|
|||||||
| ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#26
|
||||
|
||||
|
علوم أخرى منسية في تراث المسلمين إن في تراث المسلمين علوماً لم يولها الباحثون اهتماماً كافياً، إما لندرة مصادرها، أو لتفرق موضوعاتها في مراجع تراثية شتى يتعذر الحصول على أغلبها، أو لصعوبة مصطلحاتها التي تبدو لغير المتخصصين غريبة عما هو شائع في لغة العلوم العاصرة، أو لغياب المنهجية السليمة في التعامل مع التراث بصورة عامة، أو لكل هذه الأسباب مجتمعة وربما لأسباب أخرى غيرها. وسوف نعرض للتعريف ببعض هذه العلوم المنسية، ونشير إلى أهم مصادرها التراثية، عسى أن تجد من بين أهل الاختصاص من يتناولها بمزيد من التحليل المنهجي الدقيق والدراسة العلمية المتانية. علم الوراثة يبدو للكثير ان علم الوراثة Genetics ماهو إلا علم حديث النشأة، ولد بين علوم الحياة الأساسية الكبري: كالفسيولوجيا Physiology، وعلم الخلايا Cytology، وبيولوجيا التناسل Re-productive Biology ، والهندسة الوراثية Genetic Engineering وعلم التحسين الوراثي Eugenics، وغيرها. ويعزى المؤرخون نشأة علم الوراثة إلى الراهب النمساوي «مندل» الذي ابتكر أسسه وقوانينه، وينسبون تطوره إلى كوكبة من علماء البيولوجيا أمثال «دي فريز» و«باتيسون» و «مورجان» وغيرهم. كان التاريخ الحقيقي لعلم الوراثة يشهد بما لا يدع مجالا للشك بان علماء الحضارة الإسلامية هم أول من استخدم مصطلح «القيافة»، وتحدثوا عن تحسين النسل والولد، وأشاروا في مؤلفاتهم إلى دور الفرسان العرب في مجال الانتقاء الوراثي Heredity Selection الذي مارسوه على الخيول العربي، وعنوا بدراسة ظاهرة «التهجين» Crossing في الانسان والحيوان والطيور، وفطنوا إلى حكمة التشريع الإسلامي في تحريم زواج الأقارب. والأدلة الدامغة على هذه الحقيقة الناصعة عن دور علماء المسلمين في تأسيس علم الوراثة يمكن استخلاصها من أمهات الكتب التراثية للقزوني والجاحظ وشريف الدين الدمياطي وابن قيم الجوزية وابن الجزار القيرواني وغيرهم. 1- القيافة أساس علم الوراثة: ورد مصطلح «قيافة البشر» في كتب التراث الإسلامي لتفسيرالتشابه بين الخلف والسلف، فقد جاء في كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» للقزويني ما نصه: «القيافة على ضربين: قيلفة البشر، وقيافة الأثر فالاستدلال بهيئات الأعضاء على الانسان، وأما قيافة الأثر فالاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر». وقد اشتهر بقيافة البشر قوم من العرب يقال لهم «بنو مدلج» يعرض على أحدهم مولود في عشرين امرأة فيهن أمه يلحقه بها. وحكى بعض التجار قال: ورثت من أبي مملوكاً أسود شيخاً، فكنت في بعض أسفاري راكباً على بعير والمملوك يقوده، فاجتاز علينا رجل من بني مدلج أمعن فينا نظره، وقال: ما أشبه الراكب بالراجل، فوقع من قلبي من قوله ما وقع، حتى رجعت إلى أي وأخبرتها بما قال المدلجي، فقالت: صدق والله المدلجي، إعلم يابني انه كان زوجي شيخاً كبيراً ذا مال لم يولد له ولد، فخشيت ان يفوت مله عنا بموته، فمكنت نفسي من هذا المملوك الأسود فحملت بك، ولولا ان هذا شئ ستعمه في الآخرة ما أخبرتك به في الدنيا. 2- علم الأجنة: تعرض ابن قيم الجوزية لقضية خلق الأجنة، حيث قرر في كتابه «تحفة المورود بأحكام المولود» ان أصل التشكيل الصحيح للكائن الحي ما هو إلا اتحاد نظف الذكر ببيضة الأنثى، واستشهد بقوله تعالى في كتابه العزيز: (بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} (سورة الانعام:101). فالولد إذن لا يتكون إلا من الذكر وصاحبته. والحق ان الخالق العظيم العليم قد أخبر بهذه الحقيقة الهامة في مواضع كيرة من القران الكريم، وذكر «النطفة الأمشاج» كأساس لخلق الجنين، وكعامل وراثي ف عملية التكاثر البشري، فقال تعالى: { إنا خلقنا الانسان من نظفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} (سورة الانسان:2). والنطفة الأمشاج تتألف من اندماج بويضة الانثي وخلية الرجل (الحيوان المنوي)، ويسميها العلم الحديث «الزيجوت» Zygote، ويكون مقرها رحم المرأة، مصداقاً لقوله تعالى: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} (سورة المؤمنون:12) وقوله جل شانه: { ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } (سورة الحج: 5). وتظهر أهمية هذا التأصيل الإسلامي واضحة جلية إذا علمنا ان البشرة لم تعلم شيئاً عن النطفة الأمشاج (أو الزيجوت) المكونة من أخلاط الرجل والمرأة إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بعد ان توارت طرق التشخيص وتقنية المجاهر (الميكروسكوبات) فقد تخب الغرب قروناً طويلة حيل موضوع تكوين الجنين، واعتقد البعض بان المولود الجديد ولد من بيضة الانثي فقط، بينما اعتقد آخرون بان الكائن الحي ينشأ ويتطور من الحيوان لمنوي فقط، بل ان أحدهم وهو «هارتسوكر» Hartsoeker عندما كان ينظر عبر المجهر إلى السائل المنوي للرجل تخيل انه يرى في رأس الحيوان المنوي كائناً صغيراً Homancules يذكر بالمظهر الخارجي للرجل وهذا الكائن الصغير الملتف ذو أعضاء قادرة على النمو في وجود الظروف الملائمة، و دور المرأة في تكوينه لا يعدو كونها حاضنة فقط 3- الوحدات الوراثية: ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه «تحفة المورود بأحكام المولود» ان في نطفة الرجل «عناصر» مختلفة صغيرة جداً من أجزاء الجسم كله، وان في بذرة الأنثى مثل ذلك . وإذا علمنا ان ابن قيم الجزية عاش بين 691-751هـ أو 1291-1350م، فان كلامه هذا يعد أساساً لنشأة نظرية المورثات (أو الجينات Genes) التي قال بها علماء الوراثة حديثاً. ففي عام 1860م تقريباً توصل «مندل»، من خلال أبحاثه على نبتة البازلاء، إلى نظرية تفسر الصفات الظاهرة في الكائنات الحية على أساس وجود «وحدات غامضة» تنتقل بين أجيال النوع الواحد، وتسبب الفروق الحادة في امتلاك صفات معينة. ذلك ان كون البازلاء طويلة أو قصيرة يتوقف على هذه الواحدات. فإذا خلطنا بين هاتين الصفتين من خلال تزاوج البازلاء، فان ظهور إحدى الصفتين بصورة غالبة يتوقف على سيادة إحدى الوحدتين، ويطلق على الصفة الغالبة باسم «الصفة السائدة» Dominant، أما الصفة غير الظاهرة فتسمى «الصفة المتنحية» Recessive. وهذا يعني إن الجيل الجديد من البازلاء لا يزال يحمل إحدى صفتي الأبوين أو كليهما على أساس ان هناك صفة ظاهرة وأخرى متنحية، ومن ثم فان الجيل الجديد يكون خليطاً من الاثنين. وقد أطلق العلم المعاصر على هذه «العناصر» التي قال بها ابن قيم الجوزية، أو «الوحدات الغامضة» التي ذكرها مندل، اسم المورثات (أو الجينات Genes)، وأثبتت أجهزة الفحص الدقيقة ان هذه الموروثات تحملها أجسام برتينية دقيقة جداً (حوالي جزء من الملين من الملليمتر) تسمى الصبغيات (أو الكروموسومات Chromosomes) وقد تأكد مؤخراً ان هذه الكروموسومات والموروثات هي المسئولة عن الصفات والملامح التي تعطي الانسان صفته وشكله واستعداده كثير من الصفات البدنية النفسية والخلقية. فقد تبين ان صفات الرجل تتضامن عن طريق الصبغيات والموروثات الخاصة بها مع صفات الأنثى لتنتج جنيناً يجمع بين صفاتهما، وقد تتغلب صفة سائدة عند الأب فتظهر في الطفل، وأما الصفات المتنحية فتظهر حسب قوانين علمة معروفة تم اكتشافها في علم الوراثة الحديث، ويترتب عليها في بعض الأحيان ان يكون الشبه بين المولود ووالديه غر طاهر، بل ربما كون الشبه معدوماً بين الطفل ووالديه. ومن المصطلحات العلمية الحديثة في هذا الشان صطلح «النزوع إلى الأصل في الصفات الوراثية» Atavism، ويمكن التدليل بما رواه الطبري في متابه «فردوس الحكمة» من ان امرأة ولدت بنتاً بيضاء من رجل حبشي، وأدركت ابنتها تلك وتزوجت من رجل أبيض فولدت ولداً أسود، لان الولد – كما يقول الطبري ـ نزع إلى لون الجد (أبي الأم). بل ان الرسول الأمي العربي محمداً صلي الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، قال في الحديث الشريف: «تخيروا لنطفكم فان العرق دساس» (أخرجه ابن ماجه والحاكم)، وخير دليل نسوقه من قصة الرجل الذي جاء إلى الرسول صلي الله عليه وسلم شاكياً من ان امرأته ولدت غلاماً أسود، فقال له الرسول صل الله عليه سلم: هل لك إبل ؟ قال: نعم، قال: فما لونها ؟ قال: أسود، قال: هل منها من أورق ؟، قال: نعم، قال: فأنى له ذلك ؟ قال: عسى ان يكون نزعه عرق. قال: وهذا (يعني ولده) عسي ان يكون نزعه عرق. قال الرجل: فتقدم عجائز من بني عجل أخبرته انه كان لامرأة جدة سوداء. فسر ابن قيم الجوزية هذا الحديث تفسيراً علمياً على أساس انتقال ما أسماه «الأجزاء» من السلف البعيد إلى الخلف، وذلك قبل ان يأتي العلم بمصطلحات «الموروثات» و «النزوع إلى الأصل»،و«الصفات السائدة »، و«الصفات المتنحية» بزمن طويل. 4- التهجين وتحسين النسل: يزخر التراث العلمي الإسلامي بالعديد من الأمثلة على انماط التهجين المختلفة، فنجد الفزويني ـ على سبيل المثال ـ يشرح خصائص الحيوانات الهجينة بقوله:«ان الحيوانات المركبة تتولد بين حيوانين مختلفين في النوع ويكون شكلها عجيباً بين هذا وذاك. فاعتبر حال البغل، فان ما من عضو منه إلا وهو دائر بين الحمار والفرس” ويعلق الجاحظ على ظاهرة التهجين تعليقاً علمياً صحيحاً فيقول:«اننا وجدنا بعض النتاج المركب وبعض الفروع المستخرجة منه أعظم من الأصل” . ويعترف العالم بإسهامات علماء المسلمين في مجال تحسين النسل عن طريق انتقاء صفات وراثية معينة، وهو ما يندرج اليوم تحت علم التحسين الوراثي (الأيوجينيا Eugenics). فقد كانوا يحرصون على أنساب الخيول العربية بحصر التزاوج فيما بينهما وبين أفراس أصيلة ذات صفات وراثية محددة، وتابعوا اصطفاء الصفات على الأنسال القادمة، ومنعوا أي تزاوجات عشوائية مع أفراد مغمورة أو وضيعة النسب. وكانهم بهذا التحديد يحصرون حدود الصفات الوراثية الممتازة كالرشاقة والجمال وضمور البطن والعدو السريع والحس المرهف، والذكاء المفرط والعرف الغزير المتدلي وصغر الآذان، وغيرها من الصفات المرغوبة في مجموعة معينة من الأفراس ما لبثت ان كبرت وزادت أعدادها مع مرور الزمن، بحيث شكلت نواة ممتازة لنشوء سلالة الخيول العربية التي عمت شهرتها العالم كله وكان لهذا التكوين الوراثي Genotype أكبر الأثر في لفت الانظار بعد ذلك إلى استيراد الخيول العربية ودخولها في التهجين مع سلالات أخرى لرفد مورثاتها بخصائصها الفذة. من ناحية أخرى، كان الزواج بالأقارب شائعاً عند كثير من الأقوام والشعوب، ولما جاء الإسلام حرم زواج الأقارب الملتصقين لحكم نفسية واجتماعية وطبية ووراثية أوضح العلم الحديث جوانب كثيرة منها. قال تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم اللاتي وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ان الله كان غفوراً رحيماً } (سورة النساء: 23) وحبب الإسلام إلى المسلمين الزواج بالأباعد في النسب ، فرغبوا فيه، لانه انجب للولد وأبهى للخلقة، واتضح ذلك من أقوالهم المأثورة وأشعارهم المنظومة، منها قول شاعرهم: تجاوزت بنت العم وهي حبيبة مخافة أن يضوي على سليليويتفق هذا المطلب الإسلامي في الحث على الزواج بالأباعد مع معطيات على الوراثة والتحسين الوراثي اتفاقاً كاملاً. وذلك ان استمرار تزاوج الذرية بالأقارب يفضي إلى إقلال درجة التناسل حتى قد تصل أخيراً إلى العقم، كما يؤدي إلى إضعاف السلالة، ويزيد من احتمال ظهور الصفات والأمراض الوراثية المتنحية التي يُحصي منها المتخصصون ما يزيد عن مائة مرض معروف، مثل: البرص الوراثي، والبول الأسود، وبعض الأمراض الشبكية، ومرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، وغير ذلك من أمراض الجهاز العصبي وأمراض التخلف العقلي وكثير من العيوب الخلقية والخلقية. وهكذا يتضح ان عدداً من المفاهيم الأساسية السليمة لمباحث الوراثة الحديثة يمكن التأصيل لها بالرجوع إلى التراث الإسلامي، حيث نجد الكثير مما يدحض زعم القائلين بان علم الوراثة بمباحثة المختلفة على غربي حديث النشأة وليست له أرومة تاريخية عند العرب أو غيرهم من الأمم. علم المراعي كان الانسان منذ القدم يهاجر من أرض إلى أرض بحثاً عن انسب الأماكن التي تصلح للرعي والزراعة والتجارة واستيفاء ما ينقصه من وسائل العيش وتهيئة ظروف الأمن والاستقرار. ويسود الان اعتقاد خاطئ بان علم المراعي من العلوم الحديثة، ويعود المؤرخون بنشأته الأولى إلى أوائل القرن العشرين، حيث انشئت أول محطة لأبحاث المراعي في «سانتاريتا Santa Rita بالولايات المتحدة الأمريكية نحو عام1903 م في ولاية أريزونا، وينسبون الفضل في تأسيس هذا العلم إلى الأمريكي «آرثر سامبسون» A.W.Sampson الذي صنف كتاباً عام 1923 م عن «إدارة المراعى الطبيعية والأصطناعية» Range and Pasture Manage ثم أعاد كتابته من جديد في عام 1952م تحت عنوان «إدارة المراعي، أسس وتطبيقات» Range Management، Principles and Practice وفي عام 1947 تم تأسيس أول جمعية لإدارة المراعي الطبيعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وظهرت أول مجلة لإدارة المراعي باسم Journal Of Range Management: وتوالى بعد ذلك ظهور الكثير من الأبحاث والنشرات والكتب العلمية التي تبحث في المجالات المتعددة لعلم المراعي الطبيعية وإدارتها، وزاد التوجه العالمي نحو الاهتمام بدراسة المناطق الرعوية والمحافظة عليها وإدارتها وتطويرها بعد تشكيل الهيئة الاستشارية الخاصة بأبحاث المناطق الجافة التابعة لمنظمة اليونسكو. لكن الباحث المدقق في تراث المسلمين لا يجد صعوبة في تصحيح هذا الاعتقاد الخاطئ بان علم المراعي حديث النشأة، وذلك بإظهار حقيقة علمية تاريخية مؤداها ان أبا حنيفة الدينوري المتوفى عام 282هـ إلى 895 م قد سبق الأمريكي سامبسون بكتابه المعروف عن «النبات» باباً بعنوان «الرعي والمراعي» يقول في آخره، ملخصاً لما ورد فيه:«قد أتيت بما حضرني ذكره في وصف الرعي والمراعي وما يعرض لها من الآفات وحال السائمة فيها وما يعتريها من الأمراض على ما استحسنت وضعه في هذا الكتاب» . وقد أوضح الدينوري بعض المصطلحات الرعوية البيئية الهامة مثل: الأرض الحمضية، أي كثيرة الحمض، و«الخلة» أي الأرض التي ليس فيها حمض وان لم يكن بها من شئ، و «السهب» أي الأرض الواسعة البعيدة التي لا نبات فيها، و«الصمان» أي الصحراء الحجرية الكلسية ذات القبعان، و «الحزن»، وهي الأرض البعيدة عن المياه ولا ترعاها الشاة ولا الحمر، فليس فيها دمن ولا أرواث. وصنف الدينوري نباتات المراعي، استناداً إلى خبرة العرب الواسعة، على أساس الصفات المتعلقة بالطعم واللون والملمس والشكل الظاهر وموسم النمو، وغير ذلك من الصفات، فتحدث عن «مجموعة الحمض» التي تتميز بالطعم الحامض أو المالح، وهي التابعة «للفصيلة الرمرامية» Chenopodiaceae ، حسب التقسيم النباتي المعروف حالياً، ومن أمثلتها نباتات الرمث والغضي والحاذ. وتحدث عن «مجموعة الخلة» التي لا ملوحة فيها، مثل السبط، «ومجموعة العضاة» التي تضم الأشجار الشائكة، مثل الطلح والعرفط، و «مجموعة العض» التي تضم ما صغر من شجر الشوك، مثل القتاد،«مجموعة المرار» ومجموعة البقول ومجموعة الحرف، وأخيراً مجموعة الأرواث والدمن التي تضم النباتات السيئة في المرعى والمحبة للنتروجين، وهي من دلائل الرعي الجائر. وعلى هذا الأساس قدم الدينوري تعريفاً محدداً للمرعى بقوله:«وقد بينت فيما مضي ان المرعي كله خلة وحمض، فالحمض ما كانت فيه ملوحة، والخلة ما لا ملوحة فيه، حلواً كان أو مراً، والعرب تسمى الأرض إذا لم يكن بها حمض خلة وان لم يكن بها حمض خلة وان لم يكن بها من النبات شئ». وبذلك يكون المرعى عبارة عن مجموع النباتات التي تنمو طبيعية في منطقة معينة ولا تستخدم لأغراض أخرى غير الرعي. كذلك أوضح الدينوري معرفة العرب لانواع المراعي المختلفة وتحديد درجة جودتها، وتأثير ذلك على الحيوانات الرعوية، فذكر «المرعى المرئي الناجع» أي الجيد، و«المرعى الخصبة»، أي متوسط الجودة، ليس بالخصب ولا بالجدب، و «المرعى الوبيل الموخم » ؟، أي المتدهور الخرب الذي تعرض عنه السائمة. وفطن العرب إلى العلاقة بين جودة المرعى وقربه من مصادر الماء أو بعده عنها، وطوروا اصطلاحات خاصة بذلك. فقد روى الدينوري عن ابن الأعرابي انه قال:«إذا ما كان حول الماء مكلئا قيل ماء قاصر، فان كان ما حوله قد أكل قيل ماء مدرع، لانه أبيض ما حوله بمنزلة الشاة الدرعاء، قال: وإذا بعد كلؤه بقدر ميلين أو ثلاثة فهو ماء مطل، فان كان مسيرة يوم أو يومين فهو مطلب إبل» . ولم يفت الدينوري ان يدون في كتابه «النبات» ما يعكس إدراك الرعاة الواعي لقيمة النباتات الرعوية الغذائية واستجابة الحيوانات لها، فذكر ما قاله الأصمعي من ان الخلة هي خبز الإبل، والحمض أدمها، وأطيب الإبل لبناً ما أكل السعدان وروى عن أبي النصر قوله:«إذا أكلت الإبل الخلة صلُب لحمها واشتد طرفها.. وإذا أكلت الحمض اندلقت بطونها وكثرت أوبارها..» وقالوا عن السعدان: انه ناجع في المال، يطيب لحومه ويعزر ألبانه ويخثرها، وبه ضرب المثل فقيل: مرعى ولا كالسعدان. ولفت الدينوري الانظار إلى أهمية مواسم الرعي وخصائص الدورات الرعوية، فقال:«إذا كان الربيع أحلت الغنم، وإحلالها ان تنزل ألبانها من غير ولاد بعد ان كانت انقطعت ويبست» وبين كيف كان الرعاة يلجأون إلى الانتقال من مكان لآخر طلباً للكلأ في الفصول المختلفة من العام. أما عن إدارة المراعي وانشاء محميات بيئية كوسيلة من وسائل تطوير المناطق الرعوية، فنذكر المراجع ان الرسول صلي الله عليه وسلم كان أول من أصدر تشريعاً لحماية البيئة حين أمر بحماية النقيع وعضاة الدينة، كما منع الصيد عبر الحمى، وحدد مناطق محمية أخرى من الرعي فيها وحملت بحمولات حيوانية معتدلة من خيول الجهاد أو انعام الزكاة، جاعلاً الحمى بصفة عامة لله ورسوله، وقد حمى الخليفة عمر بن الخطاب الربذة وضربة اللتين قال فيهما أبو النصر: «حمى الربذة غليظ الموطئ كثير الخلة، وحمى ضربة سهل الموطئ كثير الحمض، تطول عنه الأوبار وتتفتق الخواصر ويرهل الحم» . إن مثل هذه الأفكار والمفاهيم لا ينبغى إغفالها عند التأصيل لعلم الرعي والمراعي، لما لها من فيمة علمية وتطبيقية كبيرة. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |