الشمول الإسلامي .. حقائقه وآفاقه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         واجــب الوقــت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 7 )           »          اسم الله (الجواد) سبحانه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 139 - عددالزوار : 86025 )           »          المسجد الأقصى بين التقسيم والولاية اليهودية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مع بداية العام الدراسي الجديد- 13 مليون طفل عربي محرومون من التعليم بسبب الحروب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          سؤال وجواب في فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أخلاقيات الرسول صلى الله عليه وسلم مع جنوده رضي الله عنهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          لأجلك ياولدي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ختمت القرآن في ساعات الانتظار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الطلاق الصامت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 14-02-2020, 01:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,680
الدولة : Egypt
افتراضي الشمول الإسلامي .. حقائقه وآفاقه

الشمول الإسلامي .. حقائقه وآفاقه

. د. عبدالستار سعيد


معنى الشمول : العموم ، والاستيعاب ، والإحاطة بأمر ما . وعلى هذا الوجه جاء الوحي الإلهي بالإسلام ، دين الله لعباده في كل العصور ، والذي بعث به رُسُلَه - عليهم السلام - إلى كل الأمم ، كما قال الله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } ( النحل : 36 ) ، { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } ( فاطر : 24 ) .
الهداية الأولى : لقد أحكم الله الدين قبل نشأة الأمم ، أو قيام الحضارات البشرية ، وعلَّمه للإنسان منذ أول الطريق ، حين أُهبط على الأرض ؛ لأنه أساس هدايته وضرورة معاشه ومعاده ، كما قال - تعالى - : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى } ( طه : 123-124 ) وهذا خبر الحق والصدق الذي لا يتخلف أبداً : بأن شريعة الله لعباده هي الهداية الخالصة التي تعصمهم من الضلال والضياع في كل شؤون الحياة ، والتي تفضي بهم إلى سعادة الأبد .
ثم هذا نذير قاطع بأن الإعراض عنها يؤدي إلى ضنك الحياة ، وشقاء العيش وعماية النهاية ، وضرورة أن الإنسان لا يعيش في فراغ ، فمن أعرض عن الحق لا بد أن يقع في الأباطيل ، وأن يتمرغ في أوحالها وأهوالها ، قال الله تبارك وتعالى :} فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ } ( يونس : 32 ) ، وهذا تقرير واضح بشمول الهدي الإلهي لكل ما يحتاجه الإنسان في معاشه ومعاده ، حتى يتأكد الاتباع ، ولا يضطر الإنسان إلى الإعراض في شيء من جوانب الحياة المتلاطمة .
الشريعة الدائمة العادلة : وعلى هذا الهدي تتابعت الرسل - عليهم السلام - بدين الله الجامع الشامل ، وجاؤوا بمنهج واحد مؤتلف غير مختلف ، كما قال - تعالى - : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } ( الشورى : 13 ) ؛ ذلك لأن الشارع الموحي واحد لا شريك له .
والرسالة عبر أولي العزم جميعاً رسالة صادقة هادية ، من فجر التاريخ النبوي الشريف إلى ختامه بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثم امتداده إلى يوم القيامة ، قال - تعالى - : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ( الحديد : 25 ) ، وهذه آية جامعة لخصائص الرسالة الإلهية ، وأنها تقصد قصداً إلى تحقيق العدل ، وإقامة القسط بين الناس ، خاصة إذا تنازعوا واختلفوا ، كما قال - تعالى - : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } ( البقرة : 213 ) .
الرسالة الخاتمة : وكان كل رسول يُبعث إلى قومه بالشريعة الإلهية الجامعة ، وتعادلت كثرة الرسل - عليهم السلام - مع تعدُّدِ الأقوام والأمم ، إلى أن بعث الله - تعالى - محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة الخاتمة ، فقام بعموم رسالته مقام الكثرة السابقة ، واجتمع له - صلى الله عليه وسلم - الشمول من أطرافه جميعاً ، خاصة بالمعجزة الخاتمة ( معجزة القرآن الكريم ) أو الفرقان الذي فرَّق الله به بين الحق والباطل ، وجعله حجته الدائمة على جميع البشر كلهم ، وصوت النبوة الممدودة إلى آخر الدهر .
وفي هذه الرسالة الخاتمة اتسعت جوانب الشمول الإسلامي ، وامتدت طولاً وعرضاً وعمقاً حتى استوعبت جميع الأفراد والأمم ، وقررت كلَّ طيِّب من المبادئ والنُّظم ، وتوجهت بالخطاب الأعلى لكل الأزمنة والأمكنة ، مع غاية التبيان في الخطاب ، وقوة الحجة ، وصحة الدليل والبرهان .
هذا الإجمال يحتاج إلى تفصيل ، وبيان ، واستدلال من صريح الوحي الإلهي الجليل ، المحفوظ بأصليه الجامعَين ( القرآن الكريم ، والسُّنة المطهرة ) كما قال - تعالى - { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } ( هود : 1 ) وكما قال - تعالى - مخاطباً رسوله الأمين { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } ( النساء : 113 ).
آفاق الشمول الإسلامي : تعددت جوانب الشمول الإسلامي ، واتسعت آفاقه في هذه الرسالة الخاتمة ، التي أراد الله - تعالى - لها أن تكون خطابه الدائم إلى يوم القيامة ، وحجته الممدوة في حياة الرسول الخاتم - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته عليه السلام .
ويتمثل ذلك في ثلاثة أقسام :
• الشمول الظرفي : ( المكان والزمان ) .
• الشمول الشخصي : ( الأفراد والجماعات ) .
• الشمول التشريعي : ( المبادئ والأحكام ) وسنتحدث عن كلٍّ منها على الترتيب .
أولاً : الشمول الظرفي : ونعني به أن الإسلام خطاب إلهي موجَّه لكل البقاع في الأرض ولكل الأزمنة منذ بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ينفخ إسرافيل في الصور إيذاناً بتصدع الكون ، وانتهاء مرحلة التكليف والاختبار في حياة الإنسان .
ولذلك كان خطاباً لأهل مكة الذين بدأ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :} وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } ( الشعراء : 214 ) .
وكان خطاباً لأهل الجزيرة العربية ، ومن حولها من البشر ، كما قال تعالى : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } ( الأنعام : 92 ) ، وقال - تعالى - : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } ( الشورى : 7 ) وقد ثبت عملياً أن أم القرى ( مكة ) هي مركز اليابسة ، وما حولها جميعُ الأقاليم في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وما بعده كما سيتضح فيما يأتي .
ثانياً : الشمول الشخصي : ونعني به استيعاب جميع الأشخاص العقلاء البالغين في توجيه الخطاب الإسلامي إليهم ، سواء كانوا أفراداً ، أو كانوا كالأسرة أو القبيلة ، أو كانوا شعوباً وأمماً تحكمهم الأعراف والتقاليد في البوادي ، أو تحكمهم حكومات في دولة منظمة ذات قوانين .
إن كل من يدرج على أرض الله مخاطَب بهذه الرسالة ، ومكلَّف بها في أي مكان درج ، وفي أي زمان وُجِد ، كما قال - تعالى - في العديد من الآيات الكريمة ، منها قوله تعالى : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ } ( الأنعام : 19 ) فقوله - تعالى - : { لِأُنذِرَكُم بِهِ } خطاب لأهل مكة أو العرب عامة برسالة القرآن وقوله - تعالى - : { وَمَن بَلَغَ } أي أنه خطاب لكل من بلغه القرآن ، أو لكل من بلغ سن التكليف ، واللفظ عام في العرب وغيرهم في معنييه :
- الأول من البلاغ بمعنى العلم به على وجه صحيح .
- الثاني من البلوغ وهو حد التكليف الملزِم بالخطاب الإلهي .
ومِن أَجْمَع وأصرَح الأيات في ذلك قوله - تعالى - : { قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ } ( الأعراف : 158 ) ؛ فهذا تقرير إلهي حاسم في شمول الرسالة الخاتمة ، وأنها موجَّهة للناس جميعاً ، بدليل التاكيد بلفظ ( جميعاً ) لرفع أي احتمال أو التباس بأن المراد بالناس بعضهم أو معظمهم أو أهل زمان مخصوص منهم ، فأفاد ذلك أن المراد هو جميع العقلاء الذين يصلحون لهذا الخطاب الإلهي التكليفي الشامل .
ومن هذه الأيات أيضاً قوله - تعالى - : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } ( الفرقان : 1 ) وقوله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } ( سبأ : 28 ) ، وقوله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء : 107 ) .
ويلاحظ أن هذه الآيات الكريمة كلها مكية نزلت في عهد الضعف قبل التمكين وقبل وجود أي قدرة للجماعة المسلمة الأُولى على تحقيق هذه القضية ، وإنما سبقت في العهد المكي للتأسيس الاعتقادي ، وللتأصيل الديني في ذاته ، وقد ضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضع التطبيق العملي بعد ذلك بسنوات ، حين أقام الدولة في المدينة المنورة ، ومهَّد الأمور من إبرام صلح الحديبية مع مشركي مكة ، والذي كان فتحاً مبيناً ؛ كسر الله به حميَّة المشركين في الجزيرة كلها ، وأزال به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدر المؤامرات اليهودية في خيبر ، وحينئذٍ أمِنَت الطرق فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُتُبَه إلى ملوك الفرس والروم و مصر ... وغيرها تحقيقاً وتطبيقاً لمبدأ عالمية الإسلام أو شمول الأشخاص أفراداً وجماعات .
ثالثًا : الشمول التشريعي : وهو الأساس الثابت في الدين الإلهي للناس ، على ألسنة الرسل – عليهم السلام - في كل العصور ، مع مراعاة بعض الفروق والتفاوتات المناسبة لكل الأزمنة أو الأمكنة أو الأقوام ، حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية المبنية على العلم المحيط .
والأصل في هذا هو قوله - تعالى - : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } ( الشورى : 13 ) .
وفي الرسالة الخاتمة بالذات أَكثَرَ القرآن من تقرير الشمول الجامع ، بصيغ عديدة غاية في الصراحة والوضوح ، كما قال - تعالى - : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } ( النحل : 89 ) .
والتبيان أبلغ من البيان ، والشمول مأخوذ نصاً من قوله - تعالى - { لِّكُلِّ شَيْءٍ } مما يحتاجه الناس في شؤون حياتهم إيماناً وأخلاقاً وعبادات ومعاملات .
وقال - تعالى - في ختام العهد المكي { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } (المائدة: 3 ) والآية الكريمة نزلت في حجة الوداع في يوم عرفة من السنة العاشرة للهجرة .
والإكمال يرجع إلى معاني الجودة في الصفات ( الكيف ) والإتمام يرجع إلى معاني الشمول في الأعداد ( الكم ) .
فتعين من هذا أن الدين الذي رضيه الله - تعالى - لعباده مستجمِع لكل الصفات الجيدة ، ولأعداد الأحكام في كل جوانب الحياة ؛ لأن الله - تعالى – هو الذي يشرِّع لعباده ، ولا يعطيهم ديناً ناقصاً أبداً ، كما قال - تعالى - ذلك من قبل في العهد المكي{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ * } ( الأنعام : 161-164 ) .
وقد قال ذلك في الإسلام الذي أوحاه للرسل من قبل ، ومن ذلك على سبيل المثال ما قاله عن موسى - عليه السلام - { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } ( الأعراف : 145 ) .
وهذا هو شأن الدين الإلهي في كل العصور ، خاصة في الرسالة الخاتمة على ما نبينه في المقال التالي - إن شاء الله تعالى - تفصيلاً وتدليلاً ؛ فكانت بذلك كله في مرتبة العقائد المقرَّرة ، والمسلَّمات المتواترة بنقل الكافة عن الكافة ، لا تقبل جدلاً أو لجاجةً !
ولذلك استفاض علماء الإسلام في تقريرها ، وتفصيلها ، وبيان جوانبها : كالمفسرين ، والمحدثين ، والأصوليين ، والفقهاء ، بما وجدوا من فيوض النصوص في كتاب الله - تعالى - وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين على ما نُبيِّنه بإيجاز فيما يلي :
أولاً : فيوض من نصوص القرآن الكريم : ومن المهم أن نلتفت إلى كثرة الآيات الكريمة التي قررت وأكدت هذا الشمول التشريعي الجامع ، وقد كانت آية واحدة كافية للإلزام وإقامة الحجة على العالمين ؛ فكيف إذا تكاثرت الآيات الكريمة على هذا النمط في العهدين المكي والمدني على سواء؟ ومن ذلك قوله - عز وجل - :
أولاً : في العهد المكي قبل قيام دولة الإسلام :
( أ‌ ) : { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ( الجاثية : 18 ) .
( ب‌ ) : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } ( النحل : 89 )
( ج ) : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } ( الشورى : 10 ) .
( د ) : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } ( هود : 1 ) .
( هـ ) : { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً } ( الأنعام : 114 ) .
ثانياً : ثم في العهد المدني بعد أن مكَّن الله - تعالى - للمسلمين وجعل لهم داراً وأنصاراً ، وإماماً يحكِّم شريعة الله - تعالى - :
( أ‌ ) : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } ( البقرة : 208 ) .
وهذا أمر صريح للمؤمنين بأن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره أي : « أُمروا كلهم أن يعملوا بجميع شُعب الإيمان ، وشرائع الإسلام - وهي كثيرة جداً - ما استطاعوا منها » .
كما قال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة .
( ب‌ ) : { إِنَّا أنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } ( النساء : 105 ) .
( ج ) : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } ( النساء : 59 ) .
( د ) : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ( النساء : 65 ) .
( هـ ) : { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ } ( المائدة : 49 ) .
( و ) : { أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ( المائدة : 50 ) .
( ز ) : { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } ( المائدة : 3 ) .
خلاصة الآيات الكريمة جميعاً : أن الله - تعالى - شرع لنا ديناً جامعاً ، وألزمنا إلزاماً باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وجعله فوق الكفاية ؛ بحيث لا نحتاج إلى استعارة أي حكم أو تشريع من غيره ، ولذلك أَلزَمَنا بالدخول في كافة شرائعه ، وحرَّم علينا تفرقته وتجزئته تحريماً قطعياً ؛ لأن هذا ينافي الإيمان ، ويبطل دعوى صاحبه في دخول الإسلام .
وقد استفاض أئمة التفسير في تقرير هذه المعاني عند تفسير هذه الآيات الجامعة ، وبيان تفصيلاتها الجزئية ، وما يندرج تحتها في العقائد ، والأخلاق ، والعبادات ، والمعاملات : كآيات البيع ، والرهن ، والنكاح ، والطلاق ، والعدة ، والرضاع ، والنفقة ، والميراث ، والوصية ... وغير ذلك من شؤون الحياة جميعاً التي تربو على الإحصاء والعد ، بما يجِدُّ فيها من جديد دائم ، ينضوي تحت هذا الشمول الجامع لقواعده ، وأصوله ، وشُعَبِه المتكاثرة .
ثانياً : كثرة شُعب الإيمان في ضوء السُّنة المطهرة : والأصل في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان »[1] .
وقد ألَّف العلماء في شرح هذه الشُّعب كتباً جليلة منها : كتاب ( المنهاج ) لأبي عبد الله الحليمي الشافعي ( توفي 403 هـ ) .
وكتاب ( شُعب الإيمان ) لأبي بكر البيهقي ( توفي 458هـ ) وقد زاد فيه على كتاب شيخه الحليمي ، وبلغ بالشعب : ( 77 ) شعبة ، واستدل لكل منها بدليل من الكتاب أو السُّنة .
وقد بلغ بعضهم بها ( 79 ) شعبة كما روي ذلك عن أبي حاتم بن حبان البستي .
وهل المراد هنا العدد بذاته ، أم المراد بيان الكثرة وسعتها ؟ « لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها ولا تريد التحديد بها » .
كما قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير آية : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } ( التوبة : 80 ) .
فإن أريد تحديد العدد ، فإن في كل شعبة عشرات أو مئات من الأحكام التي تندرج تحتها ، وبذلك يخرج العدد عن حدود الحصر .
وإن أريد التكثير عاد المعنى إلى القصد الأول ؛ فيثبت ( الشمول)في كل الأحوال ... والحمد لله رب العالمين .
نموذج من كلام العلماء في الشمول الإسلامي : أورد الحافظ ابن حجر في شرح البخاري شيئاً من ذلك ، فقال : « إن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب ، وأعمال اللسان ، وأعمال البدن :
- فأعمال القلب فيها المعتقدات والنيَّات ، وتشتمل على ( أربع وعشرين خصلة ) : الإيمان بالله ، ويدخل فيه : الإيمان بذاته وصفاته ، وتوحيده ، وأنه ليس كمثله شيء .

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.67 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]