تربية النفس على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 526 - عددالزوار : 301932 )           »          محمود شاكر (شيخ العربية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          داود وسليمان عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 36 )           »          أحداث في غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          شبهات حول موقف الأمويين من الإسلام والردود عليها (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          من أقدار الله في التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          دعوة الملوك إلى الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          موقف المسلم من الزلازل والكوارث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 624 )           »          إرهاقٌ بلا صوت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-05-2021, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,335
الدولة : Egypt
افتراضي تربية النفس على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية

تربية النفس على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية (1)
د. صغير بن محمد الصغير





الحمد لله...
عباد الله: اتقوا الله تعالى.
في يومٍ هادئٍ من أيام المدينة النبوية، على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُلحُّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ربه داعياً، «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ»، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ﴾ [1]، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ»، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾[2]، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَيِّنَ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ»، فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي المَائِدَةِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ﴾[3] - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾[4]، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا»[5].

ويحدِّث أَنَسٌ رضي الله عنه، كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلممُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾[6] الآيَةَ[7].

وفي أمر آخر يروي ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ مُغِيثًا كَانَ عَبْدًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْفَعْ لِي إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا بَرِيرَةُ اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَأَبُو وَلَدِكِ»، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْمُرُنِي بِذَلِكَ، قَالَ: «لَا، إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، فَكَانَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ: «أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَبُغْضِهَا إِيَّاهُ»[8].

تعظيم عمر رضي الله عنه بقوله انتهينا انتهينا، وتعظيم الصحابة رضي الله عنهم للحكم الشرعي حتى سالت سكك المدينة من الخمر، وسؤال بريرة رضي الله عنها: أتأمرني؟ ولو كان الجواب بالإيجاب لسارعت بالامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم.. كُلّ ذلك يدل على عظمة الحكم الشرعي داخل نفوسهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

ثمَّ لننظر أيضاً في قصة أخرى كيف تصرف أبو بكر رضي الله عنه عندما عَلِم أنَّ مالاً حراماً دخل جوفه، مع أنَّه معذور لو تركه! كان رضي الله عنه ورعاً في ذلك تمام الورع، جاءه غلامه يوماً بشيء فأكل منه؛ فقال الغلام: أتدري من أين جئت به؟ قال أبو بكر: من أين؟ فقال الغلام: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسنُ الكِهانة، فاحتلتُ عليه، فأعطاني بذلك (أي أُجرة)، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر رضي الله عنه يده فأخرج ما في بطنه، وقال: والله لو لم تخرج إلا مع روحي لأخرجتها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»[9].

إنَّ مما يؤلم في هذا العصر هذا التيه والزخم عند الكثير منَّا ومحاولة التبرير للنفوس بإتيان المحرمات، وكثرة التأويل المذموم للنصوص! بل والتجرؤ على تحليل الحرام والسعي إليه لموافقة الهوى!

إن تربية النفس على الامتثال وتعظيم النصوص والأحكام الشرعية، من صفات المؤمنين الصادقين:﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾[10].

(ومن يعظم حرمات الله) أي: معاصي الله وما نهى عنه، وتعظيمها ترك ملابستها. قال الليث: حرمات الله ما لا يحل انتهاكها. وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه[11].

فيا تُرى كيف نربي أنفسنا وأجيالنا على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية؟
كيف نربي أنفسنا وأجيالنا على سرعة الامتثال والاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟
كيف نربي أنفسنا ونحفظها من الحرام؟

كيف نكون ممن قال الله فيهم: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا[12]؟

أيها الإخوة: إنَّما يكون ذلك بتعظيم الأمر وتعظيم الآمر والتصديق بالجزاء[13]، وتعظيم الأمر: يكون باستحضار تحريم الجناية وأنَّه صادر من الله تعالى، وأن الله تعالى بين ذلك في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فيعلم أن هذا التحريم شأنه عظيم، وخطره كبير، وأنه لا ينبغي لعاقل أن يستهين به.

وتعظيم الآمر: يكون باستحضار عظمة الله تعالى، وأنه الجبار المنتقم، لو شاء أن يؤاخذ الناس بذنوبهم لما ترك على ظهر الأرض من دابة، وأنه سبحانه الملك العظيم القدوس، وأنه الرب الكريم المنعم المتفضل، فلا يليق بالعبد أن يعصيه، ولا أن يستعمل نعمه في مخالفته.

ولهذا قيل: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
وكلما زاد تعظيم العبد لربه، استحيا منه، وانكفّت نفسه عن معصيته.

والتصديق بالجزاء: أن يوقن العبد بما رتب الله على المعصية من جزاء في الدنيا والآخرة، كأنه يرى ذلك رأي العين، فيعلم أن جزاءها النار، وأن النار لا يُقدر على حرها، وأن غمسة واحدة فيها تنسيه كل لذة ونعيم في الدنيا، فلا خير في لذة يعقبها النار.

ويعلم أن من جزاء المعصية: الحرمان من القرب من الله تعالى، وما أعظمها من عقوبة.

ومن جزائها: تعسير أمر العاصي، وتنكيد عيشه، وقسوة قلبه، وشعوره بالوحشة، وإصابته بالذل، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة نوراً في القلب، وضياءً في الوجه، وقوةً في البدن، وزيادةً في الرزق، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق"([14]).

أيها الأخ المبارك: إن استشعارك لعظمة الخالق الذي بيده تصريف أحوالك بل بيده ملكوت الكون كله سبحانه وبحمده - وغرس ذلك في نفوس من تعول من أبناء وتلاميذ ومحبين - واستشعارك أيضاً لخطورة مخالفة أوامره، وعظم عقوبة فعل تلك المخالفة، أو المعصية كفيل بعض أصابع الندم على كل ما صدر منك تجاه المنعم والمتفضل عليك سبحانه، ومن المعين بإذن الله على ذلك مع ما سبق ما يلي:
أولاً: الاستعانة بالله تعالى، والالتجاء إليه، وكثرة دعائه واستغفاره. والمتأمل في حال نبينا صلى الله عليه وسلم مع أنّه نبي عليه الصلاة والسلام يرى عجباً، تشفق عليه عائشة رضي الله عنها فتقول له: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورً» متفق عليه[15].

ثانياً: المداومة على عبادة التفكر بعظمة الله تعالى، وعظمة مخلوقاته سبحانه، واستحضار ذلك في كل وقت وحين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ[16].
أقول قولي هذا وأستغفر الله.


الخطبة الثانية
الحمد لله..
عباد الله: اتقوا الله تعالى..
أيها الإخوة: ومما يعين أيضاً على تربية النفوس على تعظيم الأحكام والنصوص الشرعية وحفظها عن الحرام:
ثالثاً: كثرة فعل الطاعات والمداومة عليها بإخلاص وجعل ورد يومي بذلك وتنويعها، فإنّ هذا مما يثبت الإيمان ويقويه، وملء الفراغ بما يرضي الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4].

رابعاً: ترك الأماكن والمواقع التي تذكرك بالمعصية، أو تجلب عليك فتنة، وما أكثرها في زماننا سواء كانت مواقع شبهات كتلك العقائد والأفكار المنحرفة التي تنشر في كل حين وتزخر بها المنتديات والقنوات، أو مواقع شهوات كاختلاط محرم وغناء ماجن ونحو ذلك.. فعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أنّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ»[17].

قال أهل العلم: وهذا يؤكد على كل مسلم الابتعاد عن أي موطن فتنة أو معصية.

خامساً: التزام الصحبة الصالحة وترك صحبة السوء، وحضور مجالس العلم والصالحين في عالمنا الحسيّ، أو حتى في وسائل التواصل والعالم الافتراضي، فإنّ القدوة الحسنة لها أثر كبير في تعظيم الواجبات داخل النفوس..

أيها الإخوة، هذا شيء مما يعين بإذن الله على تربية النفس على تعظيم الأحكام والنصوص الشرعية.
وللحديث بقية إن شاء الله.


[1] [البقرة: 219].

[2] [النساء: 43].

[3] [المائدة: 91].

[4] [المائدة: 91].

[5] صحيح؛ صححه الألباني في "صحيح وضعيف الترمذي" (3049).

[6] [المائدة: 93].

[7] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (2464)، ومسلم (1980).

[8] صحيح؛ صححه الألباني في "صحيح وضعيف سنن أبي داود" (2231).

[9] صحيح؛ صححه الألباني في الجامع الصغير (4519)، أخرجه أبو نعيم في "حيلة الأولياء" (1 / 31)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(5376) بمعناه.

[10] [الحج: 30].

[11] تفسير البغوي (3/ 338).

[12] [الأحزاب: 36].

[13] انظر: مدارج السالكين (1/ 202).

[14] من موقع الإسلام سؤال وجواب، كما نقل أثر ابن عباس ابن تيمية رحمه الله، انظر "الاستقامة" (1/ 351-352).

[15] متفق عليه؛ البخاري (4837)، ومسلم (2820).

[16] [آل عمران: 190 - 194].

[17] صحيح؛ صححه الألباني في "صحيح الجامع" (6299)، أخرجه أبو داود (4319)، وأحمد (19875)، وغيرهما.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-05-2021, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,335
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تربية النفس على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية

تربية النفس على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية (2)
د. صغير بن محمد الصغير




الحمد لله... أيها الأحبة، كان الحديث في الجمعة الماضية عن موضوعٍ من أهم المواضيع في زماننا الحاضر؛ إذ هو علامةٌ على المؤمن الحق الصادق، إنه الامتثال وتربية النفس على تعظيم النصوص والأحكام الشرعية، رأيتُ فيه وإياكم نماذجَ يسيرة من عظماء الإسلام؛ كأبي بكر وعمر وبقية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فللهِ ما أعظم نفوسهم وما أصدقَ امتثالهم، ثم دارت الأزمنة وضعُفت التربية الإيمانية في بعض النفوس، فتساقط من تساقط، وتفنن من تفنن باتباع الهوى وليِّ النص الشرعي أو تكذيبه، وتُركت أعظم أسباب تربية النفس على ذلك؛ كاستشعار عظمة الخالق الذي بيده ملكوت الكون كله سبحانه وبحمده، واستشعار خطورة مخالفة أوامره، وتساهلَ العباد بالاستعانة بالله تعالى، وطلب التثبيت منه، وهجر كثيرٌ منهم عبادة التفكر بعظمة الله تعالى، وعظمة مخلوقاته سبحانه، ولم يلتزموا ويداوموا على فعل الطاعات، وتوافد كثير منهم إلى أماكن ومواقع تذكرهم المعصية، وتجلب عليهم الفتن، وأصبح جلساء السوء والرويبضات قدوات.

أيها الإخوة، يتعذر بعض مَن ابتلي بعدم الامتثال للحكم والنص الشرعي بأن الأفهام تختلف، وأن عقله وإداركه فهم ما لم يفهم غيره، وأتى بما لم تأتِ به الأوائلُ، وفي بيان بطلان هذه الشبهة يُقال: إن صحَّة فَهمِ النصوص الشرعية ركيزة أساسية لصحَّة الاستِدلال، ولا يَستطيع المرء أن يَعرف مراد الله سبحانه وتعالى، ومُراد رسوله صلى الله عليه وسلم إلا حينما يستقيم فَهمُه لدلائل الكتاب والسنَّة، بل إن كثيرًا من البدع والضلالات لم تَحدُث إلا بسب سوء الفهم.

قال ابن القيم: "صحَّة الفَهمِ وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عباده، بل ما أُعطِي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامُه عليهما، وبهما يأمن العبد طريقَ المغضوب عليهم الذين فسد قصدُهم، وطريقَ المغضوب عليهم الذين فسَدت فُهومهم، ويَصير من المنعَم عليهم الذين حسُنت أفهامهم وقُصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا الله أن نَسأله أن يهدينا إلى صراطهم في كل صلاة.

وصحَّة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميِّز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغيِّ والرشاد، ويمدُّه حسن القصد وتَحرِّي الحق والصواب، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع عنه اتِّباع الأهواء وإيثار الدنيا وطلب محمَدة الخَلقِ"[1].

وأما الأصول العِلميَّة التي يجب الاعتماد عليها في فهم النصوص الشرعية ودراستها:
أولًا: الاعتماد على منهَج الصحابة في الفَهم:
إذ للصحابة منزلة جليلة؛ فقد شرَّفهم الله سبحانه وتعالى وأعلى منزلتهم، ورفع قدرهم ودرجاتهم، وعدَّلهم من فوق سبع سماوات؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

يقول ابن مسعود: "من كان منكم متأسيًا فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، قوم اختارهم الله لصُحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاعرِفوا لهم فضلهم، واتَّبعوا آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهُدى المستقيم"[2].

مِن أجل هذا، فإن فَهم دلائل الكتاب والسنة إنما يؤخذ من الصحابة؛ ففيهم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليهم نزل الكتاب، فهم أعلم الناس بمُراد الله ومراد رسوله، خاصة بعد أن كَثُرت البدع، وقَلَّ العِلم، وفسدت الفهوم، وهُجِرت السنَّة، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»[3]، فمَن فسَّر الكتاب والحديث كما يقول ابن تيمية، وتأوَّله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين، فهو مُفترٍ على الله، مُلحِد في آياته، مُحرِّف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام[4].

ثانيًا:مَعرفة اللغة العربية:
لكي نفهم دلائل الكتاب والسنَّة على الوجه الصحيح، لا بد من معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن، والتي خاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ ولهذا تواتَر اعتِناء علماء الأمة وأئمتها بلغة القرآن حتى يوضَع خطاب الشارع في موضعه اللائق به شرعًا.

يقول ابن عبدالبر: "ومما يُستعان به على فهم الحديث العلمُ بلسان العرب ومواقع كلامها، وسعَة لغتها وأشعارها، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى الآفاق أن يتعلموا السنَّة والفرائض، واللحن يعني النحو، كما يتعلم القرآن"[5].

ثالثًا: جَمعُ النصوص الواردة في الباب الواحد:
تمثِّل النصوص الشرعية وحدةً واحدةً يُكمِّل بعضُها بعضًا، فلا تتَّضح المسألة حتى تستوفي جميع النصوص الواردة فيها، فالنصوص الثابتة تأتَلِف ولا تَختلِف؛ فكلها خرجَت مِن مشكاة، ولا يمكن أن يرد التناقض بينها أو الاختلاف، ولهذا فقد وصَف الله كتابه العزيز بقوله: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾ [فصلت: 41، 42].

إذا تقرَّر هذا فإنه لا يجوز أن يؤخذ نصٌّ ويُترَك نصٌّ آخَر في الباب نفسه؛ لأن هذا يؤدي إلى تقطيع النصوص وبَترِها؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [البقرة: 85].
يقول الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمَع طُرقه لم تفهمْه، والحديث يفسِّر بعضه بعضًا"[6].

ويقول شيخ الإسلام: "إذا ميَّز العالم بين ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وما لم يقله، فإنه يحتاج أن يفهم مُراده ويفقَه ما قاله، ويَجمع بين الأحاديث، ويضمَّ كل شكل إلى شَكلِه، فيجمع بين ما جمع الله ورسوله، ويُفرِّق بين ما فرَّق الله ورسوله، فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون، ويجب تلقِّيه وقبوله، وبه ساد أئمة المسلمين؛ كالأربعة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين"[7].

رابعًا: معرفة مقاصد التشريع:
من فضل الله ورحمته لهذه الأمة أن شرع جميع الأحكام لمقاصد وغايات عظيمة مبنيَّة كلها على مصالح العباد في دنياهم وأخراهم؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].

قال شيخ الإسلام: "الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشرِّ الشرَّين؛ حتى يُقدَّم عند التزاحم خيرُ الخيرَين ويُدفَع شرُّ الشرَّين، وفوائد ذلك القدرة على الموازَنة بين المصالح وتقدير المصلحة، وتقديم ما يَجب تقديمه، والاجتهاد في النوازل"[8].

فانظر رعاك الله هذا المنهج الرباني وتشبَّث به، وإياك أن تحيد عنه فتضل، كمن قدَّم العقل واتبع الهوى، وتتبَّع الرُّخَص[9].
أقول قولي هذا وأستغفر الله.


الخطبة الثانية
أيها الأحبَّة، لنتذكر دائمًا مع الاضطرابات الفكرية، والمِحن التي تعصِف بالأمة، وتشتُّت الآراء، وضَعف الامتثال أن المخرج بإذن الله الاعتصام بالكتاب والسنة.


قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103].


الاعتصامُ بالكتاب والسنة، أعظمُ فرائض الإسلام، وأجل أركانه، وبهما يتحققُ للأمة النصر والتمكين والعز والرفعة.


الاعتصامُ بحبل الله المتين: أمانٌ من الزيغ والضلال، ويجمعُ الأمةَ تحت لواء "لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله"، يُقوِّي اللُّحْمة، ويقتلُ الأطماع، ويُسقطُ الرايات الزائِفة، وبه نُواجِهُ مكرَ وكيدَ الأعداء.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ»[10].


وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1] إعلام الموقعين (ج1 ص130).

[2] جامع بيان العلم وفضله (ج2 ص947).

[3] صحيح؛ صححه الألباني في "الصحيحة" (2735) وأخرجه أبو داود (4607) واللفظ له، والترمذي (2667)، وغيرهما.

[4] الفتاوى (ج17، ص353).

[5] جامع بيان العلم وفضله (ج2 ص1132).

[6] الجامع لأخلاق الراوي (ج9 ص212).

[7] الفتاوى (ج27 ص316).

[8] إعلام الموقعين (ج3 ص14).

[9] للتفصيل انظر: كتاب "منهج التلقي والاستدلال بين أهل السنة والمبتدعة" للدكتور الصويان (ص29) وما بعدها، وكتاب "نحو استقامة فكرية" للصغير ( ص84).

[10] صحيح مسلم (1715).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.24 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]