|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
الرحمن بكشف تجليه، والرحيم بلطف توليه وضاح سيف الجبزي الحمد لله الذي تكبَّر جل جلاله، فما تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيِّره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلمَ عليه الليل، وأشرق عليه النهار، لك الحمد يا من لا تواري منه أرضٌ أرضًا، ولا سماء سماءً، ولا جبل ما في وعره، ولا بحر ما في قعره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، إلهي: أنتَ أَهْلُ الثَّناءِ والمَجْدِ فَامْنُنْ ![]() بِجَميلٍ من الثَّناءِ المُواتي ![]() ما ثنائي عليكَ إلَّا امْتِنانٌ ![]() ومِثالٌ لِلْأَنْعُمِ الفائِضَاتِ ![]() يا مرادي هذي ترانيمُ حُبٍّ ![]() من فيوض المشاعر الخاشعاتِ ![]() يا محب الثناء والمدحِ إني ![]() من حيائي خواطري في شتاتِ ![]() ذابتِ النفس هيبةً واحترامًا ![]() وتأبَّتْ عن بلعِ ريقي لهاتي ![]() حُبُّنا وامْتِداحُنا ليسَ إِلَّا ![]() وَمْضَةٌ مِنْكَ يا عَظيمَ الهِباتِ ![]() وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الطلعة البهية، والنورانية المحمدية، من أنار الله به عقول البشرية، وبدَّد به ظلمات الشرك والجاهلية، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، غيوث النَّدى وليوث الردى، وأُسْدِ الشَّرى، ومصابيح الدُّجى. صَلَّى عَلَيْه اللهُ مَا طَيرٌ شَدَا ![]() أَوْ مَالَ بِالغُصْنِ النَّدِيِّ نَسِيمُ ![]() صَلَّى عَلَيْه اللهُ مَا نَجْمٌ بدَا ![]() أَوْ لَاحَ مِنْ كَفِّ الضِّيَاءِ سَدِيمُ ![]() صَلَّى عَلَيْه اللهُ مَا غَيْثٌ همى ![]() وَاخْضَرَّ مِنْ بَعْدِ اليباسِ هَشِيمُ ![]() أما بعد، فأحبابنا الكرام، فعلى شرفات السبع المثاني، وكما عشنا في الجمعة الماضية وتفيَّأنا من ظلال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]؛ فإننا اليوم نرتشِفُ من معين: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]. الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ: اسْمَانِ مشتقان مِنَ الرَّحْمَةِ، على وجه المبالغة وهي الرِّقة والتَّعَطُّف، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر"[1]. الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ من أسماء الله الحسنى؛ قال ربي: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110]، وقال حبيبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا؛ مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ))[2]. وقد ورد اسمُ الرحمن في القرآن سبعًا وخمسين مرة. أما اسمُه الرَّحِيم، فقد ورد مائةً وأربع عشرة مرة. ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22]، ﴿ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 2]، ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴾ [الرحمن: 1، 2]، ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 9]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143]، ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]. ﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾، إنها الصفة التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتِها ومجالاتِها، تتكرر هنا في صلب السورة، في آية مستقلة، لتؤكد السِّمَة البارزة في تلك الربوبية الشاملة، ولتثبت قوائم الصلةِ الدائمةِ بين الرَّب ومربوبيه، وبين الخالق ومخلوقاته، إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء، إنها الصلة التي تقوم على الطُّمأنينة وتنبِضُ بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة النَّدِيَّة. إن الرَّحْمَة رقَّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وهي سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أَرسل إِليهم رُسُله، وأَنزل عليهم كُتُبَه، وبها هداهم، وبها أَسكنهم دار ثوابِه، وبها رزقهم وعافاهم، وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة. وقد تقدَّم اسمه تعالى الرَّحْمن على اسمه الرحيم؛ لأنَّ الرَّحمن اسمٌ خاصٌّ بالباري عز وجل، لا يتصف به غيرُه مضافًا ولا مفردًا، والرَّحمن معناه: المتِّصف بالرحمة الواسعة؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((أَنَا اللهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي))[3]، إنه الرحمن الرحيم جل جلاله. الرَّحمَنُ: يتعلق بالذَّات الإلهية؛ فالرَّحمن إشارة إلى صفة دالة على تعلُّق الصفةِ وقيامِها برب العالمين تعالى وتبارك؛ ولذلك قيل: "لَمَّا تَجَهْرَمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّاب وَتَسَمَّى بِرَحْمَنِ الْيَمَامَة، كَسَاهُ اللَّه جِلْبَاب الْكَذِب وَشَهَّرَ بِهِ، فَلَا يُقَال إِلَّا مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّاب، فَصَارَ يُضْرَب بِهِ الْمَثَلُ في الْكَذِب بَيْن أَهْل الْحَضَر، مِنْ أَهْل الْمَدَر وَأَهْل الْوَبَر، مِنْ أَهْل الْبَادِيَة وَالْأَعْرَاب"[4]. أما الرحيم، فقد يوصَف به غيرُه مضافًا ومفردًا، ومن ثَمَّ كان حقُّه التَّأخير. إنه الرحمن الرحيم جل جلاله، الرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة. الرحمن اسم ذات، والرحيم صفة فعل، والرحمن هو المتصف بالرحمة، والرحيم هو الراحم برحمته، فهي – إذًا - دالة على آثار هذه الصفة في المخلوقين؛ قال سبحانه: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، إنه الرحمن الرحيم جل جلاله، وعمَّ نَواله. فحينما نقول: رحيم، فكأننا نشير إلى ملاحظة وإدراك الرحمة الإلهية الربانية العظيمة، التي يقرؤها المتأمل في مشاهدَ لا يحصي لها عدًّا ولا قدرًا مما يراه ويسمعه. والرَّحمن جاءت على بناء "فَعْلَان"، التي تفيد الاتساع والشمول، فجاء في القرآن الكريم مقرونًا بالعرش، وهو أكبر المخلوقات وأعظمها؛ فقال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان: 59]، والرَّحمة محيطة بالخلق، واسعة لهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، فاستوى سبحانه على أوسع المخلوقات وهو العرش، بأوسع الصفات وهي الرحمة؛ فلذلك وسعت رحمته كلَّ شيء؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي))[5]. ولأنَّه الرحمن، رزق الجميعَ ما فيه راحةُ ظواهرهم، ولأنَّه الرحيم وفَّق المؤمنين لِما به حياةُ سرائرهم، والرحمن بكَشْفِ تجلِّيه، والرحيم بلطفِ تولِّيه، والرحمن بما أوْلى من الإيمان، والرحيم بما أسْدى من العرفان، والرحمن بما أعْطى من العرفان، والرحيم بما تولَّى من الغُفران، بل الرحمن بما يُنعم به من الغُفران، والرحيم بما يمُنُّ به من الرِّضوان. فهو جل جلاله وَسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأوسع كل مخلوقٍ نعمةً وفضلًا؛ فوسعت رحمته كل شيء، وعمَّت نعمته كل حي؛ فبلغت رحمته حيث بلغ علمه، فاستوى على عرشه برحمته، وخلق خلقه برحمته، وأنزل كتبه برحمته، وأرسل رسله برحمته، وشرع شرائعه برحمته، وخلق الجنة برحمته، والنار - أيضًا - برحمته، فإنها سَوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته، ويطهر بها أدران الموحدين من أهل معصيته، وسجنه الذي يسجن فيه أعداءه من خليقته. فالحمد لله الذي كتب على نفسه الرحمة، والحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، والحمد لله الذي سبقت رحمته غضبه. ولك أن تتصور: كيف يكون الحال لو أن سطوتَه سبقت رحمتَه، وعقابَه سبق عفوَه؟! فــ: يا مَنْ إِلَى رَحْمتِهِ الْمفَرُّ ![]() وَمَنْ إِلَيْهِ يَلْجَأُ المُضْطَرُّ ![]() وَيَا قَرِيبَ الْعَفْوِ يَا مَوْلاَهُ ![]() وَيَا مُغِيثَ كُلِّ مَنْ دَعَاهُ ![]() بِكَ اسْتَغَثْنَا يَا مُغِيثَ الضُّعَفَا ![]() فَحَسْبُنَا يَا رَبِّ أَنْتَ وَكَفَى ![]() قلت ما سمعتم، وأستغفر الله ...
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |