|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة: "تعلموا العربية؛ فإنها من دينكم" السيد مراد سلامة الخطبة الأولى أيها الناس: فإن لكل أمة من الأمم شعائرها ومناسكها التي تنسكها، وتتمسك بها، وتدعو إليها ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وفي آية أخرى: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [الحج: 67]. ولسان القوم هو وسيلة الخطاب بينهم، ولغتهم هي وعاء منسكهم وشعيرتهم ودينهم، وكل قوم يفاخرون بلسانهم، ويدعون إلى لغتهم. والله تعالى قد امتن علينا بالبيان فقال الرحيم الرحمن: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 4]. وحديثنا اليوم عن أعظم لغة عرفتها البشرية، وهي سر السعادة الأبدية إنها اللغة الربانية، لغة القرآن، ولسان النبي العدنان، ولغة أهل الجنان، من تعلمها أمن من الخطأ واللحن، وفهم ما جاء في القرآن، وما ورد على لسان سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم. لغةٌ إذا وقعتْ على أسماعِنا ![]() كانتْ لنا بردًا على الأكبادِ ![]() ستظل رابطةً تؤلِّفُ بيننا ![]() فهي الرجاءُ لناطقٍ بالضادِ ![]() فاللغة العربية عباد الله: هي من أرسخ اللغات ثباتًا وبيانًا، لم تتغير بلاغتها وفصاحتها منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا، حفظها الله لنا بحفظ القرآن على مر الزمان إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومَنْ عليها قال جلَّ مِن قائلٍ سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. وباللُّغة العربية يُحافظ العرْب على مجدهم وعزِّهم وشرفهم، ويربطون ماضيَهم بحاضرهم ومستقبلهم، ولقد حَرَص الصحابة - رضوان الله عليهم - على تعلُّم اللُّغة وتعليمها لأبنائهم، فهذا عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - يَكتب إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - يقول له: "تفقَّهوا في السُّنَّة، وتفقَّهوا في العربية، وأعْرِبوا القرآن؛ فإنَّه عربي". أولًا: اختلاف اللغات آية من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله تعالى: اعلم - بارك الله فيك أخي الكريم - أن من آيات الله البينات على عظيم قدرته، وحسن إبداعه، وإتقان خلقه، اختلاف البشر في أشكالهم، وألوانهم ولغاتهم، فرغم أن أصلهم واحد، فأبوهم آدم وأمهم حواء إلا أنهم انقسموا إلى أجناس وقبائل وألسن وألوان مختلفة لا يعلم عددها إلا الله تعالى، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]. إن اختلاف لغات البشر آية عظيمة، فهم مع اتحادهم في النوع كان اختلاف لغاتهم آية دالة على ما كَوَّنَه الله تعالى في غريزة البشر من اختلاف التفكير، وتنويع التصرف في وضع اللغات، وتبدل كيفياتها باللهجات والتخفيف، والحذف، والزيادة، بحيث تتغير الأصول المتحدة إلى لغات كثيرة [1]. ثانيًا: اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم: اعلموا علمني الله وإياكم: أن اللغة العربية نالت تلك المنزلة و المكان لأنها لغة القران الكريم الذي نزل على النبي الأمين صلى الله عليه وسلم؛ ففي القرآن الكريم نجد آيات كثيرة عن اللّغة العربيّة: كقوله تعالى: ﴿ إنَّا أنزلناه قُرآنًا عربيًّا لعلَّكم تعقلون ﴾ [يوسف: 2]، ﴿ إنَّا جعلناهُ قرآنًا عربيًّا لعلّكم تعقلون ﴾ [الزّخرف:3]، ﴿ قُرآنًا عربيًّا غَيرَ ذي عوجٍ لعلَّهم يتَّقون ﴾ [الزّمر: 2]، ﴿ إنَّا سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرُّشدِ فآمنَّا بهِ ﴾ [الجنّ: 2]، ﴿ قُل هو للَّذين آمنوا هدىً وشفاءٌ ﴾ [فُصِّلت: 44]، والهدى: يعني العقل والعظمة في البصيرة ومعرفة حقائق الأمور، كما في قوله تعالى: ﴿ أولئك الَّذين هداهم اللهُ وأولئك هم أولو الألباب ﴾ [الزّمر: 18]. لغتي يا بحرًا ممتدًا قد ناغى كلَّ الشُطآنِ يا خيرَ بيانٍ باركَهُ ربي في آي القرآنِ قد كان رسولُ اللهِ بها مَثَلًا أعلى في التبيانِ[2] عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ، فَإِنَّهَا تَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ "[3]. ويكفيها شرفًا أنها وسيلة للحصول على الخيرة فلا ينال تلك المنزل زالا لمن تعلم العربية حتى يقرأ القرآن غضًا طريًّا: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»[4]. وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً ![]() وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ ![]() فَكَيْفَ أَضِيقُ الْيَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ ![]() وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ؟! ![]() أَنَا الْبَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ ![]() فَهَلْ سَاءَلُوا الْغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي ![]() ثالثًا: اللغة العربية هي لغة أهل الجنة: معاشر المحبين: كما نالت اللغة العربية الصادرة في الدنيا ستنال اللغة العربية وسام الشرف والخلود في جنات الخلود لتكون هي لغة أهل الجنة -جعلني الله وإياكم والسامعين من أهلها - روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعًا بذراع الملك، على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثون سنة، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم.. )[5]. وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: "لسان أهل الجنة عربي". اهـ وقال عقيل قال الزهري: "لسان أهل الجنة عربي". اهـ قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: ولقد أتى أثر بأن لسانهم ![]() بالمنطق العربي خير لسان[6] ![]() ![]() ![]() وأخرج ابن عساكر في التاريخ عن ابن عباس: أن آدم عليه السلام كانت لغته في الجنة العربية، فلما عصى سلبه الله العربية، فتكلم بالسريانية، فلما تاب ردّ عليه العربية. إلا أن عبد الملك بن حبيب يقول: كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربيًا إلى أن بَعُد العهد وطال، حُرِّف وصار سِريانيًا. اهـ [7]. عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمْ يَنْزِل وَحْي إلا بالعربيةِ ثُمَّ يُتَرْجِم كُلّ نَبِيّ لقومِه بلسَانهم. قَالَ: ولسانِ يَوْم الْقِيَامَة السُّرْيَانِيَّة، ومن دَخَلَ الْجَنَّة تَكَلَّمَ بالعربيةِ «[8]». وقالت المستشرقة الألمانية الدكتورة آنا ماري شيمل: واللغة العربية لغةٌ موسيقية للغاية، ولا أستطيع أن أقول إلا أنها لا بدّ أن تكون لغة الجنة. اهـ[9] ولسانُ الجنةِ منْ لُغتي ![]() للحُورِ بها والوِلدانِ ![]() سأظلُّ أُردد مفتخِرًا ![]() ببيانٍ عَذْبٍ فَتّانِ ![]() لُغتي يا أجملَ أُغنيةٍ ![]() يَحميكِ إلهُ الأكوانِ[10] ![]() قال الفارابي يمدح العربية: «بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا»[11]. رابعا: أنه لا يتكلم في كتاب الله إلا من علم لغة العرب: أمة الإسلام اعلموا - بارك الله فيكم - أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم في كتاب الله تفسيرًا وبيانًا إلا من علم لغة العرب لأن القرآن نزل كما ذكرنا نزل بلسان عربي لا يفهمه إلا من علم لغته، قال مالك بن أنس: «لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغات العرب إلا جعلته نكالًا.. »[12]. وقال مجاهد: «لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إن لم يكن عالمًا بلغات العرب.. »[13]. ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لا يقرئ القرآن إلا عالم بلغة العرب.. »[14]. والذي دفع أمير المؤمنين عمر أن يقول هذه المقالة ما روي أن أعرابيًّا قدم إلى المدينة المنورة في خلافة أمير المؤمنين عمر فقال: من يقرئني مما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فأقرأه رجل سورة "براءة" فقال: ﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ بالجر فقال الأعرابي: «أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن بريء من رسوله فأنا أبرأ منه» فبلغ عمر رضي الله عنه مقالة الأعرابي فدعاه فقال: يا أعرابي أتبرأ من رسول الله؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن فسألت من يقرئني فأقرأني هذا سورة براءة فقال: ﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ بالجر، فقلت: أو قد بريء الله تعالى من رسوله؟! إن يكن برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فقال له عمر رضي الله عنه: ليس هكذا يا أعرابي فقال كيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما بريء الله ورسوله منه، فأمر عمر رضي الله عنه ألا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة... "[15]. وكان الأصمعي يقول: «تعلموا النحو فإن بني إسرائيل كفروا بكلمة قال الله عز وجل، يا عيسى أنت نبي وأنا ولَّتُك بتشديد اللام معناها، أوجدتك وخلقتك فخففوها فصار كفرًا.. »[16]. فمعرفة اللغة والإلمام بقواعد النحو يعين المفسر على معرفة المعنى المراد والغرض المقصود. روى عكرمة عن ابن عباس قال:.. ما كنت أدري ما قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ [الأعراف: 89] حتى سمعت ابنة ذي يزن الحميري وهي تقول: «أفاتحك» يعني أقاضيك.. وقال أيضًا: ما كنت أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني عربيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يعني ابتدأتها. وجاءه رجل من هذيل فقال له ابن عباس: ما فعل فلان؟ قال: مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء. فقال ابن عباس: ﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود: 71] قال: «ولد الولد.. »[17]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() خامسا: أن تعلم اللغة العربية يقي من الزيغ: معاشر الموحدين: أن تعلم اللغة العربية يقي المسلم من الزيغ والضلال وسوء الفهم، فالضعف في علومِ العربية سببُ ضلال كثير من المتفقِّهة؛ قال ابنُ جني: "إنَّ أكثر مَن ضلَّ من أهل الشريعة عن القصدِ فيها، وحاد عن الطريقةِ المثلى إليها، فإنما استهواه واستخفَّ حلمَه ضعفُه في هذه اللغةِ الكريمة الشريفة التي خُوطِب الكافَّةُ بها"[18]. وقال عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد لما ناظره في مسألةِ خلود أهل الكبائر في النَّار، احتجَّ ابنُ عبيد أنَّ هذا وعْد الله، والله لا يخلفُ وعْدَه - يشير إلى ما في القرآنِ من الوعيد على بعضِ الكبائر بالنَّار والخلود فيها - فقال ابنُ العلاء: من العُجْمة أُتيتَ، هذا وعيدٌ لا وعد؛ قال الشاعر: وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ![]() لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي[19] [20]. ![]() ![]() ![]() ومن أمثلة التفاسير الخاطئة المبنية على الجهل بالعربية قول من زَعَم أنه يجوزُ للرجلِ نكاح تسع حرائر، مستدلًا بقوله -تعالى -: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، فالمجموع تسع نسوة؛ قال الشاطبي: "ولم يشعر بمعنى فُعال ومفعل، وأنَّ معنى الآية: فانكحوا إن شئتم اثنتين اثنتين، أو ثلاثًا ثلاثًا، أو أربعًا أربعًا". سادسًا: وجوب تعلم اللغة العربية: اعلموا عباد الله أن تعلم العربية واجب على كلِّ مسلم بحسبه، فالقَدْر الذي لا يجوز لمسلمٍ أن ينقص عنه هو القدر الذي يُمَكِّنه من إقامة الفرائض، وفهْم كلام الله ورسوله، ففيهما نجاتُه في الدنيا والآخرة، قال الماوردي: (ومعرفة لسان العرب فرضٌ على كلِّ مسلمٍ من مجتهد وغيره)[21]. قال ابن تيميَّة رحمه الله: (معلومٌ أنَّ تعلُّمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدِّبون أولادَهم على اللحن، فنحن مأمورون - أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ - أن نحفَظ القانون العربي، ونُصلِح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهْم الكتاب والسُّنَّة، والاقتِداء بالعرب في خِطابها، فلو تُرِك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا)؛ [22]. يقول الثّعالبي -رحمه الله - في كتابه فقه اللغة وسرُّ العربية: « إنّ مَن أحَبَّ اللهَ أحبَّ رسولهُ، ومن أحبَّ النّبي أحَبَّ العَربَ، ومَن أحبَّ العربَ أحبَّ اللُّغة العربيّةَ التي بها نزلَ أفضلَ الكُتبِ على أفضلَ العجمِ والعربِ، ومَن أحبَّ العربيّةَ عُنيَ بها وثابرَ عليها، وصرفَ هِمَّتهُ إليها». ويقول شَّيخُ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله -: « إنّ اللغةَ العربيّةَ من الدِّين، ومعرفتُها فرضٌ وواجبٌ، فإنَّ فهم الكِتابِ والسُّنةِ فرضٌ، ولا يُفْهمُ إلاّ باللغةِ العربيةِ، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ ».وقوله أيضًا: « وليس أثر اعتياد اللغة الفصحى مقصورًا على اللسان، بل يتعمق حتى يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويًا بيِّنًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق» [23]. قال ابن تيميّة-رحمه الله -: « وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات، وهو التكلُّم بغير العربية إلاّ لحاجة، كما نصَّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: « مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه » مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام »[24]. الخطبة الثانية أما بعد: سابعًا: حرص السلف الصالح على تعليم أبنائهم وأسرهم اللغة العربية: إخوة الإسلام -واعلموا بارك الله فيكم – أن كثيرا من الآباء والأمهات يحرصون على تعليم أولادهم اللغات الأجنبية وهذا شيء محمود وليس بمذموم، ولكن لا يكون ذلك على حساب لغته الأم التي هي الرابطة التي تربط بينه وبين الله تعالى في الصلاة وقراءة القران وفي فهمه وفهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. واعلموا عباد الله: أن السلف رحمهم الله كانوا يحرصون على تعليم أبنائهم اللغة العربية حتى لا يقعوا في اللحن قال الإمام البخاري -رحمه الله -: حدثنا أبو نعيم، قال حدثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر يضرب ولده على اللحن[25]. قيل إن أبا الأسود الدؤلي دخل على ابنته يوما، فقالت له: ما أحسنُ السماء - بضم النون - فظن أنها تسأل. فقال لها: نجومها. فقالت له: أنا لا أسأل ولكني أريد أن السماء حسنة. فقال لها: إذن فقولي: ما أحسنَ السماء - بفتح النون- ثم انصرف إلى الإمام علي كرم الله وجهه فقال له: لقد فسد لسان العرب، وقص عليه القصة. فأمره أن يضع علم النحو، وأول باب وضعه هو باب التعجب، ثم أتبعه بكثير من الأبواب سدًا لما كان يسمع من الخطأ. وقال الحسين بن علي رضي الله عنه: «تعلموا العربية فإنها لسان الله الذي يخاطب به الناس يوم القيامة... ». وقال المأمون لأحد أولاده: «ما على أحدكم أن يتعلم العربية، فيقيم بها أوده، ويزين بها مشهده، ويفل بها حجج خصمه بمسكتات حكمه، ويملك مجلس سلطانه بظاهر بيانه، أو يسر أحدكم أن يكون لسانه كلسان عبده وأمته.. »[26]. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كانوا يؤمرون أو كنا نؤمر أن نتعلم القرآن، ثم السنة، ثم الفرائض، ثم العربية. اهـ [رواه أبو نعيم] ثامنًا: حث السلف على التحدث بالعربية: إخوة الإسلام إننا في زمان يتفاخر فيه كثير من الأبناء بالتحدث بغير العربية، فإذا سألته عن التحدث بالعربية أصابه العي والحصر ولا يستطيع أن يكمل جملة واحدة صحيحة بلغته التي هي أشرف وأعرق اللغات على الإطلاق... لقد كان سلفكم عباد الله من أحرص الناس على التحدث بها والحث على ذلك وبيان فضل من تحدث بها... قال سليمان بن عبد الملك: العاقل أحرص على إقامة لسانه منه على طلب معاشه. اهـ [27]. وعن ابن سيرين قال: ما رأيتُ على رجل أحسن من فصاحة، ولا على امرأة أحسن من شحم. اهـ [28]. وقال ابن شبرمة: إذا سرك أن تعظمَ في عين من كنت في عينه صغيرًا، ويصغر في عينك من كان في عينك عظيمًا فتعلَّمِ العربية، فإنها تُجريك على المنطق وتُدنيك من السلطان. اهـ [29]. فاحرصوا عباد الله على لغتكم في لغة كتابكم ولسان نبيكم، وهي لغتكم في الجنة، علموها لأبنائكم، وحافظوا عليها فهي شرفكم ومصدر عزكم؛ ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 44]. تاسعًا: أبشروا فإن اللغة العربية لا تموت: عباد الله لابد أن اللغة العربية باقية ما بقي الليل والنهار وأنه مهما حاول الأعداء أن يقضوا عليها أو ينالوا من مكانتها أو يزهدوا فيها أهلها فلن يصلوا إلى أهدافهم ولن يقضوا عليها، أتدون لماذا عباد الله؟ لأنها لغة القران الكريم والله تعالى قد أخبرنا بحفظ كتابه ولم يكل حفظه إلينا؛ لعلمه سبحانه بضعفنا، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. إن أعداء الله لم يلقوا سلاحهم، ولم يوقفوا مكرهم ضد الإسلام والمسلمين وضد اللغة العربية، بل على العكس من ذلك، فإنهم يطوّرون أساليبهم وكيدهم دون ملل أو يأس. وعسى أن يردّ الله مكرهم إلى نحورهم، وعسى أن يصبح ما ينفقون من أجل ذلك حسرة عليهم، ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]. الدعاء.... [1] التحرير والتنوير لابن عاشور (21/ 73). [2] أبيات للشاعر محمد عصام علوش. [3] شعب الإيمان - ط الرشد (3/ 210). [4] أخرجه أحمد (1/ 69، رقم 500)، والبخاري (4/ 1919، رقم 4739). [5] [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة 6/ 43]. [6] «توضيح المقاصد شرح نونية ابن القيم الكافية الشافية» (2/ 487). [7] [المزهر للسيوطي 1/ 3] [8] «تفسير ابن أبي حاتم» (7/ 2234). [9] [مجلة مجمع اللغة العربية، المجلد44، ج1، ص46]. [10] أبيات للشاعر محمد عصام علوش. [11] الفصحى لغة القرآن، أنور الجندي، ص 30. [12] البرهان في علوم القرآن (1/ 292). [13] البرهان في علوم القرآن (1/ 292). [14] نزهة الألباء (8). [15] انظر نزهة الألباء (8). [16] مقدمة الصقلي (39) ومعجم الأدباء (1/ 71، 72). [17] البرهان في علوم القرآن (1/ 293). [18] الخصائص، ج3 (ص245). [19] تفسير البغوي، ج2 (ص267). [20] البيت منسوب في ثمرات الأوراق لعامر بن الطفيل، ج1 (ص43)، وكذا في الحور العين ج1 (ص60)، ولسان العرب ج1 (ص63)، وفي العباب الزاخر لعمرو بن الطفيل ج1 (ص13). [21] إرشاد الفحول"؛ للشوكاني، ص 252. [22] "الفتاوى" 32/ 252. [23] اقتضاء الصراط المستقيم، ص 207. [24] الفتاوى، 32/ 255. [25] معجم الأدباء (1/ 79) تنبيه الألباب (94). [26] اقتضاء الصراط المستقيم (207). [27] [المجالسة لابن قتيبة 4/ 477]. [28] [عيون الأخبار 2/ 172]. [29] [عيون الأخبار 2/ 172].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |