|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() دليل الاستعاذة ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ (المحصول الجامع لشروح ثلاثة الأصول) د. فهد بن بادي المرشدي قال المصنف رحمه الله: (وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1] ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1]. الشرح الإجمالي: (ودليل) أن (الاستعاذة) من أنواع العبادة: (قوله تعالى: ﴿ قُلْ ﴾يا أيها النبي متعوذًا، والخطاب أيضًا لجميع أمته: ﴿ أَعُوذُ ﴾؛ أي: اعتصِم والْتجئ، ﴿ بِرَبِّ ﴾، وخالق، ﴿ الفَلَق ﴾، وهو الصبح، (و) من الأدلة أيضًا: قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ﴾ وخالق ﴿ النَّاس ﴾[1]. الشرح التفصيلي: ذكر المصنف دليل العبادة الحادية عشرة، وهي: الاستعاذة، والاستعاذة: طلب العــوذ، والعــوذ في اللغة: اللجوء والالتجاء للشيء[2]، وحقيقتها: طلب الالتجاء إلى من يمنعك من محذور تخافه من أجل أن يدفع عنك هذا الشيء [3]. والاستعاذة بالله شرعًا هي: طلب العوذ من الله عند ورود المُخوِّف[4]، ويدخل في الاستعاذة بالله جل وعلا: الاستعاذة بأسمائه وصفاته [5]. واستدل المصنف على كون الاستعاذة عبادة بــ: (قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200]، ووجه الاستدلال من الآيتين: أن الله جل وعلا أَمر نبيه الكريم أن يستعيذ به، وما دام أنه أُمر بها فهي عبادة؛ لأنه سبحانه لا يأمر إلا بشيء يحبه ويرضاه، فأَمر بالاستعاذة به فدل على أنها عبادة [6]. والاستعاذة الشركية، هي: الاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا؛ فإذا استعاذ بميت، أو بغائب، أو بحي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك[7]، واختلف العلماء في الاستعاذة بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه؛ كأن يُقال له: أعوذ بك من شرك، أو أعوذ بك من شر فلان وهو يستطيعه، أو أعوذ بالله ثم بك، وذلك على قولين، وهما قولان مشهوران ويُفتى بهما[8]: القول الأول: أن الاستعاذة لا تصلح إلا بالله وحده، ولا يُستعاذ بمخلوق مطلقًا، ولو كان فيما يقدر عليه، فلفظ الاستعاذة كلفظ التوكل لا يكون إلا بالله وحده، فكما أنه لا يجوز أن يقال: توكلت على فلان، أو يقال: توكلت على الله ثم على فلان؛ لأن التوكل كله عبادة، والعبادة لا تكون إلا لله؛ فلا يجوز كذلك أن يُقال: يا فلان أعوذ بك، أو أعوذ بالله ثم بك[9]؛ لأن الاستعاذة: توجه القلب واعتصامه، والتجاؤه، ورَغَبِه، ورَهَبِه، ففيها هذه المعاني جميعًا، وهذه المعاني جميعًا لا تصلح إلا لله جل وعلا[10]، ففي الاستعاذة: الالتجاء والاحتماء بالقلب أولًا قبل القول وقبل الفعل، وما يقوم بالقلب من الالتجاء والانطراح بين يدي الله، والخضوع له، هذا لا يجوز أن يكون شيء منه لغير الله أصلًا؛ لأنه هو العبادة والتأله؛ ولأن الذي يُطلب منه الشيء يجب أن يكون مالكًا له، والمخلوق لا يملك إلا ما ملَّكه الله جل وعلا، فالمخلوق ضعيف، ولا يستطيع أن يمنع حتى شر ولده[11]. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «والاستعاذة لا تصح بمخلوق، كما نص عليه الإمام أحمد وغيره من الأئمة؛ وذلك مما استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق؛ ولأنه قد ثبت في الصحيح[12] وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، قالوا: والاستعاذة لا تكون بمخلوق»[13]، وقال البيهقي رحمه الله تعالى: «ولا يصح أن يستعيذ بمخلوق عن مخلوق»[14]. القول الثاني: أن الاستعاذة بما يُمكن العوذ به جائزة؛ فالاستعاذة طلبٌ للاعتصام والاحتراز؛ وعليه يجوز أن يستعيذ بالمخلوق الحي القادر المستطيع على أن يعصمه من الشر الذي خافه بقوله: أعوذ بك، أو أعوذ بالله ثم بك[15]. قال الشيخ سليمان في تيسير العزيز الحميد: «المخلوق يطلب منه ما يقدر عليه ويُستعاذ به فيه، بخلاف ما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يستعاذ فيه إلا بالله، كالدعاء، فإن الاستعاذة من أنواعه»[16]، وقد جاءت أدلة تدل على أنه يُستعاذ بالمخلوق فيما يقدر عليه، ومنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن: (ومن وجد فيها ملجأ أو معاذًا فليعذ به)[17] ، وفي صحيح مسلم: (أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة)[18] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يعوذ عائذ بالبيت فيُبعث إليه بعث...)[19] ، وقد روي عن إبراهيم النخعي أنه: يجوز أن يقول الرجل: أعوذ بالله ثم بك [20]. والاستعاذة عبادة قلبية؛ من حيث كونها فيها الاعتصام والالتجاء والتحرُّز، وطلبُ العوذ وإن كان باللسان، بقول أحد لآخر: أعوذ بك، أو أعذني، ونحو ذلك؛ ولكن يقوم في مقابله في القلب التجاء واعتصام واحتراز بمن استُعيذ به، فلو قامت تلك المعاني في القلب، صار مستعيذًا بمن التجأ قلبه به، فحقيقة الاستعاذة تجمع الطلب الظاهر، وهو الاستعاذة بالقول؛ وتجمع المعنى الباطن، ولهذا اختلف أهل العلم فيها: فمنهم من راعى المعنى الظاهر، وإمكانَ المخلوق أن يعيذ، فصحَّحه؛ ومنهم من منع ذلك مطلقًا؛ نظرًا إلى أن الاستعاذة عمل قلبي بحت، وأنها إنما تكون بالله جل وعلا، وهذا على نحو قول: توكلت على الله ثم عليك، ونحو ذلك، فلا يصلح أن يتعلق بغير الله جل وعلا؛ لأنه وإن كان الالتجاء قد يكون بالفعل الظاهر، فإن فعل الجوارح يتبع القلب؛ لأنه لا يقع فعل للعاقل إلا إذا سبقه فعل القلب، فلا بد من اجتماع فعل الجوارح مع فعل القلب في كل عبادة، ولأن إجازتها في الظاهر قد يستتبعه الإجازة لتعلق القلب عند من لم يفهم المراد[21]، وقول: أعوذ بك، هذا أبعد في الإجازة[22]، وأما قول: أعوذ بالله ثم بك، فالذي يظهر أن المقام فيه تفصيل، وهو: أن الاستعاذة فيها عمل ظاهر، وفيها عمل باطن؛ فالعمل الظاهر: أن يطلب العوذ، وهو أن يُعصم من هذا الشر، أو أن ينجو من هذا الشر؛ والعمل الباطن هو: توجه القلب وسكينته، واضطراره، وحاجته إلى هذا المستعاذ به، واعتصامه بهذا المستعاذ به، وتفويض أمر نجاته إليه؛ فإذا كانت الاستعاذة تجمع هذين النوعين، فيصح أن يقال: إن الاستعاذة لا تصلح إلا بالله؛ لأن منها ما هو عمل قلبي كما تقدم، وهو بالإجماع لا يصلح التوجه به إلا لله؛ أما إذا قصد بالاستعاذة العمل الظاهر فقط، وهو طلب العياذ والملجأ، فيجوز أن يتوجه بها إلى المخلوق؛ لأنه إنما يُراد منه الاستعاذة بالقول، ورغب القلب في أن يخلص مما هو فيه من البلاء، وهذا يجوز أن يُتوجَّه به إلى المخلوق، وعليه تُحمل الأدلة الوارد في جوازها [23]. [1] تيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول، د. عبدالمحسن القاسم (103). [2] الصحاح، للجوهري (1 /471)، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس (693). [3] ينظر: حاشية ثلاثة الأصول، عبدالرحمن بن قاسم (42)، وشرح الأصول الثلاثة، صالح الفوزان (174). [4] تعليقات على ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالله العصيمي (28). [5] مجموع الفتاوى، لابن تيمية (1 /336). [6] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (107). [7] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، محمد بن صالح العثيمين (64)، وحصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول، عبدالله الفوزان (95)، وتنبيه العقول إلى كنوز ثلاثة الأصول، د. عبدالرحمن الشمسان (1 /469). [8] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (107). [9] ينظر: المحاورات لطلب الأمر الرشيد في تفهم كتاب التوحيد، عبدالله الغنيمان (1 /336)، وشرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (106)، وشرح الأصول الثلاثة، حمد بن عبدالله الحمد (14). [10] شرح فتح المجيد، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (1 /488). [11] المحاورات لطلب الأمر الرشيد في تفهم كتاب التوحيد، عبدالله الغنيمان (1 /335). [12] أخرجه مسلم، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، بابٌ: في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم (2708). [13] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2 /323)، تحقيق: د. ناصر بن عبد الكريم العقل، الناشر: دار عالم الكتب، ط. السابعة: 1419هـــ. [14] الأسماء والصفات (241). [15] ينظر: تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس، عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين (83)؛ وحاشية كتاب التوحيد، عبدالرحمن بن محمد بن قاسم (110)، ط. الثالثة: 1408هــ؛ وفوائد من شرح كتاب التوحيد، لابن باز (2 /311، 313)، اعتنى بإخراجه: عبدالسلام السليمان، ط. الأولى: 1433هــ؛ وشرح ثلاثة الأصول، محمد بن صالح العثيمين (64)؛ وشرح ثلاثة الأصول، د. عبدالعزيز الريس (64). [16] (1 /462). [17] أخرجه البخاري، كتاب الفتن، باب: تكون فتن القاعد فيها خير من القائم؛ ومسلم، كتاب الفتن، باب: نزول الفتن كمواقع القطر. [18] رواه مسلم، كتاب الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره. [19] أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب: الخسف بالجيش الذي يؤم البيت. [20] رواه عبدالرزاق بن معمر في جامعه (19811)؛ وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، رقم (344). [21] ينظر: شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (105- 107)؛ والمحاورات لطلب الأمر الرشيد في تفهم كتاب التوحيد، عبدالله الغنيمان (1 /334). [22] شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (106)؛ وينظر: المفيد على كتاب التوحيد، عبدالله بن صالح القصير (103). [23] شرح فتح المجيد، صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ (1 /488)؛ وينظر: تنبيه العقول إلى كنوز ثلاثة الأصول، د. عبدالرحمن الشمسان (1 /470).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |