صم صوم مودع - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 164 - عددالزوار : 3240 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5092 - عددالزوار : 2335421 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4677 - عددالزوار : 1630846 )           »          كيفية إعداد خطة بحث لطلاب الدراسات العليا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          طرائق وآداب تربية الأولاد على مبادئ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          حكم التعلم والتدريس في الجامعات المختلطة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          ملف كامل عن ماسكات البشرة بانواعها المختلفة.محاربة الشيخوخة.البشرة الدهنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          وصفات لتبيض الجسم من المنزل.افضل الوصفات الطبيعية لتبيض الجسم من مطبخك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          كيفية العناية بالطفل فى فترة الدراسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          طرق العناية بنظافة الطفل في العام الدراسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-05-2020, 01:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,690
الدولة : Egypt
افتراضي صم صوم مودع

صم صوم مودع



أحمد بن عبد الله الحزيمي





الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَالْإِنابَةِ إِلَيهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَأَرْسَلَ الرُّسَلَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكُتُبَ لِبَيَانِ الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ لَجَنَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَكْمَلُ الْخَلْقِ عُبُودِيَّةً للهِ، وَأَعْظَمُهُمْ طَاعَةً لَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيه وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَأَسَّى بِهِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.. أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا الصَّائِمُونَ.. اجْعَلُوا مِنْ صِيَامِكُمْ سَبَبًا مُوصِلًا إِلَى تَقْوَى رَبِّكُمْ جَلَّ وَعَلا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].


يا صَائِمًا تَرَكَ الطَّعَامَ تَعَفُّفًا

أَضْحَى رَفِيقَ الْجُوعِ واللأْوَاءِ



أَبْشِرْ بَعِيدِكَ فِي الْقِيَامَةِ رَحْمَةً

مَحْفُوفَةً بِالْبرِّ وَالْأَنْدَاءِ



يا صَائِمًا عَافَتْ جَوَارِحُهُ الْخَنَا

أَبْشِرْ بِرِضْوانٍ مِنَ الدَّيَّانِ



عَفْوٍ وَمَغْفِرَةٍ وَمَسْكَنِ جَنَّةٍ

تَأْوِي بِهَا مِنْ مَدْخَلِ الرَّيَّانِ





أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، عِظْنِي وَأَوْجِزْ. فَقَالَ:"إِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ فَصَلِّ صَلاَةَ مُودِعٍ" رَوَاهُ الْإمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.



تَصَوَّرْ أَخِي الْكَرِيمُ أَنَّكَ تُصَلِّي صَلاَةً تَنْتَظِرُ بَعْدَهَا الْمَوْتَ، كَمْ سَتَخْشَعُ فِيهَا وَيَحْضُرُ قَلْبُكَ؟! وَكَمْ سَتُتِمُّهَا وَتُحَقِّقُ الْإِخْلاَصَ فِيهَا؟! لِمَاذَا لَا نَسْتَحْضِرُ رُوحَ الْوَدَاعِ فِي عِبَادَاتِنَا كُلِّهَا؟! صَلاَةُ مُوَدِّعٍ، صَوْمُ مُوَدِّعٍ، عِبَادَةُ مُوَدِّعٍ، مَا أَجْمَلَهَا وَاللهِ وَأَنْتَ تَصُومُ صَوْمَ مُوَدِّعٍ، فَمَا مَعْنَى صَوْمِ مُوَدِّعٍ؟ صَوْمُ الْمُوَدِّعِ تَعْنِي: تَحْسِينَ الْعِبَادَةِ وَتَجْوِيدَهَا. فتَحْسِينُ الْعِبَادَةِ بِأَنْ لَا تَقْصِدَ بِهَا إلَّا وَجْهَهُ الْكَرِيمَ وَمَا طَابَتِ الْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ إلَّا بِإِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ.



عِبَادَ اللَّهِ... حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ ويَطْمَعُ فِي جَنَّتِهِ وَيَسْتَجِيرُ بِهِ مِنْ نَارِهِ أَنْ يَسْعَى لِإحْسَانِ عَمَلِهِ فِي تَمَامٍ وَكَمَالٍ يَسُرُّهُ وَيُنْجِيهِ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ وَجْهَهُ جَلَّ جَلاَلُهُ وَمَا عِنْدَهُ تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ، وَخَطَّتْهَا فِي صَحَائِفِ. خَطَّهَا مَلاَئِكَةٌ حَافِظُونَ، لَا يَغُشُّونَ وَلَا يَكْذِبُونَ، وَلَا يُزَوِّرُونَ وَلَا يَفْتُرُونَ، وَسَتَرَى هَذَا الْعَمَلَ الصَّالِحَ سَتَرَاهُ أَمَامَ ناظِرَيْكَ لَا تُغَادِرْ مِنْهَا حَرْفًا وَلَا فِعْلًا، فِي يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ مَالٌ وَلَا بَنُونٌ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.



عِبَادَ اللَّهِ.. مَا الَّذِي يَجِدُهُ الإِنْسَانُ إِذَا مَدَحَهُ الْمَادِحُونَ، أوْ أَثْنَى عَلَيهِ الْمُثْنُونَ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ كَرَامَةٌ، مَا الَّذِي يَنْفَعُ الإِنْسانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةٌ، سَقَطَتْ مَنْزِلَتَهُ لَمَّا نَظَرَ اللهُ إِلَى قَلْبِهِ، وَفِيهِ إِرَادَةُ غَيْرِ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ، مِنْ حُبِّ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَنَفْخِ النَّاسِ لَهُ.



وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنْ تَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ بِشَكْلٍ هَزِيلٍ أَوْ مَظْهَرٍ عَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَعْظِيمُ شَعَائِرِ اللَّهِ، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32] وَلِذَا كَانَ الْإحْسَانُ أَعَلَى مَرَاتِبِ الدِّينِ لِاِسْتِشْعَارِ مُرَاقَبَةِ اللهِ لِلْعَبْدِ كَمَا فِي الْحَديثِ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمُ قَالَ: "الْإحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:"هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدَنَا قَامَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ يُعَايِنُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَاجْتِمَاعِهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهَا إِلَّا أَتَى بِهِ".



صَوْمُ الْمُوَدِّعِ - يا عِبَادَ اللَّهِ - أَنْ يَقُولَ الصَّائِمُ لِنَفْسِهِ، هَذَا آخِرُ رَمَضَانَ أَصُومُهُ، وَلَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى أثَرِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مَتَى مَا اسْتَشْعَرَتْ ذَلِكَ بِحَقٍّ.

صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي، أَلَا يَنْشَغِلْ كَثِيرًا بِدُنْيَا يُصِيبُهَا، فَيَشْغَلُهُ غُنْمُهُ أَوْ مَزْرَعَتُهُ أَوْ مَتْجَرُهُ أَوْ رِفْقَتُهُ عَنْ فُرَصِ رَمَضَانَ الْحَقِيقِيَّةِ، واسْمَعْ جَيِّدًا لِهَذَا الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ"، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.



انْظُرُوا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِ الْمَلاَيِينِ بَلْ الْمِلْيَارَاتِ. انْظُرُوا كَيْفَ يَتَقَاتَلُونَ عَلَى تَثْمِيرِ أَمْوَالِهِمْ وَإِنْمَائِهَا، عَلَى أَيِّ وَسِيلَةٍ كَانَتْ حَلالَا أَمْ حَرَامًا. فَالْقَنَاعَةُ لَيْسَتْ حَاضِرَةً لَدَيْهِمْ؛ إِذْ لَوْ عَقَلُوا فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ تَكْفِيهِمْ وَتَكْفِي أَحْفادَهُمْ وَأَحْفادَ أَحْفادِهِمْ، عَلَى أَطْيَبِ عَيْشٍ كَانَ، لَكِنْ لَمْ يُغْنِ اللهُ قَلُوبَهُمْ، فَأَشْغَلَهُمْ بِاللَّهَثِ وَراءِ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ.



صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يعْنِي تَرْبِيَةَ النَّفْسِ عَلَى الاِسْتِقَامَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَتَدْرِيبَهَا عَلَى هَذِهِ الْخِصْلَةِ الْكَرِيمَةِ بَعْدَ رَمَضَانَ، وَتَمْرِينَهَا عَلَيهَا فِي حَيَاتِهَا كُلِّهَا، وَأَحْوالِهَا جَمِيعًا، حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ - فِي حَيَاتِهِ الْخَاصَّةِ - إِنْسَانًا كَامِلاً، وَفِي الْمُجْتَمَعِ الإِنْسَانِيِّ عُضْوًا نَافِعًا.

هَذِهِ هِي حِكْمَةُ الصِّيَامِ الَّتِي يُبَشِّرُ بِهَا الْإِسْلامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] فَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْغَايَةَ مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ تَرْبِيَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى التَّقْوَى، وَتَعْوِيدُهُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيهَا.



صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الصَّائِمِ خَيْرًا مِنْ أَمْسِهِ. فَهُوَ يَتَقَلَّبُ مِنْ طَاعَةٍ إِلَى أُخْرَى، يَدْخُلُ عَلَيْهِ الثُّلُثُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وَهُوَ أَشَدُّ حَمَاسًا وَنشَاطًا مِنْ ذِي قَبْل، وَلَا يُعْطِي نَفْسَهُ فُرْصَةً التَّرَاخِي وَالْكَسَلِ، وَالْفُتُورِ وَالْمَلَلِ.

وَمِنْ مَعَانِي صَوْمِ الْمُوَدِّعِ - أَيُّهَا الصَّائِمُونَ - أَنَّ هَذِهِ الْأيَّامَ الْفَاضِلَةَ تَكُونُ فُرْصَةٌ لِلتَّعَوُّدِ وَالتَّدَرُّبَ عَلَى عِبَادَةٍ لَمْ يَكُنْ يَعْتَادُهَا، فَيَغْنَمَ أَجْرَ هَذه الطَّاعَةِ وَتَسْتَمِرَّ مَعَهُ طِيلَةَ حَيَاتِهِ.



وَكَذَلِكَ صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي التَّخَلُّصَ مِنْ عَادَاتٍ سَيِّئَةٍ، اسْتَمَرَّتْ مَعَهُ سَنَوَاتٍ، فَيَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِعَوْنِ اللهِ وَتَأْيِيدِهِ إِلَى الْأبَدِ.

صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي أَلاَّ تَشْغَلُهُ بَرامِجُ رَمَضانَ مِنْ مُسَلْسَلَاتٍ وَبَرامِجَ حَوَارِيَّةٍ وَوثَائِقِيَّةٍ وَمُسَابَقَاتٍ، خُصُوصًا عِنْدَمَا تُشَكِّلُ هَذِهِ الْبَرامِجُ خَطَرًا عَلَى الدِّينِ وَالْفِكْرِ، وَالَّتِي تَتَعَدَّى كَوْنَهَا أَعْمَالًا كُومِيدِيَّةً أَوْ نَاقِدَةً إِلَى كَوْنِ بَعْضِهَا يَنْطَوِي أَحَيَانًا عَلَى أَفْكَارٍ تَهْدِفُ إِلَى تَغْرِيبِ الْمُجْتَمَعِ وَسَلْخِهِ مِنْ قِيَمِهِ وَثَوَابِتِهِ وَأَعْرَافِهِ، وَتَغْيِيرِ هُوِيَّتِهِ الْإِسْلامِيَّةِ، وَلْنَتَذَكَّرْ دَائِمًا أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ صَوْمُ الْجَوَارِحِ كُلِّهَا عَمَّا حَرَّمَ اللهُ.



صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي أَنْ يَضْرِبَ بِسَهْمٍ فِي فُرَصِ رَمَضانَ فَيَقْدُرُ لِصَلاَةِ التَّرَاوِيحِ قَدْرَهَا فَيَسْعَى لِلصَّلاَةِ معَ إمَامٍ يَتَأَثَّرُ بِقِرَاءَتِهِ لَا أَنْ يَبْحَثَ عَنْ إمَامٍ يُسْرِعُ بِهَا. وَلَا يَفُوتُهُ أَجْرُ الْعُمْرَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَا طُولُ الْمُكُوثِ فِي الْمَسْجِدِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ مَرَّاتٍ وَمرَّاتٍ، وَغَيْرُ ذَلكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُشْرَعُ فِي هَذَا الشَّهْرِ.



صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ رَمَضانُ فُرْصَةً لِلتَّعَوُّدِ عَلَى التَّبَسُّطِ فِي الْحَيَاةِ، سَواءٌ كَانَ فِي الْمَأْكَلِ أَوْ الْمَشْرَبِ أَوْ الْمَلْبَسِ، وَأَنْ يُدْرِكَ أَنَّ الدُّنْيا لَا تَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْحَفَاوَةَ الزَّائِدَةَ، وَالْمُبَالَغَةَ الْمَقِيتَةَ، وَالتَّنَافُسَ الْمَحْمُومَ مِنَ النَّاسِ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ.

صَوْمُ الْمُوَدِّعِ يَعْنِي أَنْ نَتَوَاضَعَ إِلَى الْخَلْقِ وَخُصُوصًا مَنْ نَرَاهُمْ أَقَلَّ مِنَّا، فَالتَّوَاضُعُ خُلُقٌ عَالٍ وَرَفِيعٌ، وَكُلَّمَا قَوِيَ هَذَا الْجَانِبُ لَدَى الشَّخْصِ كُلَّمَا عَرَفَ طَعْمَ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَرُفِعَ قَدْرُهُ عِنْدَ خَالِقِهِ وَعِنْدَ النَّاسَ.



وَفَّقَنَا اللهُ جَمِيعًا لِإِدْرَاكِ رَمَضانَ إِدْرَاكًا حَقيقِيًّا، وَرَزَقَنَا فِي ذَلِكَ الْإِخْلاَصَ وَحُسْنَ الْقَصْدِ وَالسَّدَادَ وَالْإحْسَانَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقَوْلُ قَوْلِي...



الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا أَمَرَ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى نِعَمِهِ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وِبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللَّهِ.. عِنْدَمَا يَكُونُ الصَّائِمُ بِهَذَا الْحُسْنِ وَالْإِتْقَانِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ عَلَى أغْلَى مَا يُمْكِنُ الْحُصُولُ عَلَيهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَرْقَى ذَلِكَ الصَّائِمُ بِإيمَانِهِ إِلَى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ، وَمَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ، وَتَرْقَى عِنْدَهُ دَرَجَةُ التَّقْوَى لَحْدٍ يَقْوَى بِهِ عَلَى مُقَاوَمَةِ نَزَوَاتِ النَّفْسِ وَإغْوَاءِ الشَّيْطَانِ، وَيُنْقِذُهُ اللهُ مِنَ الْمَوَاقِفِ الَّتِي تَزِلُّ فيهَا الْأَقْدَامُ جَرَّاءَ مَطَامِعَ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ شَهَوَاتٍ إِبْلِيسِيَّةٍ.



نَعَمْ يَحْصُلُ لِذَلِكَ الصَّائِمِ الَّذِي جَوَّدَ صَوْمَهُ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ بِنَفْسٍ مُقْبِلَةٍ غَيْرِ مُدْبِرَةٍ، وَيُثَابِرُ عَلَى التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدِي رَبِّهِ بِجُمْلَةٍ مِنَ النَّوَافِلِ وَالْعِبَادَاتِ الَّتِي تَرْفَعُ قَدْرَهُ عِنْدَ خَالِقِهِ سُبْحَانَه. وَمَا يَدْرِي ذَلِكَ الصَّائِمُ لَعَلَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْهُ، فَغَفَرَ ذَنْبَهُ وَمَحَا زَلَّتَهُ وَأَكْرَمَهُ بِأَنْ جَعَلَهُ فِي عِدَادِ التَّائِبِينَ الْمَقْبُولِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهُ مِنْ ضِمْنِ الَّذِينَ أَعْتَقَهُمُ اللهُ مِنَ النَّارِ،وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ لَهُ بَابَ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ فَقَضَى دَيْنَهُ، وَشَفَى مَرِيضَهُ، وَفَرَّجَ كُرْبَتَهُ. وَمَا يَدْرِي ذَلِكَ الصَّائِمُ أَيضاً أَنْ يَكُونَ مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ رُبَّما أَنَّه مِنْ أَعْظَمِهَا أَنْ يَفْتَحَ اللهُ لَهُ بَابًا إِلَى طَاعَةٍ أُخْرَى، يَأْتِي إِلَيهَا بِنَفْسٍ مُقْبِلَةٍ غَيْرِ مُدْبِرَةٍ، يَأْتِي إِلَيهَا طَائِعًا مُخْتَارًا وَهُو الذِي كانَ قَدْ عَجَزَ عَنْ فِعْلِهَا وَالْاِسْتِمْرارِ عَلَيْهَا فِي سَابِقِ أيَّامِهِ.



وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ -أَيُّهَا الصَّائِمُونَ- أنَّ الصَّائِمَ كُلَّمَا سَعَى لِتَحْسِينِ صَوْمِهِ وَتَجْوِيدِ عِبَادَتِهِ كُلَّمَا أَفَاضَ عَلَيهِ الْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ بِأَنْوَاعِ الْمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْعَطَايَا الإِلَهِيَّةِ. وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، أَمَّا الْجَزَاءُ الْعَظِيمُ وَالثَّوَابُ الْمُقِيمُ فَقَدْ أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ فِي الْجَنَّةِ دَارِ الْخُلُودِ ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 25].


هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوا عَلَى الْهَادِي الْبَشيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ....



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.03 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]