|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في الحث على العمل لدار القرار الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل الحمد لله نحمده، ونستعينُه ونستهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى دار السلام ورغَّب فيها، وصف بناء الجنة بأنَّه لَبِنَةٌ من ذهب، ولَبِنَةٌ من فضة، ومِلاطُها المسك، وحَصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتُرابها الزعفران، مَن يَدخُلها ينعم ولا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفني شبابه، فصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله المسارعين إلى تلك الدار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بعدُ: فيا عبادَ الله: اتَّقوا الله تعالى في أنفسكم، واربؤوا بها عن الركون إلى دار الشقاء والعناء والتعب والنكد والآلام والأسقام، دار الممرِّ والفناء، وشوَّقوها إلى دار النعيم المقيم، واللذَّة والسرور، دار البقاء والدوام؛ يقول ربنا جلَّ وعلا : ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73]. فيا لها من دارٍ ينبغي العمل لها، والمسابقة في ذلك! فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله جلَّ وعلا: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]. فلا بُدَّ من العمل لهذه الدار بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه؛ يقول جلَّ وعلا: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69 70]. وقال نبيُّنا صلوات الله وسلامُه عليه : ((كلُّ أمَّتي يدخُلون الجنَّة إلا مَن أبى))، قيل: مَن يأبى يا رسول الله؟ فقال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى))[1]؛ رواه البخاري. عباد الله: إنَّ سلعة الله غالية، وإنها سَهْلة الثمن على مَن وفَّقه الله للعمل الصالح، ألاَ إنَّ سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنَّة، فَمَنِ العاقلُ الذي يُؤثِر الفاني على الباقي، ويبيع الغالي بالرخيص؟ فلا بُدَّ من التفكُّر والتدبُّر، ومحاسبة النفس؛ فقد يغترُّ البعض في هذه الدار بما يعيش فيه من مساكن وأثاث، وما يأكله ويشربه من مأكولات ومشروبات، وينسى نعيمَ الآخِرة فيُفوِّت على نفسه العمل الصالح الذي يَنال به الدرجات العالية بفضل الله وكرمه جزاءً له على عمله. يقول ربنا تبارك وتعالى فيما أعدَّ لعباده العامِلين في الدار الآخرة: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾ [الإنسان: 20-21]. ويقول جلَّ وعلا في أزواج أهل الجنَّة ومنازلهم: ﴿ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾ [الرحمن: 72]. ويَصِفُ لنا نبيُّنا صلوات الله وسلامُه عليه خيمةً من خيام الجنَّة بقوله: ((إنَّ للمؤمن في الجنَّة لَخيمةً من لؤلؤةٍ مجوَّفة طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا))[2]؛ متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ في الجنة شجرةً يسيرُ الراكب في ظلِّها مائة عام لا يقطعها، واقرؤوا إنْ شئتم ﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ﴾ [الواقعة: 30-31]))[3]. فلا تغترُّوا يا عبادَ الله بما يفني، وتتركوا العمل لما يبقى، فكم من مُؤثِر للفاني على الباقي! وما يدري المسكين أنه مرتحلٌ عن منازله المغترِّ بها، وفرشه المغتني بها إلى أوَّل منزل من منازل الآخرة، إلى قبرٍ بطوله وعرضه خارج منزله الذي أعدَّ في هذه الدار، يُوضَع فيه وحيدًا لم يبقَ معه إلا عمله، فإنْ كان صالحًا فسح له فيه مدَّ البصر، وإنْ كان فاسدًا ضُيِّقَ عليه حتى تختلف فيه أضلاعه. ويا مَن اغترَّ بنساء الدنيا الفاسدات في أخلاقهن، والمتبرِّجات في أسواقهن، تذكَّر نساءَ الجنَّة التي قال الله فيهن: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 35-37]. وقال سبحانه وتعالى : ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ ﴾ [الرحمن: 56]. وقال جلَّ وعلا : ﴿ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 52-53]. وقال سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴾ [النبأ: 31-34]. ويا مَن أطاعَ هواه وشيطانه في شُرب المسكرات، اتَّقِ الله في نفسك قبل أنْ تموت وأنت مُصِرٌّ على ذلك، فتُحرَم شربَ الخمر في الآخِرة الذي هو لذَّة للشاربين، لا يصدع الرأس، ولا يذهب العقل؛ يقول ربنا تبارك وتعالى : ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ [محمد: 15]. ويقول جلَّ وعلا : ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ ﴾ [الواقعة: 17-19]. فيا مَن فرَّط في أعمال آخِرته، وأثْقل نفسه بالذنوب والمعاصي، تذكَّر مصيرك واستدرِكْ ما فات من عمرك، واغتَنِم ما بقي فيه قبلَ أنْ ينزل بك الموت، ويُحال بينك وبين العمل. اللهم وفِّقنا للعمل بما يُرضِيك وجنِّبنا مَعاصِيك، واسلُك بنا صِراطَك المستقيم، واختِمْ بالصالحات أعمالَنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم. أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم. واعلَمُوا أنَّ من سعادة المؤمن طول عمره، وحسن عمله، وهذه الدار دار ابتلاءٍ وامتحانٍ، ومزرعة للآخِرة يتزوَّد فيها المؤمن بزاد التقوى، وتختلف أوقاتها وأماكنها بزيادة الأعمال، ومُضاعفة الأجور، ولكنَّها كلها دار عمل للآخِرة، والموفَّق مَن اغتنم حياته وشبابه وقوَّته وصحته للعمل الصالح؛ ليجد ذلك مُدَّخرًا في آخرته في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، يوم يفرُّ المرءُ من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وهنالك يعرف قدر العمل الصالح، ويتمنَّى أنْ عَمِلَ، هيهات! فاتَ الأوان على المفرِّط، وندم العاصي والمسرف على نفسه. فيا عبادَ الله: إنَّ شهر رمضان قد انقضى، ورحل شاهدًا لكم وعليكم، فمَن أحسن فيه فالخير يتسرَّاه بَمنِّ وفَضلِ مولاه، ومَن فرَّط فيه، أو عمل فيه بالمعاصي، فليستدرك بقيَّة عمره، وليتُبْ توبة خالصة، وليرجع إلى مولاه، وليحسن أعماله في آخر عمره؛ فإنَّ الأعمال بالخواتيم، وليحذر من التسويف وتأجيل العمل، فإنَّه لا يدري متى يحلُّ به الأجل. فما أحوجنا إلى اليقظة، ومحاسبة النُّفوس، والاستعداد للسفر الطويل، والتزوُّد لدار القَرار ما دُمنا في دار العمل، ولدينا فُرصة العمر، ونستطيع العمل قبل أنْ يحل بيننا وبين ذلك، فاتَّقوا الله يا عبادَ الله في أنفسكم، واحذَرُوا الغفلة، والانشِغال بما يُلهِي عن أعمال الآخِرة. [1] البخاري: (7280) - الفتح: 13/263. [2] رواه البخاري بنحوه: (4879)، ومسلم: [24 - (2838)]. [3] البخاري: (4881).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |