|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() غزة في ذاكرة التاريخ (1) كتبه/ زين العابدين كامل فتُعد مدينة غزة من أقدم مدن العالم، فهي تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإنساني، فهي ليست وليدة عصر من العصور، بل هي رفيقة العصور المختلفة. ولقد لعبت مدينة غزة دورًا سياسيًّا وعسكريًّا كبيرًا عبر التاريخ؛ ولذا كانت غزة -ولا تزال- محطة رئيسة عبر محطات التاريخ. ورغم تعاقب كثير من الأمم والحضارات على مدينة غزة: كالفرعونية، والآشورية، والفارسية، واليونانية، والرومانية؛ إلا أن العرب هم أول مَن دخلوا المدينة، وكان ذلك خلال القرن السابع عشر قبل الميلاد تقريبًا. وقيل: بل كان قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام. ولقد كان المصريون من أهمِّ العناصر السكانية الذين استوطنوا غزة على مرِّ الأحقاب التاريخية، وذلك منذ عصر الفراعنة، حيث كانت غزة -ولا تزال- هي حلقة الاتصال بين مصر والشام، وكان المصريون الفراعنة يسمونها: هازاتي، وعزاتي. وكل من أراد من ملوك الفراعنة أن يغزوا سوريا كان لا بد لهم أولًا أن يحتلوا مدينة غزة. وقد ذكر بعض المؤرخين: أن الفلسطينيين فتحوا غزة قديمًا، وهم الذين أعطوها لقبها الحالي، وقد اختُلف في تعيين أصلهم؛ فهناك من قال: إنهم أتوا من شمال سوريا. وقيل: بل جاءوا من جزيرة كريت اليونانية، وكانوا يسيطرون على جميع المدن الواقعة ما بين عكا حتى العريش. ولقد دخل بنو إسرائيل مدينة غزة في عصر سليمان -عليه السلام-، ودانت له تلك البلاد من الفرات وحتى حدود مصر. وكانت غزة في العصر اليوناني يقصدها الطلاب من بلاد اليونان من أجل التعلُّم فيها، حيث كانت تتمتع بكثير من المدارس العلمية. وكانت غزة تلعب دورًا تجاريًّا كبيرًا خلال العصور المختلفة؛ ولذلك كان السبئيون -وغيرهم من الأمم- يؤمونها بقوافلهم التجارية. وقد ملكت الدولة الرومانية مصر والشام عام 30 ق . م، أي: قبل ميلاد عيسى -عليه السلام-. وكان إسكندر يانيوس قد غزا مدينة غزة عام 96 ق . م، وحاصرها لمدة عام كامل، ثم فتحها وخرَّبها، ثم قام الرومان بإعادة بنائها وشيَّدوها. ثم لما تولى المَلِك أغسطس -وفي عصره وُلِد عيسى عليه السلام-، كان يوليوس ملكًا على فلسطين، وكانت غزة في عصر يوليوس تتمتع بإدارة مستقلة، وكان هِيرُودِس الآدومي حاكمًا على اليهود بالقدس، ومع أن هيرودس قد اعتنق اليهودية، لكنه كان يحب التقاليد الرومانية. وكان هيرودس يحب غزة ويقول عنها: هي مدينة عظيمة، وبعد وفاة هيرودس أصبحت غزة مقاطعة رومانية، وازدهرت في العلم والتجارة والعمران. وعاشت غزة -كما يذكر المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه: "تاريخ غزة"- حرة مستقلة طيلة الحكم الروماني، ولكن انتشرت فيها عبادة الأوثان، كما كان للفلسفة الأفلاطونية فيها عدة مدارس. وقد سَكَّ الرومان أثناء احتلالهم لفلسطين عملات رومانية، وكتبوا على بعض النقود اسم مدينة غزة. وعندما كانت غزة تدار من قِبَل إمبراطور روما، تحولت إلى مستعمرة عسكرية للرومان، وفي عام 66م قامت حرب بين اليهود والرومان؛ فذبح الرومان عددًا كبيرًا من اليهود، حيث قتلوا في قيسارية عشرين ألفًا، وفي بيسان ثلاثة عشر ألفًا، وفي عكا وعسقلان أربعة آلاف، ثم تغلب اليهود وأحرقوا عسقلان وغزة. ومَن تدبَّر حركة دوران التاريخ يعلم: أن أهل غزة من أغير الناس على دِينهم وعرضهم وشرفهم؛ فهم أهل البأس والصمود، والجهاد والثبات؛ الذين سطَّروا تاريخًا مشرقًا، وخاضوا نيابة عن الأمة حروبًا ودروبًا، لقَّنوا فيها الأعداء دروسًا قاسية، لن تمحى من صفحات التاريخ. ونستكمل في المقال القادم -بمشيئة الله تعالى-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() غزة في ذاكرة التاريخ (2) غزة مركز تجارة أرض الشام والحجاز كتبه/ زين العابدين كامل فقد كانت مدينة غزة تلعب دورًا كبيرًا على مرِّ الحقب الزمنية المختلفة، فيما يخص حركة التجارة؛ ولذا كان الروم يقيمون بها سوقًا تجاريًّا، وكان العرب يترددون عليها للتجارة، فقد نزلها للتجارة أُمَيَّة بن أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِي، وتوفي بها هاشم بن عبد مناف، الجد الثاني لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن هنا عُرِفت بغزة هاشم، ونزلها كذلك عبد الله والد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونزلها كذلك أبو سفيان بن حرب -رضي الله عنه-. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ: "كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَصَرَتْنَا حَتَّى نَهَكَتْ أَمْوَالَنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ -هُدْنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ عام 6 هـ- بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَا نَأْمَنْ أَنْ وَجَدْنَا أَمْنًا، فَخَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً، وَكَانَ وَجْهُ مَتْجَرِنَا مِنَ الشَّامِ غَزَّةَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ" (البداية والنهاية لابن كثير)، وهكذا كان كثير من العرب يذهبون إلى غزة في رحلات تجارية. بل لقد اغتنى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من أعمال التجارة بمدينة غزة، حيث قال أبو القاسم ابن حَوقل البغدادي الموصلي في كتابه: (صورة الأرض): "ومنها -أي: غزة- أَيْسَرَ عمرُ بن الخطّاب في الجاهليّة؛ لأنها كانت مُستطْرقًا لأهل الحجاز، وكان عمرُ بها مُبَرْطِسًا"، والمبرطس هو الذي يَكْتَرِي للنَّاسِ الإِبِلَ والحَمِيرَ، ويأخُذُ عليه جُعْلاً. فبرطسة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كانت ترتكز في غزة، فقد كان لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أعمال تجارية واسعة في غزة، وتحديدًا في مجال الشحن والنقل، حيث إن يساره وثراءَه حدَث له هناك. وكما كانت دمشق هي أول محطة سورية على حافة الصحراء، في طريق الذاهب إلى بلاد آشور -على ضفتي نهر دجلة-، كانت غزة أول مدينة على حافة الصحراء في الطريق الذاهب إلى مصر، وكان الحجاج يجتمعون في غزة أثناء سفرهم إلى سيناء. وكانت قوافل التجارة تجتمع في مدينة غزة، وتتحرك منها إلى مصر وجنوب بلاد العرب، وكانت البضائع تأتي إلى غزة من ميناء العقبة، بل وكانت غزة بحكم موقعها الساحلي هي مجمع تجارة بلاد العرب والهند إلى بلاد الروم؛ فلك أن تتخيل تلك الحركة التجارية الكبيرة عن طريق مدينة غزة! وكانت التجارة أيضًا تبدأ من جنوب بلاد العرب في اليمن، التي يجتمع فيها تجارة البلاد وتجارة الهند، ثم تسير شمالًا إلى مكة ويثرب "المدينة المنورة حاليًا"، والبتراء "وهي مدينة تقع جنوب الأردن"، قبل أن تتفرع إلى فرعين؛ أحدِهما: في غزة على البحر المتوسط، وثانيهما: في طريق الصحراء إلى تيماء ودمشق وتَدْمُر. ولقد أشارت بعض المصادر التاريخية: إلى أن العرب المعينيين -مملكة معين- وهم الذين سبقوا الدولة السبئية، هم أول مَن ارتاد غزة وغشي أسواقها من العرب، وكانوا يحملون إليها بضائعهم من مختلف السلع، كالبخور والبهارات والطيب واللبان، فينقلونها عبر الصحراء إلى غزة؛ لأنها كانت أهم نقطة تجارية واقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. ثم كانت غزة من أهم المحطات التجارية التي لعبت دورًا كبيرًا في عصر مملكة سبأ، حيث كان السبائيون يؤمونها بقوافلهم التجارية، وهكذا كانت غزة تمثِّل مركزًا تجاريًّا مهمًّا بأرض الشام المباركة، وذلك خلال العصور المختلفة. وهكذا كانت غزة هي حلقة الوصل بين الدول والأمم في حركة التجارة العالمية، ويُروى في الأثر: "طوبَى لِمَن أسكنَهُ اللَّهُ تعالى إحدى العَروسَينِ: عَسقلانَ أو غزَّةَ" (أخرجه الديلمي عن عبد الله بن الزبير مرفوعًا، وضعفه الألباني -رحمه الله-). والعروسين تثنية عروس، وهو وصف يشترك فيه الذكر والأنثى -عسقلان أو غزة-، وفي الأثر تنويه بفضل البلدين وترغيب في السكنى بهما. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() غزة في ذاكرة التاريخ (3) الفتح الإسلامي لمدينة غزة (1) كتبه/ زين العابدين كامل فقد احتل الرومان بلاد مصر والشام عام 30 ق . م، وكانت عاصمتهم روما، ثم أنطاكيا، ثم بيزنطة، وهي القسطنطينية، وكانوا مشركين وثنيين يعبدون الكواكب والأصنام، ثم اعتنقوا الديانة النصرانية عام 381م. وكانت الفوضى قد حلَّت بتلك الديار بسبب الصراعات السياسية، وانتشر الظلم والجور، وساءت الأخلاق، وانتشرت كذلك الشركيات، وأنواع الكفر المختلفة، وكان العالم آنذاك في أشد الحاجة لمصلح عظيم ومنقذ حكيم. وفي الحديث الصحيح (وإِنَّ اللهَ نظر إلى أهْلِ الْأَرْضِ، فمقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وعَجَمَهُمْ، إِلَّا بقَايَا من أهْلِ الْكِتَابِ) (رواه مسلم). أي: أَبغضَهم أشدَّ البغضِ، عرَبَهم وعجَمَهم، والمرادُ بهذا المقْتِ والنَّظرِ ما قبْلَ بَعثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولذلك قال: (إِلَّا بقَايَا من أهْلِ الْكِتَابِ)، وهمُ الَّذينَ لم يَزالوا مُتمسِّكِينَ بِالحقِّ ولم يُبدِّلوا دِينَهم. فبعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- لينقذ البشرية ولكي ينقلها من الظلام الدامس إلى النور المشرق. وفي أواخر السنة السادسة من الهجرة حين رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية كتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، فكتب إلى النجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وكسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، والْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى حاكم البحرين، وهَوْذَة بْنِ عَلِيٍّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، والْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الغساني صاحب دمشق، وجَيْفَر ملك عُمان. ثم كانت معركة مؤتة في العام الثامن الهجري والتي وقعت في جنوب الأردن. ثم كانت غزوة "تبوك" في العام التاسع الهجري بعد أن انتصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مشركي مكة وطهرها من الرجس والأوثان؛ فتحرك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثين ألف مقاتل نحو الشمال للقاء الرومان في تبوك. ثم بعد عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع جهَّز جيشًا لغزو الروم بفلسطين، بقيادة أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-، وكان ذلك في صفر العام الحادي عشر، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدَّارُومِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ -وَيَقُولُ يَاقُوتُ الحمَوي: وَالدَّارُومُ: قَلْعَةٌ بَعْدَ غَزَّةَ لِلْقَاصِدِ إلَى مِصْرَ- وقيل هي مَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِدَيْرِ الْبَلَحِ، بقطاع غزة. وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتولي الصديق -رضي الله عنه- أمر الخلافة، أرسل جيش أسامة إلى البلقاء والداروم من أرض فلسطين. ثم في العام الثاني عشر بعد أن فرغ الصديق من حروب الردة، أرسل عدة ألوية إلى بلاد الشام، فأرسل جيشًا بقيادة يزيد بن أبي سفيان، متوجهًا إلى دمشق، والجيش الثاني بقيادة شرحبيل بن حسنة، وهدفه بُصْرَى عاصمة حَوْرَانَ، أو حُوران، والجيش الثالث بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وهدفه حمص، والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص، وهدفه فلسطين. ومع تقدم جيوش المسلمين جهز هرقل قوة عسكرية قوامها ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة سرجيوس قائد منطقة غزة، ونزلوا بمكان يعرف -بغمر العربات، أو وادي العربة بأرض فلسطين- فوجَّه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي على رأس قوة عسكرية ووقع بينهما قتال، وانتصر المسلمون وهنا يذكر الطبري: "أن أول حرب كانت بالشام بعد سرية أسامة وقعت بالعربة". ثم وقعت معركة شديدة بين المسلمين والروم بقرية داثِن بمدينة غزة، في أواخر عام 12 هـ، ويذهب ياقوت الحموي إلى أن معركة داثن هي المعركة الأولى التي وقعت بين المسلمين والروم، بينما ذهب بعض المؤرخين إلى أن داثن كانت هي الوقعة الثانية. فعلى أرض غزة في خلافة أبي بكر انتصر المسلمون انتصارًا باهرًا، وهزم الروم هزيمة منكرة، ورغم عدم شهرة هذه المعركة؛ إلا إنها كانت هي البداية لسلسلة انتصارات كبيرة للمسلمين بالشام وفلسطين؛ فغزة هي نبض العزة، ورمز الكرامة، وهي مسقط رأس الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-. قال الشافعي -رحمه الله-: وَإِنِّي لَـمُـشْـتَـاقٌ إِلَى أَرْضِ غَـزَّةٍ وَإِنْ خَانَـنِي بَعْـدَ الـتَّـفرُّقِ كِتْمَانِي سَـقَى اللّه أَرْضًا لَـوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبِها كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() غزة في ذاكرة التاريخ (4) معركة داثن والفتح الإسلامي لمدينة غزة (2) كتبه/ زين العابدين كامل فقد ذكرنا -سابقًا- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهَّز جيش أسامة إلى أرض فلسطين بعد عودته من أداء مناسك الحج، ثم توفي -صلى الله عليه وسلم-، فأرسل الجيشَ الصديقُ -رضي الله عنه-. وذكرنا أن قتالًا وقع بين المسلمين وبين الروم في أواخر عام 12 هـ، على أرض فلسطين وبالتحديد، في مكان يعرف بغمر العربات، أو وادي العربة، ثم وقعت معركة شديدة بين المسلمين والروم بقرية داثن بمدينة غزة، وقد ذهب ياقوت الحموي إلى أن معركة داثن هي المعركة الأولى التي وقعت بين المسلمين والروم، بينما ذهب بعض المؤرخين إلى أن داثن كانت هي الوقعة الثانية. وهكذا يسير المسلمون نحو غزة، يريدون فتحها، وانتشرت الجيوش الإسلامية في ربوع الشام على حسب الخُطة التي رسمها لهم الصديق -رضي الله عنه-. معركة داثن: وأما فيما يخص معركة داثن التي أشرنا إليها، فلقد بلغ عمرو بن العاص أن جيش هرقل قد تجمع بكثرة في مدينة غزة، وأن الجيش مكوَّن من عشرة صلبان، تحت كل صليب عشرة آلاف فارس، ثم جاءت الإمدادات إلى عمرو، وقد اشترك عدد من الصحابة في تلك المعركة؛ منهم: سعيد بن خالد -أخو عمرو بن العاص لأمه- وعبد الله بن عمر، وأبو الدرداء، والضحاك بن قيس، وربيعة بن قيس، وعدي بن عامر، وعكرمة بن أبي جهل، وسهل بن عمرو، والحَرْث بن هشام، ومعاذ بن جبل، وذو الْكَلَاعِ الحميري وغيرهم ممن ضحوا من أجل ذلك الفتح. وبدأت المعركة وارتفعت صيحات التكبير، وانتصر المسلمون ودخلوا غزة، مهللين مكبرين، وأظهر الله أولياءه وهزم أعداءه، وفض جمعهم (هذا ما ذكره الواقدي في فتوح الشام). وقيل: كان ذلك عام 12هـ، في خلافة الصديق. وقيل: عام 13 هـ، في خلافة عمر بن الخطاب. ولذلك يذكر البلاذري في فتوح البلدان، أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قد فتح مدينة غزة في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه-، فهي من أوائل المدن التي فتحها المسلمون على أرض فلسطين. ومِن المؤرخين مَن ذهب: إلى أن مدينة غزة فتحت صلحًا وليس عَنوة، ومنهم من قال: إن الفتح كان في العام الخامس عشر، والمشهور أن الفتح كان على يد عمرو بن العاص. وقيل: بل فتحها معاوية. وقد ذكر بعض المؤرخين أن أبا بكر عندما أراد أن يرسل عمرو بن العاص إلى فلسطين أوصاه فقال: "قد وليتك هذا الجيش، فانصرف إلى أهل فلسطين، واتقِ الله في سرك وعلانيتك واستحيه في خلواتك، وإياك والوهَن، أن تقول جعلني ابنُ أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به، وقد رأيتَ يا عمرو، ونحن في مواطنَ كثيرة، ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا، وأوصيك بالصلاة، ثم الصلاة، أذِّن بها إذا دخل وقتُها، وإني قد وليتك على من قد مررت به من العرب، وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق، وإذا رأيت عدوك فاصبر ولا تتأخر، فيكونُ ذلك منك فخرًا، والزم مع أصحابك قراءة القرآن". ثم قال أبو بكر: "سيروا على بركة الله -تعالى-، وقاتلوا أعداء الله، وأوصيكم بتقوى الله فإن الله ناصر من ينصره". وهذه الوصية الجامعة النافعة، فيها السر الذي به فتح المسلمون العالم وسادوا الدول، وبه انتصروا على عدوهم، كما قال عمر، لقد كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام. إن غزة هي أرض الشوق، وموطن النضال، ففيها نضج رجال الأمة، وعلت كلمة الإسلام، إن الصغير فيها بطل، والكبير فيها مناضل، والقتيل فيها شهيد -بإذن الله-، وإن قلوب الأمة لتشتاق إليها، وتتألم لألم أهلها. وقد صدق الشافعي -رحمه الله- إذ قال عن غزة عندما حنَّ إليها: وَإِنِّي لَـمُشْـتـَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَــزَّةٍ وَإِنْ خَانَـنِي بَعْدَ التَّفرُّقِ كِـتــْـمَانِي سَقَى اللّه أَرْضًا لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبِها كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() غزة في ذاكرة التاريخ (5) غزة والحملات الصليبية كتبه/ زين العابدين كامل فلم تكن غزة بمنأى عن الأحداث العالمية ولا المحلية، فقد كانت دومًا رقمًا أساسيًّا في معادلة الأحداث. فعندما جاءت الحملة الصليبية الأولى إلى أرض الشام عام (489هـ - 1096م)، توغل الصليبيون في أرض الشام، ووصلوا حتى عسقلان، ولم تدخل غزة ساحة القتال آنذاك، وفي عام 1100م، تقدم الصليبيون نحو غزة، وذلك بعد أن توطدت أقدامهم، وهاجموها بقيادة -جود فريد- ودخلوها بالفعل وأقاموا بها قلعة كانت مهجورة. وفي ذلك التوقيت لم يقم الصليبيون بالاعتناء بغزة، لا من الناحية العسكرية ولا التجارية، بل اتخذوا من مدينة عسقلان مركزًا لهم، ولذا تراجعت غزة عن دورها التجاري والعسكري آنذاك. تحالف الشيعة العبيديين مع الصليبيين ضد أهل السنة: أولًا: في الوقت الذي أسس فيه الصليبيون إمارة أنطاكية عام (491هـ)، لم يفكر الفاطميون الشيعة في دعم السلاجقة السُّنة في حربهم ضد الصليبيين، بل على العكس من ذلك، أرسلوا وفدًا منهم إلى الصليبيين، وعرضوا عليهم التحالف ضد السلاجقة، وبالفعل وَقَّع الطرفان على اتفاق التحالف في شهر صفر عام 491هـ. بدأ الصليبيون التوغل في بلاد الشام، وبدأت المدن تتساقط بين أيديهم، حتى استطاعوا أن يستولوا على بيت المقدس عام (492هـ)، وقتل الصليبيون بالمسجد الأقصى ما يزيد عن سبعين ألفًا من المسلمين، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين، وعلمائهم. وبعد الصراع الذي وقع بين الوزيرين: شاور وضرغام عام (558هـ)، لجأ شاور إلى نور الدين حاكم دمشق، واستنجد به، وتعهد شاور لنور الدين إن ساعده في إعادته إلى منصبه، والقضاء على منافسه ضرغام، أن يدفع له ثلث خراج مصر، على أن يكون نائبه مقيمًا بعساكره في مصر، وطلب منه عونًا عسكريًّا لبسط سيطرته على مصر. وهنا أرسل نور الدين حملة عسكرية بقيادة أسد الدين شيركوه، وتُعدُّ هذه الحملة الأولى لشيركوه، واستطاعت تلك الحملة أن تمكن شاور من السيطرة على الدولة وذلك عام (559هـ)، وكان الهدف الحقيقي لنور الدين محمود هو مراقبة بلاد مصر والوقوف على أحوالها، وملك الديار المصرية وإضافتها إلى المملكة النورية، وبالتالي يتم إعادة مصر إلى المذهب السني. إلا أن شاور نقض اتفاقه مع نور الدين وغدر به، ولم يدفع له شيئًا من خراج مصر، بل تحالف مع الصليبيين ضد أسد الدين، واستنجد بعموري الأول الذي كان يتأهب للزحف على مصر، وعرض عليه أموالًا ضخمة مقابل مساعدته لإخراج أسد الدين شيركوه من مصر. وبالفعل أسرع ملك بيت المقدس بالزحف إلى مصر -وهنا أرسل جيشه إلى مدينة غزة ليراقب تحركات الشاميين وتقدمهم-، واتصل فور وصوله إلى مدينة فاقوس بشاور، واتفقا على حصار أسد الدين في بلبيس. وعندما بلغ ذلك الخبر إلى نور الدين محمود، لجأ إلى تشديد هجماته على أملاك الصليبيين في بلاد الشام، فقام في رمضان (559هـ) بمهاجمة قلعة حارِم، وتمكن من استردادها من الصليبيين بعد مقتل أكثر من عشرة آلاف منهم، وأسر عددًا آخر من بينهم عدد من قادتهم. وفي النهاية اتفق الطرفان على الصلح على أن يغادر الطرفان مصر. ولا تزال غزة في قلب الأحداث: قال ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية: "وفي عام 566هـ، سار صلاح الدين من مصر إلى بلاد الفرنج، فأغار على عسقلان والرملة، وهجم على غزة وسيطر عليها، وأتاه ملك الفرنج في قلة من العسكر مسرعين لردِّه عن البلاد، فقاتلهم وهزمهم، وأفلت ملك الفرنج". وفي عصر الدولة الشيعية الفاطمية، ظهرت البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد، ففي عام 567هـ، تغلب الفرنج على سواحل الشام بكامله، حتى أخذوا القدس ونابلس، وعجلون والغور، وبلاد غزة وعسقلان، وكرك الشوبك، وطبرية وبانياس، وصور وعكا، وصيدا وبيروت، وأنطاكية. وللحديث بقية -بمشيئة الله تعالى-.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |