|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
إضاءات في صعيد عرفات خميس النقيب الحمدُ للهِ الواحد الأحد، الفَرْد الصَّمَد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كُفْوًا أحَد، لك الحمد ربِّي على فضلك، لك الحمد ربي على نِعَمِك، لك الحمد ربي على هَدْيك، أشكرك ربي على آلائك وكرمِك! الحمد لله الذي اصطفى لحجِّ بيته عبادًا، ووَطَّأ لهم على فراش كرامته مِهادًا، وجعل لهم مواسِمَ وأعيادًا. الحمدُ للهِ قامت بربِّها الأشياءُ، وسبَّحَتْ بحمده الأرضُ والسماء، ولا زال الكونُ محكومًا بأسمائه الحُسْنى، وصفاته العُلى، فما من شيءٍ إلا هو خالقه، ولا مِن رزقٍ إلا هو رازقه، ولا من خيرٍ إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مُدبِّره ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2]. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، ونشهد أنَّ سيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، اعتزَّ بالله فاعزَّه، وانتصر باللهِ فنصَرَه، وتوكَّل على الله فكَفاه، وتواضَع لله فشرَح له صدْرَه، ووضَعَ عنه وِزْرَه، ويسَّر له أمْرَه، ورفَع له ذِكْرَه، وذلَّل له رِقابَ عدوِّه، اللهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليك يا رسولَ الله، وعلى أهْلِك وصَحْبِك، ومَنْ تبِعَك بإحسانٍ إلى يوم الدين! أيُّها المسلمون، عباد الله، يومُ عرفة أفضلُ أيام الدنيا، وأحسنُ أيام العام، يومُ الذكر والدعاء، يومُ الشكر والثناء، يومُ المباهاة والمناجاة، يومُ المناداة والمساواة، يومُ التلبية والترضية، يومُ الإضاءات والرَّحَمات، يومُ إذلال الشيطان وصَغاره، يومُ رجْمِ إبليس وانكساره. عرفة يومُ إكمال الدين: اكتمال الدين، وإتمام النعمة، واختيار الإسلام لأُمَّة السلام، ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلَتْ، لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيُّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، قال عمر: قد عرَفْنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلتْ فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائمٌ بعَرَفة يوم الجمعة. والثابت عند الله تعالى أن الدين هو الإسلام، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19]، بل الافتخار والعزة كل العزة لمن يدينون بالإسلام، قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]. أيها المسلمون، عرفة الشاهد والجمعة المشهود: إنَّ الجمعة يوم عيد لأهل الإسلام، وعرفة يوم عيد لأهل عرفة، فبذلك يكون العيدُ عيدينِ، والجَمْع جمْعَينِ! يوم الجمعة له فضل على سائر الأيام، ويوم عرفة هو أفضل الأيام، اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام، يوم الجمعة هو اليوم الذي فيه ساعة الإجابة، وهو خيرُ يومٍ طلعَتْ عليه الشمس، وأهل الموقف كلُّهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرُّع، وفيه اجتماع البشر من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ للخطبة وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة بعرفة فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يومٍ سواه، وإن يوم عرفة هو الشَّفْع الذي أقسم الله به في قوله: ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ﴾ [الفجر: 3]، وذكر أن الشاهد الذي أقسم الله به في قوله تعالى: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3]، كما ثبَت ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا ومرفوعًا في مسند الإمام أحمد: ((الشاهِدُ يومُ عرفة، والمشْهُودُ يومُ الجمعةِ))، وقد اجتمع بحمد الله اليومَ الشاهدُ والمشهودُ: يوم عرفة، ويوم الجمعة؛ أي فضل وأي كرم من الله للأُمَّة! واجتماع عرفة والجمعة يوافق حجة النبي صلى الله عليه وسلم فيزيده ذلك تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا، فيوم عرفة يوم عظَّم اللهُ أمْرَه، ورفَع على الأيام قدرَه، إنه يوم عيد لأهل الموقف وللمسلمين. عباد الله، عرفة يوم الحج الأكبر: يذكرنا بيوم الجَمْع الأكبر؛ حيث تنتهي مجامع الناس، ويحشر البشر كل البشر إلى ربِّ البشر، يجتمع الناس عند رب الناس، مؤمنُهم وكافِرُهم، قويُّهم وضعيفُهم، غنيُّهم وفقيرُهم، أبيضُهم وأسودُهم، الرئيسُ والمرؤوسُ، الحاكمُ والمحكومُ، ﴿ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾ [هود: 103]. هذا اليوم المشهود يُذكِّر الناسَ كُلَّ عامٍ باليوم الآخر؛ ليجمعوا أمرَهم، ويُوحِّدوا صفَّهم، ويعبدوا ربَّهم، يزرعون لآخرتهم، ويعملون لموعدهم، فالناس ينسون والقدر معهم جاد، وينسون وكل ذرة من أعمالهم محسوبة، كيف؟ ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6]. عرفة يوم الاتحاد: بعيدًا عن التشتُّت والتشرذم، بعيدًا عن العصبية والتحزبية، يأتي يوم عرفة ليتَّحِد فيه المسلمون، ويجتمعوا على كلمة سواء بينهم، إنه يوم الاتحاد والرشاد، يوم التعاضُد والتماسُك، نعم يوم الوحدة، وحدة المسلمين، فهُمْ في عرفات الله يجتمعون، ولقِبْلة واحدة يتَّجهون، ولكتاب واحد يقرأون، ولأعمال واحدة يؤدُّون، ولنبيٍّ واحد يتَّبِعون، ولربٍّ واحد يعبدون، ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92]. عرفة يوم الدعاء والرجاء: يقف الحجيج في صعيد عرفات، كلٌّ يدعو بحاجته، كلٌّ يخاف عذابَه ويرجو رحمتَه، إنه موقف العظيم، وعطاء من الله الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عَرَفَةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّونَ مِن قَبْلي: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلْكُ، وله الحَمْدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ))؛ رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني. أيُّها المسلمون، عرفة يوم إرساء الحقوق وصيانة الأعراض، إنه يومُ إعلانٍ لحقوق الإنسان، وإظهار الواجبات في أفضل إعلان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، قال صلى الله عليه وسلم وهو في صعيد عرفات: ((أيُّ يومٍ أعظَمُ حُرْمةً؟))، قالوا: يومُنا هذا، قال: ((أيُّ شَهْرٍ أعظَمُ حُرْمةً؟))، قالوا: شَهْرُنا هذا، قال: ((أيُّ بَلَدٍ أعظَمُ حُرْمةً؟))، قالوا: بلدُنا هذا، قال: ((إنَّ دماءَكم وأمْوالَكم عليكم حَرامٌ إلى أن تَلْقَوا ربَّكُمْ، كحُرْمةِ يومِكُم هذا، وحُرْمةِ شَهْرِكُم هذا)). يُلخِّص صلى الله عليه وسلم لأُمَّته وللبشرية جمعاء مبادئ الرحمة والإنسانية، ويُرسي لها دعائم السِّلْم الاجتماعي والسلام الحقيقي، ويُقيم فيها أواصر المحبَّة والأخوَّة، ويغرس بأرضها رُوحَ التراحُم والتعاون، ويُوضِّح أمراض الجاهلية الفتَّاكة والمستعصية، بل ينهيها عن بكرة أبيها ((أَلَا إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، دِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، ورِبا الجاهِليةِ مَوْضُوعٌ)). عرفة يوم التواضع والمباهاة: تجدهم متذلِّلين لربهم متواضعين، مُخبتين لخالقهم منكسرين، ومع ذلك يُباهي بهم الله أمام الملائكة المقرَّبين الذين لا يعصُون اللهَ ما أمرهم، ويفعلون ما يُؤمَرون، ثم يعتقهم من النار، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهم الْمَلَائِكَةَ، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)). وعن ابن عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللهَ تعالى يُباهي ملائكته عشيَّةَ عَرَفةَ بأهْلِ عَرَفةَ، فيقول: انظُروا إلى عِبادي، أتَوْني شُعْثًا غُبْرًا))؛ رواه أحمد، وصحَّحه الألباني. وروى ابن خزيمة عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: "انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ"، فَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبِّ، فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: "قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ"))، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَمَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ عَتِيقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ))؛ أَيْ: رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ يَزْهُو وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ – أي: يقع في شيء من المعاصي - وفلان وفلانة، قال: يقول الله عز وجل: "لقد غفرت لهم". عباد الله، عرفة يوم المرأة العالمي، أُسِّس فيه احترام المرأة وتكريمها وصيانتها، فهي جوهرة الإسلام المانعة اللامعة، ومدرسة المسلمين الخلَّاقة الرائعة، وجامعة الإيمان المثمرة الماتعة، وذلك إنْ فَقِهَتْ دينها، وعرَفتْ ربَّها؛ قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((واستوصُوا بالنساءِ خيرًا، إنهُنَّ عَوانٍ عندكم))؛ أي: أسيرات في بيوتكم، وصية عظيمة لرسولٍ عظيمٍ لأُمَّة عظيمة، تلتزم بها وتهتدي بهَدْيِها المرأة. يقول عليه الصلاة والسلام: ((استوصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ)). كانت المرأةُ في الجاهلية الأولى تُورَث كالعقار، بل وتُقتَل ولا حقَّ لها في الحياة، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9]. كانت المرأة في الجاهلية الأولى لا حقوق لها مطلقًا، فجاء الإسلام وكرَّمها، وأعطاها حقوقًا وواجبات، وألزم الرجل أن يتقي الله فيها، أمَّا الآن نلحظ قلبًا للموازين، فخرجَت المرأة عن وظيفتها وعن طبيعتها التي خلَقَها الله لأجلها، قال ربنا: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، ووصفوا بقاء المرأة في بيتها بأنه تخلُّف ورجعية! حتي وإن خرجت للضرورة، لا تخرج إلا بشروط، منها الحجاب، ومنها عدم الاختلاط، ومنها غض البصر، أمَّا أنْ تُخالط الرجالَ، وأن تكون معهم سواءً بسواءٍ، فهذا ما يُحرِّمه الإسلام، ويُجرِّمُه القرآن، ويُبغضُه الرحمن. أيها المسلمون، عرفة يوم إسقاط رذائل الجاهلية: قال النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة عرفة: ((أَلَا إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ))، وقد يجمع المسلم بين إسلام وجاهلية، ففي الحديث عند البهيقي في شعب الإيمان: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: عَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ بِلَالًا بِأُمِّهِ، فَقَالَ: يَا بْنَ السَّوْدَاءِ، وَإِنَّ بِلَالًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَغَضِبَ، فَجَاءَ أَبُو ذَرٍّ وَلَمْ يَشْعُرْ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَعْرَضَكَ عَنِّي إِلَّا شَيْءٌ بَلَغَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((أَنْتَ الَّذِي تُعَيِّرُ بِلَالًا بِأُمِّهِ؟! إنك امرؤ فيك جاهليةٌ))، خصلة من خصال الجاهلية، وهي التفاخُر بالآباء، فعلى كبر سِنِّه رضي الله عنه لا يزال فيه أثرٌ من آثار الجاهلية. كانت المرأة في الجاهلية تلبَس ثوبًا فضفاضًا صفيقًا، لا يصِف العورة، وإنما كانت تُظْهِر جزءًا من صدرها ورقبتها فقط، بأن تلقي المرأةُ الخِمارَ على رأسها ولا تشدُّه، فتُظهِر عُنُقَها وقُرْطَها وقلائدها فسمَّى القرآنُ هذا التبرُّجَ "تبرُّجَ الجاهلية"، قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]. الآن نحن نظلم الجاهلية الأولى إنْ قارنَّا بين تبرُّج اليوم وبين التبرُّج آنذاك، تبرُّج الجاهلية الأولى هو إظهار الصدر والرقبة فقط، إذًا فماذا تقولون في إظهار ما هو دون ذلك؟! نحن في جاهلية مركَّبة! إلا ما رحم ربي وعصم، جاهلية وإن ادَّعت الحضارة، وإن ادَّعت التقدم والمدنية؛ ولذلك نجد مجتمعًا مسلمًا، لكن فيه أثرٌ من آثار الجاهلية بل أشد، والقرآن الكريم حينما أمر النساء بترك هذا التبرُّج إنما ذلك لحفظ عفافِها وشَرَفِها. وقد رأينا بأعيُننا أن آثار التبرُّج والاختلاط في المجتمع أدَّتْ إلى القتل والاغتصاب والتحرُّش، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفي مجتمعاتنا معاملات بالرِّبا، النبي عليه الصلاة والسلام يقول أيضًا في خطبة عرفة: ((ألا إنَّ كُلَّ ربًا مِن رِبا الجاهلية موضوع تحت قَدَمَيَّ)). وانظروا إلى تعاملات المسلمين في مجتمعاتهم، والقرآن أعلن الحرب على المرابين، فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]. أنْ تُقرِضَ أحدًا بشرط أن يردَّ لك أصل المال مع زيادة معينة رِبا، وإذا احتاج المرء إلى مبلغ من المال ولا يجد مَنْ يُقرضه، فيقولون له: اذهب وخُذْ سلعةً؛ أي: اشتَرِها من بائع ثم بِعْها له بسعر أقل نَقْدًا، فتكتب ورقة مثلًا بألف وخمسمائة، ثم يبيعها لنفس التاجر بألف فوري، فهذه صورة من صور رِبا الجاهلية التي تسيطر على تعاملاتنا اليوم، فضلًا عن رِبا الفَضْل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا))، والفضة كذلك والتمر! ففي الحديث: "لما جاء بلال بتمر جيد إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال له: ((مِنْ أينَ جئتَ بهذا التمر؟)) قال: من خيبر يا رسول الله، تمر جيد، قال: ((أوكل تمر خيبر هكذا؟))، قال: لا، وإنما نستبدل هذا التمر بتمر رديء، فمثلًا: صاع من تمر جيد بستة من تمر رديء، فقال عليه الصلاة والسلام: ((هو عينُ الرِّبا يا بِلالُ)). ومن الجاهلية الافتخار بالأنساب، مِنَّا مَنْ يفتخر بالأحساب والأنساب، ولا يزال مِنَّا مَن يتصِف بسوء الخُلُق؛ ولذا لا بد أن يتخلَّص المسلم من آثار هذه الجاهلية الممقوتة، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ [البقرة: 200]؛ أي: دَعُوكم من هذه المُفاخَرات، اترُكوا هذه المُنابَذات، تجنَّبوا هذه المُناوَشات، وعُودُوا إلى ربِّكم فاذكُروه واعبُدوه، وادعوه وترسَّموا طريقَه من جديدٍ ولا تحيدوا عنه، المسلم لا يعبد إلا ربَّه، ولا يفتخر إلا بدِينه، ولا يعتزُّ إلا بإسلامه، نعم فلا تطيب الدنيا إلا بذكر الله، ولا تطيب الحياة إلا بشكر الله، ولا تطيب الآخرة إلا برؤيته. إنه يوم حرمة الدماء وصيانة الأعراض: قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إنَّ كُلَّ دم من دِماء الجاهليةِ موضوعٌ تحت قَدَمَيَّ))، فالقتل عصبية، والقتل مفاخرة، والقتل بلطجة، كل القتل بغير وجه حق كل ذلك من الجاهلية، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أول ما يُقضى بين الناسِ في الدِّماءِ))، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((اجتنِبُوا السبعَ المُوبقات))، فذكر من هذه السبع المهلِكات: ((قَتْل النَّفْس التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ))، فقَتْلُ النَّفْسِ حرامٌ بالكِتاب والسُّنَّة، والإجماع. وعن قيمة الدِّماء وقدرها عند الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الشيخان من حديث عبدالله بن عمر: ((لزَوالُ الدُّنْيا أهْوَنُ على اللهِ مِن قَتْلِ مؤمنٍ بغيرِ حَقٍّ)). وراوي هذا الحديث عبدالله بن عمر يفهم هذا جيدًا، ويقول: إن من ورطات الأمور التي إذا دخل فيها العبد ربما لا يجد منها مخرجًا قتل امرئ بغير حق. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |