|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بيع الضمان وأخذ العِوَض عليه عبدالله بن يوسف الأحمد الحمد لله؛ أما بعد: فتُعَدُّ مسألةُ أخذ العِوَض على الضمان من الأمهات في مسائل الضمان المعاصرة، فمبدأ الضمان اليومَ عامل من عوامل جذب العملاء والشركاء لدى المؤسسات المصرفية الإسلامية؛ فهل لهم أخذ العِوَض على هذا الضمان، بحيث يكون الالتزام بالضمان سلعةً أو خدمةً تُشرى وتُبتاع؟ تحرير محل النزاع: أولًا: الأشياء من حيث قبولها للمعاوَضة على أقسام ثلاثة[1]: القسم الأول: قسم اتفقوا على أنه قابل للمعاوضة؛ كالبُرِّ، والأنعام. القسم الثاني: قسم اتفقوا على عدم قبوله للمعاوضة؛ كالدم المسفوح، والخنزير[2]. القسم الثالث: قسم اختُلف فيه: هل يقبل المعاوضة أم لا؟ كالأزبال، وأرواث الحيوان من الأعيان، والأذان والإمامة من المنافع[3]. ثانيًا: حُكي اتفاق علماء السنة على المنع من اشتراط عِوَض يُؤخَذ في مقابل الضمان[4]، ولم يُسلِّم بعض المعاصرين بحكاية الإجماع في المسألة، ورأَوا أنه من القسم الثالث[5]. وبعدُ، فيمكن إجمال الأقوال في حكم المعاوضة على الضمان في ثلاثة أقوال: القول الأول: منع أخذ العِوَض على الضمان. وهو قول أصحاب المذاهب الأربعة[6]، ونُسِب إلى جمهور المعاصرين[7]. القول الثاني: جواز أخذ العِوَض على الضمان. وهو قول إسحاق بن راهويه[8]، ومال إليه السعدي[9]، واختاره من المعاصرين ابن منيع[10]، وعليٌّ الخفيف[11]، وغيرهم[12]. القول الثالث: لا يجوز أخذ العِوَض على الضمان إلا في الحالات التي لا يَؤُول فيها إلى القَرضِ. وبه قال من المعاصرين د. نزيه حماد[13]، والهيئة الشرعية لبنك البلاد[14]، وغيرهم، وهو قول مُلفَّق بين القولين الآنفين. واشترطت الهيئة الشرعية لبنك البلاد أن يلتزم المصرَف بإعادة الأجرة التي حصَّلها من عميله لقاءَ إصدار خطاب الضمان في الحالات التي يُسدِّد فيها المصرف مديونيةَ العميل، وذلك في حال دفع خطاب الضمان للمستفيد؛ درءًا لشُبهة الرِّبا[15]. الأدلة: استدل المانعون من أخذ الأجرة على الضمان، وهي كما يأتي: أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بأدلة، وقد رتَّبتُها كما يأتي: الدليل الأول: أَيَلَان الضمان إلى القرض عند وفاء الضامن عن المضمون عنه، فإذا أخذ الضامن على المضمون عنه عوضًا، صار قرضًا جرَّ نفعًا، وهو ربًا. وذلك أن الضمان تبرُّع، وإنما يظهر هذا حيث لا رجوع، وأما حيث ثبت الرجوع، فهو قرض محض[16]. ونُوقِش: بأن الضمان من عقود التوثيق، والقرض من عقود التمليك، والضامن يملك المال للمضمون له وليس للمضمونِ وهو المكفولُ؛ فلا يصح أن يكون المضمون مقترِضًا، ولو صار مَدِينًا للضامن بعد الأداء عنه؛ لأن الدَّين أعمُّ من القرض، وليس كلُّ دَين قرضًا. على أن أداء الكفيل عن الأصيل ليس مُطَّردًا في جميع صور الضمان، وإنما يكون استثناءً عندما يتخلف المضمون عنه[17]. وأُجيب عن المناقشة: بأن الضامن ينوي أن يعود إلى المكفول بما أدَّى عنه، فيكون ما يرجع به الكفيل إلى الأصيل بمنزلة القرض، ولا سيما أن الْمَطْلَ في الحقوق كثير، والواقع شاهد بذلك، وتخلُّف مصير الضمان إلى قرض في بعض الصور لا يرفع التحريم عن الصور المقطوع بها، وباب الربا مما سدَّ الشارع ذرائعه؛ فالمنع المطلق من أخذ العِوَض على الضمان أولى من فتح الذريعة[18]. ويرد على هذا الجواب: أن الضامن لا يأخذ عوضًا مُتقوَّمًا بالزمن المقدَّر بمدة تأخر المضمون في الوفاء، بل يأخذ عوضًا عن التزامه بالدَّين المضمون؛ سواء أدَّاه المضمون أم لم يؤدِّه، ولذلك لو وفَّى المضمون إلى الدائن ولم يحتَجْ إلى الضامن، فإنه لا يرجع إليه بما دفع له مقابل الضمان؛ لأنه لما دفع العِوَض ابتداءً، كان ذلك في مقابل الالتزام، وتوفير متطلبات الاقتراض. كما يرد على مبدأ سد الذرائع: أن من شرط العمل بقاعدة سد الذرائع: أن يكون التوسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور كثيرًا بمقتضى العادة، وأن تَقْوَى التهمة، وتظهر على قصد ذلك وإرادته. الدليل الثاني: قياس الضامن على الْمُقْرِض. فإذا حرُم على المقرض حقيقةً أخذُ عِوَضٍ مشروط للمقرِض ومتمحِّض له، فلأن يحرُم أخذ العِوَض على الملتزم بالإقراض عند عدم وفاء الْمَدين، وهو الضامن، من باب أولى[19]. ويمكن أن يُناقَش: بأن النظر إلى تسلسل المعاملات المالية مع ما يتخلل ذلك من العقود المختلفة، لا يتفق مع أصول النظر الشرعي في المعاملات المالية، فإذا اشترى زيد عَقَارًا بألفٍ، وبناه بألف، ثم أجره على بائع العقار بثلاثة آلاف مدة عام، فهنا دفع زيد من النقد ألفين واستوفى ثلاثة، وليس هذا من الربا عند الفقهاء. الدليل الثالث: كون الضمان معروفًا محضًا يُبنى على الإرفاق والمعونة والإحسان، كالقرض والجاه، فلما جعل الشارع ذلك من المعروف ومن فِعال الخير التي لا تُفعَل إلا لله، لا لكسب الدنيا، كان أخذ العِوَض على الضمان سُحْتًا، كأخذ العِوَض على الصوم والصلاة[20]. ونُوقِش بما يأتي: المناقشة الأولى: ليس ثمة مانعٌ شرعًا من انقلاب الكَفَالة، بالتراضي، إلى معاوضة، كالهبة؛ فإن الهبة تنقلب معاوضةً في هبة الثواب، والوديعة تنقلب إجارة إذا شرط المودَع أجرة[21]. قال عكرمة في قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الروم: 39]، قال: "الرِّبا رِبَوَان؛ ربًا حلال، وربًا حرام، فأما الربا الحلال فهو الذي يُهدى؛ يلتمس ما هو أفضل منه"؛ ا.ه. وكذلك رُوِيَ عن ابن عباس: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا ﴾ [الروم: 39]: "يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يُثابَ أفضلَ منه، فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يُؤجَر صاحبه، ولكن لا إثم عليه"؛ ا.ه[22]. وأُجيب: بأن المودَع إذا أخذ أجرة، فإنها تكون في مقابل عمله على حفظ الوديعة، وقد تحتاج إلى حِرْزٍ فيُهيِّئه لها، وهذا مما يصح أخذ العِوَض عليه خلافًا للضمان؛ فقياس الضمان على الوديعة في جواز اشتراط العِوَض قياس مع الفارق. إضافةً إلى أن المآلَ المحظور المترتِّب على أخذ العِوَض على الضمان - وهو القرض بمنفعة - غير متوجِّه في أخذ العِوَض على الهبة والوديعة[23]. ويرد على هذا الجواب أن الضامن يتحمل عبئًا ومسؤولية، بل يبذل عملًا في حفظ ماله بقدر الدَّين احتياطًا لنفسه، وحفظًا لحق المكفول له في حال الاستيفاء منه، كما أنه يبذل جاهه. ولو لم يكن للجاه والسُّمعة معنًى معتبرٌ يعاوض عليه، لم يترتَّب على القذف حدٌّ شرعيٌّ، ولا كان المؤلَّف مصرفًا من مصارف الزكاة، وهو السَّيد الْمُطاع في قومه؛ فإن لجاهه تأثيرًا في قومه، وذلك محل اعتبار الشارع. وقد يحتاج حفظ المال؛ رعايةً لحق المكفول له، إلى تهيئة ما يُحرِّزه فيه، واستخراج ما لا بد منه للضمان من الأوراق النظامية والتراخيص، إذا كان الكفيل شخصية اعتبارية، إلى جانب ما يترتب على الضامن من تأخير مصالحه في الانتفاع بهذا المال أو استثماره على الأمد الطويل؛ فصحَّتِ المعاوضة على ذلك، كما صحَّت في بيع العُرْبُون مقابل حبس البائع للسلعة، والتزامه بعدم بيعها، وقد أصبح الضمان متقوَّمًا في العُرف التجارِيِّ اليوم. قال السرَخسي مبيِّنًا مَغبَّةَ الكَفالة المالية: "الكفالة، مع جوازها وحصول التوثُّقِ بها، فالامتناع من مباشرتها أقرب إلى الاحتياط؛ على ما قيل: إنه مكتوب في التوراة: الزَّعامة أولها مَلامة، وأوسطها ندامة، وآخرها غرامة"؛ ا.هـ[24]. المناقشة الثانية: صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز اشتراط الأجر على الرُّقية بالقرآن[25]، وهو عِوَضٌ على معروف وقُربة[26]. وأُجيب: بأنه ليس في الضمان عمل واضح يؤديه الكفيل كالراقي في الرقية[27]. وبأن المآل المحذور المترتب على أخذ العِوَض على الضمان، وهو كونه قرضًا جرَّ نفعًا، منتفٍ في أخذ العِوَض على هذه الأعمال[28]. كما يمكن أن يُجاب: بأن ما أخذه الصحابة رضي الله عنه في الرُّقية لم يكن متمحضًا في مقابل المعروف والرقية أصالةً، بل كان استيفاءً منهم لحقٍّ لهم مُنِعوا إياه؛ وهو حق الضيف؛ لذلك اقتسموا الغَنَمَ بالمحاصَّةِ، ولم يستأثر به الراقي. ويمكن إيراد مناقشة ثالثة؛ وهي: ما شُرِعَ في الأصل على مبدأ التبرع والإحسان، كالكفالة وما جرى مجراها من الهِبَاتِ والبداءة بالسلام، والإطعام وتعليم أحكام الإسلام، إذا صنعه الإنسان ليُجازَى عليه، فهو وإن كان لا أجرَ له فيه ولا زيادة عند الله تعالى، إلا ما شاء سبحانه، فإنه لا إثمَ فيه، علاوة على أنه لا يَمتنع عليه استلحاق إحدى النِّيَّتين مع الأخرى، كما رفع الله الجُناح عن الحاجِّ في أن يتَّجِرَ مع النُّسُكِ. قال الشعبي: "ما خَدم الإنسان به أحدًا لينتفع به في دنياه، فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله"[29]. الدليل الرابع: الغَرَرُ في تردُّد الضامن بين الربح أو الخسارة عند أدائه عن المكفول، مع إعسار المكفول وعجزه عن الوفاء أبدًا[30]. ويمكن أن يُناقش بما يأتي: المناقشة الأولى: إن هذا الدليل بُنِيَ على مقدمة لا برهان عليها، وهي احتمال عجز المكفول عجزًا أبديًّا، فالغالب اليوم أن الضامن يدرُس حالة المضمون الائتمانية قبل الإقدام على الضمان للتأكد من استقراره المالي، وانتظام دخله أو راتبه، على أن إنظار المكفول إلى مَيسَرةٍ لا يُلغي أجر الكفيل في الآخرة، ولا يُلغي حق الكفيل على التأبيد، بل متى ما حصل يَسارُ المكفول، وجب للكفيل ما له. كما أن هذا العقد، في حال تخلُّف المضمون، ووفاء الضامن للمضمون له بدَينِ المضمون، يصير مركَّبًا من جهتين مُنفكَّتين؛ جهة معاوضة على الالتزام الذي تطلبه الجهة الدائنة، وجهة إحسان بأداء الدين عن المضمون. المناقشة الثانية: في التبرع المحض بالضمان مِنَّةٌ تلحق المضمون، وحرج عليه في طلبه من الضامن ابتداءً، والشريعة جاءت بدفع ذلك وسد ذرائعه، وأخذ العِوَض على الضمان من وسائل دفع مِنَّةِ الضامن. الدليل الخامس: إن الضمان ليس عملًا، فلا يستحق به الضامن جعلًا ولا أجرًا يعاوَض عليه به[31]. أدلة القول الثاني: استدل الْمُجِيزون لأخذ الأجرة على الضمان بأدلة؛ وهي كما يأتي: الدليل الأول: ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الخراج بالضمان))[32]، فمن تحمل وضمِن شيئًا، لو تَلَفَ، كان من حقه الحصول على منفعة من الشيء المضمون، والضامن يغرم للمضمون له عند عدم وفاء المضمون؛ فمن حقه الغُنم. ومن لم يكن ضامنًا للسلعة لم يستحق الربح عليها؛ ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يُضمن[33]، ويُفهم من هذا النهي أن الضمان سبب في استحقاق الربح[34]. ونُوقِش بما يأتي: المناقشة الأولى: حديث ((الخراج بالضمان)) وارد على الأعيان المعقود عليها، كما هو واضح من سبب وروده؛ وهو أن رجلًا ابتاع عبدًا، فأقام عنده ما شاء الله أن يُقيم، ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّه عليه، فقال الرجل: يا رسول الله، قد استعمل غلامي[35]، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الخراج بالضمان))، ولفظ ابن ماجه: ((قضى أن خراج العبد بضمانه))[36]. والضمان في مسألتنا هو ضمان ما في ذِمَمِ الآخرين من ديون؛ فالنهي عن ربح ما لم يُضمَن، يدل على أن دخول العين في ضمان المشتري شرط للاسترباح منها، ولا يدل على أن الضمان سبب لاستحقاق الربح[37]. المناقشة الثانية: الضمان المذكور في الحديث تابع للـمُلك، واستحقاق الغلَّة فيه ليس بالضمان وحده، بل بالملك والضمان معًا، ومن القواعد الفقهية المبيِّنة للفرق في الحكم بين المستقل والتابع القاعدةُ الناطقة بأنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا[38]. المناقشة الثالثة: إن استحقاق خراج المعقود عليه، بسبب دخوله في ضمان المشتري الأول، لا يؤول إلى قرض، ومن ثَمَّ لا يجر نفعًا للمُقرِض، وهذا هو المحظور في مسألة أخذ العِوَض على الضمان[39]؛ فكان الاستنباط المذكور مصادمًا لقطعيٍّ؛ وهو حُرمة الرِّبا. الدليل الثاني: ما رُوِيَ عن ابن شهاب، قال: كان عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف من أجدِّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيع - أي: من أسعدهم بالبيع ومن أصحاب الحظ الجيد - فكان الناس يقولون: ليتهما قد تبايعا حتى ننظر أيُّهما أجدُّ. فابتاع عبدالرحمن بن عوف من عثمان بن عفان فرسًا، أنثى غائبة، باثني عشر ألفَ درهمٍ، إن كانت هذا اليوم صحيحة فهي مني، ولا أخال عبدالرحمن إلا وقد كان عرفها، ثم إن عبدالرحمن قال لعثمان: هل لك أن أَزيدك أربعة آلاف وهي منك حتى يقبضها رسولي؟ قال: نعم. فزاده عبدالرحمن أربعة آلاف على ذلك فماتت، فقدِم رسولُ عبدالرحمن، فعلِم الناس أن عبدالرحمن أجدُّ. قال ابن شهاب قال: وإن رسول عبدالرحمن وَجَدَ الفرس حين خلع رَسَنَها قد هلكت، فكانت من عثمان[40]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |