الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حكم من استعمل الصابون المعطر قبل الحلق أو التقصير في الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ما حكم ذبح الأضحية بعد صلاة العيد وقبل انتهاء الخطبة ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإنابة في الحج عن المرأة الكبيرة التي لا تجد محرمًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حكم إلقاء جلد الأضحية وعدم الانتفاع به,فتوى عن التخلص من جلد الخروف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حكم الجمع بين الأضحية والعقيقة في ذبيحة واحدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أحاديث في استحباب صيام العشر الأول من ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          معنى اسم الله العزيز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          معنى اسم الله الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          صلاة الفجر وما أدراك ما صلاة الفجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الشتات أقوى وسائل الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2024, 02:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,350
الدولة : Egypt
افتراضي الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}

الخليل عليه السلام (10) {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة}
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل




الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَكَانُوا مِنَ الْفَائِزِينَ، وَضَلَّ عَنْ هُدَاهُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ فَكَانُوا مِنَ الْخَاسِرِينَ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ دَلَّ خَلْقَهُ بِآيَاتِهِ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُمْ بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ، وَأَمْهَلَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَيَجْزِيهِمْ فِي أُخْرَاهُمْ ﴿ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الْكَهْفِ: 49]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ؛ أَمَرَهُ رَبُّهُ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ؛ فَدَعَا إِلَيْهَا وَجَدَّدَهَا، وَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا، وَقَضَى حَيَاتَهُ فِي بَلَاغِهَا وَبَيَانِهَا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا دِينَهُ وَلَا تُضَيِّعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِشَرْعِهِ وَلَا تُفْلِتُوهُ، وَاقْرَؤُوا كِتَابَهُ وَلَا تَهْجُرُوهُ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ عَظِيمٌ، وَإِنَّ الْحِسَابَ قَرِيبٌ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النِّسَاءِ: 77]، ﴿ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [التَّوْبَةِ: 38].

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي سِيَرِ الصَّالِحِينَ مَوَاضِعُ لِلْعِظَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَمَوَاطِنُ لِلتَّأَسِّي وَالِاقْتِفَاءِ. وَأَعْظَمُ سِيَرِ الْبَشَرِ سِيَرُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَمِنْ أَغْزَرِهَا ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ سِيرَةُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَتَّبِعَ مِلَّتَهُ ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 95].

وَحَيَاةُ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَافِلَةٌ بِالْأَحْدَاثِ الْكَثِيرَةِ، مَمْلُوءَةٌ بِالِابْتِلَاءَاتِ الْمُنَوَّعَةِ، وَهِيَ نِبْرَاسٌ لِلثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ، الدَّاعِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى بَصِيرَةٍ، الْمُنَاضِلِينَ عَنْ دِينِهِ سُبْحَانَهُ بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْبُرْهَانِ. وَكَانَ الْخَلِيلُ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ، وَإِنْقَاذِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْعَذَابِ، وَجَادَلَ أَبَاهُ وَقَوْمَهُ فِي ضَلَالِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمُشْرِكُونَ فِي زَمَنِهِ كَانَ مِنْهُمْ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ، وَعُبَّادُ الْكَوَاكِبِ، فَنَاظَرَهُمْ جَمِيعًا، وَدَحَضَ حُجَجَهُمْ ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 74]، فَعَابَ عَلَيْهِمْ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَعَابَ عَلَيْهِمْ صِنَاعَةَ آلِهَتِهِمْ وَاخْتِيَارَهَا، فَهُمْ يَتَّخِذُونَهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَالْمَصْنُوعُ لَا يَكُونُ إِلَهًا. وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ لَهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا لَيْسَتْ آلِهَةً؛ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مُسَيَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 75]، «وَالْمُوقِنُ هُوَ الْعَالِمُ عِلْمًا لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ. أَيِ: الْيَقِينُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ». فَعَرَفَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ بِآيَاتِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَانْتَهَزَ فُرْصَةَ وُجُودِهِمْ مَعَهُ لِيَصْرِفَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ فَنَاظَرَهُمْ فِيهَا؛ ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي «أَيْ: عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْخَصْمِ، أَيْ: هَذَا رَبِّي، فَهَلُمَّ نَنْظُرْ، هَلْ يَسْتَحِقُّ الرُّبُوبِيَّةَ؟ وَهَلْ يَقُومُ لَنَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ، بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ». ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 76]، افْتَرَضَ أَنَّ الْكَوْكَبَ رَبٌّ، وَلَكِنَّ الْكَوْكَبَ غَابَ بَعْدَ ظُهُورِهِ، وَكَانُوا يُؤْمِنُونَ أَنَّ الرَّبَّ لَا يَغِيبُ. وَبَزَغَ الْقَمَرُ فَحَجَبَ نُورُهُ ضَوْءَ الْكَوْكَبِ فَافْتَرَضَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْقَمَرَ هُوَ الرَّبُّ تَنَزُّلًا مَعَهُمْ، وَلَكِنَّ الْقَمَرَ غَابَ لَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، فَحَجَبَتْ بِشُعَاعِهَا الْقَمَرَ، فَافْتَرَضَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا الرَّبُّ حَسَبَ مُعْتَقَدِهِمْ؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 77-78]، وَلَكِنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ أَيْضًا وَدَخَلَ اللَّيْلُ، فَأَثْبَتَ لَهُمْ بِمَا يُشَاهِدُونَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَيْسَتْ أَرْبَابًا؛ وَلِذَا تَبَرَّأَ مِنْ شِرْكِهِمْ بِعِبَادَتِهَا؛ لِيُحَرِّكَ عُقُولَهُمْ وَيُوَجِّهَهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 78]، « فَتَبَرَّأَ مِنَ الشِّرْكِ، وَأَذْعَنَ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ الْبُرْهَانَ». وَأَعْلَنَ تَوَجُّهَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ، وَمَيْلَهُ عَنِ الشِّرْكِ وَقَالَ: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 79]، « وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ هُوَ الَّذِي يُوَاجَهُ بِهِ، وَيُتَّجَهُ بِهِ إِلَى مَا يُتَّجَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَظْهَرُ الْخُضُوعِ وَالطَّاعَةِ، وَبِهِ يَكُونُ السُّجُودُ، فَكَانَ الْوَجْهُ لَهُ مَظْهَرٌ يَجْعَلُهُ صَالِحًا لَأَنْ يُعَبَّرَ بِهِ عَنِ الْجِسْمِ كُلِّهِ».

«وَلَمَّا أَعْلَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعْتَقَدَهُ لِقَوْمِهِ أَخَذُوا فِي مُحَاجَّتِهِ» وَقَصَّ اللَّهُ تَعَالَى خَبَرَ مُحَاجَّتِهِمْ لَهُ فِي سُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالصَّافَّاتِ؛ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهَا قُرَّاءُ الْقُرْآنِ طَرِيقَةَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَدَحْضِ التَّنْدِيدِ، وَإِبْطَالِ حُجَجِ الْمُشْرِكِينَ؛ وَلِيَعْلَمُوا فَضْلَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْبَشَرِ، وَاجْتِهَادَهُمْ فِي دَعْوَتِهِمْ، وَصَبْرَهُمْ عَلَى أَذَاهُمْ؛ لِيَقْتَدُوا بِهِمْ، وَيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ ﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ [الْأَنْعَامِ: 80]، «أَيْ: تُجَادِلُونَنِي فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَقَدْ بَصَّرَنِي وَهَدَانِي إِلَى الْحَقِّ وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ؟ فَكَيْفَ أَلْتَفِتُ إِلَى أَقْوَالِكُمُ الْفَاسِدَةِ وَشُبَهِكُمُ الْبَاطِلَةِ؟!».

وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْمَهُ خَوَّفُوهُ بِغَضَبِ آلِهَتِهِمْ عَلَيْهِ حِينَ سَفَّهَ عِبَادَتَهَا، وَأَنْذَرُوهُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَخَافُ آلِهَتَهُمْ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، وَإِنَّمَا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ ﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ﴾ «أَيْ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». فَلِذَا أَخَافُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا أَخَافُ غَيْرَهُ ﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 80]، «وَمَعْنَاهُ: لَكِنْ إِنْ شَاءَ رَبِّي أَنْ يَأْخُذَنِي بِشَيْءٍ، أَوْ يُعَذِّبَنِي بِجُرْمِي؛ فَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ».

ثُمَّ حَرَّكَ عُقُولَهُمْ بِتَعَجُّبٍ آخَرَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ﴾ «يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، وَهِيَ لَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ» ﴿ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ﴾ أَيْ: أَشْرَكْتُمْ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، فَكَيْفَ لَا تَخَافُونَ عَذَابَهُ وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، ثُمَّ تَسَاءَلَ مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ بِالْأَمْنِ: فَرِيقُكُمُ الَّذِي أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ، أَمْ فَرِيقُنَا الَّذِي وَحَّدَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفْرَدَهُ بِالْعِبَادَةِ ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 81]، وَأَجَابَ بِأَنَّ فَرِيقَ الْمُوَحِّدِينَ اللَّهَ تَعَالَى هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْأَمْنِ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 82]، وَالْمَقْصُودُ بِالظُّلْمِ هُنَا هُوَ الشِّرْكُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لُقْمَانَ: 13]» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَخُتِمَتْ هَذِهِ الْمُحَاجَّةُ بَيْنَ الْخَلِيلِ وَقَوْمِهِ بِبَيَانِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلِيلِ إِذْ آتَاهُ الْحِكْمَةَ، وَأَعْطَاهُ الْحُجَّةَ، فَأَلْزَمَ بِهَا قَوْمَهُ، وَهَدَمَ مَذْهَبَهُمْ فِي الشِّرْكِ ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 83].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ سِيرَةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِبْرَةً وَعِظَةً فِي ثَبَاتِهِ عَلَى الْحَقِّ، وَدَعْوَتِهِ لِلتَّوْحِيدِ، وَانْتِهَازِ الْفُرَصِ لِمُجَادَلَةِ قَوْمِهِ فِي شِرْكِهِمْ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ. وَالْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ إِمَامُ الْحُنَفَاءِ، وَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِالْحَنِيفِيَّةِ الْمَائِلَةِ عَنِ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ.

وَالْأُمَمُ الثَّلَاثُ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعَرَبِ يَنْتَسِبُونَ لِإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَنْتَسِبُونَ لِإِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْخَلِيلُ وَابْنَاهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ بَرِيؤُونَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمُشْرِكِي الْيَهُودِ وَمُشْرِكِي النَّصَارَى. وَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَرَبِ أَوْ مِنَ الْيَهُودِ أَوْ مِنَ النَّصَارَى فَلَا يَصِحُّ انْتِسَابُهُ لِدِينِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَرَّفُوا كُتُبَهُمْ، وَمَالُوا عَنِ التَّوْحِيدِ إِلَى الشِّرْكِ، وَالْخَلِيلُ وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بُرَآءُ مِنَ الشِّرْكِ؛ وَلِذَا نَفَى اللَّهُ تَعَالَى انْتِسَابَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 67]. وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شِرْكِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 30- 31]. وَكُلُّ ادِّعَاءٍ بِانْتِسَابِ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ ادِّعَاءٌ يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ، وَهُوَ مِنْ لَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَمُحَاوَلَةِ خِدَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِإِدْخَالِ الْبَاطِلِ عَلَيْهِمْ، وَنَشْرِهِ فِي أَوْسَاطِهِمْ، وَتَسْوِيغِهِ لَهُمْ. فَعَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ تِلْكَ الدَّعَوَاتِ الْبَاطِلَةِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.31 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]