|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() هذه هحتى الان ..ي أكثر القصص الواقعيه غرابه
سائق تاكسي قرب الفجر يسير في الشارع بسيارته فوجد رجل كبير في السن له شعر أبيض وذقن بيضاء السائق قال لنفسه""أكيد ده رايح يصلي الفجر"" فأخذه ليقله إلى المسجد فكان الشيخ الكبير يخبره بأن يتجهه لليمين ثم اليسار ثم أدخل من الشارع إللي جاي وهكذا حتى رأى السائق رجل أخر في منتصف الطريق يطلب منه أن يقله ... فأستأذن الرجل من الشيخ قبل أن يقف للرجل ليقله فأخبره بموافقته. فتوقف السائق للرجل وعندما ركب قال له ""هوصلك بس معلش هوصل عمي الحاج الأول وحنروح لطريقنا"" فأستغرب الرجل وقال له""فين عم الحاج"" فقال له السائق بإستغراب""اهوه قاعد جنبي"" فقال له الرجل""مافيش حد جنبك ياأسطى انت مالك اتجننت والا شارب حاجه"" فجن السائق وقال"ماهو قاعد جنبي اهو"" *هنا تكلم الرجل الكبير ،اقترب من السائق وقال له مااحد شايفني غيرك ""أنا عزرائيل"" وجاي أقبض روحك وانت قدامك خمس دقايق واقبض روحك الحق صلي لك ركعتين الفجر قبل ماتقابل وجه الكريم ... جن جنون السائق ونزل من السياره مسرعا بحثا عن الماء ليتوضأ وإنطلق لصلاة الفجر... وعندمـــــــــــــــــــــــــــــــــا عــــــــــــــــــــــــــــاد كـــــــــــــانــــتـــ المــفــــاجــــــــأهـ لايـــوجــــد ((شيخ كبير أو رجل او سياره))......................؟؟؟؟؟؟!!!! ***[[[لــــقـــــد كــــــانــــتــ عــــصــــــــاااااااابـــــهـ ...وســــرقتـــــ سيـــــارهـــ الســــائـــقـ]]]*** ((فماذا يتبقى أن يفعله اللصوص للسرقه أكثر من التلاعب بالدين؟؟!!)) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... منتظر الردود... تحياتيـ... |
#2
|
|||
|
|||
![]() قال الولد لابيه : يا أبتِ ح سمعت صديقي حسان يقول :
أبي تاجر ناجح ، يغتنم الفرص ، ولا يضيّعها ، فماذ يقصد بقوله هذا؟ قال الوالد : يمتاز المسلم الذكي – يا بني – بصفتين متلازمتين ، الأولى : العمل الدؤوب ، والسعي الحثيث في عمله ، فيفكر ، ويخطط ويرتب أموره . الثانية : مع صفته الأولى فإنه لا يقصر في المغامرة المحمودة .. فهناك مفاجآت تعرض له دون ترتيب مسبق وتخطيط متعمّد فقد لا تتكرر تلك المفاجآت ،، فيُقدم ، ويستعين بالله عليها ، فيحقق ربحاً وافراً يرفعه في عالم التجارة خطوات بإذن الله . قال الولد : هذا ليس في عالم التجارة فقط ، بل في ميادين الحياة كافة . قال الوالد : صدقت يا بني ، إن حياة المسلمين النابهين حافلة بكثير من هذه الأمور ، يقتنصها المسلم ، فلا يدعها تذهب دون ان يُفيد منها . قال الولد : أفلا ذكرتَ لي مثالاً على ذلك يا أبتِ. قال الوالد : لقد ذكرت لك - يا بني - سابقاً قصة الصحابي البطل عُكـّاشة بن مِحصَن حين كان مع إخوانه المسلمين يستمعون إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في دخول سبعين ألفاً من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عقاب ، على مقدمتهم الصدّيق أبو بكر رضي الله عنه ، فقال عكاشة قبل غيره : يا رسول الله ادع الله أن أكون واحداً منهم . فقال عليه الصلاة والسلام : أنت واحد منهم . فقام رجل آخر يقول : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم . قال صلى الله عليه وسلم : سبقك بها عكاشة . كافأه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نباهته وسرعة مبادهته ، وبشره أنه واحد منهم ، ونبه الثاني أنه ضيع الفرصة حين قصر عن أخيه عكاشة ، وكان عليه ان يسبقه ، فالنجاح حليف المتنبّهين اليقظين ، الذين يغتنمون الفرص ، فلا يضيّعونها . قال الولد : جزاك الله خيراً – يا والدي – على هذا التوضيح ، وأجزل لك المثوبة ، إلا أنني أردت أن تقص عليّ حديثاً رواه النبي صلى الله عليه وسلم يوضح الفكرة ويدعمها ، فأتخذها نبراساً في حياتي . قال الوالد : حباً وكرامة – يا حَبّة عيني – أسأل الله تعالى أن يجعلك من النابهين العاملين . ففي إحدى أسفار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غزواته مرّ بأعرابي ، فأكرمه . فأراد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أن يكرم الأعرابي المضياف ، فقال له : يا أعرابي ؛ سل حاجتك ؟ أتدري – يا ولدي – ما الذي طلبه الأعرابي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال الولد : لعله طلب أن يشفع له يوم القيامة ، ويسقيه من حوضه بيده الشريفة أو أن يدعو له – على الأقل – بالحياة الرغيدة في الدنيا وسعة الرزق ، وكثرة البنين .. أليس كذلك يا أبتِ؟. قال الوالد : ليته فعل ، وطلب شيئاً من هذا .. إنه سأله أتفه ما يسأله رجلٌ بسيط من رجل مثله ، لا من نبي كريم .. لم يغتنم فرصة كهذه يسمو بها في الدنيا والآخرة ، إنما قال : هبني – يا رسول الله – ناقة برحلها يركبها ، وقليلاً من العنز يحلبه لأهله . قالها مرتين ! . قال الولد : سبحان الله ما أضعف همته ، وأقلّ حيلته .. أفلا طلب مثل ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يبيت على باب رسول الله يخدمه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ، فرآه نائماً أمام اباب البيت ، فأخذته الشفقة به ، وأكبر فيه حبه إياه ، حين رآه يسرع فيأتيه بوَضوئه وثيابه ، فقال : ياربيعة ؛ سلني . .. وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم حاضراً في ذهن ربيعة وقلبه ، فقال : أسألك مرافقتك في الجنة .. وهل أسمى مطلباً وأعلى همة ، وأرفعُ مرتبة أن نكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، في الفردوس الأعلى ؟! .. فأجاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يحب مصاحبة من يحبه ، ويقدّر للناس مشاعرهم ، ويبادلهم تقديراً بتقدير ، وتكريماً بتكريم : أوَ غير ذلك يا ربيعة ؟ قال هو ذاك ، يا رسول الله . فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : لك ما سألت يا ربيعة .. وأمره أن يكثر من الصلاة التي ترفع صاحبها في عليين ، فالصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الوالد : هذا عين ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم مستهجناً هذه الدونية في الهمة ، والأرضية في الرغبة ،قائلاً " أعَجَزْتَ أن تكون كعجوز بني إسرائيل "؟!. قال الولد : وما عجوز بني إسرائيل ؛ يا أبتِ؟. قال الوالد : كان الصحابة رضوان الله تعالى عنهم يسمعون ما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فابتدروه يسألونه ما سألـْتَ – يا بني - ، فقال : إن موسى عليه السلام أراد أن يسير ببني إسرائيل – حين أذن الله له أن يخرج من مصر بقومه – فضلّ الطريق ... إن الطريق يعرفه ، وهاديه فيه جبريل الذي أمره بالمسير ، ومعه علماء بني إسرائيل وعامّتهم . فمن العجيب أن يخطئ الجميع الطريق . لا بد أن في الأمر سراً ... سأل عنه العلماء ، فقالوا له : أما وقد سألْتنا ، فإن السر في ذلك – والله أعلم – أن نبي الله يوسف عليه السلام – حين لقي ربه – أخذ على آبائنا مواثيق الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا . قال موسى عليه السلام : وأيكم يدري قبر يوسف ؟ قالوا : ما يدري أين قبر يوسف إلا عجوزُ بني إسرائيل . فأرسل إليها النبي موسى أن تأتيه ، فحملوها إليه ، فقال لها : أتدرين أين قبر النبي يوسف ؟ دليني عليه .. أدركت العجوز حاجته إليها ، فقالت : لا والله لا أفعل حتى أكون معك في الجنة ! عرفـَتْ متى تطلب حاجتها .. وإنه لطلب جليل ، جنة عرضها السماوات والأرض ، وتصحب نبياً ذا عزم .. تصحب كليم الله الذي أجرى الله تعالى على يديه الشريفتين عجائب عظيمة ، وجعله في قمة الأنبياء مع الأربعة الآخرين أولى العزم من إخوانه، على رأسهم سيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام . وكره النبي موسى أن يجيبها ، ولا ندري لماذا .. إلا أن الله تعالى أوحى إليه : أنْ أعطها ما سألتْ . ففعل ، ووعدها بذلك ، فالله سبحانه رضي لها تلك المكانة . إنها طلبَتْ ، فوهبها الجليل سبحانه ما طلبتْ ، إنها ذات همة عالية ، فلـْتتبَوّأها ، إنها تستحقها . ودلّتـْهم على بركة ماء ، وأمرتهم أن ينضحوا ماءها ، ففعلوا ، وعيّنتْ مكاناً ، فحفروا فيه . فإذا هو قبر يوسف عليه السلام ... جسده الشريف على هيئته يوم دُفن ، فالأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والشهداء .. ولكن يا ويحهم لمَ أهملوا قبر نبيهم هكذا ؟ إن فعلهم لعجيب ، فقد عُرف عنهم أنهم اتخذوا قبور انبيائهم مساجد ، ونعى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم هذا . وحمل بنو إسرائيل جثمان نبيهم يوسف عليه السلام ، وانطلقوا به إلى بلاد الشام ، إلى الأرض التي بارك الله فيها ... كان الطريق واضحاً ، وجسد يوسف الصديق عليه السلام من خلال كفنه ينير لهم الدرب وسط الظلام في ذلك الليل البهيم .. كأنه ضوء النهار . |
#3
|
|||
|
|||
![]() عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقف التالية .
ولكن نتعرف - قبل الدخول في القصة – هذا الصحابي الذي أسلم يوم فتح مكة وكان اسمه " عبد الكعبة " فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " عبد الرحمن " ، سكن البصرة وفتح سجستان مرتين ، مرة على عهد عثمان ، والثانية على عهد معاوية ، وصحبه في الفتح الثاني الحسن البصري والمهلب بن أبي صفرة وقطريّ بن الفجاءة ، ومات في البصرة سنة إحدى وخمسين للهجرة . يقول الصحابي عبد الرحمن بن سمرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه بعد صلاة فجر أحد الأيام من بيته ، فوقف على الصفة – بمسجد المدينة – يقول لهم : " إني رأيت البارحة عجباً " وهذا أسلوب رائع من أساليب التربية ، حيث يطلق المعلم جملة تستقطب الانتباه ، وتجلب الاهتمام قبل الشروع في الحديث كي لا يضيع منه شيء ، ولتكون حواس الجميع متوثبة لتلقي الحرف الأول تلقياً واعياً .. فتوجهت الأنظار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ينتظرون حديثه الشائق ، وتوجيهاته السامقة ، فقال : 1- " رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه ، فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه " ويقول العلماء :هذا لا يعني أن الأجل انتهى ، ولم يستطع ملك الموت أن يقبض روح الإنسان لأن بر الوالدين منعه من ذلك ، فالأجل محتوم ، ولا يظل الإنسان حياً إلى ما شاء أن يحيا ، فالله تعالى يقول : " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " إن المقصود من ذلك أن البر بالوالدين يجعل حياة الإنسان سعيدة رغيدة ، فيها خير وبركة مصداقاً لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يُبسط له له في رزقه ، ويُنسأ له في أثَره فليَصِلْ رَحِمه " ، ويقول بعضهم الآخر : قد يطول العمر بسبب بر الوالدين ، فالله تعالى هو المتحكم بكل شيء ، ألم يقل سبحانه وتعالى " يمحو الله ما يشاء ويُثبت ، وعنده أم الكتاب " ويبقى الأجل المكتوب بأمر الله تعالى ، لا يقدره إلا هو سبحانه يفعل ما يشاء ويقدر . 2- " ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ( أحاطت به )الشياطين،فجاء ذكر الله فطيّر الشياطين عنه " ،وذكر الله تعالى يطرد الشياطين عن الإنسان كما يطرد الدواءُ الناجعُ الداءَ ، فيبرأ صاحبه ، وراحة القلوب بذكر الله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة المعوذتين ، وآية الكرسي لطرد الوسواس الخناس ، كما أن قراءة الزهراوين تبعد الشياطين على الدار ثلاثة أيام كما ورد في الأثر . 3- " ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب ،) تريد أخذه إلى النار بسبب كثرة ذنوبه وسوء عمله) فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم " ،فمن وقف متذللاً بين يدي الله خاشعاً ، يرجو رحمته ، ويخاف عذابه آمنه الله تعالى ، وأمر ملائكة الرحمة أن تحمله إلى الجنة ، وقصة الرجل التائب الذي قتل مئة، ثم تاب توبة نصوحاً خير دليل على ذلك . فلا ييأسنّ المسلم من رحمة الله تعالى . إن صلاة المسلم الخالصة لوجه الله – مهما قلـّتْ- ثقيلة في ميزان الله تعالى والله تعالى لا يضيّع مثقال ذرة " إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تكُ حسنة يضاعفها ، ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً ". 4- " ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا ، كلما دنا من حوض منع وطرد ، فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه "، وهذا دليل على شدة الموقف يوم القيامة ، وقد تكون أعمال ذلك الرجل ضعيفة ، يضيّع كثيراً من الحقوق ، فلم يؤهله رصيده الأخروي للدنوّ من الحياض إلا بشفاعة أو إذن ، فلما وصله الدعم الإلهي والرحمة الربّانيّة - وقلْ : وصلته بطاقة السماح ، وهي الصيام ،كما قال تعالى : في الحديث القدسي : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " لما للصيام من ثواب كبير وأجر عظيم – جاءه الفرج فروى ظمأه ، نسأل الله تعالى أن يروينا بيد الحبيب المصطفى شربة لا نظمأ بعدها أبداً. 5- " ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا ، كلما دنا إلى حلقة طرد ومنع ، فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي " وهذا موقف يدل على مكانة الطهارة المادية والمعنوية في الإسلام ، والنبيون الكرام رمز تلك الطهارة ، فهم أنبياء الله تعالى والمخلـَصون من خلقه لا يجلس معهم ولا يدنو منهم – في ذلك الموقف - إلا الطهور قلباً وبدناً ، وهذه لفتة كريمة إلى الطهارة ألا ترى معي كيف علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعو للميت " اللهم اغسله بالماء والثلج والبرَد ، ونقـّه من الخطايا كما يُنّقـّى الثوب الأبيض من الدنس "؟ فإذا بالطاهر من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه الله تعالى أن ينال حظوة ما بعدها حظوة وهي الجلوس قرب الحبيب صلى الله عليه وسلم ونيل شرف التقرب إليه . اللهم ارزقنا تلك الحظوة واحشرنا في زمرته صلى الله عليه وسلم . 6- " ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ، ومن خلفه ظلمة ، وعن يمينه ظلمة ، وعن يساره ظلمة ، ومن فوقه ظلمة ، وهو متحير فيه ، فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور ، " تصوير مخيف ، مخيف لرجل يحيط به من كل مكان ظلام دامس ، لا يستطيع عنه فكاكاً ، ولا منه خلاصاً ، إنه موقف رهيب ، فقد يتحرك خطوة تودي به في حفرة من حفر النار – والعياذ بالله - ، فما المخرج ، وإلى أين الملجأ ؟ يدعو الله تعالى أن يبصّره ليمضي إلى حيث الأمان والنجاة .. وإذا بالحج والعمرة ينقذانه مما هو فيه . إنه تحمّل مشاق الحج وصعوبة العمرة من بذل للمال ، وتحمل لمشاق السفر ، يرجو بذلك رضوان الله تعالى والنجاة من النار والفوز بالجنة ، والله تعالى "لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تكُ حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجراً عظيماً " فإذا بركن الإسلام الخامس ينقل العبد إلى حيث النور ، ومن كان في النور فقد وصل بر الأمان ولندعُ كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعو ( اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري نورا ، وفوقي نورا ، وتحتي نورا ، وأمامي نورا ، وخلفي نورا ، واجعل لي نورا( . 7- " ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار وشررها ، فجاءته صدقته فصارت سترا بينه وبين النار وظلا على رأسه " ، في ذلك اليوم يشتد غضب الله تعالى على الكافرين والفاسقين الظالمين ، وتدنو الشمس من الخلائق جداً . وتظهر النار بمنظرها المخيف الرهيب ترمي شواظها على المجرمين ، أما من تقرب إلى الله عز وجل يرجو رحمته ويخشى عذابه ، فإن الله تعالى يبعده عن الشرر ، ويقيه المخاطر بفضله وكرمه ، فقد كان المسلم محسناً متصدّقاً ، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً . ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " صدقة السر تطفئ غضب الرب " ألم يدلنا على المكان الذي يسترنا عن شدة الحر والظمأ يوم القيامة ؟ ألم يقل في حديث السبعة " سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله ؟ " ومن هؤلاء السبعة قوله صلى الله عليه وسلم " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " ؟ ألم يقل الحبيب المصطفى منبهاً ومعلماً " فاتقوا النار، ولو بشق تمرة " ؟ فمن كثرت صدقاته فقد عمل لآخرته، واتخذ عن النار ستاراً . 8- " ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه ، فجاءته صلته لرحمه فقالت : يا معشر المؤمنين إنه كان وصولا لرحمه فكلموه ، فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم ،" يا سبحان الله .. الجزاء ذلك اليوم من جنس العمل فمن وصل رحمه في الدنيا وأحسن إليهم وجد جزاءه يوم القيامة احتفاء وتكريماً ، ومن قطع في الدنيا رحمه ، وجد في هذا اليوم ما لا يسر ، " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " وصلة الرحم تتمسك بساق العرش تستعيذ من قاطع الرحم ، فتجد الله سبحانه ينتصف لها حين يقول : " ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ " فتقول راضية : بلى . ولْنتصور الرجل ينتقل من قوم إلى قوم يكلمهم ، فيعرضون عنه ، ويرى نفسه وحيداً قد قاطعه الناس ، فتنقذه صلة الرحم حين تبرئ ساحته من القطيعة والعقوق ، وتشهد له أنه كان وصولاً لرحمه ، ويستحق هنا الصلة والتكريم . فيلتفتون إليه ، يبتسمون له ، ثم يصافحونه ، ويكلمونه ، فهو يستحق الصلة إذاً . 9- " ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية ، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة ، " . إنه منظر مخيف يقطع نياط القلوب ، وموقف رهيب حاسم .. فمن أحاطت به زبانية العذاب انتهى أمره ، وكان إلى النار مصيره ، وتصور هؤلاء الزبانية ذوي المناظر المرعبة والنظرات القاسية المتوعدة تدنو منك أو مني أو من أحدنا تحيط به إحاطة السوار بالمعصم وتضيّق الخناق عليه ، تهم به إلى حيث العذاب والهوان ، ولعلهم كانوا مأمورين أن يدفعوه إلى مصيره بعد أن طاشت حسناته وثقلت سيئاته ، نسأل الله العافية وحسن الختام ، فينادي يا رب إني كنت من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويصدح بالأية الكريمة من سورة التوبة- 71- " والمؤمنون والمؤمنات ، بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ." فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكريحوش عنه زبانية العذاب ، ويسلمه إلى ملائكة الرحمة ، فيا سعادته إذ خلص من ذلك الموقف الذي يقصم الظهور ويذيب الأفئدة . ولا شك أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يبدأ بنفسه أولاً فيطهرها ويكون وأسوة للآخرين ، فيقتدون به . 10- " ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله حجاب ، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل ،" كل المخلوقات تجثو بحضرة الله سبحانه وتعالى في ذلك الموقف الرهيب ، والدليل على ذلك قوله تعالى في سورة الجاثية الآية – 28- " وترى كل أمة جاثية ، كل أمة تُدعى إلى كتابها ، اليوم تُجزَون ما كنتم تعملون " هذا حين تُحشر الخلائق أمام الله تعالى ، أما أصحاب النار - فيُحشرون - والعياذ بالله حول جهنم " جاثين " قبل أن يُلقـَوا فيها ،وتصور الهلع والخوف اللذين لا يمكن وصفهما في أفئدة من يعلمون أنهم سيلقون في أية لحظة في أتون النار – اللهم الطف بنا – كما أن الجثوّ من صفة أصحاب النار وهم فيها يتعذبون " ثم ننجي الذين اتقَوا ، ونذر الظالمين فيها جثيّا " . وهذا الرجل المسلم يقف أمام ربه سبحانه بينه وبينه حجاب ، لماذا ؟ ما سبب الحجاب ؟ لعل أخطاءه الكثيرة منعته أن يرى ربه ، ورؤية الله تعالى علامة الخير والنهاية السعيدة بإذن الله ، لعله في الدنيا لم يكن ذلك الرجل الصالح المصلي القائم !! لكنه كان ذا خلق حسن ، يبتسم بوجه الناس ، ولا يؤذيهم ، ويتحمل إساءاتهم ، ولا بياديهم بمثلها !! ولم يكن ينم ، ولا يغتاب ، ولا يلمز ، ولعله كان يصلح بين الناس . خلقه الصالح هذا يأتيه بهيئة رجل جميل ، يأخذ بيده ويدخله حضرة ربه سبحانه ، يروي أبو ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه :" اتق الله حيث كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " وروت أم الدرداء عن زوجها عن النبي صلى الله عليه وسلم " أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن " وأعظم بهذا الوزن الثقيل الذي يُدخل صاحبه الجنة . ، وفي الحديث الحسن الذي رواه الصحابي أسامة بن شريك بشارة لصاحب الخلق الحسن " قالوا : يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان ، أو المسلم ؟ قال : الخلق الحسن " اللهم جمّلنا بحسن الخلق . 11- " ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله ، فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه ،" وهذا تنبيه إلى أننا نعيش في رعاية الله سبحانه في كل لحظات حياتنا الدنيوية والبرزخية واليوم الآخر وما بعده إلى أبد الآبدين . وما نقرؤه في سورة الواقعة من تصوير لأخذ الكتاب باليمين – اللهم آتنا كتبنا بأيماننا – أو بالشمال – والعياذ بالله من هذا المصير البائس – دليل واضح على ذلك ، وخاصة حين نقرأ الفعل " آتى " بصيغة المبني للمجهول " فمن آوتي كتابه .. " إنه الدليل على أننا نعيش برحمة الله سبحانه ، لا ندري حتى اللحظة الأخيرة عندما تنتشر الكتب ، وتـُلقى إلى أصحابها أنحن من السعداء أم من الأشقياء ، لكن أملنا بالله الرحيم كبير، والمسلم يعيش دائماً بين رجاء وخوف ، ولن يجمع الله تعالى على عبده المسلم أمنين ولا خوفين ، والدليل على ذلك ما رواه شداد بن أوس وصححه الألباني " قال الله عز وجل ، و عزتي لا أجمع لعبدي أمنين و لا خوفين ، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي ، و إن هو خافني في الدنيا أمّنـْتـُه يوم أجمع فيه عبادي " فيا رب ؛ أعطني كتابي بيميني ، وحاسبني حساباً يسيراً ، ولا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ، ولا تحاسبني حساباً عسيراً . 12- " ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه ، فجاءه رجاؤه من الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى ،" إن المسلم دائم الرجاء بالله وفضله ، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه بإسناد صحيح " إن حسن الظن من حسن العبادة " وكلنا ذلك الرجل - إن شاء الله – وقد علمنا أنه ما أحد يدخل الجنة بعمله إلا أن رحمة الله أوسع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى " لن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ، وقال بيده فوق رأسه " .. اللهم ارحمنا برحمتك ، ونجنا من النار وأدخلنا الجنة . 13 - " ورأيت رجلا من أمتي قد هوى في النار ، فجاءته دمعته التي قد بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك ،" .. مسلم مذنب يهوي في النار .. منظر رهيب ، رهيب ، إنه يسرع إلى الهاوية وإلى نار تلظى ، ذنوبه كثيرة ، وأعماله دفعته إلى ذلك ، لكنه خلا بنفسه يوماً حين كان في الدنيا وحدثته نفسه بشفافية أنه مقصر بحق الله تعالى ، فبكى من خشية الله ، هذه الدمعة كانت سبب إنقاذه مما هو فيه ، وها هي ملائكة الرحمة تتلقفه قبل أن يسقط في الجحيم ، تتلقفه بفضل الله تعالى لينال سعادة الآخرة " وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله . " 14- " ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف ، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن روعه ومضى ، " أهو على الصراط يحبو أم تراه لم يجرؤ على السير فوقه ؟! تحته النار بلهيبها المدوّي وحرارتها الملتهبة كالبحور الهائجة ذات الأمواج الدفـّاقة . والناس يمرون على الصراط بعضهم بلمح البرق ، وآخرون كالريح المرسلة ، وبعضهم بسرعة الجياد المضمرة .. وهو يرعد خائفاً ويرتجف مرعوباً كما ترتجف سعفة النخيل في يوم شديد الرياح ... ولا بد من اجتياز الصراط ، والرجل خائف ، خائف ، وهنا يهبه المولى تعالى الأمن والأمان ، فقد كان في الدنيا يعمل ما وسعه العمل الخيّر وحسن ظنه بالله كبير .. ما إن يأتيه حسن ظنه بالله حتى يبدأ سيره ، وتتسع خطاه ، ويمر على الصراط ساكن النفس هادئ البال ، فحسن ظنه بالله رائده لا تعـاملـني بنـقصي *** يا إلهي ... بـَل بمـَنِّ حسن ظنّي فيك ربي *** لا تخيّبْ حسنَ ظنّي 15- " ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط ، يحبو أحيانا ويتعلق أحيانا ، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته ،" وهذا مسلم آخر مقصر يحبو على الصراط ، فذنوبه أثقلتـْه ، يزحف قليلاً ، ويكاد يسقط في نار جهنم ، فيتعلق بالصراط ، لا يستطيع السير ، والناس يمرون ، ساكتين وجلين ، والأنبياء صلوات الله عليهم يدعون بصوت خفيض " اللهم سلّمْ ، اللهم سلّمْ " والحبيب المصطفى يدعو الله تعالى أن يرحم أمته ، وينجيهم . مواقف لا يسعها إلا الدعاء ، والخوف والرجاء ، وهنا تأتي المرءَ صلاتُه على سيد المخلوقات وشفيعنا محمد عليه الصلاة والسلام ، فتحمله برفق وتوقفه على الصراط بثبات ، وتنقذه من السقوط في الهاوية ، ألم يقل الله تعالى – وقوله الحق – " إن الله وملائكته يصلون على النبي ؛ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " أليس الحبيب محمد شفيعنا ، وهادينا إلى النور ، وإلى طريق مستقيم ؟ ألم يتحمل صلى الله عليه وسلم ما تحمّل ليوصل إلينا ضياء الإيمان ، وكان حريصاً علينا يريد لنا الهداية ، وكان بنا أرحم من آبائنا ؟ " لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتّم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " أن من يصلي على رسول الله يفلح في الدنيا والآخرة ، فقد روى أبو طلحة رضي الله عنه قال " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، والسرور يُرى في وجهه ، فقالوا : يا رسول الله ؛ إنا لنرى السرور في وجهك . فقال : إنه أتاني الملك فقال : يا محمد ؛ أما يُرضيك أن ربك عز وجل يقول : : إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً؟ قال : بلى . وقال صلى الله عليه وسلم من حديث أنس الذي أخرجه الديلمي مرفوعاً " ومن أكثر الصلاة عليّ كان في ظل العرش " اللهم إنا نحب نبيك العظيم فشفعه فينا يا رب .. اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم . 16- " ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه ، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة " لا إله إلا الله أحيا بها عمري ... لا إله إلا الله يحلو بها دهري لا إله إلا الله نور حوى قبري لا إله إلا الله أجلو بها همّي لاإله إلا الله أمضي بها دربي لا إله إلا الله ألقى بها ربي ... لا إله إلا الله : هويّة المسلم ، وشفاء قلبه ، ونور بصره . لا إله إلا الله ، محمد رسول الله . |
#4
|
|||
|
|||
![]() تَعوّدت أن تستقبل يومها بصلاة وتسبيح ثم تتجه نحو ذلك الفنجان الذي تبتسم كلما تراه !
إنه رفيق درب وصديق عمر ، فنجان من الفخار الأبيض ، زيّنته رسمة طفوليّة مُتقنَة لدبٍّ قويٍّ يرتدي سترةً حمراءَ ويندفع بكلِّ قوّتهِ نحوَ شجرةِ تفاح يهزُّها فتتناثر ثمارُها غنيمةً شهيّة . فنجانٌ له قيمة خاصة ، فهو أول فنجانٍ تقتنيه بعدما مَلَكَت أمرَها ! تبتسم والابتسامة ترسمُ هالاتٍ من العَجب على محيّاها كلما تذكرت كيف كان اقتناء فنجان كهذا من الممنوعات في لائحة أسرتها ؟! وإذا سألت نفسها لماذا ؟ تاهت في دروب الإجابات ! ألا يُسمّى هذا قهراً ؟ عندما يختار لنا الآخرون نوع الآنية التي نأكل أو نشرب بها ! أليس من القسوة أن يُحرم طفل من أن يقلّد الآخرين في أمر مباح ؟ " أما زلتِ تستنكرين ؟! كُفّي عن هذا الصَّياح " تنهر نفسها بلطف ثم تمضي لإعداد فطور الصَّباح . -2- تحتضن فنجانها بين كفّيها وهي جالسة تتأمّل تلك اللوحةِ المعلّقةِ أمامها على الحائطِ : طريق طويل تكسوه الثلوج ، والأشجار على حافتيه عارية ! ارْتَشَفَت رشفة شاي وبصرها لا يفارق تلك اللوحة ... " لا أرغبُ بفعل شيء ، ليكن يوم تمرد ! لن أذهب إلى جامعتي ، أعتقد أنه يحقّ لطالبات الدراسات العليا ما لا يحق لغيرهن ! سأجلس في المنزل ، وأمارس دور ربة البيت " تضحك ملء فِيها وتحملها الذكرى إلى توجيهات أمّها الصارمة عندما كانت تقصّر في واجباتها المنزلية منادية بحقوق المرأة وأنّها لم تُخلق فقط لتكون في خدمة الزوج والولد ! فها هي الآن تحنُّ وتعود إلى فطرتها ! ارتشفت رشفة أخرى ثم شمّرت عن ساعديها وهمّت بتنظيف المنزل وترتيبه ، وإعداد ما تيسر من طعام لوجبة الغداء لها ولأخيها ، يصاحبها في أداء مهامها تلك صوت الحادي وهو يتغنّى بالأناشيد العذبة . " النظافة والترتيب من أجلّ نعم الله التي أنعم بها على عباده " هذا ما كانت تسمعه من والدتها الحبيبة بشكل يومي ... " صدقتِ يا أمي .. كم أشتاق إليك وإلى والدي الحبيب وإخوتي الأعزاء وإلى عشّنا الدافئ بل لأقل إلى حديقتنا الغنّاء " ! أما زلتِ ـ يا أماه ـ تعتنين بورودك أكثر منّا ؟! " هَمَى الدمع فاستسلمت له . يرتفع صوت المؤذن مُناديا إلى صلاة الظهر ، تجيب المؤذنَ بخشوع ثم تتوضأ وتستقبل القبلة ... بين يديّ الله تصغر مساحات الكون الشاسعة ، وتتضاءل لتصبح بحجم تلك البقعة التي تستقبل جبهتكَ لحظةَ السجود لا أكبر ! بين يدي الله تنحني الجباه بينما الأرواح تحلّق في علو ! بين يديّ الله تتنزّل السّكينة وتوأد بنات الصدر وأحزانه تحت تراب مناجاة صادقة : " رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " دقائق غاليات ، ونفحات ربّانية تمرّ على القلبِ فتسمو به ويسمو بها . -3- جلست أمام مكتبها تنوي مراجعة بعض الدروس ، فلاحت منها التفاتة نحو تلك القصاصة الملتصقة على رفّ المكتب ... " كَثيرةٌ هي الأسئلة التي نَنْسَى أن نطرحَها على أنفسِنا أو ربما نَتناسَى ، فيمر اليوم تلو اليوم وهي في تَراكُم ..! " عَلَت وَجْهَها علامات شُرود وهي تتخيّل ذلك الكم من الأسئلة المتراكمة ماثلا أمامها كَتلّ مِن وَرق ! مدّت يَدها لتنتشل سؤالا وتطرحه على نفسها : " هل يومي يشبه أمسي ؟! أم أنني تعلمتُ من تجارب أمسي فغدا يومي أنضج ..! " أطْرَقت ... بالأمس .. كنتُ أحتاج إلى من يقف بجانبي مادّا يدَ العون كي أخطو .. ولو خطوة ! بالأمس .. كنتُ أنتظر وجودهم لأحلم ..! بالأمسِ .. كانت الحيرة تكتنفني كلما هممتُ بالمسير : من أين سأبدأ ؟ وإلى أين أريد الوصول ؟! بالأمسِ .. كانت الأحلام والآمال كثيرة متشعبة ، والعزمُ في شتات ! بالأمسِ .. كان القلب غضا لا يعرف إلا البياض ! أما اليوم ... فما أجمل اليومَ وما أقساه ! اليوم .. حصاد أمس وبذرة غد اليوم .. سعة فهم ، زيادة خبرة ، ورحابة صدر اليوم .. أمل وعمل وحلم ممتد اليوم .. قلب بين الطفولة والكهولة يترنم ! اليوم .. رحلة أعرف موعدها وأخشى فواتها . طَرق على الباب أيْقظَها من شُرودِها ، فَطَوَت سُؤالَها وأعادَتْه إلى ذلك الكم المتراكم من الأسئلة ... " سأحتاجك ثانية " همستْ لنفسِها ؛ ثم رَنَت نحو البابِ لتجيبَ الطَّارق - السلام عليكم - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - عدتِ مبكرة ! هل أنتِ بخير ؟ - نعم يا أخي أنا بخير الحمد لله ، فلا تقلق . - الحمد لله . يتقدّمُ بضعَ خطواتٍ فيلمحُ حلّة البيت الجديدة ، يسأل بدهشة : - ما الأمر ؟ - لا شيء ؛ لا شيء سِوَى رَجع صَدَى ! |
#5
|
|||
|
|||
![]() كانت فاطمة جالسة حين استقبلت والدتها جارتها التي قدمت لزيارتها ، كادت الأم تصعق ، وهي ترى ابنتها لا تتحرك من مقعدها فلا تقوم للترحيب معها بالجارة الطيبة الفاضلة التي بادرت – برغم – ذلك إلى بسط يدها لمصافحة فاطمة ، لكن فاطمة تجاهلتها ولم تبسط يدها للجارة الزائرة ، وتركتها لحظات واقفة باسطة يدها أمام ذهول أمها التي لم تملك إلا أن تصرخ فيها : قومي وسلمي على خالتك ، ردت فاطمة بنظرات لا مبالية دون أن تتحرك من مقعدها كأنها لم تسمع كلمات أمها !.
أحست الجارة بحرج شديد تجاه ما فعلته فاطمة ورأت فيها مسا مباشرا بكرامتها ، وإهانة لها ، فطوت يدها الممدودة ، والتفتت تريد العودة إلى بيتها وهي تقول : يبدو أنني زرتكم في وقت غير مناسب! هنا قفزت فاطمة من مقعدها ، وأمسكت بيد الجارة وقبلت رأسها وهي تقول : سامحيني يا خالة .. فو الله لم أكن أقصد الإساءة إليك ، وأخذت يدها بلطف ورفق ومودة واحترام ، ودعتها لتقعد وهي تقول لها : تعلمين يا خالتي كم أحبك وأحترمك ؟! نجحت فاطمة في تطيب خاطر الجارة ومسح الألم الذي سببته لها بموقفها الغريب ، غير المفهوم ، بينما أمها تمنع مشاعرها بالغضب من أن تنفجر في وجه ابنتها . قامت الجارة مودعة ، فقامت فاطمة على الفور ، وهي تمد يدها إليها ، وتمسك بيدها الأخرى يد جارتها اليمنى ، لتمنعها من أن تمتد إليها وهي تقول : ينبغي أن تبقى يدي ممدودة دون أن تمدي يدك إلي لأدرك قبح ما فعلته تجاهك . لكن الجارة ضمت فاطمة إلى صدرها ، وقبلت رأسها وهي تقول لها : ما عليك يابنتي .. لقد أقسمت إنك ما قصدت الإساءة . ما إن غادرت الجارة المنزل حتى قالت الأم لفاطمة في غضب مكتوم : مالذي دفعك إلى هذا التصرف ؟ قالت : أعلم أنني سببت لك الحرج يا أمي فسامحيني . ردت أمها : تمد إليك يدها وتبقين في مقعدك فلا تقفين لتمدي يدك وتصافحيها ؟! قالت فاطمة : أنت يا أمي تفعلين هذا أيضا ! صاحت أمها : أنا أفعل هذا يافاطمة ؟! قالت : نعم تفعلينه في الليل والنهار . ردت أمها في حدة : وماذا أفعل في الليل والنهار ؟ قالت فاطمة : يمد إليك يده فلا تمدين يدك إليه! صرخت أمها في غضب : من هذا الذي يمد يده إليّ ولا أمد يدي إليه ؟ قالت فاطمة : الله يا أمي .. الله سبحانه يبسط يده إليك في النهار لتتوبي .. ويبسط يده إليك في الليل لتتوبي .. وأنت لاتتوبين .. لاتمدين يدك إليه ، تعاهدينه على التوبه . صمتت الأم ، وقد أذهلها كلام ابنتها . واصلت فاطمة حديثها : أما حزنت يا أمي حينما لم أمد يدي لمصافحة جارتنا ، وخشيت من أن تهتز الصورة الحسنة التي تحملها عني ؟ أنا يا أمي أحزن كل يوم وأنا أجدك لاتمدين يدك بالتوبة إلى الله سبحانه الذي يبسط يده إليك بالليل والنهار . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )). رواه مسلم . فهل رأيت يا أمي : ربنا يبسط إليك يده في كل يوم مرتين ، وأنت تقبضين يدك عنه ، ولا تبسطينها إليه بالتوبة! اغرورقت عينا الأم بالدموع . واصلت فاطمة حديثها وقد زادت عذوبته : أخاف عليك يا أمي وأنت لاتصلين ، وأول ما تحاسبين عليه يوم القيامة الصلاة ، وأحزن وأنا أراك تخرجين من البيت دون الخمار الذي أمرك به الله سبحانه ، ألم تحرجي من تصرفي تجاه جارتنا .. أنا يا أمي أحرج أما صديقاتي حين يسألنني عن سفورك ، وتبرجك ، بينما أنا محجبة !. سالت دموع التوبة مدرارا على خدي الأم ، وشاركتها ابنتها فاندفعت الدموع غزيرة من عينيها ثم قامت إلى أمها التي احتضنتها في حنو بالغ ، وهي تردد : (( تبت إليك يا رب .. تبت إليك يارب. قال تعالى ( ومن يغفر الذنوب إلا اللـــــه )) لقد رآك الله وأنت تقرأ هذه الكلمات ويرى ما يدور في قلبك الآن وينتظر توبتك فلا يراك حبيبك الله إلا تائبا, خاصة ونحن في شهر فضيل, وموسم كريم, قد غلقت فيه أبواب العذاب وفتحت فيه أبواب الرحمة, وهو فرصة عظيمة للعودة إلى الله, وقد لا تتكرر هذه الفرصة مرة أخرى, فيأتي رمضان وأنت في عداد من قد مات, والله المستعان. فعسى أن يكون في هذه القصة عبرة لك تكون باب خير للدعوة إلى التوبة إلى الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم |
#6
|
|||
|
|||
![]() كنت على قدر ضئيل من الجمال ولم أحظ بفرص تكفي لأن يتردد اسمي في مجالس النساء كعروس محتملة، ومع ذلك لا أحمل عقداً نفسية ولا أتطلع إلى أشياء وخيالات وهمية؛ لذا انصب اهتمامي على تطوير ذاتي ودعم شخصيتي وتنمية مواهبي ومهاراتي في كل ما تميل إليه نفسي.. لذلك كنت أنقد على والدتي –في نفسي- عندما أمر من أمامها وأسمع دعاءً صادقاً وعبارات حارقة تخرج من قلب ملهوف عليّ يفهم منه أني أشبه الفتاة المسكينة التي لن يكون لها حظ في الدنيا، في حين أني أرى نفسي –بعيداً عن جمال جسدي- أراني جميلة بما يحويه قلبي من حب، وعقلي من فكر.. أراني حرة أبية قادرة على تحمل مسؤولياتي تجاه نفسي والآخرين، وقادرة على النجاح في حال خضت أياً من تجارب الحياة.
وذات أصيل.. قابلتني أمي وفي عيونها فرح لو وُزّع على الكون لكفاه.. واحتضنتني حتى كادت أضلعي تختلف مع أضلعها.. وهمست في أذني: مبروك.. جاء العريس.. لقد استجاب الله دعائي.. فرحت أمي، ولكنها ليست فرحة الأم لخطبة ابنتها.. أحسست أنها فرحة تشبه فرحة النجاة لمن تقلب بين الحياة والموت، وكان للموت أقرب!!.. لذا لم أرتح لفرح أمي الشديد وغير المبرر، وذلك من زاوية تقديري لذاتي.. كان الشاب المثالي لارتباط مثالي.. انتهت الاستعدادات سريعاً، وتم الاتفاق على أن يكون الحفل بسيطاً.. حيث تقام وليمة صغيرة، ويأتي العريس، ويأخذني من بيت أهلي إلى بيتنا الجديد.. لقد تم كل شيء بسرعة على أن أمراً ما بعث في نفسي الارتياح، ذلك أنه لم يطلب من والدي أن يراني عند الخطبة، والذي فهمته أنه لا يريد مواصفات معينة وجمالاً خاصاً لذلك زالت من نفسي كل الشكوك والوساوس من اللقاء للمرة الأولى. وفي الليلة المحددة انتقلت إلى بيتنا الجديد ونزعت غطائي وعباءتي.. وإذا به يصرخ بصوت عال: لست أنت.. خدعتموني.. لست أنت؟!! عبارة واحدة وعرفت بها مصيري، واتضحت بها الأمور أمامي.. قلت: فمن إذن؟ قال: تلك بيضاء طويلة جمالها ظاهر في الحجاب فكيف بدون حجاب؟ قلت: من هي؟؟ قال: تلك التي تخرج وتدخل بيتكم كل يوم، ومضى لي شهر وأنا أرقبها لكي أراها تنزل من حافلة المدرسة أحببتها، ورغبت فيها زوجة لي.. لقد تجلى الصبر أمامي في تلك الليلة والتزمت الهدوء واستجمعت كل قواي!! لأقول له: تلك أختي التي تصغرني.. ولست أنا..!! وحينما خطبت منا لم تقل فلانة أو فلانة وإنما طلبت بنتاً من هذا البيت المسكون بالعفة والطهر.. وليتك قلت فلانة لنعرف.. أما وقد اتضح الأمر.. ليس لي في الأمر شيء.. وأنت في حل أمام استمرار هذا الزواج.. وسأمضي غداً إلى بيت أهلي.. خيم الصمت على المكان.. استلقى على السرير بملابس الزفاف، وبقيت على الكرسي بملابس الزفاف.. حتى لاحت خيوط الفجر الأولى، لم أتحرك منه لدرجة أنني لم أحس بجسدي أيهما الجسد وأيهما الكرسي.. نام متأخراً ولما صحا رآني كما كنت منذ أكثر من أربع ساعات.. وفي موقف تغلب فيه شعوره الإنساني دعاني إلى أن أرتاح وأتمدد، ولو قليلاً على السرير.. لكني كما قلت كنت كالكرسي الذي أجلس عليه.. ولما لم أستجب قام، وأمسك يدي يساعدني على النهوض.. كانت لمسة يده ليدي هي لمسة عمره وعمري.. أما لماذا..؟! فكما عبر لي لاحقاً.. يقول: أقسم بالله عندما لمست يدك سرى حبك في يدي، وامتد إلى قلبي واستقر.. لقد رآني كما كنت أرى نفسي.. أصبحت حب حياته، وكما يقول مفاخراً: تاج راسه.. وأصبح لي الحلم الذي ليس بعده حلم.. لكني كنت أعلم أنه تدبير رب العالمين، ألم يقل جل شأنه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم 21. |
#7
|
|||
|
|||
![]() يقول صاحب القصة نقلاً عنه :
هذه قصتي أسوقها لكم لعل فيكم من يسمع و يعي . كنت شاباً يافعاً مشرئب المعالي ، سليم المعاني ، تتزاحم في قلبي الكثير من الآمال والأحلام التي تراود كل فتى , أجد نهمتي في قراءة القرآن الكريم ، وألتهم كل ما يقع في يدي من الكتب النافعة ، لا أزال ملتحقاً بحلقة تحفيظ القرآن منذ بلوغي العاشرة من عمري ، ولم أتركها حتى يومي هذا ، لطيف المشاعر صادق الإحساس ، يحبني كل من يقابلني ، أستقبل كل من يراني بابتسامة ترتسم على محياي . لم أكن بمعزلٍ عما يداهم شباب زمني من توافد الملهيات وشواغل الترهات لاسيما الشهوات وما أدراك ما الشهوات ! كنت أجاهد نفسي عن ذلك كله إذا عنّ لي ما قد يضرني منها مستعيناً بالله ثم بالرفقة الصالحة التي تلزمني طاعة الله والاستقامة على طريقه , محاضرات , ودروس علمية , ومجالس تربوية جادة كل ذلك كان حياتي ، أنسى نفسي الساعات الطوال في القراءة ، أمكث في المسجد أوقاتاً كي أحفظ سورة من سور القرآن . تخرجت من الجامعة وكانت فرحتي غامرةٌ جداً , كان تخصصي نادراً لذلك كان تعييني في المكان الذي أختاره , لا أصف فرحة الوالد والوالدة عندما علموا أنني سأقيم معهم ولم أتغرب لا سيما أنني أول أبنائهم الذكور . لا أريد أن أطيل عليكم في مقدمة قصتي حتى لا تملوا . بعد زواجي بفترة وجيزة ، اجتمعت مع بعض الأصدقاء والأحباب ، في منزل أحدهم كانت جلسة ثرية تنوعت مواضيعها الجميلة , المشوبة بالطرف النادرة والفكاهة البريئة والتعليقات على البعض . تطرق أحد الشباب لموضوع الإنترنت وشخـّّص بعض حالات الشباب وانهماكهم في استخدام الشبكة العنكبوتية كيف استخدموها في إشباع غرائزهم . كنت في ذلك الوقت منصتاً مستمعاً مردداً : إنا لله وإنا إليه راجعون . لا حول ولا قوة إلا بالله . أسهب الإخوان في هذا الموضوع , وأنا مابين مستغرب ومتعجب . أقول في نفسي أنا أملك حاسوباً , وأدخل الشبكة بين الحين والآخر ولم أجد ما يقولون من تلك الصور والمشاهد الخليعة . في أثناء الكلام قلت لأحد الإخوان : كيف يستطيع الشباب الدخول لهذه المواقع .... رد علي ّ بكل ثقة وتمكن : الأمر بسيط جداً ثم أخذ يشرح لي الطريقة التي سجلتها في ذاكرتي تسجيل الآلة . ويا ليتني لم أسمعه ولم أعي ما يقول ! لم أعلم أنني من ذلك المجلس سوف أدمر نفسي وأسعى في خرابها ! خرجت من هذا المجلس وقد تعاهدنا ألا يقطع أحدٌ منا الآخر . ركبت سيارتي , ولا زال شرح صديقي يرن في مخيلتي , ويتكرر علي ّ إلى أن وصلت البيت ، استقبلتني زوجتي وابنتي , كما تستقبل الأرض الجرداء ماء المطر , جلست معهم بجسمي لكن عقلي بعيد ٌ عنهم , فلا زال كلام صديقي يمر ّ علي تكراراً وكأن الشيطان يحفظني إياه . تظاهرت بالنوم ، ثم استعديت له . ما إن استقر جسدينا على السرير ، ووضعت رأسي على الوسادة بدأت زوجتي تكلمني عن بعض الأمور التي دائماً ما نتكلم عنها ، لكني أشرت إليها بحالي أني لا أرغب بما تعودنا عليه فأنا أريد النوم , عندما أخلدت هي إلى النوم , إنسللت منها وخرجت بكل هدوء , قاصداً جهازي الحاسوب , لا يمكن أن أعبر لكم حالي هذه إلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " لم أزني ولكني أحسست أني لست أنا أحسست أني في سكرة .. أني تجردت من كياني وشخصيتي .. نسيت ذاتي نسيت القرآن والدروس وهم الدعوة ... نسيت كل شيء لم يحضرني منها شيء جلست أمام الحاسوب , وبدأت في تشغيله ، فوراً اتجهت نحو الإنترنت ، أدخلت رقم بطاقة الشبكة ويدي ترتجف بدأت أنامي ترتعد والعرق يتصبب . وكلام الشباب حاضرٌ في مخيلتي ، والشرح الوافي من صديقي لم أنس منه شيء . ثم بدأ التطبيق خطوة خطوة .. بدأت المواقع تنهال علي من كل حدبٍ وصوب ٍ ! أشخصت بصري ! زاد خفقان قلبي ! علت عليّ ابتسامة الظفر عندما رأيت أول منظر . كان منظراً تافها ً إذا قارنته بما رأيته من بعد . لكني واصلت المسير وصرت كالقناص المترف الذي يبحث جاداً عن صيدٍ هو في غنىً عنه . مضيت تلك الليلة في الانتقال من موقع لآخر كل منظر يدعوني لما هو أفسخ منه حتى أذن الفجر . يا الله أذان الفجر الذي دائماً أتلذذ به , كنت أسمعه من قبل وأنا مستغرق في النوم فأقوم إلى صلاتي ، بل كنت أستمع إليه وأنا قائم أصلي ما تيسر لي من قيام الليل . أذن الفجر هذه المرة ولم يعني لي هذه المرة أي شيء ، الموقع تلو الموقع , تضايقني كثيراً صفحة الحجب و يتمعر لها وجهي . وددت لو أن العالم العاري كله أمام عيني . يالله ما هذا الشغف ما هذا الجنون الذي أعيشه . دقائق وصوت المؤذن يرتفع بالإقامة ، قمت وأنا لا زلت في شوق للمزيد . قمت وأنا أتابع بنظري الشاشة ، توضأت ثم عدت إلى الشاشة مرة أخرى أرقب مفاجآتها . أسرعت إلى المسجد لعلي أدرك الجماعة ، أو أدرك الصلاة قبل السلام . كانت هذه الصلاة بمثابة استرجاع لما رأيته آنفاً مرت علي كل الصور والمشاهد الخليعة التي رأيتها ، لم أعقل من صلاتي شيء . بعد أن أنهيت الصلاة ، كررت راجعاً أستبق خطاي نحو جهازي ، استيقظت زوجتي ، وعلى وجهها علامات الإستغراب , هل نمت البارحة ؟ غريبة قاعد على الحاسب ؟ أردّ ُ عليها بكل برود : أنت ِ تعرفين هذا الكمبيوتر فتنة ، الواحد إذا فتحه ينسى نفسه . قالت وقد ارتسمت على محياها ابتسامة جميلة يخالطها النعاس : بس ما تنساني ؟! أشرقت الشمس ، واتضح النهار وأنا أخوض هذا البحر الهائج ! أشرقت شمس يومي على هذه الحالة , وقد كانت من قبل تشرق علي ّ وأنا في المسجد أتلو كتاب الله , وأذكره سبحانه . سبحان مغير الأحوال . تغيرت حالي في سرعة عجيبة . بعد أن أجهدت عيناي ، وبدأت أفقد الكثير من تركيزي بسبب الساعات الطوال التي مضت ، أغلقت الجهاز بعد أن حفظت الكثير من المواقع الخبيثة . أسرعت إلى فراشي واستلقيت عليه ثم ابتسمت ابتسامة ً عريضة ، وبدأت تمر علي ما اختزلته في ذاكرتي من مشاهد السوء , كنت في سكرة ، لم أفق منها . نسيت " الذين يخشون ربهم بالغيب " و " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " و " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " و الكم الهائل من الأحاديث التي قد توقظني من سكرتي . مر اليوم الذي يليه على هذه الحال ، كنت فيه أشره من سابقه ، كنت كالمجنون يبحث عن ليلاه . تغيرت حالي وتبدلت أحوالي , دائما أفكر , أتهرب ، أتنصل من مسؤلياتي , أفرّعن بر أبي وأمي . وفي غمرة السكرة ولجة الظلمة ، استيقظت ، وقلت في نفسي : أنا ماذا فعلت ؟؟؟ هل أنا مهبول ؟؟ لجأت إلى الله سبحانه , ندمت على ما فات أشد الندم . كان وقع هذه المعصية كبيراً على نفسي ، بكيت وبكيت وبكيت في سجودي . وقيامي وركوعي . ولكن النظرة كالجمرة تحرق وتبقي أثراً. عزمت على ترك ما أنا فيه واستغفرت الله . لكني - والأمر بيد الله والحكم حكمه – لا أزال أعاني من توارد تلك المشاهد والصور ، على تفكيري تشغلني كثيراً في أغلب أوقاتي ، ومع كثرة هذه الأفكار التي ترد عليّ وإلحاحها على ذهني ، وقعت في الفخ مرة أخرى !!! نعم وقعت في الفخ مرة أخرى ! عدت لما كنت عليه بل صرت أكثر احترافاً ومقدرةً أظلم قلبي ، وشغفت بتلك المناظر شغف الخليل إلى خليله . كنت أظهر للناس بمظهري السابق ، الإلتزام ، الخلق الحسن ، حفظ القرآن .... وكنت أبطن في نفسي الكم الهائل من المناظر والصور العارية لأجساد الكفرة والفسقة . أتوب وألجأ إلى الله ، ثم أعود مرة أخرى , على هذه الحال مراراً وتكراراً !! نذرت على نفسي النذور وأخذت عليها العهود والمواثيق ، ولكن لا جدوى , فدائماً قلبي مشغوف بالصور . قلت في نفسي السبب جهاز الحاسوب ، هو الذي يعيني على هذه المعصية ، ثم إن جهاز المودم هو الوسيلة الوحيدة للاتصال بهذه المواقع . أخذت مفتاحاً ثم قمت وأنا في حنق وغضب أكسر المودم وأهشمه حتى أيقنت أنه تعطل وأصبح لا جدوى له . حمدت الله وشكرته إذ ، لا مواقع بعد اليوم . بقيت في حال جميلة فقد عدت إلى ما كنت عليه من التقى والصلاح . ولكن لا زالت المناظر التي رأيتها تُـعرض عليَّ ، ويمر طيفها على خيالي . لا أراها بعيني ، ولكن أرها في فكري , في ذهابي ، وإيابي ، حتى في صلاتي . عشت أياماً عصيبة , أصارع فيها نفسي , وشهواتي . كنت المنهزم دائماً أمام نفسي فلا ألبث أن أعود مرة أخرى إلى ما كنت عليه والبحث عن مواقع السوء لا أخفيكم سراً ، أنني مع مرور الزمن لم أكن أتلذذ برؤية هذه الصورة لذة تذكر ، بل أحس أني أجر إليها جراً وأسعى إليها بلا سبب يدعوني إلى ذلك ، ناهيك عن الحسرات والآهات التي كنت أتجرعها ! لا أكتمكم أيضاً أن شؤم هذه المعصية بدأ يترآ لي بين الفينة والأخرى ، كانت المصيبة تأتيني وأقول في نفسي هذه والله المعاصي ، هذا من النظر إلى ما حرم الله ، هذا مصداق قول الله عز وجل : " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ .."الآية . كم مرة حرمت من الرزق وأنا أراه يأتي إلي ، بل والله إني أرى بعض الأمور التي أسعى إليها من أمور الدنيا كترقية أو انتقال أو غيره ليس بين تحقيقها إلا اليسير ، ثم أرها تذهب عني ، وتنتقل إلى غيري وقد أعقبتني حسرة وندم . قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد ليحرم الرزق بسبب الذنب يصيبه ) . أعود إليكم وأقول أنني مع ما أنا فيه من حال لم أترك الالتجاء إلى الله والتضرع إليه ، بل أكثر من العبادات صياماً وصلاة ً وتصدقاً وبراً . وبالأخص بعد كل توبة ٍ أجددها إذا استرسلت في غيي ، كنت أبكي في صلاتي بكاء الأطفال متضرعاً إلى الله أدعوه بأسمائه الحسني وصفاته العلى أن يغفر لي وأن يبعدني عن هذه الشهوة . أواضب على حضور المحاضرات والدروس ، أستمع كثيراً إلى كتابه . فأنا وإن كنت ملطخاً بهذه المعصية إلا أن ذلك لا يمكن أن يبعدني عن ربي ؛ حيث لا ملجأ من الله إلا إليه . والأمر أمره والقضاء قضاؤه ضاق صدري وضاقت حيلتي ، قد يقول قائل : لماذا لا تبعد عنك الجهاز أو تبيعه وتستريح ؟ وأنا أقول : يا ليت ذلك ينفع وقد جربته مراراً . كم من جهازٍ كسرته ، وخسارة خسرتها ، ومع كل ذلك أعود لما أنا عليه . لا أخفي عليكم أني فكرة في الإنتحار أكثر من مرة ، ولكن الله سلم وقلت أيهما أعظم أن أقتل نفسي فأبوء بالإثم العظيم ، أم أجاهد نفسي عن هذه المعصية. لكل شيء نهاية ولكل أمر مستقر . كثرت علي المصائب وتوالت على الخسائر المالية ، وكثرت التعقيدات التي لا أعلم من أين تأتي ، أصبحت محطم الكيان ، دائم التفكير لا أعلم كيف أنجو وكيف أخرج من هذا الكهف المظلم . مر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) قلت في نفسي هل كل أعمالي التي أعملها لله وأسعى في أن تكون خالصة له ستذهب هباءً منثوراً يوم القيامة ؟ كانت الصدقة والصلاة من العبادات المحببة إلى قلبي : حفرت بئراً في إحدى الدول الإسلامية وكفلت فيها حلقة لتحفيظ القرآن الكريم ، وكفلت يتيماً ، لا أرد من يسألني مالا ً سواءً صدقة ، أو قرضاً ، كنت مقصد إخواني وأحبابي فيما يعترض لهم من حاجة . لا أريد أن أباهي بما عملت ، أو أعجب به ولكن هل هذا كله سيذهب هباءً منثوراً يوم القيامة ، عندما يستظل الناس في ظل صدقاتهم يوم الحر الشديد ، آتي أنا أبحث عن صدقاتي فأجدها هباءً منثوراً . يحرمني الله عز وجل من مصاحبة نبيه عندما قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ...) بكيت على حالي ، وندمت على ما عملت ، هل هناك مقارنة بين لذة الساعة والساعتين التي أمكث فيها أمام الشاشة لرؤية العاريات ً وبين رضا الله عز وجل والدخول في الجنة والسلامة من النار ؟! كنت وأنا أعمل هذه المعصية ، أبالغ في التحفظ والتأكد من أن أحداً لا يراني ، وأمحو من جهازي جميع ما يتبقى من صور أو روابط تدل على جريمتي . غاب عني أن علام الغيوب يعلم ما أفعل ويسمع ويبصر!! " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله " إن سمعت في البيت صوتاً ، وأمراً غريباً خفت وارتعدت ، ولم أخف من الحي القيوم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء يا الله ما أحلمك ! ما ألطفك بي ! مرت الأيام تلو الأيام ، وعندما بلغ الأمر منتهاه ، صارحت زوجتي بحالي ، وما أنا فيه . تفاجأت المسكينة ، ونظرت إلى بنظرة استغراب واستحقار ، وكأني بها تقول لا أرى منك إلا كل خير فما الذي دهاك ؟ لقد شعرت بأني لا شيء ، وأني أحقر ما أكون ! طأطأت برأسي أمامها وقلت في أسى وحيرة : ما أدري ما أفعل ، لقد كنت منذ زمن بعيد وأنا على هذه الحال .... وأنا أقرأ كعادتي في كتاب الله مررت بقوله تعالى : " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير " تأملت هذه الآية ووقفت عندها كثيراً كثيراً أمام معناها ، الذين يخشون ربهم بالغيب . هل أنا منهم ؟ الغيب معناه ألا يراك أحد ، أن تكون غائباً عن الخلق فلا يراك أحد فتدعوك نفسك للشهوة ، ثم تقول إن كان أحدٌ لا يراني فالله يراني . ليس لي نصيب ؟ من أجر هذه الآية إن أنا بت على ما أنا عليه ! لقد بدأ النور يشع في قلبي ، وبدت أزاهير التقوى تتزين في روحي . عزمت على التوبة النصوح والندم الصادق ، توجهت إلى الخالق سبحانه ، بقلب منكسر ، ورح مفتقرة إليه ، ناديته تضرعت إليه ، توسلت إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، مرغت وجهي في السجود إليه ، ناديت : يا ربي يا خالقي ، إن لم تغفر لي وترحمني لأكونن من الخاسرين ، يا رب ليس لي ربٌ سواك فأدعوه ، ليس لي مَن ألجأ إليه إلا أنت ضاقت الأبواب إلا بابك ، يا رب اعصمني من هذه الفتنة التي أنا فيها يا رب إني فقير إليك ليس بي حول ولا قوة إلا بك . ربنا كريم ربنا رحيم ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، في سجودي وقيامي وقعودي كان هذا همي وهذا دعائي ، أنتظر الفرج من الله الكريم فقد ضاقت بي الدنيا ، وأغلقت أبوابها في وجهي وليس لي إلا الله . لا يفتر لساني من ذكره ، وقلبي من التفكر فيه سبحانه في آلائه ومخلوقاته ، الحمد لله انكشفت الغمة وزالت الظلمة ، تركت هذه المعصية وانسلخ قلبي من التعلق بها ، أحسست أني أولد من جديد ، استنار قلبي ، وانفرجت أسارير وجهي ، وتحسنت أحوالي . أسأل الله العظيم بمنه وكرمة أن يرزقني شكر نعمته ، وأن يلزمني الطريق المستقيم ، والبقاء عليه ، وأن يحسن خاتمي ،،، هذه قصتي أقولها لكم ، كي تجتنبوا ما وقعت فيه ، ولتعلموا أن الله وحده هو المنجي فلا يتعلق أحد ٌ بغيره ، وهو يكشف الضر ويرفع البلاء ، وليعلم كل من وقع في الصور والمشاهد الخليعة أنه يقتل نفسه ، وينسفها إلى أسفل سافلين ، التعديل الأخير تم بواسطة وســـــــــام* ; 02-07-2008 الساعة 04:15 PM. سبب آخر: تعديل إملائى بسيط وكتابة آيه كريمة صحيحة |
#8
|
|||
|
|||
![]() عرفتها في أحد دور تحفيظ القرآن الكريم .. امرأة كفيفة .. كنا نتعجب من حرصها على الحضور والحفظ والمواظبة على ذلك .. وما هي إلا سنوات قليلة حتى أتمت حفظ المصحف كاملاً.. سألتها ذات مرة عن العمى الذي في بصرها وهل هو منذ أن ولدت؟ فأجابت قائلة: كلا يا بنيتي بل إن لي قصة مع ذلك .. فقلت لها: وما تلك يا خالة؟ قالت: عندما كنت في الخامسة عشر من عمري خطبت لابن عمي فأحببته حباً شديداً وتعلقت به تعلقاً عميقاً وما هي إلا برهة يسيرة من الزمن على ذلك حتى كرهته وكرهت كل شيء يتعلق به وما كنت أطيق ذكره ومنظره إلا أن أهلي أرغموني على الزواج به بشتى الوسائل وكانوا يستخدمون ألوان التعذيب في إكراهي عليه حتى الضرب ما سلمت منه .. وفي أثناء ذلك أصبت بوعكة صحية ذهبت على إثرها للمستشفى وبعدما كشف الطبيب على حالتي المتردية قام بإعطائي بعض الأدوية لتخفيف ما أنا فيه .. وكانت أمي – رحمها الله- هي التي تقوم بإعطائي الأدوية وجهلاً منها كانت تعطيني الأدوية خلاف الوصفة الطبية التي كتبها الطبيب لي بعدها أصبت بغيبوبة ستة أيام أفقت منها وأنا بحمد الله بخير إلا أني لا أبصر شيئاً أفتح عيني أحاول النظر بهما إلا أني لا أرى شيئاً!!! تفاجأ أهلي بذلك وصدمت أمي وأهلي جميعاً صدمة عنيفة وندموا أشد الندم وقاموا بالبحث عن علاج لي إلا أنهم ما وجدوا شيئاً داخل بلدتنا آنذاك فقام بعض الأطباء بإرشاد أهلي للذهاب إلى البلدة الفلانية فلعلهم يجدون فيها علاجاً مجدياً.. قام أهلي ببيع جميع ممتلكاتهم في سبيل الوصول إلى تلك البلدة التي أرشدنا الطبيب للذهاب إليها والبحث عن علاج لعيني اللتين فقدتهما وقمنا بالسفر إلى تلك البلدة وما أن وصلنا إلى الطبيب المعروف هناك وتم الكشف على عيني حتى أبدى يأسه من شفائهما وقال: إن عروق العين قد يبست وما عاد فيها أمل لأن تبصر .. عدنا إلى بلدتنا بعدما فقدنا الأمل في الشفاء لقد شعر أهلي بالخيبة والأسى وأصبحوا يعضون أصابع الندم ولات ساعة المندم .. حاولوا بحثوا يئسوا .. إلا أن البحث أعياهم فلم يجدوا شيئاً ولم يتمكنوا من الوصول إلى علاج ناجح لي ... بقيت في بيت أهلي كسيرة حسيرة حبيسة جدران البيت المتهاوي لا أرى شيئاً ولا أبصر أحداً حتى يسر الله لي الإتيان إلى هذا البلد المعطاء والتحقت بدار لتحفيظ القرآن والحمد لله تمكنت من حفظ القرآن كاملاً .. وأين ابن عمك؟؟ ألم يسأل عنك؟ ألم يتم زواجك به؟ ابن عمي تزوج من فتاة أخرى ولديه منها الآن أبناء وبنات وأحفاد أيضاً.. وأنت ألم تتزوجي بعد؟ لم أتزوج إلا من سنتين من رجل فقير مستور الحال والحمد لله على كل حال .. أخيراً .. بعدما عشت في خضم هضم هذه المأساة توجد رسالة تودين أن توجهينها إلى أهالي الفتيات اللاتي يرغمونهن على الزواج بمن لا يرغبن؟ نصيحتي لكل أب وأم أن يتركوا لفتياتهم حرية اختيار من يرغبن الزواج به طبعاً في حدود التفاهم والنقاش فيما بينهم وألا تنفرد الفتاة برأيها وتستبد رغبتها دون أن يكون هناك نصح وتوجيه من الأهل كما أتمنى أن تزال النعرات القبلية والتعصب والتشدد من قبل الأهالي في فرض شخص معين على ابنتهم .. وعلى الفتاة أيضاً أن تحرص على إرضاء أهلها وعدم فرض رأيها عليهم وتجاهلها لإرشادهم وتوجيههم ... |
#9
|
|||
|
|||
![]() كنت وأنا فتاة... (هكذا حدثتنا) أعيش بهواي.. أتفنن في زينتي ومكياجي.. وعطري يفوح لأمتار.. ليرى الناس كم أنا أنيقة وجميلة.. وذات يوم.. خرجت إلى السوق مع والدتي.. وبينما أنا أمشي إذ سمعت فجأة صوتاً من خلفي ينادي بصوت يقطر حباً وحناناً: يا حبيبتي... يا حبيبتي.. فالتفت فإذا بسيدة تصافحني بحرارة .. فصافحتها بدهشة .. فشدت على يدي وقالت بصوت ملائكي حنون: يا حبيبتي... إني أرى الله قد ألقى على وجهك نوراً.. فلا تطفئيه.. بظلمة المعصية... فأخذتني العزة بالإثم ونترت يدي من يدها ومضيت غير أني أحسست كأنما كلماتها قد نقشت في قلبي... فلما عدنا إلى البيت... صارت تأخذني رعدة شديدة كلما ذكرت كلماتها (إني أرى الله قد ألقى على وجهك نوراً ... ). وساقتني كلماتها إلى المرآة .. ونظرت إلى وجهي.. كأنما أراه لأول مرة.. وخيل إليَّ في وجهي نوراً يضيء ثم يخبو ... عندئذٍ ... رنت في فؤادي كلماتها (فلا تطفئيه بظلمة المعصية ... ) صليت في هذه الليلة... صلاة العشاء، صلاة متدبرة لأول مرة في حياتي... ثم أويت إلى فراشي... غير أن النوم جفاني... وبدأت كلماتها ترنُ من حولي... فلا تطفئيه... فلا تطفئيه... فلا تطفئيه... وأخذت تتجاوب بها جنبات الليل... حتى خيل لي أني أسمع صوتاً يناديني يا فلانة ... إن الله قد ألقى على وجهك نوراً... فلا ... عندئذٍ لم أدع الصوت يكمل بل قمت مسرعةً إلى سجادتي... وقلبي يكاد ينخلع من شدة الخفقان... وخررتُ ساجدة وأنا أهتف أعاهدك يا رب... ألا أطفئه أبداً... وبدأت الدموع تنهمر مدراراً وأنا أقول: يا رب... لقد أمهلتني طويلاً... ما أكثر نعمك... وما أقل حيائي... يا رب.. وترددت صيحة الحق ودوت في جنبات الكون من المسجد المجاور لبيتنا وأنا في بكائي ونشيجي .. ومن لحظتها وفيت بعهدي فلم أطفئه بمعصية أبداً... حينئذٍ التفت إلى وجهي فإذا هو يتألق نوراً ... |
#10
|
|||
|
|||
![]() سكنت الشمس خلف خط المغيب , و لم يتبقى منها سوى بعض أشعتها الهاربة من وراء الأفق , فصبغت طرف السماء الملتقي بالأرض بشفق أحمر . الكون يستعد لوداع نهار مرتحل و استقبال مساء جديد , لحظات بسيطة حتى أسدل الظلام رداءه الأسود على الفضاء , معلناً بدء ذلك المساء , هو مساء الخامس من أيام شهر شوال من هذا العام , شوال الذي ودع فيه الجميع شهر الخيرات بقلوب ملؤها الأمل بالقبول , و الألم بالفراق , شوال الذي تضاعفت فيه السعادة , فالقلوب تنيرها أثر الطاعة , و الوجوه ارتسمت عليها ألوان الفرح بأيام العيد , لقد مضت الأيام , أيام رمضان و أيام عيد الفطر بعدما سبغت النفوس بالطمأنينة .
هذا المساء هو موعد زيارتي لبلاد الأحزان , حيث اتفقنا أنا و بعض أهلي أن نقوم بتلك الزيارة , ركبت سيارتي و انسللت من بين أطراف المدينة , عبر شوارعها الهادئة التي زينها الفوانيس المضيئة , و تسللت خلسة و لا يظهر على المدينة من مظاهر العيد سوى بعض الألعاب النارية التي يعبث بها الأطفال , فكانت مفرقعاتهم النارية تصعد إلى السماء , فيُحدث ضوءها المنتشر ثقباً نيراً وسط الظلام , فهي لحظات فما تلبث أن تختلط أضواؤها المتقطعة مع ضوء النجوم الخافت في السماء , وثم برهة فيسمع دوي أصواتها يمزق السكون الذي يخيم على البلد . لم تكن مدينة الأحزان بعيدة , وأيضاً كانت الزيارة لساعات قليلة , في داخل المركبة كان الصمت هو سيد الموقف , و التفكير بتلك الزيارة يقطع علينا كل حديث , فتلك الزيارة جديدة علينا و لم يسبق لنا فيها خبرة , وبعد وقت قصير بدت لنا مدينة الأحزان , و هي مدينة وسط مدينة , يحيط بها أسور عظيمة , و أسواها لها أبواب , و لا أدري ما بداخل أو خلف ذلك الباب , هل الرحمة أو العذاب .من تلك البوابات تقف بوابة عظيمة قد زُينت بزخارف حديدية , و كسيت بقطع زجاجية , تحجب الرؤيا لمن خلفها عما تحويه تلك المدينة ببطنها . فوقفت أمام تلك البوابة , حتى انفتحت دفتيها , وقفت في الموقف المخصص , نزلت من سيارتي . و إذ باستقبالي المشرف على تلك المدينة , سلمت عليه و عرفته بنفسي و قلت اتصلت بكم من قبل و أخذت موعداً لمقابلتكم و معي بعض أهلي , فقال مرحباً بك في دار الرعاية الاجتماعية للمسنين و المسنات . و بعد الترحاب قام المشرف بالاتصال على قسم النساء لكي تدخل الأخوات إلى أخواتهن , ثم بدأ المشرف بشرح الأهداف من أقامة مثل هذه الدور , فهي دور قامت بالأصل لاحتواء من كبر سنهم فعجزوا عن القيام بخدمة أنفسهم , أومن فقدوا أهلهم و لم يجدوا من يعولهم , و لكن دخلت يد العقوق فصارت مسكناً لأعز الناس من أقرب الناس , فكانت عالماً من النسيان و سكناً للأحزان , في بداية هذه الزيارة طلب مني المشرف ( وفقه الله ) أن نبدأ بزيارة ساكني الدار قبل الجلوس و الحديث . بدأنا الزيارة فكانت المدينة هادئة صامته , عُلقت في أطرافها عبارات جامدة , ولمكن ناطقة بالحزن و التساؤل , مررت بجانب الكثير من اللوحات التي تأخذ شيئاً من قلبي …فهناك لوحة تقول : أبني هل نسيتني , إن نسيتني أنت , فمن سيذكرني ؟ كم طال علينا الانتظار , فهل نقطع حبل الرجاء , و ندفن الأمل . كم نشتاق لكم فهل نسيتمونا ؟! لا تنسوا , قلوباً قطعها الألم , و عيوناً أوجعها البكاء , و أنفساً ضاقت عليها الدنيا بما رحبت. في الأمس سهرنا لتناموا و تعبنا لتنعموا , و اليوم سهرنا و تعبنا في انتظاركم , فهل تحين ساعة اللقاء و نسعد ببعض الوفاء. سأظل أنسى العقوق , حتى تبصر أنت الطريق , أو يبصرني زائر الموت . إن لم تسعدني بنظرتك فاسمعني صوتك. مررت من بين العبارات , و كل عبارة هي خنجر يخترق جسمي , و كل كلمة هي طعنه ينزف منها قلبي , و كل حرف هي ضيقة تزحف لصدري , لقد كنا في أول أيام الشتاء , و الجو لا يخلو من نسمات باردة , وكانت الأشجار المحيطة بالمباني طويلة , وهي صامته , موحشة , كئيبة , منظرها يدل على أنا قد ملت من تلك العيشة الهادئة . فعندما تحركها النسمات يُخيّل للرائي و كأنها أشباحٌ قادمة من بعيد برداءٍ أخضر غامق . تتساقط أوراقها اليابسة متتابعة كأنها تود أن تصير إلى زوال و تختار نهاية لهذه العيشة المملة , فتقع تحت أقدامنا تلك الوريقات , فنطؤها فتتحول إلى فتات سحيق تذروها الرياح إلى خارج الأسوار , فتنجو من قبضة مدينة الأحزان , فرحة لأنها خارجة من هذه العيشة الضيقة التعيسة , فتغدو إلى عالم رحب فسيح , أشد رحابة و فساحة في أحزانه . تأملت مرة أخرى أرجاء المبنى فوجدت أن السكون هو أمامهم , فلا يسمع سوى وقع أقدام بطيئة لكهل قد هدت السنين من عمره , أو صوت عربية تحرك عجلاتها يد عجوز ترتعش من المرض , أو سعال كهل قد نال منه البرد , أو أنين من بعيد ينبعث من أحد الغرف . السكون يسكن أطراف تلك الدار , و الليل يُلبسها جلباباً أسود بهيم , فاكتملت صورة التعاسة بأبشع صورة . أمسكت بيد المشرف في تلك الطرقات فكأني طفل يمسك بيد أبيه من الخوف , أو تائه يريد من يعيده إلى أرض الأمان . فأخذني المشرف بجولة على ساكني تلك الدار , مررنا بممرات مضاءة بمصابيح بيضاء وكل ممر يستقيم ثم ينعطف إلى اليمين أو إلى اليسار وكل تلك الممرات قد وزعت على أطرافها غرف النزلاء , أخذتنا تلك الممرات إلى وحدات تلك الدار . صوت المشرف الجهوري يجاهد من أجل أن يشق السكون وهو يشير إلى الوحدات و تلك الأقسام تلك , يصل صوته إلى مسمعي و لكن عقلي و بصري في مكان آخر , عيناي تنظران هناك , إلى مسن قد جلس على سجادة صغيرة , و أسدل شماغه على وجهه الذي رسمت عليه صورة مكررة من صور البؤساء في عالم الجحود و النكران , أرى ذلك المسن اتكاء برأسه على يده كأنما يريد من يداه أن تحملان شيئاً قليلاً من همومه . و استند بظهره إلى الجدار ليسنده في عجزه و ليساعده في حمل همومه التي قطمت ظهره , أو لعله يحميه من نسمات البرد التي لم ترحم ضعفه , و لا أعلم هل الجدار لو حمل هموم ذلك المسن فهل سيقف شامخاً أو يهوي من طوله ؟! أقبلت عليه , بادرته بالسلام فقلت كل عام و أنت بخير يا أبي , رفع رأسه ببطء , فأبصرني بعينين مغرورقتان بالحزن , فوضعت يدي بيده و قبلت رأسه , عرفته بنفسي , و أني زائر لآبائي في هذه الدار , وقد انتهزت فرصة العيد لأجلس معكم , و أسعد بلقائكم , نظر فكأنه يبحث في وجهي عن وجه يعرفه أو قريب يألفه , عاد بصره خائباً أن لم يجد من ملامحي في ذاكرته شبهاً , طأطأ رأسه , ثم دعا و شكر , ثم بحث بين صفحات حياته عن ابتسامة ليقدمها لضيفة , فلم يجد إلا صورة من ابتسامه باهتة , فانتشلها من بين ركام الأحزان , و من بين ما تحمل تلك السنين من الهموم , فارتسمت على وجهه , من ثغر قد أنسته الحياة كيف ترسم الابتسامات , فقدمها على طبق من حزن , حاولت أن أخرج من شقاء اللقاء , فسألته عن حاله , فنظر إلي بنظرة يغذيها قلب مؤمن بالله فقال : الحمد لله على كل حال , كررها و هو يهوي برأسه مرة أخرى على يديه , و يغيب وسط شماغه الذي يلتف على رأسه , ودعته بابتسامة حزينة , فودعني بتنهدات أخرجها من أعماق قلبه , تنهدات عصرت قلبي , و سكنت صدري , و زادت من برودة أطرافي . أكمالنا المسير , فانحنى بنا الممر إلى الغرف المعدة للنزلاء , في مدخل الممر , كان هناك مسن يحمل جسماً نحيل يجلس على كرسي حديدي , قد وضع رجلاً على رجل , و لف شماغه على وجهه ثم أداره على رقبته , فلم يظهر من دائرة وجهه الصغير سوى عينان غائرتان , وسط وجه قد سكنت فيه أشكال متنوعة من الهموم و الأكدار , مر من جانبه المشرف فقال : يا أبا عبد الله هذا أبنك فلان - و هو يشير إلي - قد جاء ليبارك لك العيد , فقام على ثقل , فأمسكت بيده المرتعشة و قبلت رأسه , و سألته عن حاله , فهز رأسه , ثم فقال : تسأل عن حالي ؟! , فكأنه لم يصدق أن هناك من جاء ليزوره أو يسأل عن حاله , فوضع يده الباردة على خدي , فأخذ يتحسسه بيده , فأخذ يبحث فيه عن حنان مفقود , أو عطف دافئ يحرك الدم في جسمه البارد , وضعهما فكانت برودة أطرافه أشد من حرارة خدي , فزالت كل الحرارة في جسمي و لم تتغير برودة أطرافه , نظرت في عينيه وهو ينظر إلي فأخذ ينشد أبياتاً من الشعر , كأنما يخاطب أبنه , أو كأنما يتكلم مع نفسه المفقودة , كان صوتاً حزيناً كأنما هرب من قلبه المهجور ليبحث له عن قلب يتلقفه فيخبره عن حاله , لقد كان صوتاً جريحاً ملؤه الأنين , و تسكنه الآهات و ثقل السنين , كان بيني و بينه و هو ينشد لغة العيون , كانت نظراته إلي لا تنفك , يبحث في مساحة وجهي عن عذر للهجران من أقر الناس إليه , يسأل عيوني لماذا كل الناس يأتونني إلا أعز الناس إلي ؟! لماذا أنا أرقد هنا داخل هذه الأسوار الكئيبة و هناك يرقد قلبي خارج أسور المدينة يبحث عن أليفه ؟! لم أجد جواباً لأبيات شعره , أو رداً لنظرات بصره , فهربت بعيني عن عينيه , مخافة أن تسقط دمعة مني على يده , لقد فجرت كلماته مكامن الحزن في نفسي , و قيدت الهم أسيراً في صدري , وتمنيت أن تسيل دمعة من عيني تطفئ حرقة من مشاعر همي و ألمي , و لكن كل الدموع تجمدت من يده الباردة , و بدل أن تسيل قطرة على خدي نزفت في قلبي ألماً و حزناً على ذلك الشيخ المسن , فلما انقضت منه المناجاة , وحارت لغة العيون , و علم أن لا جواب لدي , خفت صوته و أنزل يده ببطء , و ودعته و لازلت أسمع صدى إنشاده يدوي في أذني , عاد إلى كرسيه الذي ألفه و حمله و حمل همومه معه , و دعته و ودعت وجهاً لم تترك فيه أصابع الزمان ملمحاً للسعادة , فقد ملأته بالأحزان التي رُسمت بيد تجاعيد الزمن و الأيام , و ركنت في أعاليه عينان قد أبيضتا من الحزن فهو كضيم , أظلهما حاجب تلون بالبياض لونتهما يد السنين السوداء , و دعته و لم يزل خدي بارداً من وضع يده , و قلبي نازفاً من وضع حاله , و جسمي مرتجفاً من أثر برودة أطرافه . ذهبنا إلى أول الغرف , وتسمع من خلف الباب صوت جميل يحمل بين جنباته أنين و صوت حزين , طرقنا الباب , و لم يجب نازلها , أعدنا الطرق , أجاب النزيل أن أدخل , وجدت النزيل قد جلس على سريره متربعاً , بين يديه مصحفه الذي يتلو منه آيات من القرآن الكريم , يقلب بصره بين آياته و يمتعهما في سوره , هو أنيسه , و هو جليسه , و هو سلوته في غربته , هو العلاج الأكيد لمصائب الزمان , و هو الدواء لبلاء الجحود و النكران , يقرأ آيات الصبر فيزداد صبراً , يتمعن بالآيات التي تحث على البر فيزداد ألماً , أقبلت عليه و سلمت عليه معايداً , فسلم و أخذ يحكي يومه فيقول : أنا يومي بين الفاتحة و الناس , أقرأ , أتأمل , أتلذذ , أتفكر , أتمعن , من طلوع الشمس حتى تسقط خلف خط الغروب , نعم , نعم , أنيس و خير جليس و أكرم به من معين على نوائب الدهر , لم نرد أن نقطعه من هذه الخلوة التي تصله بربه , فاستأذناه بالخروج , فعاد كالنحل له صوت و أزيز جميل . فخرجنا إلى غرفة بجواره , فإذا فيها مسن قد رقد على سريره و بيده ريموت الرائي , يبحث بين قنواته ما يجعله يخرج من أسوار هذه المدينة الحزينة , يبحث عن أخبار عالمه خلف الأسوار , كان له فيه ذكريات جميلة , كان له فيه طموح و أمل , كان له فيه موضع قدام بين أقدام المئات من ساكنيها , كان له أنفاس بين ألوف الأنفاس المنبثة في فضاءه , و اليوم , هو وغرفته و التلفاز فقط , لا , لا , بل يسكن معه رفقاء تلك الدار , الهم و الحزن و الكدر , في غرفته التي صبغتها الأيام بالسواد , وعلقت فيها الأستار فصارت كمشانق , و زينت بأثاث هي كلحود في مقابر , قد ملت عيناه من جدرانها و أثاثها و أستارها و تلفازها , بل ملت يده من هذا الجهاز الذي بين يديه فيقلب فيه القنوات لعله يجد ما يسليه , فيجد فيه حروباً و كوارث و مصائب كأنها إليها تناجيه , كأنما أرادوا أن يزيدوهم إلى همومهم هماً , دخلت عليه و هو يبتسم و خرجت منه و هو مبتسم , قد رضي بقدر الله فزانت نفسه باليقين و تعلقت برب العالمين , فرضي بما أصابه و آمن بالله و قضائه , خرجت من الغرفة و بدأ هو بالبحث عن قناة مفقودة لعلها تسكن بعض ألمه أو تنشر بسمة على محياه . اتجهنا إلى غرفة بجانبها فإذا بصاحبها كهل قد استغرق بنومه فقد رمته السنين على سرير الأحزان , فلم أشأ أن أزعج منامه , لقد رحمت حاله , فو الله لكأني أنظر إلى طفل صغير قد فقد أمه , فأعياه البكاء فنام على فراشه , فلم يجد من يرفع رأسه أو من يغطيه من البرد بلحافه , لقد جمع جسمه و ثنى ركبتيه إلى صدره , فصار كعصفور بلله الماء فأخذ يرتعد من البرد , فنظرته بحسرة و اسأل الله أن ينظر إليه برحمة , إلهي أرحم ضعفنا و ضعفهم , و أجبر كسرنا وكسرهم , و أمدهم بصبر و يقين و فرج منك يارب العالمين . خرجت من تلك الغرف و مررنا على البقية و كل غرفة منها تشهد مأساة , و كل مأساة تغرس خنجراً في صدري ينزف منه دماً , لقد سكن الهم معهم , وجاورهم الحزن في غرفهم حتى ألفوه , فأصبحوا يتنكدون يومهم إن غاب عنهم , لقد سكن صدورهم فأصبح هو صباحهم و مساؤهم , هو نفسهم الذي في صدورهم , هو نبضهم الذي في قلوبهم , هو زائرهم الذي لم يخن العهد معهم , لازمهم في حياتهم الأولى و لم يتخلى عنهم في بلاد الأحزان , لقد خانتهم السعادة فلم تطرق لهم باباً , و خانهم الأمل فلم يبن له شعاعاً , و خانهم التفاؤل و لم يصل لهم مراداً , خانتهم كل الأشياء الجميلة , و تبقى الحزن هو الوحيد الذي لم يخنهم , لقد كان الحزن بسمتهم , و الحزن بكاءهم , و لازمهم و عاش معهم , حتى صار ملء عيونهم و سمعهم و قلوبهم. خرجت مع المشرف و أحس بشيء يهد كياني , أحس بوحشة من عالمي الذي من حولي , أحسب بخوف من مجتمع أعيش بينهم , أحس أني صاحب خديعة و أحس أني قد شاركت بالجريمة , لقد اجتمعت هموم هؤلاء كلهم في قلبي , فأصبحت ضائق النفس , شديد الكرب , ضاقت علي دنياي بما رحبت , فكأني أتنفس من ثقب إبرة , مُسحت كل الأشياء الجميلة التي تختزلها ذاكرتي , حتى دموعي تجمدت في محاجرها , و بدلاً أن تسيل على خدي , نزلت إلى قلبي فكانت أساً وحرقة و ألماً وحزناً . أدخلني المشرف إلى مكتبه فشكرته على مجهوده و أثنيت على إخلاصه , و أسهب بالحديث عن الدار و أهلها , عن الدار و ألوان الحزن الذي يرسم في وجوه ساكنيها فصارت وشماً واضحاً عليهم , تمر عليهم الأيام لا يميزون أيامها , إلا بمغيب شمسها أو خروجها من مشرقها , كل الأيام سواء , فلا يفرقون بين سبتها إلى جمعتها إلا عندما ينادي المنادي لصلاة الجمعة , كل الأوقات واحدة , فأول النهار و آخره سواء , فعقارب الساعة تدور بلا فائدة , و الوقت هناك بلا ثمن , الوقت هناك كالسيف كل جزء منه يُقطِعُك أرباً أرباً, يقطع قلوب ساكني تلك الديار أجزاء , كل جزء يقطعه يزيد من همه و يبعده عن أمله , لقد ملوا من حساب السنين و الأعمار , و ملوا من طول الانتظار , فأول الشهر و آخره و أول السنة و آخره كلها نسخ طبق الأصل , كلٌ قد سكن غرفته و يقلب ماضيه , و ينظر إلى مستقبله الذي يسير ببطء , فمتى تنصرم أيام العمر و ينتهي هذا الهم , و متى تنزاح أثقال السنين و يصل الأجل , لولا إيماناً يقويهم لتمنوا الموت أو لسعوا إليه , حالات متفرقة و أوضاع غريبة , منهم الأب الذي سالت دمعته من عقوق أبنائه , لازمهم و لاعبهم في صباهم , سالت دموعه عليهم في شبابهم , تفطر قلبه وجداً عليهم , كانوا كل أمله و مبلغ أحلامه , أمنيته في حياته بسيط , هي ابتسامة من ثغر طفله , كل آلامه هي صيحة من وجه صغيره , سهر الليالي و تذوق العلقم و تحمل المآسي من أجله , و من أجل أن يصير له ابناً يشد من عضده و يسنده عندما يبلغ كبره , فكبر الابن , نعم كبر , و ظن الأب أنه حان وقت الراحة , قد حان وقت الحصاد و الأمل , فكان الابتلاء من الله لهذا الأب على أن صار إلى هذا الدار , لماذا وبأي ذنب , فلا جواب إلا أنه أصبح شيخاً مسناً لا يستحمل و لا يطاق , و هي قصة تتكرر في كل دور الرعاية , تتكرر بصور مختلفة , تتكرر من الأبناء و الأقرباء و المجتمع بالكامل , ناهيك عن قصص أخرى و جدتها هناك , فمنهم من عاش في هذه الدار بعد أن حل الشيطان بين أبيه و أمه , ففرقتهم الخلافات الزوجية , فصار كلاً منهما إلى سبيل , و ضاع ذلك الابن في زحام الحياة , و وسط أنانية زوجين كلاً يبحث عن رغباته , و كلاً يقتل فلذة كبده من أجل نزوة بسيطة , فشب الابن و شاب و هو من دور رعاية الأيتام إلى دور رعاية المسنين , فا الله نسألك رحمتك فينا و في إخواننا و نسألك لطفك و عطفك , و أن لا تنزعهما منا. هناك من كان ضحية الإهمال , فضاع في طرقات الحياة , فأصبح مدمناً في أول حياته , مرمياً في السجون في شبابه , و فكانت نهاية المطاف دور الرعاية. هناك من أغلق عليه غرفته من سنين فلا يسمح أن يدخل عليه زائر , أو يمر عليه قريب , أو يرى أي شخص مهما كان ماعدا المشرف , يقول المشرف : لقد حاولت أن أقنعه بفائدة تلك الزيارات , و أنها تخفف المصاب و تزيل بعض الهم , فقال دعوني لهمي و لحزني , فكل من حولي لم يذكرونني و إن ذكروني فهم يخجلون مني , دعوني في غرفتي حتى يقضي الله أجلي. سألت المشرف : عن أطول المقيمين في دار الرعاية , فقال رقماً أصابني بمقتل , قال هناك أحد الأشخاص قد عاش في هذه الدار منذ 35 سنة , يا الله كل هذا العمر هنا بين جدرانها الصامتة , و بين ممراتها الكئيبة , و في غرفها الحزينة , لقد مر علي عمري بالكامل , مر علي عمري أيام طفولتي , و أيام شبابي , و بعد زواجي , فكل هذه الأيام هو يسكن هنا , و أنا في حياتي عنهم غافل , و في طرقاتي سائر , و في أيامي لاهي , بعدما قال لي ذلك الرقم سكت و في الحلق غصة , و في العين دمعة , و في القلب ألف أساً و حرقة , سكت و لم يسكت المشرف فقال : هل تصدق أن بعض ساكني الدار يخرجون من عندنا ليعشوا مع المجتمع مرة أخرى , ثم تستحيل عليهم الحياة هناك فيعودوا من جديد إلينا , لقد تنكر لهم كل شيء في خارج أسوار مدينتهم مدينة الأحزان , لقد تغيرت صورة كل شيء هناك , في فضاء من يدعون أنهم يعيشون عيشة السعداء , لقد صارت مدينة الأحزان أحب إليهم من حياتهم الأولى. لم تنتهي الزيارة لكن خفت أن أطيل على المشرف الذي أتعبه العمل , فاستأذنته و ودعته , بعدما قبلت رأسه و شكرته على جميل صنعه مع أخوتنا هناك , ركبت سيارتي و ركبت زوجتي و أخواتي , وخرجت من دار الأحزان , إلى عالم النسيان و النكران , خرجت بسيارتي إلى عالمي الذي خنق أنفاسي , خرجت إلى المجتمع الذي يحوي بين جنباته ابن عاق , و عشيرة متنكرة , و مجتمع لم يرحم , كان الصمت يخيم على الجميع , كأننا كنا في حلم أو كأننا بدأنا نعيش وقائع مؤلم , بل أحس كأننا كنا ممن شارك في هذه المأساة , بدت لي الدنيا غريبة , كل شيء في ناظري تغير , فلا السماء سمائي و لا الأرض أرضي و التي أمشي عليها في سالف أيامي , و لا الهواء هوائي الذي أستنشقه يومياً رطباً نقياً ينعش حياتي , إن نسماته تكاد أن تخنقني , و حتى الوجوه التي حولي وكنت أعرفها و آلفها , قد تغيرت في عيني . لقد تأرجحت في قلبي كفتي الميزان , فاختلط الحق بالباطل , و صار كل شيء ضبابي بهيم . اختَرقتُ جموع السيارات و لا ادري كيف مررت من بينهم , كل الذي يتظاهر أمامي هو مناظر آبائي . لقد خرجنا من تلك الدار , بل لقد خرجنا من ذلك الحلم الموحش , خرجنا و الصمت يخيم علينا , فقلت بتثاقل لأختي كيف أخواتنا هناك ؟ فأجابت أختي بعد صمت , و ها أنا ذا أصمت مثل صمتها , فأخاف عليكم إن ذكرت وضعهم أن أسقيكم المر , و أن أذيقكم العلقم , أو أن أجرعكم الحسرة و الندم على من في الدار , بل سأقتصر على الإشارة و التلميح من بعيد كما فعلت مع إخوتنا الرجال , يكفي أن أحداهن قد لبثت في هذه الدار 38 سنة , و أن اثنتين منهن قد ودعتا الحياة قبل رمضان , ولم يكن بجانبهن من يؤنسهن في لحظات الوداع , أو يرمقهن بنظرات الحنان , أو يتلمسهن بيد العطف , أو يذرف عليهن دمعة , أو يئن لغصص الموت عليهن أنه , إنها حالة بئيسة تلك الحالة , أن تخرج من هذه الدنيا و أنت تفقد الأمل برؤية أحبابك الذين تتمنى أن يكونوا بجانبك ولو بساعة الفراق , أن تسقط آخر ورقة من أوراق التلاق , أن نموت و يموت الأمل , إنهم يموتون ويصيرون إلى غربة , و قد كانت حياتهم كلها غربة , ربي رحماك بهم , ربي رحماك بهم , ربي رحماك بهم . لقد كانوا يتمنون أن يشاهدوا الأحباب قبل أن تشخص الأبصار , لقد كانوا يتمنون أن تفرح قلوبهم قبل أن تسكن نبضاتهم , لقد كانوا يتمنون أن تلامسهم أيديهم قبل أن يلامسهم الموت , إنها لحظات عصيبة تمر عليهم , من يدمع على فراقهم , من يترحم عليهم , بل من سيُنزل الجفون على العيون بعد أن تشخص من شدة الموت الأبصار , فهل هناك أصعب من أن يتمنى إنسان أن يجد أحداً بجانبه وهو في لحظة الفراق فلا يجده ؟ هل هناك أكثر أقسوة من أن لا يجد إنسان من يمشي في جنازته ؟ هل هناك أشد من أن تتمنى أن يذكرك أعز الناس إليك لكي يحثوا التراب عليك ؟ و أن يحضروا مواراتك عن العيون , و أن يضعوك ببيت الدود , حتى تغيب عن كل أمل و تصير إلى قبر و لحد , و تكون من سكان قبور الآخرة بعد أن كنت من سكان قبور الدنيا . و والله لا أعلم هل كانت سكرات الموت عليهم أكثر كربة أم سكرات الحياة أكرب , هل غصص الموت أصعب أو غصص النكران أصعب , هل التفاف الساق بالساق أثناء الممات اشد أو صدود الأهلون و الأقربون عنهم أشد و أدهى و أعظم و أمر . لقد جاءتهم سكرات الموت التي كانوا يتمنونها , لقد حل عليهم اليوم يومهم الذي كتب لهم , لقد حضر إليهم الموت فوجدهم قد خنقتهم الحياة قبله , لقد جاءهم ليقبض أرواحهم فوجد أجساماً بلا روح , لو نطق الموت لترحم عليهم من حالهم . لقد خلت الدار من رقم ساكن حسبوا أن ليس له في المجتمع اعتبار , لقد قيد في عداد الموتى , و انتهت قصة من قصص الجحود و النكران , فضاق الحزن بموته فهو الذي كان يؤنسه , فمن للحزن بعد موت الحزين من صديق يسليه , و من للهم بعد موت المهموم من خليل يتسلى فيه , كم حبست جدر تلك الدار من الآهات التي و صلت إلى كل مكان و لم تصل إلى الذين يجب أن تصلهم , لقد أحس بها كل جماد و لم يحس بها كل من أغلق الله قلبه و صارت إلى خسران , هي الأيام تنقصهم و لا أحد يدري عنهم . تقول المشرفة أن هناك الآن على السرير الأبيض ترقد امرأتان , فلا يعلمن هل إلى الدار ترجعان أو إلى المقبرة تسيران , و لعلي أكتفي إلى هنا فو الله إن في دار النساء لقصص أخاف أن تشيب لها الولدان و أن يسكن قلوبكم الهم و الحزن من ذكرها , لقد ودعتهم وعيون الآباء تقول : لقد سقيتني كأس المر , من كأس قوتك الزائفة ابني لقد بذلت عمري كله لك و أنا سعيد , فأكمل سني عمرك سعيداً من حساب أحزاني الوافر . لقد كنت ابحث عن سعادتك , فوجدتها أنت بتعاستي . في كل عمري كنت آخذ من سعادتي لأسعدك , فلما انتظرت رد الدين , وجدت أنني قد أقرضت إنسان غير وفي . ابني لقد لان ظهري و أنعكف , و نزلت أجفاني و ارتخت , و غاب بصري و من الدمع قد جفت , فهل يكفيك هذا يا ابني , و تعود وتفرح قلبي . ابني لعلك لا تعلم أنني من أن سكنت هذه الدار , و جاورت الأحزان , لم يكن لي مصدر للسعادة إلا هي تلك اللحظات , التي أتذكرها و أنا ألاعبك , أو أضاحكك , أو تبكي و أحاول أن أسترضيك , كم أنا مشتاق إليك . زارني زائر المرض , فذكرت بسمتك فهان مرضي , و زارني زائر الهم فذكرت دمعتك فهان همي , و زارني زائر الموت فلم أجدك بجانبي ففاضت روحي قبل يومي . أسمع من خلف الأسوار أصوات أطفال , فأتذكرك صغيراً , و أسماع صوت أب ينادي لأبنه , و أبتسم مسرورا و أرى بيني و بينك سورا , فأنقلب حزيناً مكسورا . ابني إن بلغتك حالة وفاتي , و ضمت الأرض رفاتي , و قادتك دنياك يوماً لتذكري , فتذكر إنني رعيتك و كل أملي أن أراك مسرورا , فسر بحياتك مسرورا , فرغم الذي كان منك فأنا أسامحك في حياتي وبعد مماتي . ابني لقد صرت اليوم إلى أيدي غرباء يقلبونني , و قلوب أناس لا يعرفونني , و قد كنت أقلبك بيدي , و أنزف عليك من قلبي , بُنيّ فلا تكلني لهم فأنا لا يزيدني رعايتهم لي على جهدهم سوا ألماً , فأنا أفقدك و افقد روحي معك في كل يوم . بُنيّ لقد ذقت من مآسي الحياة ألواناً , و من كربها أصناف , و أشدها قسوة هي يوم أن وضعتني هنا و غبت عن ناظري , فارحم قلباً ينبض بلا دم و صدراً يثور بلا نفس , و إنساناً يتحرك بلا أمل . ابني لقد مللت من جدران الصمت , و فراش الموت , و أصوات السكون , فكلها تقتلني و تجعل جرحي ينزف كل يوم , فلا هي تقضي علي بقتلة واحدة و لا هي ترحمني و تلتئم , فإلتأمها جميعاً بصوتك , و رؤية وجهك . فهل ألمحك و لو من بعيد ؟ يارب إن كان هذا ابتلاء فقد صبرت سنين , و إن كان جزاء بمعصية فلك أتوب و أجعلني عنها من الراجعين , و إن كانت بسبب قسوة في قلب أهلي , فاللهم لا تحرمني منهم و ردهم لي سالمين و أجعل قلبوهم لي تلين . لقد كانت هذه نظراتهم و هذه نداءاتهم فكلها عطف رغم الجحود من الكثير ممن حولهم , و لكن هل تلين قلوب العصاة و يعودون لصراط رب العالمين . قال تعالى : “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاها فلا تقل لا أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ” ، الاسراء:23،24 في الختام : لقد كنت متردداً بكتابة هذه الزيارة , و لكن نفذ صبري , عندما سمعت أن امرأة تسأل في أحد القنوات , و تقول : أرشدوني ماذا أعمل بأم زوجي ؟ فأقول الجواب : اعملي ما شئت , هو عمل يدك , و نتاجه ستحصدينه في سني عمرك القريبة , إن خيراً فخير , و إن شراً فشر , هدانا الله و إياك و أرشدنا للحق و جعلنا به عاملين . و أقول لكل زوج كن معيناً لزوجتك على بر آبائها و أهلها . و لكل زوجة كوني معينة لزوجك على البر بآبائه و أهله . فإني أشد ما أخاف منه أن يأتينا العقوق من أنفسنا . و إلى كل ابن لفظت شفتاه كلمة العصيان و قال لوالديه : أف , أقول عد قبل أن يفوت الأوان , وتصير إلى خسران . انتهت الزيارة و بقي الألم . |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |