"؛ [تفسير القرطبي]. وأسماء السورة: (سورة إذا جاء نصر الله والفتح)، و(سورة النصر)، و(سورة الفتح)، و(سورة التوديع)؛ لِما فيها من الإشارة إلى وداعه صلى الله عليه وسلم، وقُرب أجلِه. موضوعات السورة: تبشير النبي صلى الله عليه وسلم بالنصر وختام الرسالة، ففيها بشارات وإشارات، فقد تضمنت: بشارةً، وأمرًا، وإشارةً للنبي صلى الله عليه وسلم: فأما البشارة: فهي فتح مكة، ودخول الناس في دين الإسلام أفواجًا. وأما الأمر: فقد أمره الله تعالى بأمرين: التسبيح المقرون بالحمد، والاستغفار، الذي هو طلب المغفرة. وأما الإشارة: فإنها تشير إلى اقتراب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سورة الفيل الإشارة إلى مولده صلى الله عليه وسلم، وفي سورة قريش الإشارة إلى نسبه الشريف، وفي سورة الكوثر بيان منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سورة النصر بيان الأَمَارة التي يعرف بها النبي صلى الله عليه وسلم قربَ انتهاء أجله؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لما نزلت: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، فقال: قد نُعيت إليَّ نفسي، فبَكَت، فقال: لا تبكي؛ فإنكِ أول أهلي لحاقًا بي، فضحكت، فرآها بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقُلن: يا فاطمة، رأيناكِ بكيتِ ثم ضحكتِ؟ قالت: إنه أخبرني أنه قد نُعيت إليه نفسه فبكيتُ، فقال لي: لا تبكي، فإنكِ أول أهلي لاحق بي، فضحكتُ))؛ [رواه أحمد، والدارمي، وحسنه الألباني]. • وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لمَ تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنه مَن قد علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم، فما رُئيت أنه دعاني يومئذٍ إلا ليُريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]؟ فقال بعضهم: أُمرنا أن نحمَد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا بن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، وذلك علامة أجلك، ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ [النصر: 2]، فقال عمر: ما أعلمُ منها إلا ما تقول". • وقد أعلم الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بموته في آيات كثيرة؛ منها: قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 30، 31]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 34، 35]. ومناسبة السورة لما قبلها: في سورة الكافرون: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من المشركين، ومما يعبدونه ويدينون به من الأديان الباطلة. وفي سورة النصر: بشَّره بالنصر والفتح، ودخول الناس في دين الإسلام أفواجًا؛ قال فخر الدين الرازي رحمه الله: "كأنه تعالى يقول: لما أمرتك في السورة المتقدمة بمجاهدة جميع الكفار، بالتبري منهم، وإبطال دينهم، جزَيتُك على ذلك بالنصر والفتح، وتكثير الأتباع". • يقول الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]. قوله: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]؛ أي: عونه وتأييده وإظهاره إياك على كفار قريش وغيرهم، ومن ذلك: فتح مكة. • والمراد بالفتح: فتح مكة، وكان ذلك في شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة؛ قال ابن كثير رحمه الله: "والمراد بالفتح ها هنا: فتح مكة قولًا واحدًا، فإن أحياء العرب كانت تنتظر بإسلامها فتح مكة". • وفي قوله: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [النصر: 1]، بيان أن النصر والعون والتأييد من عند الله وحده؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]. • والله تعالى ينصر من ينصره؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]. • والنصر من الله تعالى له أنواع وصور عديدة، وليس النصر محصورًا في انتصارات المعارك فقط، فمن صور النصر الذي وعد الله تعالى به عباده المؤمنين: 1- نصر العزة والتمكين في الأرض، وهذا الذي امتنَّ الله تعالى به على رسوله صلى الله عليه وسلم، فما مات حتى أقر عينه بالنصر المبين، والعز والتمكين، بل جعل الله تعالى هذا النصر علامةً على قرب أجله صلى الله عليه وسلم. 2- النصر بنجاة المؤمنين وإهلاك الكافرين، كما حدث لنوح عليه السلام؛ حيث نجاه الله تعالى وأهلك قومه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 10 - 12]، وقال تعالى عن الأمم الكافرة التي أهلكها: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]. 3- النصر بالحُجة والبيان؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [غافر: 51]، قال بعض المفسرين: النصر بالحجة والبيان. 4- النصر بخذلان الكافرين، وصرف كيدهم عن المسلمين، وهذا نوع من أنواع النصر قلَّ من يتنبه له؛ وهو أن الله تعالى قد ينصر عباده المؤمنين، خاصة إذا كانوا مستضعفين، بمجرد كفِّ أيدي الظالمين عنهم، وإذهاب كيدهم؛ كما قال تعالى: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ﴾ [آل عمران: 127]؛ قال الطبري رحمه الله: "وأما قوله: ﴿ أَوْ يَكْبِتَهُمْ ﴾ [آل عمران: 127]، فإنه يعني بذلك: أو يخزيهم بالخيبة بما رجَوا من الظَّفَر بكم". قوله: ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ [النصر: 2]؛ أي: يدخلون في دين الله جماعات كثيرةً فوجًا بعد فوج. • وقد حدث هذا في العام التاسع الهجري، حتى سُمِّيَ بعام الوفود؛ لكثرة الوفود التي قدمت المدينة بعد فتح مكة، وزاد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستين وفدًا، وكان من أهم تلك الوفود: وفد عبدالقيس، ووفد بني حنيفة، ووفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد بني سعد بن بكر، ووفد نجران. قوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ [النصر: 3]؛ أي: نزه الله تعالى عن كل ما لا يليق به، متلبسًا بحمده سبحانه وتعالى. وهذا الأمر بالتسبيح بحمده قد تكرر في مواضع كثيرة؛ منها: • إذا ضاق صدره؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 97، 98]. • وعند الصبر على مكر الماكرين؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130]، وقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]. • ومنها: التسبيح في الصباح والمساء؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وقال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ [غافر: 55]. • ولذلك كان الحفاظ على ذلك الوِرد من التسبيح هو أفضل ما جاء به العبد يوم القيامة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضلَ مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه))؛ [رواه مسلم]. قوله: ﴿ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]؛ أي: اطلب منه أن يغفر لك ذنوبك، فإنه شديد القبول لتوبة عباده. • والتوَّاب: اسم من أسماء الله تعالى، ويتضمن لصفة التوبة الواسعة، فهو سبحانه وتعالى كثيرُ القبول لتوبة من تاب من عباده؛ كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]. نسأل الله العظيم أن يتوب علينا أجمعين. الخطبة الثانية واجبات عملية من السورة:• أيها المسلمون عباد الله، هذه واجبات عملية نتعلمها من هذه السورة الكريمة، ينبغي أن نحافظ عليها: أولًا: استحباب تكثير العبادة آخر العمر؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما نزلت: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] إلى آخر السورة، قال: نُعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسَه حين أُنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة"، وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: ((إن جبريلَ كان يعارضني القرآن كل سنة مرةً، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي)). • وخير الناس من طال عمره وحسن عمله؛ فعن نفيع بن الحارث رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله، قيل: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره وساء عمله))؛ [رواه الترمذي]. ثانيًا: الأمر بالتسبيح والحمد والاستغفار عند الركوع والسجود في الصلاة؛ فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر من التسبيح والاستغفار بعد نزول هذه السورة؛ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزلت عليه: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] إلا يقول فيها: سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن، وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، قالت: قلت: يا رسول الله، ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: جُعلت لي علامة في أمتي، إذا رأيتها قلتها: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] إلى آخر السورة)). • وفي رواية: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تُكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه؟ فقال: خبَّرني ربي أني سأرى علامةً في أمتي، فإذا رأيتها، أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] فتح مكة، ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 2، 3]))؛ [رواه مسلم]. ثالثًا: الأمر بالاستغفار في ختام الأعمال الصالحة؛ ومن صور ذلك: • الاستغفار عقب الصلاة المكتوبة؛ فعن ثوبان رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثًا، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام))؛ [رواه مسلم]. • ومنها: الاستغفار بعد قيام الليل بالسَّحَر؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]. • ومنها: الاستغفار بعد الوقوف بعرفة والإفاضة منها؛ كما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]. • كما شُرع للمتوضئ أن يختم وضوءه بالتوبة والاستغفار؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كُتب في رَقٍّ، ثم طُبع بطابع، فلم يُكسر إلى يوم القيامة))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني]. • وكان من هديِهِ صلى الله عليه وسلم ختمُ تلاوة القرآن بالاستغفار؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا قط، ولا تلا قرآنًا، ولا صلى صلاةً إلا ختم ذلك بكلمات، قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك ما تجلس مجلسًا، ولا تتلو قرآنًا، ولا تصلي صلاةً إلا ختمت بهؤلاء الكلمات؟ قال: نعم، من قال خيرًا خُتم له طابع على ذلك الخير، ومن قال شرًّا كنَّ له كفارةً: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني]. • وكان من هديه صلى الله عليه وسلم خَتْمُ مجالسه بالاستغفار؛ فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأَخَرَةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقال رجل: يا رسول الله، إنك لَتقول قولًا ما كنت تقوله فيما مضى، قال: كفَّارة لما يكون في المجلس))؛ [رواه أبو داود]، بأخرة: يعني: في آخر عمره صلى الله عليه وسلم. • وبيَّن ثواب من يحافظ على هذا الذكر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من جلس في مجلس فكثُر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني]. • ولما بلَّغ صلى الله عليه وسلم الرسالةَ، وأدى الأمانة، وجاهد في سبيل الله، وأقر الله تعالى عينه بالنصر والتمكين لهذا الدين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، أمره الله تعالى بالاستغفار؛ فقال تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]. نسأل الله العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |