|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه السيد مراد سلامة ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ [لقمان: 12] عناصر الخطبة: العنصر الأول: تعريف الشكر. العنصر الثاني: فضل الشكر وأركانه. العنصر الثالث: الشكر من صفات الله تعالى. العنصر الرابع: الشكر من صفات الأنبياء والصالحين. العنصر الخامس: ثمرات الشكر في الدنيا والآخرة. العنصر السادس: مجالات الشكر. الخطبة الأولى الحمد لله الذي نور بجميل هدايته قلوب أهل السعادة، وطهر بكريم ولايته أفئدة الصادقين فأسكن فيها وداده، ودعاها إلى ما سبق لها من عنايته فأقبلت منقادة، الحميد المجيد الموصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة، نحمده على ما أولى من فضل وأفاده، ونشكره معترفين بان الشكر منه نعمة مستفاده. وأشهد إن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو علي كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلي يوم لقاءه: تعطف بفضل منك يا مالك الورى ![]() فأنت ملاذي سيدي ومعيني ![]() لئن أبعدتني عن حماك خطيئتي ![]() فأنت رجائي شافعي ويقيني ![]() ولست أرى لي حجة أبتغي بها ![]() رضاك إن العفو منك يقيني ![]() وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه. الذي أقام به منابر الإيمان ورفع عماده، وأزال به سنان البهتان ودفع عناده. وشفع فيّ خير الخلائق طرا ![]() نبيا لم يزل أبدا حبيبا ![]() هو الهادي المشفع في البرايا ![]() وكان له رحيما مستجيبا ![]() عليه من المهيمن كل وقت ![]() صلاة تملأ الأكوان طيبا ![]() وعلى اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين. ثم أما بعد: العنصر الأول تعريف الشكر: قال الكفويّ: الشّكر كلّ ما هو جزاء للنّعمة عرفا، وقال أيضا: أصل الشّكر: تصوّر النّعمة وإظهارها، والشّكر من العبد: عرفان الإحسان، ومن اللّه المجازاة والثّناء الجميل[1]. وقال المناويّ: الشّكر: شكران: الأوّل شكر باللّسان وهو الثّناء على المنعم، والآخر: شكر بجميع الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر الاستحقاق، والشّكور الباذل وسعه في أداء الشّكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا[2]. وقال ابن القيّم: الشّكر ظهور أثر نعمة اللّه على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة[3].. حكم الشكر: شكر الله تعالى: حكمه واجب شرعًا من حيث الجملة، فلا يجوز تركه بالكلية؛ إذ إن الإكثار منه مستحب؛ وذلك في مواضع، منها: أن تحمد الله عز وجل على الطعام والشراب واللباس والصحة. الشكر يقابل الكفر: أحباب رسول الله - صلى الله عليه و سلم و الذي يقرا القران ليرى تلك القاعدة: أن الشكر يقابله الكفر. إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]. وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة! ولذلك قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟ العنصر الثاني: فضل الشكر و أركانه إخوة الإيمان بعدما تبين لنا حقيقة الشكر و بيان حكمه لابد أن نعرف أركانه و فضله فالشكر له أركان يقوم عليها و لا يتم شكر العبد إلا اذا حققها. وللشكرِ أركانٌ ثلاثة: الركن الأول: الاعترافُ بالنعم باطنًا مع محبَّة المُنعِم. أن تعترف أخي المسلم أن ما أنت فيه من نعم فمن عطاء الله و من كرمه قال تعالى ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النحل: 53]. الركن الثاني: والتحدُّثُ بها ظاهرًا مع الثناء على الله. وهذا الركن قل من يقوم به في زمان كثر في الشاكي و تكاثرت فيه الهموم فما ان نسال أحدا عن حاله إلا شكى لك الفقر و الفاقة و قلة المال و هو يرف في نعم الله الظاهرة و الباطنة. يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]، قال أهل التفسير معناها: انشر ما أنعم به الله عليك بالشكر والثناء، فالتحدث بنعم الله تعالى والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره. قال ابن العربي: إذا أصبت خيراً أو علمت خيراً فحدث به الثقة من إخوانك على سبيل الشكر لا الفخر والتعالي، وفي المسند مرفوعاً: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بالنعمة شكر وتركها كفر... فهذا هو الأصل أن يتحدث المسلم بنعم الله تعالى عليه إلا إذا كان يخشى حسداً أو أن يترتب على الحديث عنها ضرر، فله أن يخفيها دفعاً للضرر. عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة، والفرقة عذاب»[4]. قصة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل - أو البقر - شك إسحاق، إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، قال: فأعطي ناقة عشراء، وقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني الذي قذرني الناس قال: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا. فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: البقر، أو الإبل، فأعطي بقرة حاملا، قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري؛ فأبصر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا؛ فأنتج هذان وَوَلَّدَ هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيرا أتبلغ به في سفري، فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا، فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. قال: أتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك »[5] صحيح البخاري. الركن الثالث: صرفُها في طاعة الله ومرضاته واجتناب معاصِيه: أن يسخر تلك النعم في طاعة المنعم جل جلاله لا أن يتخذها وسيلة للصد عن سبيله و محاربة اوليائه. ورؤوسُ النعم ثلاثة: أولُها وأولاها: نعمة الإسلام التي لا تتمُّ نعمةٌ على الحقيقة إلا بها. ونعمةُ العافية التي لا تستقيمُ الحياةُ إلا بها. ونعمةُ الرِّضا التي لا يَطيبُ العيشُ إلا بها. يقول أبو الدرداء: "من لم يعرِف نعمَ الله - عز وجل - عليه إلا في مطعمه ومشربِه فقد قلَّ علمُه". لأن نعم الله دائمة، وآلاءَه مُتتابِعة، ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال - عزَّ شأنه -: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]. العنصر الثالث: الشكر من صفات الله تعالى: عباد الله: اعلموا زادكم الله علما - أن الشكر من صفات الله تعالى و من أسمائه الشكور. يقول تعالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147]. فشكر الله عز وجل يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله تعالى يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه. ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا). وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه عليهم السلام فقال في حق سيدنا إبراهيم: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120، 121]. وقال تعالى عن نفسه: ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 30]. وحتى يوم القيامة فإن المؤمن يحمد الله تعالى وهو في الجنة، ويشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، يقول تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]. الشكور من أسماء الله الحسنى وهذا الاسم يحمل إشارة مهمة وهي: أيها الإنسان! أنت لست أفضل من الخالق تبارك وتعالى، فإذا كان الله تعالى هو "الشكور" فماذا عنك أيها الإنسان؟ وسبحان الله، كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس. العنصر الرابع: الشكر من صفات الأنبياء والصالحين: والشكر من اهم صفات الأنبياء و المرسلين لذا وصف الله تعالى به أنبيائه و أوليائه وأولُ أنبياء الله نوحٌ - عليه السلام -، وصفَه ربُّه بقوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله، فسمِّي عبدا شكورا. عن سعيد بن مسعود قال: ما لبس نوح جديدا قطّ، ولا أكل طعاما قطّ إلا حمد الله فلذلك قال الله ﴿ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]. والخليلُ إبراهيم صاحب الملَّة الحنيفية قال فيه ربُّه: ﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 121]. ﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ﴾ [النحل: 121] يقول: كان يخلص الشكر لله فيما أنعم عليه، ولا يجعل معه في شكره في نعمه عليه شريكا من الآلهة والأنداد وغير ذلك، كما يفعل مشركو قريش[6]. ويقول سليمان - عليه السلام - وهو ينظرُ فيما خصَّه به ربُّه من نعمه وسخَّر له من مخلوقاتِه: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]، ويقول: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]. أما نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي قد غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر. فتاملوا حاله مع ربه عز وجل - عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً"[7] البخاري و مسلم. العنصر الخامس: ثمرات الشكر في الدنيا والآخرة: يقول ابن القيم رحمه الله- ومنزلة الشكر هي من أعلى المنازل وهي فوق منزلة الرضى وزيادة فالرضى مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه. وهو نصف الإيمان كما تقدم والإيمان نصفان: نصف شكر ونصف صبر وقد أمر الله به ونهى عن ضده وأثنى على أهله ووصف به خواص خلقه وجعله غاية خلقه وأمره ووعد أهله بأحسن جزائه وجعله سببا للمزيد من فضله وحارسا وحافظا لنعمته وأخبر أن أهله هم المنتفعون بآياته واشتق لهم اسما من أسمائه فإنه سبحانه هو الشكور وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورا وهو غاية الرب من عبده وأهله هم القليل من عباده قال الله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114] [8]. وللشكر ثمرات في الدنيا و الآخرة يجدها المرء في حياته اليومية و كذا يجدها في حياته الاخروية و هاك بيانها: 1- حفظ النعم من الزوال: إن الشكر قيد للنعم، يبقيها ويحفظها من الزوال، وهذا من أعظم آثار الشكر وثماره، فإن الإنسان يحب بقاء النعم التي هو فيها ويكره زوالها. وقد دلت النصوص على أن الشكر سبب لبقاء النعم، وكفرها سبب في زواله، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم:7]. ♦ ومن مأثور علي - رضي الله عنه - (احذروا نِفَار النعم، فما كل شارد مردود)[9]. ♦ ومن مأثور كلام الحكماء: من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها. ♦ الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة. ♦ من جعل الحمد خاتمة للنعمة، جعله الله فاتحة للمزيد[10]. 2-زيادة النعمة: وهذا أثر عظيم - أيضاً - من آثار الشكر في الدنيا قبل الآخرة، ولا أحبَّ للإنسان من بقاء نعمة هو فيها، وما أطعمه في زيادة ينتظرها ويرجوها، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم:7]. قال ابن كثير- رحمه الله -: (أي آذنكم وأعلمكم بوعده لكم، ويحتمل أن يكون المعنى: وإذْ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾ [الأعراف: 167][11]. إن الله تعالى أعلم عباده ووعدهم أنهم إن شكروا نعمته زادهم، وهذا يتضمن بقاء النعم الموجودة، ووعدُ الله صِدْقٌ، وخزائنه ملأ، لكن هذا مرتب على أمر واحد وهو الشكر، الشكر بأركانه الثلاثة: شكر القلب واللسان والجوارح، ولو أن الشكر سبب في بقاء النعم الحاضرة - وما أكثرها وما أعظمها- لكان هذا موجباً للشكر، وداعياً للعبد إليه، فكيف والشكر كفيلٌ -أيضًا-بالنعم المستقبلة. فالشكر معه المزيد أبداً بنص القرآن، ومتى لم تَرَ حالك في مزيد فاستقبل الشكر، فهو سبب للمزيد من فضل الله، وهو حارس وحافظ لنعم الله. ومن مأثور علي- رضي الله عنه-: (إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر معلق بالمزيد، وهما مقرونان جميعاً، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد) [12]. 3-الجزاء على الشكر: ومن آثر الشكر الجزاء الذي قال الله تعالى عنه: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران:144]. وقال عز من قائل: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران:145]. قال ابن كثير - رحمه الله- (أي: سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم)[13]. والظاهر -والله أعلم- أن هذا الجزاء يكون معجلاً في الدنيا، ومؤجلاً في الآخرة، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويُجري عليهم أرزاقهم في الدنيا ويزيدهم من فضله، وذلك لأنه سبحانه وتعالى لم يذكر جزاءهم إلا ليدل ذلك على كثرته وعظمته، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر قلةً وكثرةً وحُسْناً)[14]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |