أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (9) إسلام أم سلمة رضي الله عنها وهجرتها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 129 - عددالزوار : 1150 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 21817 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 72 - عددالزوار : 20434 )           »          حياة البرزخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          مذاهب العلماء في نفقة الزوجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          سعي المرأة لطلب الرزق بين الوجوب وعدمه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          الغُمة الشعورية الكئيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          التفسير بالعموم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          فشكر الله له فغفر له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          وتعاونوا على البر والتقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 12-05-2025, 12:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,352
الدولة : Egypt
افتراضي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (9) إسلام أم سلمة رضي الله عنها وهجرتها

أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (9)

إسلام أم سلمة رضي الله عنها وهجرتها

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ؛ خَلَقَ فَأَتْقَنَ خَلْقَهُ، وَشَرَعَ فَأَحْكَمَ شَرْعَهُ؛ ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النَّمْلِ: 88]، ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ [الْبَقَرَةِ: 138]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَكَانَ عَمَلُهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيُهُمْ مَشْكُورًا، وَجَزَاؤُهُمْ مَوْفُورًا، وَضَلَّ عَنْ هُدَاهُ أَهْلُ الشَّقَاءِ فَكَانُوا قَوْمًا بُورًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ اصْطَفَاهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ وَاجْتَبَاهُ، وَاخْتَارَ لَهُ أَفَاضِلَ الْأُمَّةِ فَكَانُوا لَهُ أَصْحَابًا، وَخَيْرَ النِّسَاءِ فَكُنَّ لَهُ أَزْوَاجًا، وَكُنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ أُمَّهَاتٍ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ، وَالْزَمُوا هَدْيَ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَأَسِّيًا فَلْيَتَأَسَّ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، وَأَقْوَمَهَا هَدْيًا، وَأَحْسَنَهَا حَالًا، قَوْمًا اخْتَارَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ».

أَيُّهَا النَّاسُ: أَلْصَقُ الصَّحَابَةِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَاتُهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ الْمُلَازِمَاتُ لِبَيْتِهِ، الْمُطَّلِعَاتُ عَلَى أَسْرَارِ حَيَاتِهِ، الْعَالِمَاتُ بِهَدْيِهِ مَعَ أَهْلِهِ، الْقَانِعَاتُ بِقِلَّةِ زَادِهِ، الْمُخْتَارَاتُ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، الْمُضَحِّيَاتُ فِي سَبِيلِ دَعْوَتِهِ، الرَّاضِيَاتُ الْمَرْضِيَّاتُ عِنْدَ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 33]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً».

وَمِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: أُمُّ سَلَمَةَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّةُ الْقُرَشِيَّةُ، مِنْ بَيْتِ عِزٍّ وَشَرَفٍ وَنَسَبٍ وَكَرَمٍ؛ وَكَانَ أَبُوهَا أَبُو أُمَيَّةَ يُلَقَّبُ بِـ "زَادِ الرَّكْبِ"؛ لِأَنَّهُ إِذَا سَافَرَ مَعَهُ أَحَدٌ تَحَمَّلَ زَادَهُ، فَيُطْعِمُ كُلَّ مَنْ رَافَقَهُ فِي السَّفَرِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ وِجْهَتَهُ، كَثُرُوا أَوْ قَلُّوا، وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَرَمِ. وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ابْنُ عَمِّهَا، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَزَوْجُهَا أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَمِّهَا، وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ أَخًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَهُوَ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَجُرِحَ فِيهَا، وَثَارَ عَلَيْهِ جُرْحُهُ بَعْدَ قِيَادَتِهِ لِسَرِيَّةٍ، وَتُوُفِّيَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ. فَالشَّرَفُ يُحِيطُ بِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا.

تَقَدَّمَ إِسْلَامُهَا هِيَ وَزَوْجُهَا أَبُو سَلَمَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، وَيُذْكَرُ أَنَّ زَوْجَهَا أَسْلَمَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ أَسْلَمُوا قَبْلَهُ، وَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَذَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَكَّةَ هَاجَرَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهِيَ الَّتِي رَوَتْ حَدِيثَ مُقَامِهِمْ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ، قَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ، النَّجَاشِيَّ، أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا، وَعَبَدْنَا اللَّهَ لَا نُؤْذَى، وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ...»، وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَفِيهِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّنَهُمْ، وَرَفَضَ تَسْلِيمَهُمْ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ.

وَلَمَّا سَمِعَ الزَّوْجَانِ بِبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى رَجَعَا مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَاشْتَدَّ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِمَا، وَعَزَمَا عَلَى الْهِجْرَةِ، وَأُصِيبَتْ هَذِهِ الْأُسْرَةُ الْمُؤْمِنَةُ بِمُصِيبَةٍ عَظِيمَةٍ؛ وَهِيَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا عَامًا كَامِلًا، وَذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الْأَذَى الَّذِي لَحِقَهَا؛ حَتَّى تَيَسَّرَتِ الْهِجْرَةُ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَتَحْكِي أُمُّ سَلَمَةَ قِصَّةَ ذَلِكَ فَتَقُولُ: «لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَحَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟ قَالَتْ: فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ. قَالَتْ: وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا. قَالَتْ: فَتَجَاذَبُوا بُنَيَّ سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُو سَلَمَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَفُرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي. قَالَتْ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطَحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي حَتَّى أُمْسِيَ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَى مَا بِي فَرَحِمَنِي فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ: أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا! قَالَتْ: فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شِئْتِ. قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. قَالَتْ: فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَتْ: وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لِي: إِلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: أَوَمَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا. قَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ مِنْ مَتْرَكٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي، فَوَاللَّهِ مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ قَطُّ أَرَى أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إِذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنِّي إِلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إِلَى بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، وَقَالَ: ارْكَبِي. فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّى يَنْزِلَ بِي. فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ، قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ -وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا- فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ. فَكَانَتْ تَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ، وَمَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ».

وَاجْتَمَعَتِ الْأُسْرَةُ الْمُؤْمِنَةُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَلَمِ الْفِرَاقِ، وَلَرُبَّمَا أَحَسَّتْ هَذِهِ الْأُسْرَةُ الْمُؤْمِنَةُ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ لَنْ يَدُومَ طَوِيلًا فَالدُّنْيَا دَارُ ابْتِلَاءٍ، وَيَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ حِوَارٌ جَرَى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِأَبِي سَلَمَةَ: «بَلَغَنِي أَنَّهُ لَيْسَ امْرَأَةٌ يَمُوتُ زَوْجُهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ لَمْ تَزَوَّجْ بَعْدَهُ إِلَّا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَنَّةِ. وَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ وَبَقِيَ الرَّجُلُ بَعْدَهَا. فَتَعَالَ أُعَاهِدْكَ أَلَّا تَزَوَّجَ بَعْدِي وَلَا أَتَزَوَّجَ بَعْدَكَ. قَالَ: أَتُطِيعِينِي؟ قُلْتُ: مَا اسْتَأْمَرْتُكَ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيعَكَ. قَالَ: فَإِذَا مُتُّ فَتَزَوَّجِي. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْ أُمَّ سَلَمَةَ بَعْدِي رَجُلًا خَيْرًا مِنِّي لَا يُحْزِنُهَا وَلَا يُؤْذِيهَا. فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ هَذَا الْفَتَى الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَلَبِثْتُ مَا لَبِثْتُ ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَذَكَرَ الْخِطْبَةَ إِلَى ابْنِ أَخِيهَا، أَوْ إِلَى ابْنِهَا وَإِلَى وَلِيِّهَا. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَرُدُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَوْ أَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِعِيَالِي. قُلْتُ: ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ فَذَكَرَ الْخِطْبَةَ فَقُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا: إِنْ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَوِّجْ. فَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا».

فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَوْجِهَا وَأَرْضَاهُمَا، وَرَضِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ظَهَرَ فِي سِيرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَظِيمُ التَّضْحِيَةِ الَّتِي بَذَلَتْهَا فِي سَبِيلِ إِيمَانِهَا؛ إِذْ هَاجَرَتِ الْهِجْرَتَيْنِ، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَابْنِهَا، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى شَتَاتَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَمَا هِيَ إِلَّا بِضْعُ سَنَوَاتٍ حَتَّى أُصِيبَتْ فِي زَوْجِهَا، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ وَيُحِبُّهَا، وَكَانَ نِعْمَ الرَّجُلُ حِينَ أَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ، وَدَعَا لَهَا أَنْ تُرْزَقَ خَيْرًا مِنْهُ؛ لِتُرْزَقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَكُونَ أُمًّا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَعَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِصَبْرِهَا وَيَقِينِهَا وَثَبَاتِهَا عَلَى إِيمَانِهَا خَيْرًا مِمَّا كَانَتْ تَأْمُلُ وَتَرْجُو. وَمَنْ صَدَقَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ مَا يَرْجُو وَيَتَمَنَّى.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثَبَاتُ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى إِيمَانِهَا رَغْمَ الصِّعَابِ، وَصَبْرُهَا مَعَ عَظِيمِ الْمُصَابِ؛ مِثَالًا يُنْقَلُ لِلنِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ؛ لِيَعْلَمْنَ أَنَّ مِنْ أَسْلَافِهِنَّ عَظِيمَاتٍ صَبَرْنَ فَظَفِرْنَ، وَكُنَّ أَعْلَامًا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، تُتَنَاقَلُ سِيَرَهُنَّ الْأَجْيَالُ الْمُتَعَاقِبَةُ. وَيَنْبَغِي لِلْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُرَبِّيَاتِ أَنْ يُرَبِّينَ بَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى سِيَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْتَقِينَ مِنْ حَيَاتِهِنَّ الْعِبَرَ وَالدُّرُوسَ، وَمَا أَكْثَرَهَا لِمَنْ قَرَأَهَا وَتَأَمَّلَهَا.

«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.40 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.18%)]