|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() ![]() الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الاول الحلقة (21) صـ318 إلى صـ 327 فصل وأما أن للمكلف القصد إلى المسبب فكما إذا قيل لك : لم تكتسب ؟ قلت : لأقيم صلبي ، وأقوم في حياة نفسي وأهلي أو لغير ذلك من المصالح التي توجد عن السبب ، فهذا القصد إذا قارن التسبب صحيح ; لأنه التفات إلى العادات الجارية ، وقد قال تعالى : الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله [ الجاثية : 12 ] . وقال : ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله [ الروم : 23 ] . وقال : فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله [ الجمعة : 10 ] . [ ص: 318 ] فمن حيث عبر بالقصد إلى الفضل عن القصد إلى السبب الذي هو الاكتساب ، وسيق مساق الامتنان من غير إنكار ، أشعر بصحة ذلك القصد ، وهذا جار في أمور الآخرة كما هو جار في أمور الدنيا ; كقوله تعالى : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات [ الطلاق : 11 ] ، وأشباه ذلك مما يؤذن بصحة القصد إلى المسبب بالسبب . وأيضا ; فإنما محصول هذا أن يبتغى ما يهيئ الله له بهذا السبب ، فهو راجع إلى الاعتماد على الله واللجأ إليه في أن يرزقه مسببا يقوم به أمره ، ويصلح به حاله ، وهذا لا نكير فيه شرعا ، وذلك أن المعلوم من الشريعة أنه شرعت لمصالح العباد ، فالتكليف كله إما لدرء مفسدة ، وإما لجلب مصلحة أو لهما معا ، فالداخل تحته مقتض لما وضعت له ، فلا مخالفة في ذلك لقصد الشارع ، والمحظور إنما هو أن يقصد خلاف ما قصده ، مع أن هذا القصد لا ينبني عليه عمل غير مقصود للشارع ، ولا يلزم منه عقد مخالف ، فالفعل موافق ، والقصد [ ص: 319 ] موافق ، فالمجموع موافق . فإن قيل : هل يستتب هذان الوجهان في جميع الأحكام العادية ، والعبادية أم لا ؟ فإن الذي يظهر لبادئ الرأي أن قصد المسببات لازم في العاديات ، لظهور وجوه المصالح فيها بخلاف العبادات ; فإنها مبنية على عدم معقولية المعنى ; فهنالك يستتب عدم الالتفات إلى المسببات لأن المعاني المعلل بها راجعة إلى جنس المصالح فيها أو المفاسد ، وهي ظاهرة في العاديات ، وغير ظاهرة في العباديات ، وإذا كان كذلك ; فالالتفات إلى المسببات ، والقصد إليها معتبر في العاديات ، ولا سيما في المجتهد ; فإن المجتهد إنما يتسع مجال اجتهاده بإجراء العلل والالتفات إليها ، ولولا ذلك لم يستقم له إجراء الأحكام على وفق المصالح إلا بنص أو إجماع فيبطل القياس ، وذلك غير صحيح ; فلا بد من الالتفات إلى المعاني التي شرعت لها الأحكام ، والمعاني هي مسببات الأحكام ، أما العباديات فلما كان الغالب عليها فقد ظهور المعاني الخاصة بها ، والرجوع إلى مقتضى النصوص فيها ، [ ص: 320 ] كان ترك الالتفات أجرى على مقصود الشارع فيها ، والأمران بالنسبة إلى المقلد سواء ، في أن حقه أن لا يلتفت إلى المسببات إلا فيما كان من مدركاته ومعلوماته العادية في التصرفات الشرعية . فالجواب أن الأمرين في الالتفات وعدمه سواء ، وذلك أن المجتهد إذا نظر في علة الحكم عدى الحكم بها إلى محل هي فيه ; لتقع المصلحة المشروع لها الحكم ، هذا نظره خاصة ، ويبقى قصده إلى حصولها بالعمل أو عدم القصد مسكوتا عنه بالنسبة إليه ، فتارة يقصد إذا كان هو العامل وتارة لا يقصد ، وفي الوجهين لا يفوته في اجتهاده أمر كالمقلد سواء ، فإذا سمع قوله عليه الصلاة والسلام : لا يقضي القاضي وهو غضبان متفق عليه نظر إلى علة منع القضاء ، فرآه الغضب ، وحكمته تشويش الذهن عن استيفاء الحجاج بين الخصوم ، فألحق بالغضب الجوع والشبع المفرطين ، والوجع وغير ذلك مما فيه تشويش الذهن ، فإذا وجد في نفسه شيئا من ذلك ، وكان قاضيا امتنع من القضاء بمقتضى النهي ; فإن قصد بالانتهاء مجرد النهي فقط من غير التفات إلى الحكمة التي لأجلها نهي عن القضاء ; حصل مقصود الشارع ، وإن لم يقصده القاضي ، وإن قصد به ما ظهر قصد الشارع إليه من مفسدة عدم استيفاء الحجاج ; حصل مقصود الشارع أيضا فاستوى قصد القاضي إلى المسبب وعدم قصده ، وهكذا المقلد فيما فهم حكمته من الأعمال ، وما لم يفهم ; فهو [ ص: 321 ] كالعبادات بالنسبة إلى الجميع ، وقد علم أن العبادات وضعت لمصالح العباد في الدنيا أو في الآخرة على الجملة ، وإن لم يعلم ذلك على التفصيل ، ويصح القصد إلى مسبباتها الدنيوية والأخروية على الجملة ; فالقصد إليها أو عدم القصد كما تقدم . المسألة السادسة إذا تقرر ما تقدم ; فللدخول في الأسباب مراتب تتفرع على القسمين ; فالالتفات إلى المسببات بالأسباب له ثلاث مراتب : أحدها : أن يدخل فيها على أنه فاعل للمسبب أو مولد له ; فهذا شرك أو مضاه له ـ والعياذ بالله ـ والسبب غير فاعل بنفسه ، والله خالق كل شيء ، والله خلقكم وما تعملون [ الصافات : 96 ] . وفي الحديث : أصبح من عبادي مؤمن بي ، وكافر الحديث ; فإن [ ص: 322 ] المؤمن بالكوكب الكافر بالله هو الذي جعل الكوكب [ فاعلا بنفسه ، وهذه المسألة قد تولى النظر فيها أرباب الكلام ] . والثانية : أن يدخل في السبب على أن المسبب يكون عنده عادة ، وهذا هو المتكلم على حكمه قبل ; ومحصوله طلب المسبب عن السبب لا باعتقاد الاستقلال ، بل من جهة كونه موضوعا على أنه سبب لمسبب ، فالسبب لا بد أن يكون سببا لمسبب لأنه معقوله ، وإلا لم يكن سببا ; فالالتفات إلى المسبب من هذا الوجه ليس بخارج عن مقتضى عادة الله في خلقه ، ولا هو مناف لكون السبب واقعا بقدرة الله تعالى ; فإن قدرة الله تظهر عند وجود السبب ، وعند عدمه فلا ينفي وجود السبب كونه خالقا للمسبب ، لكن هنا قد يغلب الالتفات إليه حتى يكون فقد المسبب مؤثرا ومنكرا ، وذلك لأن العادة غلبت على النظر في السبب بحكم كونه سببا ، ولم ينظر إلى كونه موضوعا بالجعل لا مقتضيا بنفسه ، وهذا هو غالب أحوال الخلق في الدخول في الأسباب . والثالثة : أن يدخل في السبب على أن المسبب من الله تعالى ; لأنه المسبب فيكون الغالب على صاحب هذه المرتبة اعتقاد أنه مسبب عن قدرة الله وإرادته من غير تحكيم لكونه سببا ; فإنه لو صح كونه سببا محققا لم يتخلف كالأسباب العقلية ، فلما لم يكن كذلك ; تمحض جانب التسبيب [ ص: 323 ] الرباني بدليل السبب الأول ، وهنا يقال لمن حكمه : فالسبب الأول عن ماذا تسبب ؟ ، وفي مثله قال عليه الصلاة والسلام : فمن أعدى الأول ؟ . فإذا كانت الأسباب مع المسببات داخلة تحت قدرة الله ; فالله هو المسبب لا هي ; إذ ليس له شريك في ملكه ، وهذا كله مبين في علم الكلام ، وحاصله يرجع إلى عدم اعتبار السبب في المسبب من جهة نفسه ، واعتباره فيه من جهة أن الله مسببه ، وذلك صحيح . فصل وترك الالتفات إلى المسبب له ثلاث مراتب : إحداها : أن يدخل في السبب من حيث هو ابتلاء للعباد ، [ وامتحان لهم ، لينظر كيف يعملون من غير التفات إلى غير ذلك ، وهذا مبني على أن الأسباب والمسببات موضوعة في هذه الدار ابتلاء للعباد ] ، وامتحانا لهم ; فإنها طريق إلى السعادة أو الشقاوة ، وهي على ضربين : [ ص: 324 ] أحدهما : ما وضع لابتلاء العقول ، وذلك العالم كله من حيث هو منظور فيه ، وصنعة يستدل بها على ما وراءها . والثاني : ما وضع لابتلاء النفوس ، وهو العالم كله أيضا من حيث هو موصل إلى العباد المنافع والمضار ، ومن حيث هو مسخر لهم ، ومنقاد لما يريدون فيه ، لتظهر تصاريفهم تحت حكم القضاء والقدر ، ولتجري أعمالهم تحت حكم الشرع ; ليسعد بها من سعد ويشقى من شقي ، وليظهر مقتضى العلم السابق ، والقضاء المحتم الذي لا مرد له ; فإن الله غني عن العالمين ، ومنزه عن الافتقار في صنع ما يصنع إلى الأسباب والوسائط ، لكن وضعها للعباد ليبتليهم فيها . والأدلة على هذا المعنى كثيرة ، كقوله سبحانه : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ هود : 7 ] . الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ الملك : 2 ] . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا [ الكهف : 7 ] . ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون [ يونس : 14 ] . ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا [ الكهف : 12 ] . [ ص: 325 ] وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا إلى قوله : ويعلم الصابرين [ آل عمران : 142 ] . وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم [ آل عمران : 154 ] . ثم صرفكم عنهم ليبتليكم [ آل عمران : 152 ] . إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن وضع الأسباب ، إنما هي للابتلاء فإذا كانت كذلك ; فالآخذ لها من هذه الجهة آخذ لها من حيث وضعت مع التحقق بذلك فيها ، وهذا صحيح ، وصاحب هذا القصد متعبد لله بما تسبب به منها ; لأنه إذا تسبب بالإذن فيما أذن فيه لتظهر عبوديته لله فيه ، لا ملتفتا إلى مسبباتها ، وإن انجرت معها فهو كالمتسبب بسائر العبادات المحضة . والثانية : أن يدخل فيه بحكم قصد التجرد عن الالتفات إلى الأسباب من حيث هي أمور محدثة ، فضلا عن الالتفات إلى المسببات ، بناء على أن تفريد المعبود بالعبادة أن لا يشرك معه في قصده سواه ، واعتمادا على أن التشريك خروج عن خالص التوحيد بالعبادة ; لأن بقاء الالتفات إلى ذلك كله بقاء مع المحدثات ، وركون إلى الأغيار ، وهو تدقيق في نفي الشركة ، وهذا أيضا في موضعه صحيح ، ويشهد له من الشريعة ما دل على نفي الشركة كقوله تعالى : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ الكهف : 110 ] . وقوله : فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص [ الزمر : 2 - 3 ] . وسائر ما كان من هذا الباب ، وكذلك دلائل طلب الصدق في التوجه لله [ ص: 326 ] رب العالمين كل ذلك يشعر بهذا المعنى المستنبط في خلوص التوجه ، وصدق العبودية ، فصاحب هذه المرتبة متعبد لله تعالى بالأسباب الموضوعة على اطراح النظر فيها من جهته ، فضلا عن أن ينظر في مسبباتها ; فإنما يرجع إليها من حيث هي وسائل إلى مسببها وواضعها ، وسلم إلى الترقي لمقام القرب منه ; فهو إنما يلحظ فيها المسبب خاصة . والثالثة : أن يدخل في السبب بحكم الإذن الشرعي مجردا عن النظر في غير ذلك ، وإنما توجهه في القصد إلى السبب ; تلبية للأمر لتحققه بمقام العبودية لأنه لما أذن له في السبب أو أمر به لباه من حيث قصد الآمر في ذلك السبب ، وقد تبين له أنه مسببه ، وأنه أجرى العادة به ، ولو شاء لم يجرها ، كما أنه قد يخرقها إذا شاء ، وعلى أنه ابتلاء وتمحيص ، وعلى أنه يقتضي صدق التوجه به إليه ، فدخل على ذلك كله ، فصار هذا القصد شاملا لجميع ما تقدم ، لأنه توخى قصد الشارع من غير نظر في غيره ، وقد علم قصده في تلك الأمور ، فحصل له كل ما في ضمن ذلك التسبب مما علم ومما لم يعلم ، فهو طالب للمسبب من طريق السبب ، وعالم بأن الله هو المسبب ، وهو المبتلي به ، ومتحقق [ ص: 327 ] في صدق التوجه به إليه ، فقصده مطلق وإن دخل فيه قصد المسبب ، لكن ذلك كله منزه عن الأغيار ، مصفى من الأكدار . ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |