|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الإسراء والمعراج في السنة المطهرة عبدالحميد محمد علي حفَلَت كتب السُّنة المطهَّرة والسيرة العطرة بقصة الإسراء والمعراج، ورُويت عن أكثرَ مِن عشرين صحابيًّا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغَت حدَّ التواتر في مجموعها. ولكن هذه الروايات يَختلف بعضُها عن بعض طولاً وقِصَرًا، وذِكرًا وحذفًا؛ فبعضُ ما جاء في روايةٍ لم يُذكر في غيرها من الروايات، وما ذاك إلا لأن الرُّواة رضوان الله عليهم لم يَذكروا إلا ما حَفِظَته قلوبهم ووعَته، فمَن حفظ شيئًا ذكَره، وما لم يَحفظه ترَكه. وسنحاول إن شاء الله أن نَذكر في هذه العجالة ما صحَّ سنَدُه منها - أوْ كاد - تاركين ما جَرح أئمةُ الحديث بعضَ رواته جَرحًا يَقدَح في عدالتهم وضبطِهم، أو يُسيء ظنَّ المسلمين بهم. وسنُحاول ترتيبَ حوادثها في ستِّ مراحل: الأولى قبل الإسراء، والثانية في المسرى، والثالثة في المسجد الأقصى، والرابعة في السموات العُلى، والخامسة عند سِدرة المنتهى، والسادسة في مكَّة بعد الإسراء. حتى تتَّضح الصورة في أذهان القارئين، ولا تختَلِط عليهم الْمَشاهد والْمَرائي، وكم كان بوُدِّنا أن نذكُر جميع الروايات، ولكننا رأينا أنَّ في ذِكْر جميعها تطويلاً وتَكرارًا، ليس القارئُ في حاجة إليه. المرحلة الأولى: في مكة ليلة الإسراء كان صلى الله عليه وسلم نائمًا في بيت السيدة أمِّ هانئ بنت عمِّه أبي طالب مع عمه حمزةَ سيِّد الشهداء وابنِ عمِّه جعفر الطيَّار؛ إذ فُرِج سقفُ البيت وهو بين النَّائم واليقظان، ونزَل منه ثلاثةٌ من الملائكة الأطهار فاحتمَلوه حتى أتَوا به المسجد الحرام، فشَقَّ جبريلُ عليه السلام صدره الشريف، وأتى بطَسْتٍ من ذهب، مملوءٍ بماء زمزم، فغسَل به قلبه ثم أفرَغ في قلبه يَنابيع الحكمة والإيمان؛ استِعدادًا لِما سيُشاهده في هذه الليلة المباركة مِن الآيات الكونية، ولِمَا سيُلقَى عليه من أنواع الفيوضات الإلهية. ثم جيء له بالبراق - وهو خلقٌ مِن مخلوقات الله العجيبة على صورة حيوان، أسرَعُ مِن البرق في المسير، يضَع قدَمه عند منتهى بصَرِه - فرَكِبه صلى الله عليه وسلم. هذا هو مُجمَل ما جاء في الروايات عمَّا كان بمكة ليلة الإسراء، وحتى تكون أخي القارئ على بيِّنة من الأمر؛ نوضِّح لك مسألتين ذكرَت الروايات الصحيحةُ فيهما اختلافًا: جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمسجد الحرام ساعةَ مجيء جبريلَ ومَن معه، وذكَرَت الأخرى أنه كان في بيته. وذكَرت روايةٌ ثالثة أنه كان في بيت أم هانئ. فهل هذا يعد اختلافًا؟ والحق أن ذلك ليس باختلافٍ ما دام التوفيق ممكنًا؛ إذ مِن الجائز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم بائتًا مع لِدَاته: حمزةَ وجعفرٍ في بيت أم هانئ، والبيت الذي يَنام فيه الإنسان يسمَّى بيته؛ لاختصاصه به ونسبته إليه، ولو كان مملوكًا لغيره. والروايات التي ذكَرت أنه كان في المسجد لم تتعرض لما كان قبلَ وجوده في المسجد على أن بيتَ أم هانئ كان مُجاورًا للمسجد. والمنطقة كلها حرَم، ويَصحُّ أن يُطلَق عليها اسم المسجد الحرام كما نطَق بذلك الكتاب العزيز. الثانية: مسألة شقِّ صدره صلى الله عليه وسلم؛ روَت كتُب السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم شُقَّ صدره وهو صغير بينما كان يلعب مع الغِلمان في (مَرابع بَني سَعد)، وعَدَّ العلماءُ ذلك إرهاصًا وتهيئةً للأذهان بأن هذا المشقوقَ صَدرُه شخصٌ غير عادي، تكتنفه رعاية الله عز وجل. ورَوى بعضها الآخر أن حادثةَ شقِّ صدره صلى الله عليه وسلم كانت ليلة الإسراء. واتخذ بعضُ كتَّاب المسلمين وغيرهم مِن الحاقدين من اختلاف التاريخ وسيلةً لردِّ الروايتين، أو التأوُّل فيهما بأن ذلك من باب المجاز؛ فهو تعبيرٌ عن هداية الله عز وجل له، وإلقاء النور في قلبه. ونحن لا نَرى في اختلاف التاريخ وسيلةً للرد؛ إذ يُحمل على تَعدُّد الحادثة والقصة، وبخاصة أنَّهما رُويَتا في أصحِّ كتابين بعد كتاب الله عز وجل؛ صحيح البخاري، وصحيح مسلم. وأما القول بالمجاز الذي يدَّعيه بعضُ الكتَّاب فهو قولٌ جدُّ خطير أيضًا؛ إذ مِن المعلوم أن المجاز لا يُصارُ إليه إلا عند تعذُّر الحقيقة، وما دامت الحقيقة ممكنة فلا داعيَ للقول به؛ بل هو عبثٌ؛ لأنه تعطيلٌ للنصوص، وحملٌ لها على غير ظاهرِها وما يتَبادر إلى الأذهانِ عند سَماعها. قد يدَّعون أن الجرح والالتئام في مدَّة وجيزة قرينةٌ تَمنع من حمل الكلام على ظاهره، والحق: لا؛ فليس هذا ببعيدٍ على قدرة الله. كما قالوا: إن أمرَ الخير والشر لا يَرتبط بأعضاء حسِّية في جسم الإنسان، وإنَّما مرَدُّ ذلك إلى التربية والاستعداد، ونحن نقول لهم أيضًا: لا؛ وبخاصة بعدَما أثبت العلم الحديث صِلةَ بعض الأمراض النفسية بعلل تُصيب بعضَ خلايا جسم الإنسان. وكم سَمعنا عن جراحات تجري لكثير من المرضى النفسيين فيُشفَون من أوصابهم بإذن الله! إن القول بالمجاز في أمر الخوارق تعطيلٌ لها، وذَهاب بالفائدة التي جاءَت من أجلها، وهي ما جاء بها الله عز وجل على يدِ رسوله إلا ليُطاعَ بأمر الله؛ تصديقًا له، وتأييدًا لِمُدَّعاه. بيدَ أننا نرى في حادثة شقِّ صدر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ليلة الإسراء بالذات أنها كانت عمليَّةَ تأهيلٍ وتحويل؛ تأهيلٌ لأن يَرى ما لا تتحمَّله قُوى البشر، وتحويلٌ من الطبيعة البشرية إلى طبيعةٍ أخرى مَلائكية؛ بل هي فوق الملائكية، فقَطَعَ المسافات واختَرَق السبعَ الطِّباق، واجتاز إلى سِدْرة المنتهى في وقتٍ وجيز، دون أن يُصاب بإرهاقٍ أو إعنات. المرحلة الثانية: في المسرى إلى بيت المقدس ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البُراقَ وجبريلُ الأمين أخذ بزِمامه، تُطوى بهما الأرض، فلا بُعد ولا صِعاب، ولكن كان ثمة وقَفات كما جاء في سنن التِّرمذي: وقفة عند طَيْبة المدينة المنورة التي طيَّب الله عز وجل ثَراها بمَثوى رسوله صلوات الله وسلامه عليه فيها: بلَد الأنصار الذين آوَوا ونصَروا، وأعزَّ الله بهم دينَه، مُهاجَر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبِه الأوائل الذين أُوذوا في ذات الله، وأُخرِجُوا من ديارهم وأموالهم يَبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون. وقفةٌ عندها وصَلاة؛ حتى تكون أول تكبيرة فيها لله مِن حبيبه وخيرته مِن خلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا فتحٌ قبل الفتح، وبُشرى بالتأييد والنصر. وقفة عند طُور سَيناء: حيث كلَّم الله عز وجل موسى عليه السلام تَكليمًا؛ تِبيانًا للناس أنَّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس بِدْعًا من الرسل، وأنه صلى الله عليه وسلم على الدَّرْب يَسير، وأن تلك البقاع التي شرفَت برسالات الله سيعمُّها من جديدٍ نورُ الله، ولن يَنطفئ مهما خَبا؛ إذ لا يأس مِن رَوح الله. وثالثةٌ عند بيت لحم: حيث وُلد المسيح عيسى عليه السلام، وحيث أوذي وأمُّه، وتحَمَّلا ما تحمَّلا ابتغاءَ رضوان الله. وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الْمَواطن الثلاثة شهادةٌ بأن الإسلام الحنيف هو الدِّين الحق الذي أرسَل الله به موسى وعيسى عليهما السلام، وإيحاءٌ لنبيِّنا صلوات الله وسلامه عليه أنِ اصبِرْ كما صبر هؤلاء. مَراءٍ رآها الرسول صلى الله عليه وسلم في مسراه: تُعتبر رحلة الإسراء والمعراج فاصلاً زمنيًّا بين مرحلتين اجتازَتْهما الدعوة إلى الله: الأولى: مرحلة العقيدة فقط، ودعوة الناس إلى كلمة: لا إله إلا الله، والاعتراف الصادق بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولُ الله، وتلك كانت قبل الإسراء. أما الأخرى: فهي مرحلة التشريع: تشريعُ عبادات ومعاملات تَسعَدُ البشرية في ظلالها وتَنعَم في جوارها؛ إذ مِن الثابت أن الصلاة فُرِضَت ليلة الإسراء، أما الصوم والزكاة والحج ففُرضوا بعد الهجرة، وتلك التشريعات أمورٌ نظرية قد لا يتقبَّلها الإنسان بادئَ ذي بدء، فلا تَنال منه إلا الرفض، وبخاصَّة أنها تَقطع جزءًا من جهده وماله ووقته، وهذا الجزء وإن كان يسيرًا ولكنه على كل حالٍ عزيزٌ على النفوس. ومجمل القول: أنَّ مرحلةً لها طابَعُها الخاصُّ من التضحية والنظام والحساب الدقيق - قد بزَغ فجرُها، وأن أوانها قد بدأ، فلا بد إذًا من تدريب الدَّاعية إليها تدريبًا نظريًّا وعمليًّا عليها، يرى بعَينيه ثمرةَ الاستجابة يانعةً مأتيَّة، كما يرى جَزاء العصيان والمخالفة واقعًا ملموسًا ومحسوسًا. وتلك وسيلةٌ من وسائل التربية العظيمة التي ما اكتشَفها الإنسان إلا حديثًا، وأسماها: (وَسائل الإيضاح) في التربية الحديثة. وإذا ما عرَضْنا لهذه المَرائي التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاوَلنا تصنيفها حسب برنامج الدعوة الإسلامية؛ نجدها تتصدَّى أولَ ما تتصدى لطبيعة تلك الدعوة، وأنها دعوةٌ سهلة سمحة يسيرة، لا رهَق فيها ولا إعنات؛ فهي دعوة الفطرة السليمة، والعقل الرشيد. أولاً: اللَّبن والخمر: روى الإمام أحمدُ ومسلمٌ وغيرهما عن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني جبريلُ عليه السلام بإناءٍ من خمر، وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل: أصبتَ الفطرة)). وإذا ما أردنا أن نقارن بين هذه المرئيَّة وبين طبيعة الدعوة الإسلامية؛ نجد أن اللبن خالصٌ سائغ لم تتدخَّل فيه يدٌ بالفساد؛ فهو على الطبيعة والفطرة التي خَلَقه الله عليها؛ موافقًا لجميع الطبائع البشرية مِن طفولتها إلى شيخوختها ومرضها وصحتها؛ لسهولة هضمه واكتمال العناصر الغذائية فيه. يَشْريه أهل الحضَر والوبر في الصيف والشتاء على سواء، ويتسنَّى لهم في كل مكان دون مشقَّة في طلبه، أو إعداده... إلى غير ذلك من صفاته الحميدة من بياضٍ ناصع، وطعم سائغ، يُحس شاربُه بالشِّبَع والرِّي. وكذلك الدعوة الإسلامية الجديدة يولد المولود عليها؛ كما جاء في الحديث: ((كلُّ مولودٍ يولَد على الفطرة؛ فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه))، ولا يعجز المسنُّ عن القيام بشعائرها ولا يَثقل على المريض أداءُ تكاليفها؛ ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج: 78]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |