|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حكم الزكاة في المال الهالك محمود مقاط الحمد لله الذي خلق الخلق وقدَّره، وأعطى كلَّ شيءٍ وسخَّره، أعطى بعضَ فضلِه لخلقه اختبارًا لهم وتفضيلًا، ومنعه عن بعضهم اختبارًا لهم وتمحيصًا؛ ليبلوهم أيُّهم أحسنُ عملًا، وأكثر اتِّباعًا، فأوجب على الذين أعطاهم من فضله جزءًا للذين مُنِعوا من إخوانهم الذين يشتركون في الديانة "يُؤخَذ من أغنيائهم، ويُرَدُّ إلى فقرائهم"؛ جبرًا لخواطرهم، وإرضاءً لنفوسهم. ولكننا في هذا الزمان العجيب نرى كثيرًا من المسلمين الذين مَنَّ الله عليهم وأعطاهم من فضله؛ بل فتح عليهم أبواب الرزق، يتأخَّرون، ويمنعون حق الفقراء، فإني أُوجِّه إليهم هذا المقال رسالة؛ لعلَّ الله عزَّ وجل أن يهدي بها جميع المسلمين إلى الحق المبين، فبيَّنت حكم الذي امتلك مالًا، وتوافرت فيه شروط الزكاة وأركانها ولم يُخْرجْها، هل تبقى الزكاة معلَّقةً بالذمة، أم تسقط بفوات المحل؟ والله وليُّ التوفيق. حكم الزكاة في المال الهالك بعد توافر شروط الزكاة وأركانها: صورة المسألة: رجل امتلك مالًا قد بلغ النِّصاب، وحال عليه الحَوْلُ، فهلك المال قبل إخراج الزكاة، فهل تبقى الزكاة متعلِّقة بذمَّة صاحب المال أم تسقُطُ بهلاك المال؟ اختلفوا فيمن وَجبت عليه الزكاة، وقَدِر على إخراجها ولم يُخْرجْها، هل عليه زكاة عامٍ واحدٍ، أم عليه زكاة ما مضى من الأعوام؟ إلى مذهبين: المذهب الأول: ذهب الحنفية[1] إلى أنَّ الرجل إذا هلك ماله، وقد وجبت فيه الصَّدقة؛ فإنَّه لا صدقة عليه، ولا ضَمان فيما هلك، أو مضى من ماله. وفي رواية عن أبي حنيفة أنَّه قال: وإنْ بقي فيه مالٌ يجب فيه الصَّدقة زكَّى ما بقي بحساب ذلك[2]. واستدلُّوا: بقياس سقوط الزكاة في المال الهالك على سقوطها في العبد الجاني، أو المديون إذا مات؛ فيسقط عن سيده الدفع بالجناية، أو سداد الدين لفوات محلِّه، وكذلك سقوط الزكاة في المال الهالك[3]. ونُوقِش استدلالهم:"بأنَّ الغرض من التشبيه بالعبد الجاني نقصان المِلك مع بقائه؛ لا التشبيه به في جميع أحكامه، والزكاة وإنْ تعلَّقت بالعين؛ فهي مع ذلك لها تعلُّق بالذمة قطعًا، فإذا وجبت لا تسقُط، كما لا تسقط الصلاة إذا دخل الوقت، وإنْ لم يتمكَّن المكلَّف من الأداء"[4]. المذهب الثاني:ذهب جمهور العلماء من المالكية[5]، والشافعية[6]، والحنابلة[7]، إلى أنَّ الرجل إذا هلك مالُه، وقد وجبت فيه الصدقة، وتمكَّن من أدائها، ولم يؤدِّها دون عذر؛ وجبت عليه الزكاة والضمان، وإنْ لم يتمكَّن من الأداء، حتى تَلِف جميعُ المال؛ فلا زكاة عليه. واستدلُّوا:بقياس سقوط الزكاة في المواشي الهالكة على سقوط الصلاة بعد دخول وقتها؛ لأنَّه قد يطرأ مسقط؛ كحيض ونفاس، وإغماء وجنون، وكذلك هنا قد يطرأ مسقط بعد مجيء الساعي والعد بحصول موت فيها مثلًا، فإنَّ العبرة بما بقي بعده، وليس العد والأخذ هما الشرط في الوجوب[8]. ونُوقِش استدلالهم:"بأنَّ الشمس إذا زالت؛ فقد وَجبتْ عليه الصلاة؛ ولكن لا يستقر عليه الوجوب إلا بالتمكُّن من الأداء، وكذلك هذا مثله"[9]. القول الراجح:بعد عرض المذاهب الفقهية وما استدلوا به، وتوجيهها ومناقشتها، ظهر أنَّ المذهب الراجح هو المذهب الثاني؛ وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة القائلين: بأنَّ الرجل إذا هلكتْ ماشيتُه، وقد وجبت فيها الصدقة، وتمكَّن من أدائها ولم يؤدِّها دون عذر؛ لم يسقط من الزكاة شيء؛ أي: ضمن الزكاة، وإنْ لم يتمكَّن من الأداء، حتى تَلِف جميعُ المال؛ فلا زكاة عليه. أسباب الترجيح: لأنَّ العمل بمذهب الحنفية فيه ضياعٌ لحقِّ الفقراء، والعمل بمذهب الجمهور هو الأنسب للفقراء والأغنياء. [1] انظر: الحجة على أهل المدينة, الشيباني: (1/ 492), الهداية في شرح بداية المبتدي, المرغناني: (1/ 101). [2] الحجة على أهل المدينة, الشيباني: (1/ 492). [3] انظر: تحفة الفقهاء, السمرقندي: (1/ 306), المبسوط للسرخسي: (2/ 175), بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع, الكاساني: (2/ 22). [4] شرح الزركشي على مختصر الخرقي: (2/ 463). [5] موطأ مالك: (2/ 376), بداية المجتهد ونهاية المقتصد, ابن رشد: (2/ 35). [6] انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب, الجويني: (3/ 107-108), البيان في مذهب الإمام الشافعي, العمراني: (3/ 160). [7] انظر: المغني لابن قدامة: (2/ 508), الشرح الكبير على متن المقنع, ابن قدامة: (2/ 464). [8] انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير: (1/ 605). [9] المبسوط للسرخسي: (2/ 174).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |