|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
المحاسبة والهمة وطلب العلم إبراهيم الدميجي الحمد لله الكريم المجيب لكل سائل، التائب على من تاب فليس بينه وبين العباد حائل، جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم فيها لا محالة زائل، حذر الناس من الشيطان، وللشيطان منافذُ وحبائل، فمن أسلم وجهه لله فذلك الكَيْسُ العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال والغافل، نحمده تبارك وتعالى ونعوذ بنور وجهه الكريم من الفتن في عاجل أمرنا والآجل، ونسأله الفوز بالجنة ورفقة النبيين الصديقين والمقربين الأوائل، وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن الشريك والشبيه والمُشاكِل، مًن للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر سواه؟ ومن يجيب المضطر إذا دعاه وقد استعصت عليه المسائل؟ من لنا إذا انقضى العمر وتقطعت بنا الأسباب والوسائل؟ هو الله لا إله إلا هو، الإله الحق، وكل ما خلا الله باطل، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله، لولاه - بعد الله - لانعدم الهدى وما كان في الناس عالم أو فاضل، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان؛ أما بعد: فيا عباد الرحمن: إن خير الحديث كلام الله... اتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن التقوى وسط بين الغلوِّ والجفاء، وتذكروا أن عامكم يوشك على الرحيل لربه بما استودعتموه من أعمال، فمن كان محسنًا فليثبت على الخير وليزْدَدْ منه بشكره لله، ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فالشكر قيد النعم الموجودة وصيد النعم المفقودة. ومن سنن الله تعالى في خليقته أنْ نوَّع المدارك، وفضل في المنائح، ورفع بعض الناس على بعض في أديانهم وعقولهم، وأخلاقهم وأرزاقهم، وبثَّهم في هذه الدار امتحانًا وابتلاءً، كل منهم يحرث أيامه بأعماله، ويستبق أجَله مع أنفاسه، حتى إذا بلغ المدى الأخير، عادت وديعة الروح لصاحبها، ورجعت لخالقها، فإذا أذِن الله للحساب، ابتعث الأجساد وأقام الأشهاد، وجمع الأولين والآخرين، حينها يكون تأويل الكتاب: ﴿ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 19]، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38]، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]، وحينها يكون الافتراق العظيم في المصير على قدر الافتراق اليوم في التدين؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴾ [الروم: 14 - 16]، فلا إله إلا الله حقًّا وصدقًا، وتعبدًا ورقًّا. ولأن الأمر بهذا الخطر إخوة الإيمان؛ فقد وجب على كل ناصح لنفسه أن يراجع صادقًا مسيرته، ويسارع لإصلاح سريرته، ويحاسب نفسه قبل الفوات؛ كي يستعتب في دار المهلة ويؤوب قبل ألَّا يحين مناص، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [سبأ: 51، 52]، ﴿ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 12 - 15]. يذكرني حاميم والرمح شاجر ![]() فهلا تلا حاميم قبل التقدمِ ![]() ![]() ![]() ومن فروع تلك المحاسبة: ألَّا يكتفي بإحسان النية دون إحسان الاتباع، فركنا قبول العمل: الإخلاص والاتباع، ولا يكفي شرط عن مكمله، فلا بد من تحقيق الشهادة الأولى بتجريد النية وإخلاص العمل، وتوجيه الوجه للواحد الأحد لا شريك له، ثم بتحقيق الشهادة الثانية بإحسان الائتساء بمن لهَج له بالشهادة بالرسالة؛ صلوات الله عليه وسلامه وبركاته؛ وهو القائل - بأبي هو وأمي ونفسي وولدي - فيما رواه الشيخان: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ أي: مردود غير مقبول، وكفى به عن الإحداث زاجرًا، فقل لمن لم يخلص: لا تتعب، وقل لمن لم يتبع: لا تجهد؛ ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. فمن صدق المحاسبة: العناية القصوى بتعظيم سنة رسول الهدى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بالجَنان واللسان والأركان، وعدم تقديم قول بشرٍ عليها بالغًا قدره ما بلغ، والاعتذار لأهل العلم إن أخطؤوا مع ترك متابعتهم، وعدم التشغيب عليهم أو الشماتة، أو التنفير أو سوء الظن، واحذر مخالفة من هم أعلم منك ببداهة رأيك، وبخاصة إن تتابع كثير من العلماء على القول به. واطلب العلم تَفُزْ، فإن الله يحب طلاب العلم المخلصين: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، واعلم أن مفتاح العلم الشغف: اصبر على مَضَضِ الإدلاج بالسَّحَرِ ![]() وبالرواح على الحاجات والبكرِ ![]() إني رأيت وفي الأيام تجربة ![]() للصبر عاقبة محمودة الأثرِ ![]() وقلَّ من جدَّ في أمر يطالبه ![]() واستصحبَ الصبر إلا فاز بالظَّفَرِ ![]() قال الجنيد رحمه الله: "ما طلب أحد شيئًا بجدٍّ وصدق إلا ناله، فإن لم يَنَلْهُ كله نال بعضه"، وقيل للبخاري: بم أدركت العلم؟ فقال: "بالمصباح، والجلوس إلى الصباح". ومن ثمرات المحاسبة: اعتزال من تضرك خِلطته، فاحذر مصاحبة بعض النفوس التي لا تستطيع العيش والتنفس إلا في أجواء التفرق والشِّقاق، وانتشار الضغائن، فهي كدغاليب المستنقعات، يغذيها الكَدَر، ويقتلها النقاء والصفاء، لا تصحبنَّ أولئك؛ فالمصاحبة ذريعة المشاكلة، ومن خالط الناس وصبر على أذاهم لِنفعهم، فهو أفضل وأولى، أما من خاف على دينه وفي الناس كفاية عنه، فالعزلة أحتم، والعافية لا يعدلها شيء، وليس أروح من أنفاس لا تخالطها معصية، واعلم أن شيطان الإنس أشد فتكًا بالدين من شيطان الجن، وتأمل تقديم ذكره في الشيطنة في عداوته الأنبياء وأتباعهم: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾ [الأنعام: 112]. ولا تصحب شر الناس ذا الوجهين، فيأتيك بوجه ويدبر بآخر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تجدون شرَّ الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه)). ومن أطعمك دنياه ليطعم من دينك، فألْقِ دنياه في وجهه، وانفذ بعافيتك، فدينَك دينك لا تثلمنَّه، ورأس مالك هو الإيمان ولتحقيقه خُلقت؛ وقد قال حذيفة رضي الله عنه: "إياك والتلوُّن في دين الله، فإن دين الله واحد"، وأوصى الإمام الشافعي تلميذه الربيع رحمهما الله تعالى فقال: "من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه العلم؛ فعليه بالخلوة، وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب". والصاحب ساحب؛ إما للحق والهدى، وإما للشر والردى، ومن زعم أنه لا يتأثر بجليسه، فهو مكابر أو مخدوع، فالطِّباع سرَّاقة، والنفس الإنسانية بطبعها مجبولة على التأثر بالصحبة، ومن الأصحاب ذباب طمع فلا تنخدع بهم، ولا تحفِل بقربهم؛ كما قال الأول: وكان بنو عمي يقولون مرحبًا ![]() فلما رأوني معدمًا مات مرحبُ ![]() ![]() ![]() والمحبة النافعة هي ما كانت لله، وفي الله، وعلى طاعة الله، وفي مرضاته، وما سواها للزوال، بل للوبال، فليكن ثوبك نقيًّا من لَوثات الهوى، وصحيفتك بيضاء بطيب عملك، واسأل ربك الحكمة، فمن أوتيها فقد أُوتي خيرًا كثيرًا، فكن حكيمًا هادئًا، لا طائشًا متسرعًا، واحذر أم الندامات: العَجَلَة، وقد أخطأ العجول أو كاد، وأصاب المتأني أو كاد، ورُبَّ عجلة تعقُب ريثًا، وإن أُعجبت برأيك فلا تستعجل قرارك، وعليك بالتُّؤَدَة؛ فقلما تروَّى عاقل فندم، وكم من حكمة ذي رأي تاهت في غمرات العجلة: وإذا تشاجر في فؤادك مرةً ![]() أمران فاعمد للأعفِّ الأجملِ ![]() وإذا هممت بأمر سوء فاتئد ![]() وإذا هممتَ بأمر خير فاعْجلِ ![]() وفي أمورك الكِبار لا تعجل باتخاذ قرارك، بل شاور الأقوياء الأمناء، ثم استخر رب الأرض والسماء، فكم من اختيار يُبنى عليه عمر ومصير، ورُبَّ لحظة انبثق منها زمان مختلف، فإذا استبان لك طريقك، وأضاءت بصيرتك، فاعزم عزم الرجال، واحزم أمرك حزم الكرام، ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159]، ثم بادِر على مَهَلٍ، ولا تندم على أمر مضيت فيه بعد استخارتك علام الغيوب، واعلم أن الخِيْرَة قد يتأخر إدراكها، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]. وكم رُمتَ أمرًا خرت لي في انصرافه ![]() وما زلتَ بي مني أبر وأرحما ![]() ![]() ![]() يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |