|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() السحر الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري السِّحْر لغةً: ما خفِيَ ولطُف سببه. وشرعًا: السِّحْر عبارة عن عُقَدٍ ورُقًى، أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور؛ لكن قد قال الله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 102]. قال الخطابي: "السِّحْر من عمل الشيطان، يفعله في الإنسان بنفثه وهَمْزِهِ ووسوسته، ويتولَّاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقَّاه عنه استعمله في غيره بالقول، والنفث في العقدة"؛ [ينظر: أعلام الحديث (2/ 1503)]. حُكْمُ السِّحْر: السِّحْر كُفْرٌ؛ لأنه يكون بواسطة الشياطين، فالساحر يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور. قال الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: 102]. السِّحْر من المنكرات العظيمة، ومن كبائر الموبقات، بل هو من نواقض دين الإسلام، إذا كان تعلمه ومباشرته عن طريق الاستعانة بالشياطين. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: تعليم السِّحْر وتعلُّمه منكر عظيم، ومن الشرك الأكبر؛ لأنه لا يُتوصَّل إليه إلا بعبادة الجن، والاستغاثة بهم والتقرب إليهم، وما يهديهم من الذبائح والنذر؛ [انتهى من فتاوى نور على الدرب (1/ 355-356)]. وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: السِّحْر أكبر الكبائر بعد الشرك، وهو كُفْرٌ بالله عز وجل، وهو قرين الشرك، فالساحر والذي يصدق بالسِّحْر كلاهما سواء؛ [انتهى من مجموع فتاوى الشيخ صالح بن فوزان (1/ 42)]. أما إذا كان صاحبه يتوصل إليه باستخدام عقاقير محسوسة، ومواد كيميائية، ونحو ذلك، فلا يكفُر صاحبه. والساحر حدُّه القتل بكل حال. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: السِّحْر نوعان: نوعُ كفرٍ، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر: فهو الذي يكون متلقًّى من الشياطين، فالذي يتلقَّى من الشياطين: هذا كفر مُخْرِج عن الملة، يُقتل متعاطيه. النوع الثاني من السِّحْر: سِحْرٌ لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يكفر، ولكن يجب أن يُقتَل فاعله درءًا لفساده وإفساده؛ [انتهى من فتاوى نور على الدرب (4/ 2) بترقيم الشاملة]. ثانيًا: من الأدلة الشرعية على أن السِّحْر يكون عن طريق مَرَدَةِ الجن وهم الشياطين قولُ الله عز وجل: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: 102]؛ قال ابن جرير رحمه الله: "معنى الكلام: واتبعوا ما تتلو الشياطين من السِّحْر على مُلْكِ سليمان، وما كَفَرَ سليمان، فيعمل بالسِّحْر، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السِّحْر"؛ [انتهى من تفسير الطبري (2/ 417)]. وقال مجاهد: "كانت الشياطين تستمع الوحي، فما سمعوا من كلمة إلا زادوا فيها مائتين مثلها، فلما تُوفِّيَ سليمان علِمته الناس، وهو السِّحْر"؛ [انتهى من تفسير ابن كثير (1/ 348)]. وقال قتادة: "ذُكِرَ لنا - والله أعلم - أن الشياطين ابتدعت كتابًا فيه سِحْرٌ وأمر عظيم، ثم أفشَوه في الناس وعلَّموهم إياه"؛ [انتهى من تفسير الطبري (2/ 410)]. وفي تفسير قول الله عز وجل: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4]. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "النفاثات في العقد: هن الساحرات، يَعْقِدْنَ الحبال وغيرها، وتنفث بقراءة مطلسمة، فيها أسماء الشياطين على كل عقدة، تعقِد ثم تنفُث، تعقد ثم تنفث، تعقد ثم تنفث، وهي بنفسها الخبيثة تريد شخصًا معينًا، فيؤثر هذا السِّحْر بالنسبة لهذا المسحور"؛ [انتهى من لقاء الباب المفتوح (107/ 11) بترقيم الشاملة]. قال ابن باز رحمه الله: "السِّحْر: بيَّن الله جل وعلا في كتابه العظيم، وهكذا رسوله صلى الله عليه وسلم أنه موجود، وأن السِّحْرة موجودون، وأن الشياطين هم الأساتذة، هم الذين يعلمونهم السِّحْر، شياطين الجن هم الذين يعلمون شياطين الإنس السِّحْرَ، والسِّحْر يكون بالرُّقى الشيطانية، والتعوُّذات الشيطانية، والعقد والنفث؛ كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: 4]"؛ [انتهى من فتاوى نور على الدرب (3/ 272)]. لا يجوز حلُّ السِّحْر بالسِّحْر: لا يجوز حلُّ السِّحْر بالسِّحْر، وإنما يُحَلُّ السِّحْر بالقرآن الكريم والأدعية النبوية، والأدوية المباحة. أما السِّحْر فهو كفر ورِدَّة وخروج عن الإسلام، فلا يجوز فعله، ولا الذهاب إلى الساحر طلبًا للشفاء؛ وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النَّشْرَةِ وهي حل السِّحْر، فقال: ((هو من عمل الشيطان))؛ [رواه أبو داود (3868) وصححه الألباني]. قال ابن القيم في فتاوى إمام المفتين (ص207، 208): "والنَّشْرَةُ حَلُّ السِّحْر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، فإن السِّحْر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات، والدعوات والأدوية المباحة، فهذا جائز، بل مستحب"؛ [انتهى]. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في القول المفيد (2/ 70): "وهذا الحديث بيَّن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حكم النَّشرة، وأنها من عمل الشيطان، وهذا يغني عن قوله: إنها حرام، بل هذا أشد من قوله: إنها حرام؛ لأن ربطها بعمل الشياطين يقتضي تقبيحها، والتنفير عنها، فهي محرمة"؛ [انتهى]. وبعد هذا النص الواضح البيِّن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا قولَ لأحدٍ، كائنًا من كان. ولا يجوز أن ينصب الخلاف بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين رأيِ عالمٍ أو فقيه؛ قال ابن القيم رحمه الله: "ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه". وقد حكى بعض أهل العلم عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه يرى جواز حل السِّحْر بالسِّحْر للضرورة، وكلام ابن المسيب رحمه الله ليس صريحًا في جواز حل السِّحْر بالسِّحْر، بل يحتمل أنه أراد حلَّه بالطرق المباحة؛ ومع ذلك فقد أجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا بقوله في القول المفيد (2/ 73): "ولكن على كل حال حتى ولو كان ابن المسيب، ومن فوق ابن المسيب ممن ليس قوله حُجَّةً يرى أنه جائز، فلا يلزم من ذلك أن يكون جائزًا في حكم الله، حتى يُعرَض على الكتاب والسُّنَّة؛ وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: ((هي من عمل الشيطان))"؛ [انتهى]. وقد فهِم بعضهم من تجويز الإمام أحمد للنشرة أنه أجاز حل السِّحْر بالسِّحْر، وإنما كلامه رحمه الله في الرُّقية الشرعية المباحة. قال الشيخ سليمان بن عبدالله في تيسير العزيز الحميد (419): "وكذلك ما رُوِيَ عن الإمام أحمد من إجازة النشرة، فإنه محمول على ذلك - أي النشرة بالرقية الشرعية - وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السِّحْرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل لما سُئل عن الرجل يحل السِّحْر قال: قد رخَّص فيه بعض الناس، قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه، فنفض يده، وقال: لا أدري ما هذا، قيل له: أفترى أن يُؤتى مثل هذا؟ قال: لا أدري ما هذا، وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه، وكيف وهو الذي روى الحديث: ((أنها من عمل الشيطان))، لكن لما كان لفظ النشرة مشتركًا بين الجائزة، التي من عمل الشيطان، ورأَوه قد أجاز النشرة ظنُّوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك"؛ [انتهى]. وقد صرح كثيرٌ من العلماء بتحريم حل السِّحْر بالسِّحْر، وأن الضرورة لا تبيح ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرَّمات كالميتة والخنزير، فلا يتنازعون في أنَّ الكفر والشرك لا يجوز التداوي به بحالٍ؛ لأن ذلك محرَّم في كل حال، وليس هذا كالتكلم به عند الإكراه، فإن ذلك إنما يجوز إذا كان قلبه مطمئنًّا بالإيمان، والتكلم به إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه، ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر، والشيطان إذا عرف أن صاحبه مستخفٌّ بالعزائم لم يساعده، وأيضًا فإن المكره مضطر إلى التكلم له ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين: أحدهما: أنه قد لا يؤثر أكثر مما يؤثر من يعالج بالعزائم، فلا يؤثر، بل يزيده شرًّا. والثاني: أن في الحق ما يغني عن الباطل"؛ [انتهى من مجموع الفتاوى (19/ 61)]. وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "قال بعض الحنابلة: يجوز الحل بسحر للضرورة... والقول الآخر أنه لا يحل، وهذا الثاني هو الصحيح... والسِّحْر حرام وكفر، أفيُعمل الكفر لتحيا نفوس مريضة أو مصابة؟"؛ [انتهى من فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 165)]. وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي: "التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه في هذه المسألة: أن استخراج السِّحْر إن كان بالقرآن كالمعوِّذتين، وآية الكرسي، ونحو ذلك مما تجوز الرقية به فلا مانع من ذلك، وإن كان بسحر أو ألفاظ أعجمية أو بما لا يُفهم معناه، أو بنوع آخر مما لا يجوز فإنه ممنوع، وهذا واضح، وهو الصواب إن شاء الله تعالى كما ترى"؛ [انتهى من أضواء البيان (4/ 465)]. وسُئل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عن حكم علاج السِّحْر بالسِّحْر عند الضرورة؟ فأجاب: "لا يجوز علاج السِّحْر بالسِّحْر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان))، والنشرة هي حل السِّحْر بالسِّحْر، ولأن حلها بالسِّحْر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم، وهذا من الشرك الأكبر؛ ولهذا أخبر الله سبحانه عنِ الْمَلَكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: 102]، وقبلها قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ [البقرة: 102]، ثم قال سبحانه: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 102]. وفي هاتين الآيتين تحذيرٌ من تعلُّم السِّحْر وتعليمه من وجوه كثيرة؛ منها: أنه من عمل الشيطان، ومنها: أن تعلُّمه كفرٌ ينافي الإيمان، ومنها: أنه قد يحصل به التفريق بين المرء وزوجه، وهذا من أعظم الظلم والفساد في الأرض، ومنها: أنه لا يقع شيء من الضرر ولا غيره إلا بإذن الله، والمراد بالإذن هنا الإذن الكوني القدري، ومنها: أن هذا التعلُّم يضرهم ولا ينفعهم، ومنها: أن من فعله ليس له عند الله من خلاق، والمعنى: ليس له حظ ولا نصيب من الخير، وهذا وعيد عظيم يُوجِب الحذر من تعلم السِّحْر وتعليمه، ومنها: ذمه سبحانه من تعاطي هذا السِّحْر بقوله تعالى: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: 102]، والمراد بالشراء هنا البيع... ومنها: إخباره سبحانه أن هذا العمل ينافي الإيمان والتقوى. وبهذه الوجوه يظهر لكل مسلم شدة تحريم تعلم السِّحْر وتعليمه، وكثرة ما فيه من الفساد والضرر، وأنه مع هذا كفر بعد الإيمان، ورِدَّة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك، فالواجب الحذر من ذلك، وأن يكتفي المسلم بالعلاج الشرعي وبالأدوية المباحة بدلًا من العلاج بما حرَّمه الله عليه شرعًا، والله ولي التوفيق"؛ [انتهى، مجلة الدعوة - تاريخ 10/ 11/ 1414 هـ]. وسُئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم النشرة، فأجاب: حل السِّحْر عن المسحور (النشرة) الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون بالقرآن الكريم والأدعية الشرعية والأدوية المباحة، فهذه لا بأس بها لِما فيها من المصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحة بلا مضرة. القسم الثاني: إذا كانت النشرة بشيء محرَّم كنقض السِّحْر بسحر مثله، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم؛ فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن النشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان))؛ [رواه أبو داود وإسناده جيد]، وعلى هذا يكون حل السِّحْر بالسِّحْر محرَّمًا، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره؛ والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186]، ويقول الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]، والله الموفق"؛ [فتاوى الشيخ ابن عثيمين (1/ 238، 239)]. وسئلت اللجنة الدائمة عن حكم حل السِّحْر بسحر مثله، فأجابت: لا يجوز ذلك، والأصل فيه ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بسنده عن جابر رضي الله عنهما قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: ((هي من عمل الشيطان))، وفي الأدوية الطبيعية، والأدعية الشرعية، ما فيه كفاية: ((فإن الله ما أنزل داءً إلا أنزل له شفاء، علِمه مَن علِمه، وجهِله من جهِله))، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ونهى عن التداوي بالمحرَّم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((تداوَوا ولا تتداوَوا بحرام))، ورُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام))؛ [انتهى، فتاوى مهمة لعموم الأمة (106، 107)]. وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين حفظه الله: "لا يجوز حل السِّحْر بسحر مثله، وذلك بأن يطلب من الساحر نفسه أن يُبطل عمله الذي هو السِّحْر، فإن في ذلك إقرارًا له، وإبقاء لعمله، مع أن الواجب قتله متى عرف وتحقق أنه ساحر، فإن حدَّه ضربة بالسيف، وكذا لا يجوز الذهاب إلى ساحر آخر لطلب حل ذلك السِّحْر؛ لِما في ذلك من إبقائه وتقريره الذي هو كرضا بفعله"؛ [انتهى]. وسُئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن حكم حل السِّحْر بسحر مثله فأجاب: "أما قضية حل السِّحْر بسحر مثله، فقد نصَّ كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز؛ لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تداوَوا ولا تداوَوا بحرام)). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم))، ومن أعظم المحرمات السِّحْر فلا يجوز التداوي به ولا حل السِّحْر به، وإنما السِّحْر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة، هذا الذي يجوز حل السِّحْر به"؛ [انتهى من المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان (2/ 132، 133)]. علاج السِّحْر: من أُصيب بالسِّحْر فليس له أن يتداوى بالسِّحْر؛ فإن الشر لا يُزال بالشر، والكفر لا يُزال بالكفر، وإنما يُزال الشر بالخير؛ ولهذا لما سُئل عليه الصلاة والسلام عن النشرة قال: ((هي من عمل الشيطان))، والنشرة المذكورة في الحديث: هي حل السِّحْر عن المسحور بالسِّحْر، أما إن كان بالقرآن الكريم والأدوية المباحة والرُّقية الطيبة، فهذا لا بأس به، وأما بالسِّحْر فلا يجوز كما تقدم؛ لأن السِّحْر عبادة للشياطين، فالساحر إنما يسحَر ويعرِف السِّحْر بعد عبادته للشياطين، وبعد خدمته للشياطين، وتقربه إليهم بما يريدون، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السِّحْر، لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية، بالأدوية المباحة، كما يُعالَج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء، وليس من اللازم أن يشفى؛ لأنه ما كل مريض يشفى، فقد يُعالَج المريض فيشفى إن كان الأجل مؤخرًا، وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض، ولو عُرِض على أحذق الأطباء، وأعلم الأطباء، متى نزل الأجل لم ينفع الدواء ولا العلاج؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [المنافقون: 11]، وإنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا لم يحضُر الأجل، وقدَّر الله للعبد الشفاء، كذلك هذا الذي أُصيب بالسِّحْر قد يكتب الله له الشفاء، وقد لا يكتب له الشفاء، ابتلاء وامتحانًا، وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا، منها: أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء؛ وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لكل داءٍ دواءٌ فإذا أُصيب دواءُ الداء، برِئ بإذن الله عز وجل))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، علِمه من علمه، وجهِله من جهله)). ومن العلاج الشرعي أن يُعالَج السِّحْر بالقراءة، فالمسحور يُقرأ عليه أعظم سورة في القرآن؛ وهي الفاتحة، تُكرَّر عليه، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأنه سبحانه وتعالى مصرف الأمور، وأنه متى قال للشيء: كُنْ فإنه يكون، فإذا صدرت القراءة عن إيمان، وعن تقوى وعن إخلاص، وكرر ذلك القارئ فقد يزول السِّحْر ويشفى صاحبه بإذن الله، وقد مر بعض الصحابة رضي الله عنهم على بادية قد لُدِغ شيخهم، يعني أميرهم، وقد فعلوا كل شيء ولم ينفعه، فقالوا لبعض الصحابة: هل فيكم من راقٍ؟ قالوا: نعم فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة، فقام كأنه نُشِط من عِقال في الحال، وعافاه الله من شر لدغة الحية؛ والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ((لا بأس بالرُّقى ما لم تكن شركًا))، وقد رقى ورُقِيَ عليه الصلاة والسلام، فالرقية فيها خير كثير، وفيها نفع عظيم، فإذا قرئ على المسحور بالفاتحة، وبآية الكرسي، وبـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين، أو بغيرها من الآيات، مع الدعوات الطيبة الواردة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما رقى بعـض المرضى: ((اللهم ربَّ الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا))؛ يكرر ذلك ثلاث مرات أو أكثر، ومثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه صلى الله عليه وسلم بقوله: ((بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك))؛ ثلاث مرات، فهذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُشرع أن يُرقى بها اللديغ والمسحور والمريض، ولا بأس أن يُرقى المريض والمسحور واللديغ بالدعوات الطيبة، وإن لم تكن منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيها محذور شرعي؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالرُّقى ما لم تكن شركًا))، وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية وبغير أسباب من الإنسان؛ لأنه سبحانه هو القادر عل كل شيء، وله الحكمة البالغة في كل شيء؛ وقد قال سبحانه في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82]، فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدِّره، وله الحكمة البالغة في كل شيء عز وجل. وقد لا يشفى المريض لأنه قد تمَّ أجلُهُ وقُدِّر موته بهذا المرض، ومما يُستعمل في الرقية آيات السِّحْر تُقرأ في الماء، وهي آيات السِّحْر في الأعراف؛ وهي قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: 117 - 119]، وفي يونس وهي قوله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ﴾ [يونس: 79] إلى قوله جل وعلا: ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: 82]، من آية 79 إلى آية 82، وكذلك آيات طه: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى﴾ [طه: 65] إلى قوله سبحانه: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: 69]، من آية 65 إلى آية 69، وهذه الآيات مما ينفع الله بها في رقية السِّحْر، وإن قرأ القارئ هذه الآيات في الماء وقرأ معها سورة الفاتحة، وآية الكرسي وبـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين في ماء، ثم صبَّه على من يظن أنه مسحور، أو محبوس عن زوجته، فإنه يُشفى بإذن الله، وإن وضع في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقِّها كان مناسبًا؛ كما ذكر ذلك الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله في (فتح المجيد) عن بعض أهل العلم في باب (ما جاء في النشرة)، ويُستحَبُّ أن يُكرِّر قراءة السور الثلاث؛ وهي ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]؛ ثلاث مرات، والمقصود أن هذه الأدوية وما أشبهها هي مما يُعالَج به هذا البلاء، وهو السِّحْر، ويُعالَج به أيضًا مَن حُبِس عن زوجته، وقد جُرِّب ذلك كثيرًا فنفع الله به، وقد يُعالَج بالفاتحة وحدها فيُشفى، وقد يُعالَج بـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1] والمعوذتين وحدها ويُشفى، والمهم جدًّا أن يكون المعالِج والمعالَج عندهما إيمان صادق، وعندهما ثقة بالله، وعِلْمٌ بأنه سبحانه مُصرِّف الأمور، وأنه متى شاء شيئًا كان، وإذا لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى، فالأمر بيده جل وعلا، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فعند الإيمان وعند الصدق مع الله من القارئ والمقروء عليه، يزول المرض بإذن الله وبسرعة، وتنفع الأدوية الحسية والمعنوية. نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لِما يُرضيه، إنه سميع قريب. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |