حتما.. إنه الرحيل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 601 - عددالزوار : 65705 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14267 - عددالزوار : 756186 )           »          مواقف بين النبي وأصحابه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1380 )           »          ما أعظم ملك الله وقدرته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الإسلام يدعو إلى التكافل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          حكم التفضيل بين الأنبياء عليهم السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          دعوة إلى الإصلاح ووحدة الصف والمصير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          لا تنس هذه الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الدرس الخامس والعشرون: ليلة القدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          تحريم ترك الوفاء بنذر الطاعة لله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-06-2025, 07:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,795
الدولة : Egypt
افتراضي حتما.. إنه الرحيل

حتمًا ... إنه الرحيل

محمد شفيق

أيما حسرة تطالع المرء لحظة تيقنه انتزاعَه من الدنيا، ورحيله إلى الآخرة؟ في لحظة ينتقل فيها من عالَم إلى عالم آخر، لم يسبق له به عهد من قبلُ، عالم خارجٍ عما ألِفته النفس والعقل وكل كيانه الإنساني، عالم لا طائل للجسد بأبعاده التي فوق الطبيعة والمادة عمومًا، عالم يُختبر فيه العقل أيما اختبار، اختبار أشبه بقطع الحبل السُّرِّيِّ فور ولادة الجنين، وصرخاته تعلو مكان ولادته من وقع الأحاسيس المستجدة بكيانه، أضواء ساطعة تحجب الرؤية، وأصوات يفزع منها الفؤاد، وجسم يرتعد ربما من لفحة بردٍ أو فرط حرٍّ يعم الوسط، ليدخل الجسم في تفاعلات مع الخارج الجديد بشيء من التلقائية، وردة فعل خارجة عن المألوف، كلها اختبارات يتعرض لها الجنين فور الولادة، كل شيء تغيَّر ودخل على المحك والاختبار.

قد كان من قبلُ لا يحمل همَّ الجوع والعطش، فلم تكن سوى آلية تلقائية تقوم بضبط حاجياته الجسمية على أحسن ضبط وتقدير، لا بكاء ولا صراخ من جوع وعطش، لا فزع من وقع الوسط الخارجي، فالعناية الخارجية توفر أقصى ما يمكن أن يحتاج إليه الجنين، من موادَّ غذائية تجري في حبله السري، ووسطٍ ملائم ومكيَّف، تلك أقصى حاجياته في تلك الفترة، ما أن يخرج من الرحِم حتى يصير يبحث عن ثدي أمه، ليروي عطشه ويسُدَّ جوعه، وإن أبطأت عليه أمه ولم يتم التواصل كما ينبغي، دخل في نوبة صراخ وبكاء، إلى أن يتم إرضاعه بالكيفية التي تناسب، وبالقدر الذي يلبي حاجته، كل ذلك بدافع من ردة فعل غير إرادية منه.

ويكبر جسمه، وتزداد اتصالاته بالعوالم الخارجية، على تعددها وتنوعها وتعقيداتها، وهو في ذلك مندفع ليكتشف كُنْهَها ومدى قيمتها لديه من حيث جدواها في حياته، سرعان ما يدرك أنه انتقل من عالم الإحساس التلقائي، إلى عالم الإحساس الإرادي والوجداني، فتتعدد أوجه الإحساس لديه، إنها ميكانيزمات جديدة معقَّدة غاية التعقيد، يتدخل فيها العقل المبرمَج الذي يحتفظ بكل التجارب الحياتية، وتزداد المتطلبات والرغبات، وهو في ذلك مُكْرَهٌ تارة، ومخيَّر تارة، ومستقل تارة، ومرتبط تارة أخرى، ويشكل مع نُظرائه مجتمعًا، وتتعدد المجتمعات والثقافات ويكبر فكره، فيدرك حقائقَ لم يحِن وقوعها، وقد تكون أبعد عن الإدراك الحسي، وقد تظل غيبية، كل ذلك يدركه عقله المتطور أثناء رحلته الحياتية.

وهو في هذا العالم الذي يكبر فيه عقلًا وإن ظلَّ جسمه ضئيلًا، يصطدم بحقائقَ حتمية تهدد وجوده وبقاءه في هذا العالم الكبير، الذي تدركه حواسه، ذلك بما وهبه له عقله من منطق القياس والتجارب، فإنه سيخضع لتجربة نوعية انتقالية كما طرأت على غيره من نظرائه، يفزع من مسمَّاها لمَّا أدرك ذلك أول مرة، وظل ذلك المنطق يكدر عليه حياته كلما عاوده التفكير فيه، تجربة لها تفسيرات في عقله، عمد إليها من خلال تفكيره في حياته، وخلص إلى أن اسمها "الموت"؛ حيث ينتهي به المطاف في هذه الحياة التي أتى إليها خلال سنوات عيشه، سيستسلم لهذا المصير، ولن يكلف نفسه عناء التفكير فيه؛ لأنه في آخر المطاف يدرك أن عقله مهما بلغ من أُفُقٍ، فلن يدرك كل ما يغيب عنه، فيزوده الوجدان بمفهوم جديد يضبط نفسيته، ويريحه من عناء التفكير، لم يكن سوى الإيمان بالغيب.

ومن حسن تدبير الله له أنه كان قد أدرك خيطًا رفيعًا ممتدًّا عبر تلك العوالم المجتمعية التي عاشت وسبقته في حياته؛ إنه الوحي الذي يعزز الإيمان الذي استقر في قلبه، فلم يكن إلا رسالة كونية ممن يدبر أسرار الوجود، وهو من تؤول إليه رقاب كل الموجودات، كم كان مندهشًا ومعجبًا لمَّا أدرك أنه مخلوق من إبداع خالقٍ كبير! وكم كان مستغربًا، فلم يلبث أن انقاد إلى إيمانه لما أدرك أنه مكلَّف بأن يعيش بكيفية منضبطة على النحو الذي يريد خالقه! لكنه ظل مهمومًا ومضطربًا؛ مخافةَ أن تنزع به نفسه إلى مخالفة ما أُمر به من واجب، ظل يسدِّد ويقارب، تارة يصيب وتارة يغفُل فيخطئ، إن همًّا كبيرًا يساوره طوال حياته، كل أفعاله يحملها ثقلًا على كاهله، وهو مكلَّف حينما يواريه الثرى بأن يُفصح عن ماهية أفعاله، وهل هي تستجيب لِما أُمر أن يعمل على وَفقه، وعلى نمط الرسالة التي كانت تتناقلها الأجيال بوحي من الخالق، أم أنه لم يكترث لحديث الوجدان، ولم يعبأ بمضامين الرسالة الكونية، وعاش في نمط حياة غير منضبطة مع منظومة الكون، عاش في تخبُّط وغفلة عن الحقائق، انخدع بهذا الحيز الدنيوي، لم يتقبل مصيره الحتميَّ، حرَص جاهدًا أن يمتلك المُلك الذي لا يبلى، لسان حاله يقول ذلك، فمهما عاينت أحاسيسه الحقيقة، إلا أن نفسه المتطلعة تأبى إلا أن تملك أكثر مما يلزمها في هذه الرحلة القصيرة؟!

لقد بات منكفئًا إلى الأرض وجسمه في نقصان، وكاهله مثقل بالواجبات والتكاليف المسؤول عنها، وفي ذهابه ومجيئه، وحرصه ويأسه، وبين جِدِّه وهزله، وقوته وضعفه، يفجعه مطلع يومٍ أشدَّ وقعًا من حياته كلها، لقد انتُزع على الفور، وأُخذ بطريقة خارجة عن المألوف مرة أخرى، وإلى أفق أكثر شساعة من ماضيه وأمسه، كأن البارحة ساعةٌ من نهار أو لحظة عابرة يتذكرها كأنها لا شيء، أيما حسرة تطالعه إن لم يكن قد تحضَّر لهذه اللحظة الفارقة؟ يوَد الرجوع لكن لا يملك لأمره من شيء، فإن الرحم لا تقبل مكوث الجنين لحظة الولادة، وكذلك الشأن لحظة الوفاة.

إن الجسد يبلى في مرحلة حاسمة من مراحل انتقالاته، والروح لها شأن خاصٌّ، والممات ليس إلا تخلصًا من بقايا حياة ظرفية، فكما تخلَّص الجسد من الحبل السري والمشيمة، وحيزٍ كان يتغشاه في فترته الجنينية، فالآن كذلك يتخلص من كل أجهزته الجسدية، التي لن تكون أهلًا بأن تعاين أحداثًا جِسامًا.

إن الرحلة الصغرى للإنسان أبلغ إلى نفس الإنسان كي يدرك مآلات رحلته الكبرى؛ حيث يحط رِحاله، وحيث تستقر به الحياة، في مدارها الأخير، إما رابحًا أو خاسرًا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 50.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.50 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.40%)]