تحذير العباد من داء السخرية والاستهزاء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما زال جبريل يوصيني بالجار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الخشوع في الصلاة وأسبابه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لهذا غَرِقَت غزّة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          تخفف ما استطعت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الخط الأصفر ومؤامرة تقسيم غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حصار المشكلة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          ما أقبح أن يتزيا الإنسان بالصلاح نفاقاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          خطورة الرياء في العلم والجهاد والصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          خطورة الرياء على الأعمال الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أغلق الصنابير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-09-2020, 04:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,160
الدولة : Egypt
افتراضي تحذير العباد من داء السخرية والاستهزاء

تحذير العباد من داء السخرية والاستهزاء


أحمد عماري






الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
ما زال حديثنا في التحذير من مساوئ الأخلاق وقبيح الخصال. وحديثنا اليوم عن مرض عضال، وشرّ ووبال، عن داء يفرِّقُ القلوب، ويوغر الصدور، ويُذكي نار الفتن، ويُجرِّئ السفلة من الناس على ظلم العباد والتطاول على مسلَّمات الشرع وقواطعه. إنه داء السخرية والاستهزاء. مرض خطير، وشر مستطير، لا يخلو منه زمان ولا مكان، ولم يسلم من شره أفراد ولا أسر ولا مجتمعات ولا مقدسات.

مفهوم السخرية والاستهزاء:
السخرية هي: الاحتقار والاستهانة بالناس، وذكر العيوب والنقائص على وجه يُضْحَك منه بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الحركة.
والاستهزاء هو: حمل الأقوال والأفعال على الهَزل واللعب، لا على الجد والحقيقة.
السخرية والاستهزاء: تهكم وازدراء وانتقاص للغير.
السخرية والاستهزاء: كذب وزور، وقلب للحقائق وتشويه لها.

خطورة السخرية والاستهزاء:
ما أقبح هذا الخلق الدنيء، وما أبشع هذه الخصلة الذميمة، التي لا يصاب بها إلا ذوُو العقول المريضة، والقلوب الميتة، والفطر المنكوسة.
ويكفي هذ الخلق (السخرية والاستهزاء) قبحا وسوءا أنه من صفات المنافقين؛ فالمنافقون هم أكثر الناس سخرية بالرسل وأتباعهم، وبما جاءت به الرسل عليهم السلام من الحق والهدى، قال تعالى في وصفهم: ﴿ وَإذا لقوا الذِينَ آمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾ [البقرة:14] وفي آية أخرى يقول ربنا سبحانه: ﴿ يَحْذرُ المُنَافِقونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تحْذرُونَ ﴾ [التوبة:64].

وإذا كانت السخرية سمة المنافقين، وحيلة العاجزين، وبضاعة المفلسين؛ فلا يليق بمسلم أن يتخلق بأخلاقهم، فيسخر من إخوانه، أو يحتقرهم، أو يحط من شأنهم ومكانتهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"...

السخرية والاستهزاء مرض يَنِمّ عن كِبْر وغُرُور في قلب صاحبه، فلا يرى لإخوانه عليه حق التوقير والاحترام، بل يأنف من أُخُوتهم ويأبى مجالستهم تكبرا وغرورا.

روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". قال رجل: إنّ الرجل يُحبّ أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟. قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم؛ وذلك حين ينظر المرء إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص.

السخرية والاستهزاء باب من الشر عظيم، يفتح أبواب الهمز واللمز والغيبة والنميمة، ويملأ القلوب ضغائن وأحقادا وعداوات، ويسبب في الخصومات والنزاعات.

فحري بكل مسلم أن يحفظ لسانه، ويتوقى في أقواله وأفعاله، ويحذر سبيل الهمازين اللمازين الذين يسخرون من عباد الله المؤمنين، ويستهزئون بدين رب العالمين؛ لينجو مع الناجين، ولا يهلك مع الهالكين.

صور من السخرية والاستهزاء:
للسخرية والاستهزاء صور عديدة وأشكال كثيرة، أعظمها قبحا وجرما:
الاستهزاء بالله تعالى:
أن يستهزئ المرء بخالقه ومولاه؛ بالكفر به، والتمرد على دينه، والتجرّؤ على كتابه...
فمما لا يجهله أحد من المؤمنين: أن الله سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، له كل جلال وكمال وجمال، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

غير أن كثيرا من الناس لم يَقدُروا الله حق قدره، فكان من أقبح كفرهم وعنادهم ونفاقهم الاستهزاء بالله والسخرية منه، سبحانه وتعالى عما يصفون، وتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ومن صور الاستهزاء بالله:
الكفر والإلحاد والجحود؛ فمن الناس من لا يؤمن بالله، ويعتقد أنما يقع في الكون إنما هو من تصرف الطبيعة، فجعلوا من الطبيعة إلها يُعبَد من دون الله تعالى، حتى قال بعضهم – وبئس ما قال -: لا إله، والكون مادة، والطبيعة تخبط خبط عشواء ولا حدّ لقدرتها على الخلق.

ومن الناس من أشرك بالله غيره، فاتخذ لنفسه أندادا يحبهم ويعظمهم ويعبدهم من دون الله، يفرح بالشرك ويشمئز من التوحيد، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].

ومن الاستهزاء بالله تعالى: وَصْفُه بما لا يليق به سبحانه. كمن يصفه بالعجز والتقصير، والبخل، والظلم، وغير ذلك مما لا يليق بجلال الله وعظمته وفضله وعطائه. قال تعالى: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 181، 182]. وقال عز وجل: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة: 64].

ومن الاستهزاء بالله تعالى: الاستهزاءُ بكلامه عز وجل؛ بالقرآن الكريم. فمن الناس من يشكك الناس في القرآن الكريم، ويطعن في أحكام القرآن ويصفها بالنقص والعجز عن مسايرة العصر المتطور حسب زعمهم، يجادلون بالباطل لصد الناس عن الحق، قال تعالى: ﴿ وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً ﴾ [الكهف: 56]. وقال تعالى: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴾ [الصافات: 12 - 17].

ومن الناس من يخوض في القرآن الكريم بغير علم، فيؤول ما شاء، ويردّ ما شاء، ويزعم أن له تفسيرا جديدا لمعاني القرآن لم يسبقه إليه أحد... وهذا حال من حذر الله تعالى من مجالستهم فقال سبحانه: ﴿ وَقَدْ نُزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ﴾ [النساء: 140].

ومن الناس من يُعرض عن كتاب الله ويرفض أحكامه وأخلاقه، ويسعى بكل ما يملكه من جهد ووسيلة لصد الناس عنه وإبعادهم عنه. قال عز وجل: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الجاثية: 7 - 10].

ومن الاستهزاءِ بالله تعالى: الاستهزاء بدينه وشرعه. فالإسلام دين رب العالمين، مَن استهزأ به فقد استهزأ بالله تعالى؛ لأنه هو الذي شرعه وارتضاه دينا لعباده.

فمن الناس من هو منكوس الفطرة، ميت القلب، أعمى البصيرة، يعشق الباطل ويكره الحق، ويحب الظلام ويفر من النور، يريد للدنيا أن يعمها الظلام الدامس، ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾. يريد للمجتمعات أن تعيش في مستنقع الرذيلة العفن، ويريد من الناس أن يتخلوا عن كل خلق وفضيلة، يَغيضه الطهرُ والعفافُ والنقاءُ والصفاءُ والأخلاق والقيم، ولا يطيب له العيش إلا في المستنقعات القذرة، وهذا هو حال المنافقين في كل زمان، ممن قال الله فيهم: ﴿ الْمُنَافِقونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقبضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفاسِقونَ ﴾ [التوبة: 67].

يكرهون الدين وأهله؛ ويستخدمون سلاح السخرية والاستهزاء لمُعارَضةِ هذا الدين وصدّ الناس عنه، يفعلون ذلك لأن الشهوات قد تحكمت في نفوسهم، أو لأن أعمالهم ومشاريعهم قائمة على المحرمات والمنكرات، فهم يخافون من الدين أن يجفف مستنقعهم القذر الذي يعيشون في وَحْلِه ويتكاثرون في دَنسه.

يستهزئون بالصلاة، ويصدون الناس عنها، ويضحكون ممن يقيمها ويحافظ عليها. كما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلونَ ﴾ [المائدة: 58].
ويسخرون من الصيام، ويَدْعُون إلى رفع التجريم عن الإفطار العلني في رمضان.

ويسخرون من حجاب المرأة وعفتها وحيائها، ويعتبرون ذلك رمزا للتخلف والرجعية، وما أرادوا من ذلك إلا لتخرج المرأة عن عفافها وشرفها، فتكون لقمة سهلة لذئاب البشر المسعورة، وحتى يتحول هذا المجتمع المحافظ على دينه وقيمه وأخلاقه، إلى مجتمع وحشي يرزح تحت وطأة الإباحية والسّعار الجنسي، وتدمير الأسرة ومحاربة الفضيلة والعفة.

ويسخرون من أحكام الدين وأخلاقه، بدعوى أنها تقيد الحريات الفردية، فهم يريدون أن يعيشوا في هذه الدنيا كما يشاؤون ويشتهون، وكما تملي عليهم أهواؤهم وتميل إليه شهواتهم.
إن تسخروا بالدين أو تستهزئوا
فالصّرْح عالٍ ثابتُ البنيان

بدر الدجى ما ضره نبح علا
الكلب كلب والدجى نوراني

يا ساخراً بالدين ويحك إنما
بارزت ذا الجبروت بالعدوان

فانظر لنفسك ما عساك مؤمل
يوم الجزاء تنال بالعصيان


الاستهزاء بالأنبياء والرسل:
فالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام - وهم أشرف خلق الله - لم يَسْلموا من سخرية أقوامهم واستهزائهم بهم. هكذا كان دأب الكافرين في كل الأمم؛ يسخرون من رسلهم وأنبيائهم، ويتهمونهم بكل عيب ونقيصة، كما أخبر الله تعالى بذلك عنهم: ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾. وقال عز وجل: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [الذاريات: 52، 53]. كأنما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون، وما تواصوا بشيء إنما هي طبيعة الطغيان وتجاوز الحق والقصد، تجمع بين المنحرفين من الغابرين واللاحقين.

فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقابله قومه بالسخرية والاستهزاء، يضحكون منه ويسخرون منه حين رأوه يصنع السفينة في الصحراء؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [هود: 38، 39].

وهذا نبي الله هود عليه السلام أرسله الله إلى عاد فسخروا منه: ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جئتنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بتارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقولُ إِلَّا اعْترَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ [هود: 53].

وهذا نبيّ الله صالح عليه السلام أرسله الله إلى ثمود فأجابوه بهذا الجواب: ﴿ قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 75 - 77].

وهذا نبي الله لوط عليه السلام أرسله الله إلى قومه فنهاهم عن فاحشة اللواط، وإتيان الرجال شهوة من دون النساء: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ [النمل: 56].

وهذا شعيب عليه السلام يقابله قومه بالسخرية والاستهزاء فيصبر ويحتسب، قال الله عنهم: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87].

أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد لاقى من الاستهزاء والسخرية ما تتفطر له القلوب، واجه صلى الله عليه وسلم سخرية قبائل العرب المشركين في الفترة المكية، وواجه سخرية واستهزاء المنافقين واليهود في الفترة المدنية.

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 41، 42].
وقال عز وجل: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾.

وفي شأن المنافقين الذين يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويزعمون أن ذلك مجرد لعب ومزاح، نزل قول ربنا سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 118.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 116.86 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]