|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() معجم مصطلحات القصيدة العربية أ. د. أحمد يحيى علي محمد اللُّغة قرينةُ اللِّسان، إنَّه إحدى الكلمات الدالَّة عليها؛ ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، إنَّه أداة الكلام، ولهذه الأداة وظيفة محوريَّةٌ أخرى تقوم بها؛ إنَّها تذوُّق الطَّعام، فهل هناك إذًا وشائج قربى بين الدَّورين؟ إنَّ تقديم إجابة لهذا السؤال يأتي من بوَّابة هذا الدور الذي تَقوم به اللُّغةُ في دنيا البشر؛ فهي الوعاء الحامِلُ للأفكار، يطوف هذا الإنسانُ أرجاء الأرض التي جعله ربُّه خليفةً فيها، يحاول فهم ما فيها، يقدِّم ثمرةَ هذا الفهم في قوالب تكشِف عن رُؤاه، مِن هذه القوالب اللغة التي تتَّخِذ في استخدام ذاك الإنسان لها مظاهرَ عديدة؛ من بينها الفنُّ، ومن أشكال هذا الفن الأدبُ بأنواعه المتعددة؛ من شِعرٍ وقصَّة، ورواية ومسرحية ومقالٍ، وفي القديم خطبة ورسالة ووصيَّة، إنَّ كل هذه الأشكال المستخدمة للغة تمثِّل أوعيةً حافظةً لفِكر الإنسان الذي نشَأ تبعًا لعلاقاته بعالَمه وما فيه من بشَر وأشياء يتفاعَل معها، ويَنتج عن هذا التفاعل مولودٌ يحتاج إلى الظهور؛ فتأتي اللغةُ لتكون إحدى الوسائل التي يَلجأ إليها كلُّ واحد فينا في سبيل إظهار مواقفه والمجرَّدِ من فكره وشعورِه أمام مَن حوله، قد يكون هذا الظُّهور في هيئةٍ منطوقةٍ شفاهية، وقد يكون في هيئةٍ مكتوبة تعدُّ بلا شك أطول عمرًا وأكثرَ بقاء من سابقتها. وفي هذه السطور نحاول الوقوفَ على عدد من المفاهيم / المصطلحات ذات الصِّلَةِ بفنِّ الشِّعر؛ لتنير لنا حركتنا في غرفات هذا العالم: • تذوق: في كلمة (تذوُّق) وقوف عند اللسان، إنَّه يحيل في معناه إلى اللغة التي ننطِقُها بألسنتنا، والتذوُّق يكون باللسان، فنقول مثلًا: هذا حلوٌ وهذا مرٌّ، والآن نستطيع القول: إنَّ التذوُّق عمليَّة تقوم على إجراءات وخطوات: 1- القراءة المنضبطة للنصِّ: إنَّك إن قرأتَ قراءةً سليمة مصحوبة بضبط الحركةِ (كالضمِّ والفتح والكسر) كان ذلك خطوة أولى في سلم نعرُج - أي نرتفع - عليه لنصِل نحن المترجمين إلى الغاية المرجوَّةِ؛ وهي جملة المعاني التي سنشرع في نقلها إلى لغةٍ أخرى. 2- الفهم: نقصد بهذه الخطوة إضاءة المعتم في النصِّ، ألا وهو كلماته الصَّعبة غير المعروف معناها بالنِّسبة إلينا، هنا يكون بجوارنا صديق يرشدنا عند الحاجةِ، إنَّه المعجم / القاموس الذي يؤدِّي هذه الغاية، وعندنا في العربيَّة مِن أشهر الأصدقاء في الماضي ابنُ منظور صاحب لِسان العرب، وفي الحديث على سبيل المثال: المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة. 3- التحليل: ما المقصود بكلمة تحليل؟ إنَّ التحليل يَعني التقطيع؛ أي: تقطيع النصِّ إلى أجزاء صغيرة نقِف أمامَ كلٍّ منها؛ حرف، كلمة، جملة، عبارة. الكلمة: هل هي مفردٌ أو مثنًّى أو جمع، مذكَّر أو مؤنث؟ ودلالة كل ذلك على المعنى بناء على طبيعتها هذه وما تؤدِّيه من دور في تركيب الجملة، وبالمثل: هل هي اسم أو فعل أو حرف؟ ولا ننسَ أنَّ الكلمة بناء لغوي مركب من عدد من الحروف / أصوات. ومن الكلمة إلى الجملة: هل هي اسميَّة أو فعليَّة؟ هذا مبتدأ وهذا خبر، وهذا فاعل، وهذا حال، وهذا مضاف إليه، وهذا تمييز، وهذا مفعول به... إلخ، وما دلالة ذلك على المعنى؟ معنا كذلك الأساليب: أسلوب القسَم، التوكيد، الشَّرط، التعجب، التمنِّي، الاستفهام، النداء، والأدوات التي نعرف بها كلَّ أسلوب، أقول مثلًا: يا محمد، تعالَ إلى لقائنا؛ هذا أسلوب إنشائي / نداء، والأداة المستخدمة هي (يا)، أو أقول مثلًا: ما أجمل جو مصر في الخريف! هذا أسلوب تعجُّب، كيف عرفتَ؟ بهذه الصِّيغة: (ما أفعلَ) تقول: ما أجملَ، ما أحسَنَ، ما أعظمَ، وبالمثل للتعجب أيضًا صيغة أَفْعِل به: أَكْرِمْ بالمجتهد! أعْظِمْ بالصَّادق! وهكذا؛ إذًا نحن في التحليل نتوقَّف عند أجزاء النص ونتأمَّلها؛ أي: كلماته وجمله في المقام الأول. 4- مرحلة استخراج المعنى: إنَّني أقرأ بالضَّبط والتشكيل، وأفهم وأحلِّل بغاية مقصودة هي: الوصول إلى المعنى السَّاكن خلفه، وهو طبقات، عددها وتنوعها مرتبط بخِبرة القارئ ومدى علاقته قربًا وبعدًا بما يتلقَّاه، وأثر مكونه الثَّقافي في تجربة تلقِّيه للنصِّ. إذًا تحت هذه المظلَّة (القراءة) التي بها يتميَّز الإنسان عن غيره، نتحرَّك في مقرَّرنا بصحبة نصوص من شِعرنا العربي قديمًا وحديثًا، نجعل من الشَّكل الذي عليه القصيدة منطلَقًا لهذه العمليَّة: القراءة / التذوق. ويمكننا في علاقتنا بالنصِّ الأدبي عمومًا والشعري على وجه الخصوص أن ننظر إليه من خلال جملة فعليَّة تقوم على عناصر ثلاثة: • فعل ماضٍ (أبدع): قد يكون النصُّ الذي نتذوقه في العصر الجاهلي مثلًا، أو صدر الإسلام، أو الأموي، أو العباسي، أو الأندلسي، أو تمَّ إبداعه في العصر الحديث في زمن سابق على الزمن الذي نقرؤه فيه. • فاعل (الشاعر): والوقوف عند مبدِع القصيدة يأتي من خلال مَعرفة الزَّمن الذي ظهر فيه، والمكان الذي عاش فيه، وجانبٍ من سيرته الذاتية (بيئته الاجتماعية، وثقافة مجتمعه، وعلاقاته بمن حوله في زمنه...)، بهدف مساعدتنا أكثر في تأويل نصِّه بفضل وقوفنا على الظُّروف والملابسات المحيطة بعملية إبداعه التي تتَّصل اتصالًا وثيقًا بفاعله. • مفعول به (النص الشِّعري): والتعامل مع هذا المفعول به يأتي في مرحلةٍ ثالثة بعد المرور على الفعل والفاعل، ومصاحبة هذا المفعول يكون من خلال محطَّات التذوُّق الأربعة التي تمَّت الإشارة إليها سابقًا؛ ويمكن القول: إنَّ متلقِّي إبداع الأديب يعدُّ بمثابة مفعول لأجله، يحرص على أن يكون غايته بما ينجِزه من كلمة، يتوجَّه إليه بها، في عمليَّةٍ تقوم على الرحلة، تتنقل فيها كلماتنا من ألسنتنا ومن أقلامنا إلى مَن نشعر أنَّا بحاجة إلى أن يلمسنا، يقترب منَّا، يرانا في مرآة ما ننجزه عبر اللغة. ولكي تكون هذه العمليَّة - أي القراءة / التذوق - قائمةً على بصيرة المعرفة ستكون البداية مع عدَد من المصطلحات ذات الصِّلَة بحقل الشِّعر العربي، نقدِّم الكلمةَ ومدلولها في سطور تعريفيَّةٍ محدَّدة، مصحوبة ما أمكن ذلك بأمثِلَة شعريَّة توضيحيَّة تضيء المصطلح في عيون قرَّائه. • الخطاب: نسمع كثيرًا هذه الكلمة تتردَّدُ، نقول: الخطاب السياسي، الخطاب الثوري، الخطاب القصصي، الخطاب الشِّعري، الخطاب الروائي، الخطاب المسرحي... إلخ، فما المقصود بهذه الكلمة؟ تستطيع بيسر الوصولَ إلى معناها عندما تجِد شخصًا يحادِثك، يوجِّه كلامَه إليك، سواء أكان بطريقة شفاهية منطوقةٍ، أم بطريقة تحريرية مكتوبة؛ مثل هذه الرسائل التي نقرؤها على هاتفنا الجوال، أو على الفيس وتويتر، أو في بريدنا الإلكتروني... إلخ. إذًا الخطاب: كلُّ كلام يتضمَّن وجود طرفين: مرسِل (متكلم / كاتب) ومستقبل (مستمع / قارئ) يربط بين الاثنين (رسالة)، هذه الرِّسالة قد تكون قصيدةَ شِعر، قد تكون قصَّة قصيرة، قد تكون رواية، قد تكون مسرحية، قد تكون مقالًا. مِن هنا نقول كما رأيتَ: خطابٌ قصصي، وروائي، وشعري، ومقالي... إلخ، وذلك بناء على نوع الرِّسالة التي تصِل هذا المرسل بالمستقبل. إذًا هناك عناصر ثلاثة يتكوَّن منها أيُّ خِطاب: • مرسل. • رسالة. • مستقبِل. وبناء على شكل الكلام يمكننا تصنيف الخِطاب بين (منطوقٍ) إن كان المرسِل يتحدَّث إلينا شفاهة، و(مقروء) إن كان المرسِل يتحدَّث إلينا عبر كلامٍ مكتوب، أنت في داخل محاضرتك على موعد مع خِطاب منطوق، فيه: مرسِل (أستاذ المادَّة)، ومستقبِل هو أنت (المستمِع)، أمَّا عن الرسالة فهي موضوع المحاضرة الذي يندرج تحت محتوى المقرَّر الذي يجمعنا، وفي داخل المحاضرة يمكننا ممارسة الخِطاب بنوعيه: المنطوق حينًا، والمكتوب حينًا آخَر، حينما نقرأ على سبيل المثال نصًّا من الشِّعر لأحد المبدِعين، ساعتها نحن بصدَد خطاب مقروء، فيه مرسِل هو مبدِع قصيدة الشِّعر، وفيه رسالةٌ هي القصيدة نفسها، والمرسَل إليه، أي: المستقبِل هو أنا وأنتم الذين نتلقَّى رسالةَ هذا المبدع مكتوبة محرَّرة في أوراق. أمَّا إذا توقَّفنا مع الرِّسالة نفسها، فسنجِدها ليست رسالةً واحدة؛ بل رسائل عدَّة، تختلف كلُّ رسالة وتتميَّز في محتواها (الفكرة أو القضيَّة التي تعالجها)، وفي شكلها (القالب الفنِّي الذي صيغَت فيه). • الأدب: كلمة تعني في معناها اللُّغوي الدَّعوة إلى الطعام والشراب، ثمَّ تطوَّر معناها لتصير دعوة إلى الاتِّصاف بكلِّ ما هو راقٍ؛ من فِكر وسلوك وتعبير، فنقول: (مؤدب)، وتدلُّ كذلك على القانون والنظام، وقديمًا ألِّفَت كتبٌ في هذا المعنى، مثل: "أدب الكاتب"؛ لابن قتيبة، وصارَت تدلُّ على أشكال التعبير المميزة التي أبدعها الإنسانُ؛ من شعرٍ وقصَّة، ورواية ومسرحية، ومقال وخطبة ووصية... إلخ، وها هو ذا الشَّاعر الجاهلي طرفة بن العبد يقِف بنا عند هذا المعنى الأصيل لكلمة أدَب، ألا وهو الدعوة في قوله: نحن في المِشْتاةِ ندعو الجَفَلَى ♦♦♦ لا ترى الآدِب فينا يَنْتَـقِر[1] وفي إطار هذه الرُّؤية التي تربط الأدبَ ودراسته بالتحوُّلات الثقافية؛ الاجتماعية، والسياسية للجماعة العربية عبر العصور - فإنَّنا نستطيع أن نرى معمار الأدب في طبقاتٍ عدَّة؛ تبدأ من الجاهليِّ، ثم صدر الإسلام، ثمَّ الأموي، ثم العباسي، والأدب في بلاد الأندلس، ثمَّ الأدب في الحقبة الأيُّوبية والمملوكية، ثمَّ الأدب في العصر العثماني، وأخيرًا الأدب في العصر الحديث الذي يُؤرَّخ لبدايته منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن[2]. • الشِّعر: إنَّ مادة هذه الكلمة (شَعَر) تأخذنا إلى هذه الحالة الإدراكيَّة التي يعتمِد فيها الإنسانُ في تعامله مع العالم من حوله على حواسِّه وما تحمله إلى عقله وقلبه من مواد معرفيَّة تحتاج بعد ذلك إلى التجسُّد والظُّهور، ونحن مع هذه الكلمة (الشِّعر) نتحدَّث عن نظْمٍ كلامي بطريقة خاصَّةٍ مميزة، تَفصله عن غيره من أشكال التعبير الكلامي الأخرى، فليس كل ما نعبِّر عنه بأقوالنا المنطوقة والمكتوبة يسمَّى شِعرًا. ولهذا الفنِّ أنواع شهيرة: الشِّعر الغنائي الذي يتَّصل بانفعالات الذَّات ومشاعرها وحاجتها إلى التعبير عنها، والشِّعر الملحمي الذي يقوم على قصَص شعرية بطوليَّة، فيها كثير من الخوارق، وتتَّصل فيها الحقائق بالأساطير؛ كملحمة الإلياذة والأوديسا عند اليونان القدماء، والشعر الدرامي الذي يقوم على تعدُّد الأصوات التي تتحاور فيما بينها، وهو نوعٌ موجود منذ القدم، ومن روَّاده في أدبنا العربي الحديث: أحمد شوقي، وعزيز أباظة، وصلاح عبدالصبور، وعبدالرحمن بدوي، أمَّا الشِّعر التعليمي فهو المرتبط بمحتوًى معرفي، يتمُّ نظْمُه على شكل قصيدة الشِّعر؛ بهدف تقريب هذا المحتوى من أفهام الطلاب، وإحداث حالة إمتاعيَّة أثناء دراستهم لهذا المحتوى، وفي أدبنا العربي على سبيل المثال عندنا ألفيَّة ابن مالك في النَّحو العربي[3]، وقد خرج من هذه الكلمة (الشِّعر) مصطلح: • (الشعر العمودي) الذي يَعني كلامًا منظومًا وفق نظام موسيقيٍّ محدَّد يسمَّى الوزن، ومقاطع ثابتة تَنتهي بها وحداته اللغوية التي نسمِّيها أبياتًا، ويُراعى فيه أمور تتعلَّق بالمعنى واللَّفظ الذي يستخدم في سبيل التعبير عنه، وما فيه من صور خيالية تتَّسِم بالعمق والقدرة على توضيح المعنى وإمتاع المتلقِّي، مع ما بين كلمات هذا النَّظْم وجمله من ترابط والتحام، والحديث عن هذا المصطلح يأخذُنا إلى التقاليد المتَّبَعة في صياغة القصيدة الشعريَّةِ العربيَّةِ منذ القدم؛ أي: منذ العصر الجاهلي حتى ظهور أشكال شعريَّة قد نأَت بنفسها عن هذه التقاليد؛ كما في قصيدة الشِّعر الحر أو شعر التفعيلة في عصرنا الحديث، وما يسمَّى بقصيدة النَّثر، وقصيدة الزَّجَل التي تتمُّ صياغتها بلهجة عاميَّة بعيدًا عن الفصحى[4]. • التجربة الشعوريَّة: إن العمل الفنِّي أيًّا كان نوعه يرتبط بحالةٍ تمرُّ على الذات الفنَّانة، تدفعها دفعًا إلى التعبير عنها وَفق صياغة محدَّدة، تحتوي ما يتمخَّض عنه هذه الحالة من معانٍ وحالات نفسيَّة وذهنية تحتاج إلى مَن يقوم بالكشف عنها بعد أن يَفرغ هذا الفنَّان من إبداعه، ومن ثمَّ فإن الحديث عن التجربة الشعوريَّةِ يشتمل على محطَّتين، الأولى: هذه الحالة التي استبدَّت بكيان المبدع بحكم وجوده في عالَمه وتأثُّره بما يحصل فيه وما يترتَّب على ذلك من أفكار تَسكن وعيه، المحطة الثانية: تحول هذه الحالة إلى منجز فنِّي ملموسٍ يخرج إلى العالم ويتلقاه غيره[5]. • أغراض الشِّعر: منذ القدَم وشعرنا - على سبيل المثال - يرتبط بموضوعاتٍ يقوم عليها، هذه الموضوعات الرئيسة، مثل: الغَزل والمدح، والرِّثاء والفخر، والهِجاء والوصف، نسمِّيها أغراضًا، والغرَض في اللغة يَعني العلَّة أو السبب؛ فكأنَّ إنجاز الشَّاعِر لإبداعه يتَّصل بعلَّة يأتي هذا الإبداع نتيجة عاكسة لها، وفي القصيدة العربيَّة القديمة غالبًا ما نجد تعدُّدًا وتنوُّعًا في هذه الموضوعات التي نسمِّيها أغراضًا، ومن الممكن أن نضرِب أمثلةً على هذه الأغراض: • الغَزل: (مدح المرأة)؛ يعني: الإشارَة إلى المرأة بوصْفها موضوعًا لاهتِمام الرجل واحتفائه بها وحبِّه لها، وقد يكون هذا الغَزل عفيفًا؛ يراعي القِيَمَ وخُلُقَ الحياء، ويركِّز على المرأة بوصفها كائنًا روحيًّا تتعلَّق بها نفس الشاعر، وفي عصر بني أميَّة وفي بيئة الحِجاز تحديدًا لقي هذا النَّوعُ العفيف رواجًا على يدِ مجموعة أُطلِق عليها شعراء الغَزل العذري؛ أمثال المجنون ومحبوبته ليلى، وقيس ومحبوبته لبنى، وجميل ومحبوبته بثينة، وكثير ومحبوبته عزَّة، وغير هؤلاء يأتي كثيرون، فقد وَجدَت هذه الظَّاهرة الأدبية انتشارًا في البيئة العربيَّة، وقد يكون صريحًا يركز على المرأة بوصفها جسدًا يتمُّ التركيز على مَفاتنه. ♦ ومِن نماذج النوع الأول ما قاله الشَّاعر جميل في بثينة: وإنِّي لأرضى من بثينةَ بالذي ![]() لو ابْصَره الواشي لقرَّت بلابلُه ![]() بلا وبألَّا أستطيع وبالمُنى ![]() وبالأمل المرجوِّ قد خاب آمِلُه ![]() وهذا أحد الشُّعراء العذريين (عروة بن حزام) يقول حاكيا حالته النفسية في اتصاله الوجداني بمحبوبته: وإنِّي لتعروني لذكراك هزَّةٌ ![]() لها بين جلدي والعظام دبيب ![]() وما هو إلَّا أنْ أراها فُجاءة ![]() فأُبهَت حتى ما أكاد أُجيب ![]() وأصدف عن رأيي الذي كنتُ أرتئي ![]() وأنسى الذي أزمعْتُ حين تغيب ![]() ويظهر قلبي عذرها ويعينُها ![]() عليَّ فمالي في الفؤاد نصيبُ ![]() يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: أُجِلُّك يا ليلى عن العينِ إنَّما ♦♦♦ أراكِ بقلبٍ خاشِعٍ لكِ خاضعِ وما قاله جرير: ألستِ أحسن مَن يمشي على قدَمٍ ♦♦♦ يا أملحَ النَّاس كلِّ الناس إنسانا؟ وهناك كلمتان متجاورتان في معنيَيهما لمصطلح الغَزَل، هما: التشبيب، والنسيب. • المدح: الإشارة إلى أمورٍ إيجابيَّة في شخص معيَّن (الممدوح) مِن شأنها إحداثُ شعورٍ بالسَّعادة والنشوةِ عنده، ورسم صورة مثاليَّة في عيون المتلقِّين لهذا المدح، ويُسمَّى أيضًا التقريظ، وغرض الثَّناء / المدح هذا مِن أكثر الموضوعات حضورًا في شِعرنا العربي منذ القدم؛ منه على سبيل المثال مدح جرير لبني أميَّة الذين كانوا حكَّامًا للدولة العربيَّة المترامية الأطراف في عصرٍ من العصور: ألستم خيرَ مَن ركب المطايا ♦♦♦ وأندى العالَمين بطون راحِ وقول المتنبي يمدح سيفَ الدولة الحمداني: على قدْرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ ♦♦♦ وتأتي على قدْر الكرام المكارمُ • الرِّثاء: الثَّناء على الميت، وهذا ما يفرقه عن المدح الذي يختصُّ بالحيِّ، فكأنَّنا أمام ما يشبه سرادق عزاء يقيمه الرَّاثي بكلمته الشَّاعرة لمن مات، أو بمنطوقنا هذه الأيام حفل تأبين؛ ومن أمثلته في عصرنا الحديث ما قاله أحمد شوقي يرثي به الشاعر حافظ إبراهيم الذي مات في 1932 م: قد كنتُ أوثرُ أن تقولَ رثائي ♦♦♦ يا منصفَ الموتى من الأحياءِ ومن أمثلته قول زكي خليل مطران يرثي أحمد شوقي: يجلو نبوغُك كلَّ يوم آيةً ♦♦♦ عذراءَ من آياته الغرَّاءِ وقد يتوسع غرَض الرِّثاء ليشمل رثاء الممالِك والأوطان؛ على سبيل المثال في تراثنا مرثيَّة أبي البقاء الرندي في الأندلس / إسبانيا بعد أن خرج العرب منها: لكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصان ![]() فلا يُغَرَّ بطيب العيشِ إنسانُ ![]() هي الأمورُ كما شاهدتها دولٌ ![]() مَن سرَّهُ زمنٌ ساءَتْه أزمانُ ![]() ومرثيَّة أحمد شوقي في دمشق لما ضربَتها قوات فرنسا، ومنها قوله: سلامٌ من صبا بَرَدَى أرقُّ ♦♦♦ ودَمْعٌ لا يُكَفْكَف يا دمشقُ • الفخر: مدح الإنسان نفسه بصِفاتٍ ترتقي به وترتفع عن غيره، كقول جرير: قد أطلبُ الحاجةَ القصوى فأدركُها ♦♦♦ ولستُ للجارَة الدنيا بزوَّارِ وقول المتنبي: فالخيلُ والليل والبيداءُ تعرفني ♦♦♦ والسَّيفُ والرُّمح والقِرطاسُ والقلمُ وقوله أيضًا في قصيدة يعاتِب فيها سيف الدولة الحمداني أمير حلب الذي كان مقيمًا عنده على فتور وهجْر وجده في مسلكه تجاهه ويفخر فيها بنفسه: أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي ![]() وأسمعَتْ كلِماتي مَن به صمَمُ ![]() أنام ملءَ جفوني عن شواردِها ![]() ويسهَرُ الخلْقُ جرَّاها ويختصمُ ![]() يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |