
11-02-2020, 01:55 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,203
الدولة :
|
|
بلوغ البغية في تحديد يوم عرفة عند اختلاف الرؤية
بلوغ البغية في تحديد يوم عرفة عند اختلاف الرؤية
عبد الرافع بن محمود العمري
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾(1).
﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا﴾(2).
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا﴾(3).
أما بعد: فإن مسألة تحديد يوم عرفة عند اختلاف الرؤية مسألة مهمة، وذلك بأن الشارع ندبنا إلى الصوم فيه، فالناس كل سنة يسألون العلماء عن تحديده، فمنهم من يفتي بأن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة.
ومنهم من يقول: بأنه اليوم التاسع من ذي الحجة حسب التوقيت المحلي، فالناس في بلبلة وتحيُّر واضطراب، لا يعرفون المسار الراجح من المسار المرجوح، فلما نظرت إلى هذه المشكلة أردت أن أكتب فيها بحثًا يخدم الموضوع، ويكون مرشدًا للناس إلى المسار الراجح، ومخرجًا لهم من التحيُّر والاضطراب، وإن كان مثلي لا يقدر على ذلك، إذ الكلام في هذه المسألة ليس بسهل، لكني أرجو من الله العون والتوفيق، إذ به يسهل الأمر الصعب، ويصير غير المقدور مقدورًا، وقد عنوتته بـ«بلوغ البغية في تحديد يوم عرفة عند اختلاف الرؤية».
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
تظهر أهمية الموضوع، وأسباب اختياره فيما يلي:
أن الموضوع متعلق بالفقه في الدين وأهميته معلومة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»(4).
أن هذا الموضوع مهم جدًّا، وذلك لأنه يبني عليه صوم عرفة، وهو يتكرر كل عام، فالبحث في هذا الموضوع مفيد لكل مسلم.
أن هذا الموضوع يخدم جانبًا من جوانب العبادة من حيث إنه يرشد المكلف إلى ما هو الراجح في هذه المسألة.
أن الموضوع متعلق بتحديد يوم عرفة عند اختلاف الرؤية، وفضل الصيام في يوم عرفة عظيم، إذ ورد في حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية»(5)، فهل المراد اليوم اليوم الذي يقف فيه الحجيج بعرفة أم اليوم التاسع من ذي الحجة وإن لم يكن ذلك موافقًا لوقفة الحجيج بعرفة؟ هذا ما سيقف على الجواب عليه من نظر في هذا البحث إن شاء الله.
الدراسات السابقة:
قد كتب في هذه المسألة الشيخ أحمد بن محمد بن خليل(6) -حفظه الله- بحثًا مفيدًا سماه بـ«النور الساطع من أفق الطوالع في تحديد يوم عرفة إذا اختلفت المطالع» وهو منشور على النِّتْ(7) إلا أنه ينقصه أمور:
لم يدرس الموضوع في ضوء أصول الشريعة ومقاصدها.
لم يوثق المعلومات توثيقًا علميًا.
لم يقم بتحرير محل النزاع في المسألة.
لم يذكر بعض الأدلة القوية في المسألة.
الإضافات الجديدة في البحث:
كون هذه المسألة مدروسة في ضوء أصول الشريعة ومقاصدها.
بيان تحرير محل النزاع في المسألة.
إضافة بعض الأدلة القوية المتعلقة بالقول: بأن يوم عرفة علم على الزمان.
إيراد النقض على القول: بأن الشارع أضاف الصيام إلى يوم عرفة، لا إلى اليوم التاسع من ذي الحجة، فتكون الإضافة معتبرة.
أهداف البحث:
المحاولة للوصول إلى القول الراجح في المسألة.
إخراج الناس من التحير والتردد والاضطراب في هذه المسألة.
خدمة جانب من جوانب الفقه الإسلامي.
خطة البحث:
قد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وخمسة مطالب وخاتمة.
المقدمة: وتشتمل على ما يلي:
الافتتاحية.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره.
الدراسات السابقة.
الإضافات العلمية في البحث.
أهداف البحث.
خطة البحث.
منهج البحث.
المطلب الأول: تحرير محل النزاع في المسألة.
المطلب الثاني: الأقوال في المسألة.
المطلب الثالث: سبب الخلاف في المسألة.
المطلب الخامس: القول الراجح في المسألة.
الخاتمة: وهي تشتمل على أهم النتائج والتوصيات.
ثم أتبعت ذلك فهرس المصادر والمراجع وفهرس المحتويات.
منهج البحث:
قد سلكت في إعداد هذا البحث مسلكًا استقرائيًّا، وذلك أنني جمعت أقوال العلماء وأدلتهم وما يرد عليها من الاعتراض بالتتبع والاستقراء، ودرستها دراسة فقهية مقارنة في ضوء أصول الشريعة ومقاصدها، ووثقتها توثيقًا علميًّا إلا ما كان مني اجتهادًا.
المطلب الأول: تحرير محل النزاع في المسألة
لا خلاف بين العلماء في أن الحجاج يقفون في اليوم التاسع من ذي الحجة بعرفة، وأن الاعتبار فيه برؤية مكة المكرمة، وإنما الخلاف في أن يوم عرفة لأهل البلاد الأخرى هو اليوم الذي يقف فيه الحجيج بعرفة أم اليوم التاسع من ذ الحجة اعتبارًا برؤية بلدانهم(8).
المطلب الثاني: أقوال العلماء في المسألة
بعد إمعان في شروح دواوين السنة والمدوَّنات الفقهية تبيَّن لي أن العلماء القدامى تكلموا في مسألة اختلاف المطالع، فمنهم قائل: باختلافها في كل الشهور دون تفريق بين شهر وآخر.
ومنهم قائل: باتحادها في كل الشهور دون تفريق بين شهر وآخر إلا أن ابن عابدين ذكر على سبيل التنبيه أن اختلاف المطالع في شهر ذي الحجة دون غيره معتبر، حيث قال -رحمه الله-: «يفهم من كلامهم في كتاب الحج أن اختلاف المطالع فيه معتبر، فلا يلزمهم شيء لو ظهر أنه رئي في بلدة أخرى قبلهم بيوم، وهل يقال كذلك في حق الأضحية لغير الحجاج؟ لم أره، والظاهر نعم؛ لأن اختلاف المطالع إنما لم يعتبر في الصوم لتعلقه بمطلق الرؤية، وهذا بخلاف الأضحية، فالظاهر أنها كأوقات الصلوات يلزم كل قول العمل بما عندهم، فتجزئ الأضحية في اليوم الثالث عشر وإن كان على رؤيا غيرهم هو الرابع عشر، والله أعلم»(9).
وذهب بعض العلماء المعاصرين إلى اتجاه آخر يخالف اتجاه ابن عابدين تمامًا، فقالوا: إن اختلاف المطالع في جميع الشهور، ما عدا شهر ذي الحجة، واستدل له بعضهم بقول ابن العربي -رحمه الله-: «إن سائر أهل الآفاق تبع للحاج فيها»(10)، والاستدلال بهذا غير سديد، وذلك بأنه ورد في سياق مسألة ابتداء التكبير للحاج يوم النحر، وليس له علاقة بما نحن فيه(11)؛ فعلم أن الخلاف في هذه المسألة بعينها منحصر لدى العلماء المعاصرين، وإليك أقوالهم فيها:
القول الأول: أن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجيج بعرفة، وأن أهل البلدان الأخرى تبع لهم في تحديد هذا اليوم، وبه قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله-(12)، ودار الإفتاء المصرية(13)، والأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة(14)، والشيخ سليمان بن عبدالله الماجد(15).
القول الثاني: أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة سواء وافق هذا اليوم وقفة الحاج بعرفة أم لم يوافقه، وأن لكل بلد رؤيتهم، وإليه ذهب المجلس الأوربي للإفتاء(16)، ومركز الفتوى(17)، والعلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-(18)، والشيخ عبدالله بن جبرين(19)، والدكتور هاني بن عبدالله الجبير(20)، والأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي(21)، والأستاذ الدكتور خالد المشيقيح(22).
المطلب الثالث: سبب الخلاف في المسألة
يرجع سبب اختلافهم في هذه المسألة إلى أمرين:
الأول: هل عرفة علم على المكان، أم علم على الزمان؟
فمن ذهب إلى أن عرفة علم على المكان قال: بأن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجيج بعرفة.
ومن ذهب إلى أنه علم على الزمان قال: بأن يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة وإن لم يكن موافقًا لوقفة الحجاج بعرفة(23).
الثاني: هل الهلال واحد في الدنيا كلها أم هو يختلف باختلاف المطالع؟
فمن ذهب إلى أن الهلال يختلف باختلاف المطالع، قال: بأن يوم عرفة هو اليم التاسع من ذي الحجة بناء على رؤية كل بلد(24).
ومن ذهب إلى أن الهلال لا يختلف باختلاف المطالع، قال: بأن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة(25).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|