|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
غزوة أحد
غَزْوَةُ أُحُدٍ أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي الخُطْبَةُ الأُوْلَى إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ: فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « غَزْوَةِ أُحُدٍ ». أَيُّهَا النَّاسُ لَقَدْ عُرِفَتْ هَذِهِ الغَزْوَةُ بِاسِمِ الجَبَلِ الَّذِي وَقَعَتْ عِنْدَهُ، وَيَقَعُ شَمَالَ المَدِيْنَةِ، وَيَبْعُدُ عَنِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ خَمْسَةُ أَكْيَالٍ وَنِصْفَ الكَيْلِ، وَيُقَابِلُهُ مِنْ جِهَةِ الجَنُوبِ جَبَلُ صَغِيْرٍ يُسَمَّى «عَيْنَيْنَ» وَهُوَ الَّذِي عُرِفَ بَعْدَ المَعْرَكَةِ بِجَبَلِ الرُّمَاةِ، وَبَيْنَ الجَبَلَيْنِ وَادٍ عُرِفَ بِوَادِي قَنَاةٍ. وَأَمَّا سَبَبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ - أَيُّهَا النَّاسُ - فَبَعْدَ أَنْ أُصِيْبَتْ قُرَيْشٌ فِي عُظَمَائِهَا، وَأَئِمَّةِ الكُفْرِ مِنْهَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُلُوبُهُمْ تَغْلِي حِقْدًا وَحَنَقًا وَغَيْظًا عَلَى المُسْلِمِيْنَ، مُعَبَّأَةً قُوَّتَهَا، وَاسْتَعَانَتْ بِحُلَفَائِهَا وَخَرَجَتْ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفِ مُقَاتِلِ، وَوَافَتْ مَشَارِفَ المَدِيْنَةِ بَعْدَ سَنَةٍ وَشَهْرٍ تَقْرِيْبًا مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ فِي مُنْتَصَفِ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الهِجْرَةِ عَلَى الصَّحِيْحِ. وَلَمَّا عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَسِيْرَهُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - خَرَجَ لِمُلَاقَاتِهِمْ فِي أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ انْسَحَبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبِيَّ بِثُلْثِ الجَيْشِ -ثَلَثِمَائِة مُقَاتِلٍ - وَكَانَ انْسِحَابُهُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَوَّلَ فَائِدَةٍ مِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الغَزْوَةِ، وَهِي تَمْيْيزُ المُنَافِقِيْنَ، وَالفَصْلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ الصَّادِقِيْنَ. قَالَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴾ [آل عمران: 166، 167]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الجَيْشُ الإِسْلَامِيُّ إِلَى مَيْدَانِ أُحُدٍ، وَاتَّخَذَ مَوَاقِعَهُ بِمُوجَبِ خُطَّةٍ مُحْكَمَةٍ حَيْثُ نَظَّمَ الرَّسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُفُوفَ جَيْشِهِ جَاعِلًا ظُهُورَهُمْ إِلَى جَبَلِ أُحُدٍ وَوُجُوهُهُمْ تَسْتَقْبِلَ المَدِيْنَةِ، وَجَعَلَ خَمْسِيْنَ مِنَ الرُّمَاةِ بِقِيَادَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَوْقَ جَبَلٍ عَيْنَيْنَ المُقَابِلِ لِأُحُدٍ لِحِمَايَةِ المُسْلِمِيْنَ مِنَ الْتِفَافِ خَيَالَةِ المُشْرِكِيْنَ عَلَيْهِمْ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ بِلُزُومِ أَمَاكِنِهِمْ، وَقَالَ كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[1]، مِنْ حَدِيْثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: « إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ». وَبِذَلِكَ - أَيُّهَا النَّاسُ - سَيْطَرَ المُسْلِمُونَ عَلَى المُرْتَفَعَاتِ تَارِكِيْنَ الوَادِي لِجَيْشِ قُرَيْشِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَهُوَ يُوَجِّهُ أُحُدَ وَظَهْرُهُ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَظَاهِرُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَؤْمِئِذٍ بَيْنَ دِرْعِيْنَ، وَأَعْطَى اللِّوَاءَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ، وَجَعَلَ عَلَى إِحْدَى المُجنَّبَتَيْنِ: الزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، وَعَلَى المُجَنَّبَةِ الأُخْرَى: المُنْذِرَ بْنِ عَمْرو، وَتَعَبَّأَتْ قُرَيْشٌ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ خَالِدَ بْنَ الوَلِيْدِ، وَعَلَى المُيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَالْتَقَى الصَّفَّانِ وَبَدَأَ القِتَالُ بِانْتِصَارٍ سَاحِقٍ لِلمُسْلِمِيْنَ، وَلَوْلاَ مُخَالَفَةُ الرُّمَاةِ لَمْ تَقُمْ للِمُشْرِكِيْنَ قَائِمَةٌ. قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: « وَكَانَتِ الدَّوْلَةُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ، فَانْهَزَمَ عَدُوُّ اللهِ، وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى نِسَائِهِمْ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ ؛ وَقَالُوا: يَا قَوْمُ الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَذَكَّرَهُمْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ عَهْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَظَنُّوا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ رَجْعَةٌ، وَأَنَّهُمْ لاَ تَقُومُ لَهُمْ قَائِمَةٌ بَعْدَ ذَلَك، فَذَهَبُوا فِي طَلَبِ الْغَنِيمَةِ. وَكَرَّ فُرْسَانٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَوَجَدُوا تِلْكَ الفُرْجَةَ قَدْ خَلَا مِنَ الرُّمَاةِ، فَجَازُوهَا، وَتَمَكَّنُوا وأَقْبَلَ آخِرُهُمْ، فَكَانَ مَا أَرَادَ اللهُ كَوْنَهُ، فَاسْتُشْهِدَ مَنْ أَكْرَمَ بِالشَّهَادَةِ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ، فَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ، وَتَوَلَّى أَكْثَرَهُمْ. وَخَلَصَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجُرِحَ وَجْهَهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السُّفْلَى بِحَجَرٍ، وَهُشِمَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ المُقَدَّسِ، وَرَشَقُوهُ المُشْرِكُونَ بِالْحِجَارَةِ، حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ، وَسَقَطَ فِي حُفْرَةٍ مِنَ الْحُفَرِ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِهِ، وَاحْتَضَنَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وَنَشَبَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْهِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْتَزَعَهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. وَأَدْرَكَ المُشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَالَ دُونَهُ نَفَرٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ نَحْوٌ مِنَ عَشَرَةِ فَقُتِلُوا، جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»[2]، مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ثُمَّ جَالَدَهُمْ طَلْحَةُ حَتَّى أَجْهَضَهُمْ عَنْهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ ذَلِك فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [3]، وَرَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، يَوْمَئِذٍ رَمْيًا مُسَدَّدًا مُنْكيًا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». جَاءَ ذَلِكَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [4]، عَنْهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَوَقَى طَلْحَةُ بِيَدِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى شُلَّتْ، جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [5]، وَانْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [6]، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيْدَ النَّزْعِ كَسَرَ يَوْمِئِذٍ قَوْسَيْنَ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ بِجُعْبَةِ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « انْثُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ». ثُمَّ يُشْرِفُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، لَا تُشْرِفْ، لَا يُصِيبَكَ سَهْمٌ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ!. « وَأَصْبَحَ المُسْلِمُونَ فِي أَمْرٍ مَرِيْجٍ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ -لَعَنْهُ اللهُ- أَيْ عِبَادَ اللهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ » جَاءَ ذَلِكَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [7]، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. وَبَعْدَهَا بَدَأَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالانْسِحَابِ نَحْوَ شِعَابِ أُحُدٍ، وَلَحِقَ بِهِ المُسْلِمُونَ حَتَّى صَعِدَ فِي أُحُدٍ شِعَابِهِ، وَتَمَكَّنَ المُسْلِمُونَ مِنْ صَدِّ المُشْرِكِيْنَ عَنْهُ. وَكَانَ المُسْلِمُونَ - أَيُّهَا النَّاسُ - مُغْتَمِّيْنَ لِمَا أَصَابَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا أَصَابَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَيْهِمُ النُّعَاسَ، فَنَامُوا يَسِيْرًا، ثُمَّ أَفَاقُوا وَقَدْ زَالَ عَنْهُمُ الخَوْفُ، وامْتَلَأَتْ نُفُوسُهُمْ طُمَأْنِيْنَةِ، فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [8]، مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: « كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا، يَسْقُطُ وَآخُذُهُ، وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ ». وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 154]. وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي أَهَمَّتْهَا نَفْسُهَا - أَيُّهَا النَّاسُ - هِيَ المَنَافِقُونَ الَّذِيْنَ قَالَ قَائِلُهُمْ: ﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾ [آل عمران: 154]. وَمَا مِنْ شَكٍّ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ النُّعَاسَ أَعَادَ لِلمُسْلِمِيْنَ بَعْضَ طَاقَتِهِمْ وَنَشَاطِهِمْ لِلدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ خِلاَلَ الانْسِحَابِ، وَقَدْ يَئِسَ المُشْرِكُونَ مِنْ إِنْهَاءِ المَعْرَكَةِ بِنَصْرٍ حَاسِمٍ، وَتَعِبُوا مِنْ طُوْلِهَا وَمِنْ جَلاَدَةِ المُسْلِمِيْنَ فِي شِعَابِ أُحُدٍ، وَلَكِنْ أَبَا سُفْيَانَ تَقَدَّمَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ وَخَاطَبَهُمْ فَقَالَ كَمَا جَاءَ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [9]، مِنْ حَدِيْثِ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قُتِلُوا. فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللهِ يَا عَدُوَّ اللهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكُ. قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: اعْلُ هُبَلُ اعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلا تُجِيبُوهُ؟ »، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَقُولُ؟، قَالَ: « قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»، قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « أَلا تُجِيبُوهُ؟»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَقُولُ؟، قَالَ: « قُولُوا: اللهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ ». وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ. سَبَبُ انْكِسَار المُسْلِمِيْنَ فِي أُحُدٍ الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.أَمَّا بَعْدُ: فَتَقَدَّمَ الحَدِيْثِ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ « غَزْوَةِ أُحُدٍ »، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ « سَبَبِ انْكِسَار المُسْلِمِيْنَ فِي أُحُدٍ ». أَيُّهَا النَّاسُ، لَقَدْ تَسَاءَلَ الصَّحَابَةُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- عَنْ سَبَبِ هَذَا الانْكِسَارِ، فَكَانَ الرَّدُّا لحَاسِمُ. ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]. ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّ المُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْ الْمُسْلِمِينَ هُوَ مَا مَسَّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالْمُرَادُ بِمُصِيبَةِ الْكُفَّارِ الَّذِي مَسَّهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَالْكُفَّارُ يَوْمَ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ، وَأُسِرَ سَبْعُونَ. وَقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165]، فِيْهِ إِجْمَالٌ بَيَّنَهُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -بِقَوْلِهِ: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152]. قَالَ الشِّنْقِيْطِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: « فَفِي هَذِهِ الْفَتْوَى السَّمَاوِيَّةِ بَيَانٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَسْلِيطِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ هُوَ فَشَلُ الْمُسْلِمِينَ، وَتَنَازُعُهُمْ فِي الْأَمْرِ، وَعِصْيَانُهُمْ أَمْرَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِرَادَةُ بَعْضِهِمُ الدُّنْيَا مُقَدِّمًا لَهَا عَلَى أَمْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - » [10]. وَتَعْلَمُونَ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ الْمُسْلِمِينَ حَقِّقُوا بِدَايَةَ الأَمْرِ انْتِصَارًا بَاهِرًا فِي أَوَّلِ النِّهَارِ بِعَوْنٍ مِنَ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ثُمَّ حَدَثَ مِنَ الرُّمَاةِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَدَمِ مُغَادَرَةِ أَمَاكِنِهِمْ أَعْلَى الجَبَلِ، مَهْمَا حَدَثَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ، فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَى الْعَدُوِّ وَأَوْطَأْنَاهُمْ، فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ». اللهُ وَأَكْبَرُ مَا أَعْظَمَهُ مِنْ تَأْكِيْدٍ عَلَى عَدَمِ المُخَالَفَة، لَكِنْ لَمَّا حَصَلَتْ المُخَالَفَةُ تَحَوَّلَتِ الرِّيْحُ لِتَكُونَ مَعَ الكَافِرِيْنَ، وَأَذِنَ اللهُ لَهُمْ أَنْ يَهْزِمُوا المُسْلِمِيْنَ وَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ سَبْعِيْنَ رَجُلًا، وكَانَ مِنْ بَيْنِهِمْ أَسَدُ اللهِ حَمْزَةَ، وَمِصْعَبُ بْنُ عُمَيْرُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيْعِ، وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَفَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ - أَيُّهَا النَّاسُ - أُصِيْبَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِصَابَاتٍ بِالِغَةً، وَكُلِّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ قُوَّةِ الكُفَّارِ، وَلَكِنْ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الرُّمَاةِ لِأَمْرٍ مِنْ أَوَامِرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُشِيْعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قُتِلَ، كَمَا قَالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -:﴿ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾ [آل عمران: 153]. قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: « وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَوَّابِ قَوْل مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْله: ﴿ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾، فَأَثَابَكُمْ بِغَمِّكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِحِرْمَانِ اللَّه إِيَّاكُمْ غَنِيمَة الْمُشْرِكِينَ، وَالظَّفَر بِهِمْ، وَالنَّصْر عَلَيْهِمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاح يَوْمئِذٍ بَعْد الَّذِي كَانَ قَدْ أَرَاكُمْ فِي كُلّ ذَلِكَ مَا تُحِبُّونَ بِمَعْصِيَتِكُمْ رَبّكُمْ، وَخِلَافكُمْ أَمْر نَبِيّكُمْ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، غَمّ ظَنّكُمْ أَنَّ نَبِيّكُمْ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قُتِلَ، وَمَيْل الْعَدُوِّ عَلَيْكُمْ بَعْد فُلُولكُمْ مِنْهُمْ [11]. وَقَدْ ثَبَتَ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَرْسَلَ جِبْرِيْلَ وَمِيْكَائِلَ مِنَ الملَائِكَةِ لِيُقَاتِلاَ دِفَاعًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِأَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -تَكَفَّلَ بِعِصْمَتِهِ مِنَ النَّاسِ، فَفِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ»[12]، مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « يَوْمَ بَدْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ ». وَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ» [13]، مِنْ حَدِيْثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ». وَلَمْ يَصِحَّ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ المَلاَئِكَةَ قَاتَلَتْ فِي أُحُدٍ سِوَى هَذَا الْقِتَالِ وَأَنْ وَعَدَهُمُ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ يُمِدَّهُمْ ؛ لِأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - جَعَلَ وَعْدَهُ مُعَلَّقًا عَلَى ثَلاثَةِ أُمُورٍ: ذَكَرَهَا الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي تَفْسِيْرِهِ وَهِيَ: « الصَّبْرُ وَالتَّقْوَى وَإِتْيَانَ الأَعْدَاءِ مِنْ فَوْرِهِمْ، وَلَمْ تَتَحَقَّقَ هَذِهِ الأُمُورُ فَلَمْ يَحْصُلِ الإِمْدَادُ »[14]. قَالَ اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 124، 125]. - أَيُّهَا النَّاسُ - بَعْدَ أَنْ غَادَرَتْ قُرَيْشٌ المَكَانَ حَتَّى أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِ الشُّهَدَاءِ، وَكَانُوا سَبْعِيْنَ شَهِيْدًا، وَقَدَّمَ عِنْدَ الدَّفْنِ أَكْثَرَهُمْ حِفْظًا لِلقُرْآنِ. كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [15]، مِنْ حَدِيْثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: « أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ ». « وَأمَرَ بِدَفْنِهِم في دِمَائِهِم وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ »، وَقَالَ: كَمَا فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيُّ» [16]،: « أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ دَفْنِ الشُّهَدَاءِ - أَيُّهَا النَّاسُ - صَفَّ أَصْحَابَهُ وَأَثْنَى عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ كَمَا فِي «مُسْنَدِ» أَحْمَد بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «فِقْهِ السِّيْرَةِ»[17]، قَالَ: « اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلا هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلا مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهُمَّ عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَمِنْ شَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ، وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فَرَسَهُ وَرَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ. اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَةِ نَبِيِّكَ، وَارْضَ عَنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، اللهُمَّ بِحُبِّنَا لَهُمْ فِيْكَ احْشُرْنَا مَعَهُمْ. وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، نَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إِلَيْكَ. [1] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3039). [2] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1789). [3] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4063). [4] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4055)، وَمُسْلِمٌ (2412). [5] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4063). [6] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4064)، وَمُسْلِمٌ (1811). [7] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4065). [8] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4068). [9] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (3039). [10] « أَضْوَاءُ البَيَان » (3/ 53). [11] « جَامِعُ البَيَان » (4/91). [12] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4041). [13] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4054)، وَمُسْلِمٌ (2306). [14] انْظُرْ : « تَفْسِيْـرُ ابْنُ كَثِيْرٍ» (1/ 401). [15] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (4079). [16] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (1343). [17] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَد (3/ 324)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ - فِي «فِقْه السِّيْـرَةِ» (260).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |